الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين وصلنا؟ وإلى أين نسير؟

عبد الرحمان النوضة
(Rahman Nouda)

2019 / 8 / 5
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


من بين القضايا الجوهرية في الماركسية، نجد النقد، والثورية، والنضال الملموس من أجل تحرير المُجتمع من الاستغلال، ومن الاضطهاد. ومن فترة لأخرى، وبدلًا من إخفاء القضايا الكبرى على الجماهير، يتوجّب على الحزب الثوري أن يشرح بصراحة إلى الجماهير الكادحة الإشكالات السياسية الكبرى المطروحة. وليس مُستحيلًا أن يشارك مناضلون مجهولون، مُنْبَثِـقُون من الجماهير الكادحة، في المساهمة في بلورة حلول لتلك الإشكالات.
لكنني أحسّ بالأسف، والحيرة. لأنه كيفما فعلتُ، أجدُ نفسي مَلُومًا. فإذا انتقدتُ قوى اليسار بالمغرب، لكي أساعدها على التطوّر، يتّهمونني بأنني أخاصم قوى اليسار، وأنني أقوم بعمل عدائي، أو تخريبي. وإذا سكتتُ، أو تجاهلتُ الأوضاع الحالية لقوى اليسار بالمغرب، فإن قوى اليسار بالمغرب ستستمرّ في الاعتـقاد أن كلّ شيء فيها بخير، أو على أحس ما يُرام. بينما ضُعف قوى اليسار يأتي من نواقصها المتعدّدة والمتنوّعة. واستكانة قوى اليسار في الانتظارية هي أيضًا بمثابة عمل تخريبي غير وَاع، وغير إرادي. فما العمل إذن؟ ولِتَلَافي أيّ سوء تفاهم، فأنا لا أعادي مسؤولي ومناضلي قوى اليسار، بل أُقَـدِّرُهُم، وأحبّهم، وأعتبرهم مخلصين، ومكافحين، لكنني أطلب منهم مجهودات أكبر من تلك التي أَلِـفُوهَا.
ما هي القوى التي تقدر اليوم بالمغرب على المساهمة في تهيئ، وخوض،وإنجاح، الثورة المجتمعية المقبلة، ضدّ الرأسمالية، ومن أجل الاشتراكية؟
أحزاب اليسار الثلاثة [حزب الطليعة، حزب الاشتراكي الموحّد، وحزب المؤتمر الاتحادي] منشغلة بإشكالات تَغْلُب عليها القضايا التنظيمية. وهذه الإشكالات التنظيمية تتجسّد في تفاصيل وإجراءات تجميع تنظيمات الأحزاب الثلاثة في حزب واحد. والانشغال المُسَيْطر في هذه الإشكالات التنظيمية قد يُغَطِّي، أو يُمَوِّهُ، أو يسمح، بتمرير خط سياسي (أو بتمرير مجموعة من التيارات السياسية، التي تظهر في ظاهرها اشتراكية، أو ثورية، لكنها قد تكون في باطنها، إلى هذا الحدّ أو ذاك، متذبذبة، أو رأسمالية، أو يمينية، أو محافظة).
وأنا من بين الأشخاص الذين يخشون أن تَسْتَبْدِل فيديرالية اليسار [أحزاب اليسار الثلاثة] طموحاتها الثورية الماضية بِهَوَسِ «تَسْقِيف النضالات الجماهيرية» المقبلة بِـ «سقف الملكية البرلمانية».
واستبدال خط سياسي "ثوري"، بخط سياسي يقتصر على النَزْعَة "البرلمانية"، أو على النزعة "الإقتصادوية"، سَيُبعد قوى اليسار بالمغرب عن الانخراط الفعّال في النضالات الجماهيرية. وستكون هذه النزعة "البرلمانية"، أو "الاقتصادوية"، مضيعة للوقت. فلا بُدّ من المَشْيِ على رِجْلَين: العمل في المؤسّـسات (الجماعات المحلية، والبرلمان)، رغم كل عَلَّاتها، وفي نفس الوقت، المشاركة الفعّالة والجذرية، في مجمل النضالات الجماهيرية. ولو تطلّب ذلك إبداع أشكال تنظيمية جديدة وخفية.
ويَخْشَى حزب النهج أن تؤدّي هذه الدينامية التنظيمية التجميعية التي دخلت فيها أحزاب اليسار الثلاثة إلى تهميش حزب النهج، أو إضعافه، أو تجاوزه. فقرر، هو أيضا، كَرَدِّ فعل، الانشغال بإشكالات تنظيمية من نوع آخر، وهي «مشروع بناء حزب الطبقة العاملة». فيتبادر في الذهن التساؤل التالي: هل طبقات الشعب الأخرى (غير الطبقة العاملة) غير مؤهّلة لكي تُساهم هي أيضا في خوض، أو إنجاح، الثورة المُجتمعية الاشتراكية؟ وبدلًا من أن يؤدّي مشروع بناء حزب الطبقة العاملة (لدى حزب النهج) إلى فتح الاجتهاد في مجالات تعميق قضايا الخط السياسي، وإبداع أساليب التنظيم، وأساليب النضال، وأساليب التواصل، قد يعتبر حزب النهج، وبشكل مسبق، أن مجمل خطه السياسي صحيح، وأن إشكالات بناء حزب الطبقة العاملة هي على الخصوص إشكالات تنظيمية.
من الأكيد أن القضايا التنظيمية هي جزء مهمّ من بين نقط ضعف قوى اليسار بالمغرب. لكن، سيكون من الخطأ الفادح الاعتقاد أن نقطة ضعف قوى اليسار بالمغرب تكمن فقط في عدد الأعضاء، وفي القضايا التنظيمية.
وعليه، فمجمل أحزاب اليسار الأربعة (بالمغرب) مُنشغلة على الخصوص بقضايا تنظيمية، كُلّ حسب رؤاه الخاصة. بينما القضايا الأساسية: السياسية، والنظرية، والاقتصادية، والفلسفية، والقانونية، والتكتيكية، والاستراتيجية، إلى آخره، تبقى نسبيا غائبة، أو غير مُناقشة، أو غير مدروسة بما فيه الكفاية. ولا يتناولها بعمق أي حزب من بين أحزاب اليسار الأربعة بالمغرب. وإذا كانت القضايا التنظيمية مطروحة فعلًا، وبحدّة، وبمناهج أخرى، إلّا أنها بعيدة عن أن تكون هي الوحيدة التي تحتاج قوى اليسار بالمغرب إلى اكتساب وضوح مُجَدِّد فيها، وإلى ابتكار أطروحات، وأشكال، وأساليب، تَتَّسم بالإبداع، والثورية، والفعالية، والمُلَائَمَة للواقع السياسي الملموس للمجتمع.
بعض المسؤولين، وبعض المناضلين، في أحزاب قوى اليسار بالمغرب، يَـقْنَعُون بهدف صغير، ومتواضع، هو الحفاظ على حزبهم، وصِيَّانَته من التشرذم، في انتظار ظروف مُستقبلية مُبْهَمَة، يتمنّون أن تكون أحسن من ظروف اليوم. وهم لا يُدركون أن هذا المنهج الانتظاري هو بالضّبط الذي سوف يُسَرِّع تَـآكُل الحزب، وتَـفَاقُم ضعفه. وعلى عكس هذه الظنون، فإن الجُرأة على الانتقال إلى ممارسة نضالية هجومية، والجرأة على خوض وتقوية النضالات الجماهيرية، ورفع مستواها من مطالب فِئَوِيَة مَحدودة، إلى مُستوى مطالب وأهداف نضالية، وسياسية، وثورية، وجذرية، هو المنهج الذي سَيُـقَوِّي أحزاب اليسار. وهو الذي سَيُسَاعِدُ على إحداث تغييرات كَيْفِيَة في أحزاب اليسار بالمغرب. وذلك على أصعدة متعدّدة ومتنوّعة.
والشعب المغربي، لا يُعاني فقط من الاستغلال، والاضطهاد، والقمع، ولكنه يُعَانِي أيضًا من التَجْهِيل. والتَجْهِيل هو أكثر خُطورة من القمع. وكلّما كان الشعب غارقا في جَهْل مُرَكَّب، فإن تفاعل قوى اليسار مع الشعب يَـَمِيل إلى أن يكون مُنْعَدِمًا، أو مُـقَلَّصًا إلى أدنى حدّ ممكن. والقوى اليمينية (مثل الإسلامية) تستغلّ بالضّبط جهل الشعب لِلتَلَاعُبِ بِعُـقُولِه. وتُـوجد حلول (مثل إقامة قناة تلفزية تنويرية، تكون على شكل شَركة مُشتركة فيما بين قوى اليسار، وتَبُثُّ برامجها من الخارج). ويمكن لهذه الحلول أن تُساعد على التخفيف من حِدَّة تَجْهِيل الشعب. لكن قوى اليسار بالمغرب لَا تجرأ بعدُ على خوض مثل هذه التجربة المُبدعة.
ولا تهتم أحزاب اليسار الأربعة بالبعد المَغَارِبِي بالقدر الكافي، وهو خطأ استراتيجي. لأننا شعب واحد. ولأن الاستعمار هو الذي فرّقنا. ولأن نجاح الثورة المُجتمعية في أي بلد من شمال إفريقيا مشروط بتظافر جهود القوى الثورية، وبتكامل نضالات الشعوب، في مجمل بلدان شمال إفريقيا.
ولا تقوم قوى اليسار بما فيه الكفاية بنقد الحركات الإسلامية. بل بعض قوى اليسار لا تُدرك بعدُ أن كل الحركات الإسلامية هي، بلا استثناء، قوى رأسمالية، ويمينية، بل رجعية، ومؤهّلة لِلْعَمَالَة مع النظام السياسي القائم، ومع القوى الإمبريالية.
ولا تنتقد قوى اليسار بعض الحركات الأمازيغية التي تَغْرُقُ يومًا بعد آخر في الأطروحات الإثنية (ethniques). ولا تنشغل بعض الحركات الأمازيغية سوى بخلق «الطََائِفَية» الأمازيغية بالمغرب، لكي تكون مُعادية لكل فئات السُكَّان التي تعتبر نفسها غير أمازيغية. وتريد بعض الحركات الأمازيغية أن تُعيد إنتاج التجربة «الطائفية» لِلْأَكْرَاد في العراق وسوريا، بدعم استراتيجي من طرف الإمبريالية الأمريكية والصهيونية الإسرائيلية. وقد دخلت بعض الحركات الأمازيغية في سلوكيات يمينية، وأحيانًا عُنصرية، وتُعادي كل ما هو عربي، أو فلسطيني، أو يساري، أو ثوري. وتُهَاجِمُ بعض الحركات الأمازيغية قوى اليسار بِأَسَاليب عدائية مفضوحة. وفي نفس الوقت، تُهادن هذه الحركات الأمازيغية النظام السياسي القائم، كما تُهادن القوى السياسي التي تُساند هذا النظام السياسي. بينما هدفنا نحن كَثَوْرِيِّين، ليس هو تحرير طائفة ضدّ أخرى، وليس هو تحرير «الأمازيغ»، أو تحرير «المغاربة»، أو تحرير «الفلسطينيين»، وإنما هو المساهمة الفعَّالة في تحرير كل الإنسانية. والغريب هو أن بعض الحركات الأمازيغية تُدافع بحماس مُفرط عن «هوية أمازيغية مِيتَافِيزِيقِيَة»، وفي نفس الوقت، تَمْتَنِعُ هذه الحركات الأمازيغية عن الدفاع، على أرض الواقع، عن المصالح الملموسة، للجماهير الأمازيغية الملموسة. وأبرز مصالح الجماهير الأمازيغية، لا تتجلّى في كتابة أسماء الإدارات العُمومية بأحرف "تِيفِينَاغْ" (مثلما تظنّ بعض الحركات الأمازيغية)، وإنما تتجلّى هذه المصالح في: فكّ العُزْلَة، وبناء الطرق، وتوفير المياه، والشغل، والمدرسة، والمستوصف، وتسهيل تسويق المنتوجات الفلاحية، والعدل، والحرية، والكرامة، إلى آخره.
وعليه، فإن القوى التي يُحتمل أن تَجُرَّ المغرب إلى حرب أهلية، لَا تَكْمُنُ فقط في الحركات الإسلامية الأصولية، والتي لا يختلف مشروعها المُجتمعي عن مشروع "دَاعِشْ" المُجرمة، وإنما تَكْمُنُ أيضًا في بعض الحركات الأمازيغية اليمينية. ولو أن هذه الحركات الأمازيغية لَا تعي هي نفسها الأخطار الاستراتيجية التي يمكن أن تسقط فيها.
ومع تعدّد وصول قوى سياسية يمينية، أو رجعية، أو عنصرية، إلى السّلطة، في عدد متزايد من البلدان الغربية المتقدمة؛ ومع ولوج أشخاص جُهّال ومتطرفين، مثل دُونَالْدْ اتْرَامْب في أمريكا، وبُولْسُونَارْيُو في البرازيل، إلى رئاسة هذه البلدان، فإن أخطار تكاثر حروب بالوكالة، أو حتى أخطار اندلاع حرب عالمية ثالثة مُدمّرة، تهدد كثيرا من شعوب "بلدان العالم الثالث" بالخراب، والدَمَار، والموت. والمغرب مُنْخَرط، رغم أنفه، في "تحالف استراتيجي" مع حكومة الولايات المتحدة الأمريكية المغامرة والعدوانية، ولو أن شعب المغرب لم يسبق له أبدًا أن وافق على الانخراط في هذا "التحالف الاستراتيجي".
والأحزاب التي تحمل في اسمها صفة «الاشتراكي»، مثل «الاتحاد الاشتراكي»، و«حزب التقدم والاشتراكية»، طَلَّـقَت "الماركسية" منذ عقود. بل غدت تُعادي كل ما هو "تقدّمي"، أو "نضالي"، أو "ثوري"، أو "اشتراكي"، أو "شيوعي". ولم تحتج هذه الأحزاب في ذلك الطلاق، لَا إلى عقد مؤتمر، ولَا إلى اتِّخَاذ قرارات رسمية.
أما الأحزاب الأخرى، التي تُدعّم النظام السياسي القائم، وتُـؤَثِّـثُُ المشهد السياسي الرسمي، فإنها خاضعة، ومُدَجَّنَة، ولا تهتم سوى بخدمة النظام السياسي القائم. ولا تنشغل سوى بِتَحْصِيل امتيازات مادية مقابل تلك الخدمات. ولا تعتني سوى بِتَلْبِيَة المصالح الخصوصية لِقِيَّادِيها. وهذه الأحزاب ليست فقط مُحافظة، بل رجعية، ومؤهّلة لكل الخِيانات المُحتملة.
وبمثل هذه الكلمات النقدية، يكون من المتوقّع أن الكثير من القوى السياسي بالمغرب ستردّ عليّ بِـفَيْض من السبّ أو الإهانة. وهو أمر معتاد في إطار الصراع الطبقي. ومن الممكن أن تُهزم الحقيقة مُؤَقَّتًا، ولكن الحقيقة هي التي تنتصر على المدى الطويل.
رحمان النوضة (3 غشت 2019).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري