الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعادة الاعتبار إلى -نظرية المؤامرة- في الوطن العربي: بين المعنى والحقيقة

محمد عبد الشفيع عيسى

2019 / 8 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


لعلّه لم تلْقَ فكرةٌ من الجدال – سواء منه الخصيب أو العقيم– خلال الفترات الأخيرة، مثل ما لقيته " نظرية المؤامرة " Conspiracy Theory شأنها فى ذلك شأن أفكار عديدة لقيت نفس المعاملة مثل "الديموقراطية"، على سبيل التخصيص .

وغالباً ما تتفاذف الأطراف السياسية فى منطقتنا العربية عموماً، الاتهامامات والاتهامات المضادة، باستخدام تلك المقولة المراوغة .. ولكنّي حاولت أن أمحّص الكلمة فى واقعنا العربى المعاصر وتاريخنا الحديث، فوجدت ما يدل على أنها ذات شأن عظيم ، وأن لها " قوة تفسيرية " جدّ عالية عندنا . والحق أن تمحيص هذه المقولة يعود بنا إلى ما تحدثت به العلوم الاجتماعية عموماً، و دراسات الاجتماع التاريخى و التنموى خصوصاً، حول العلاقة النسبية بين تأثير العوامل الخارجية والعوامل الداخلية فى التطور المجتمعى للبلدان النامية . و قد انقسم البُحّاث بصفة عامة إلى فريقين : فريق يرى أن الأولوية فى حسم مسار التطور يعود إلى العوامل الخارجية؛ وغالباً ما تم النظر إلى رواد المدرسة الفكرية المعاصرة المسماة بمدرسة "التبعية" على أنهم يحبذون هذا المقترب. وبالفعل إن الشطر الأعظم من أولئك الرواد فى المعنى الواسع لتلك المدرسة بما فيها أعلام "التطور غير المتكافىء" و "التبادل غير المتكافىء" وخاصة أريجى إيمانويل وإيمانويل والرشتين وسمير أمين، بل وكذلك راؤول بريبيش، إنما يميلون عامةً، في صدد تفسير ظاهرة التخلف، إلى تغليب دور العامل الخارجي بالمقارنة مع العامل الداخلي. ذلك أن استقرار علاقة (السيطرة/التبعية) بين الدول الأكثر تقدماً، ذات النظم الرأسمالية، وصاحبة سياسات الهيمنة، دول شمال وغرب أوروبا طوال العصور الحديثة حتى الحرب العالمية الثانية ، ثم الولايات المتحدة الأمريكية فى مرحلة ما بعد الحرب، وبين البلدان النامية – المستعمرات سابقاً – إنما هى – لديهم – المسبب الرئيسى لظاهرة "التخلف" فى القارات الثلاثة لإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية . وعلى ذلك جرى التحليل العام لأولئك الرواد، من قبيل أليجاندرو نادال ، و أوزفالدو سونكل ، و (لولا دا سيلفا) وآخرين.

بيْد أن نفراً من رواد نظرية "التبعية" أكّدوا على أهمية العلاقة الديالتيكية، متبادلة التأثيرعبر الزمن، بين العاملين الخارجي والداخلي ، ومن أهمهم "أنريه جوندر فرانك" فى كتابه مثلاً : التراكم التابع Dependent Accumulation وكانت له مساهمة ملحوظة فى تطوير مقولة "تنمية التخلف" أو "تطور التخلف" Development of Underdevelopment وعلى ذلك سار بعض البحّاثة العرب مثل الأستاذ الجزائرى المشتغل خلال السبعينات والثمانينات وهو (عبد اللطيف بن أشنهو) فى كتابه (تكوين التخلف) ، ومعه الدكتور محمد دويدار، أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة الإسكندرية – أطال الله عمره – بدءً من كتابه "الاقتصاد السياسى" والذى ذاع ذكره فى التدريس الأكاديمى لمباديءعلم الاقتصاد في الجامعات الجزائرية خلال عقد السبعينات، وخاصة إبّان تواجده هناك .

وكنت كتبت فى عام 2015– على صفحات "الأخبار" البيروتية- دراسة موجزة حول (الاختراق الأجنبي فى الوطن العربي، دراسة مقارنة مع منطقة شرق آسيا) ، ووجدتنى أميل إلى تلك الفكرة القائلة بتبادل الأثر بين العاملين الخارجى والداخلى فى تفسير التطور المجتمعى للبلاد النامية، ومنها البلدان العربية . فقد وجدت أن أثر العامل الخارجى قوىّ لدينا مثلما هو قوى فى شرق آسيا، ولكن العامل الداخلى – العربى – قد أدى إلى عدم التعامل الصحيح مع التغير الخارجى على عكس الحال فى شرق آسيا، فوقع لدينا ما وقع، مما نراه من فجوة تنموية ظاهرة بيينا وبينهم . ولعنى وجدت مصداقية كبيرة حول أثر العامل الداخلى على نحو ما أشار اليه المفكر الجزائرى العتيد (مالك بن نبي) بمناسبة فكرته الذائعة اللامعة حول ما أسماه "القابلية للاستعمار" .

ولكنىّ لما تفكرت مليّاً فيما يجرى فى أقطارنا العربية هذه الأيام من شهرى مارس وأبريل( آذار ونيسان) 2019، وخاصة فى الجزائر والسودان وليبيا، وكذلك اليمن، وقبل ذلك سوريا، والعراق بالطبع، وجدت أنه قد يكون من الأوفق أن نراجع فكرتنا مرة أخرى.
وقد حاولت هذه المراجعة أول مرة، بطريقة سهلة نوعاً ما، فى مقال صحفى موجز اخترت له اسماً : (بدون عنوان – تأملات من وحْي الجيل الثاني الراهن للانتفاضات العربية) .

ثم أنىّ أطلت التأمل فى تلك الفكرة ، فيما يتصل بالحالة العربية لمرحلة ما بعد الاستقلالات الوطنية (أو "مرحلة ما بعد الاستعمار") فأصبحت أميل إلى تغليب أثر العوامل الخارجية في تحديد مسار التطور المجتمعي، وخاصة الاقتصادي و السياسي منه، للبلدان العربية؛ لا بل إن العوامل الداخلية يتم التلاعب بها تلاعباً، من لدنْ القوى الأجنبية، بما ينحرف بها عن الجادة إلى ما يشبه الجحيم المتصل، برغم النفحات المتقطعة القصيرة من "ريح الجنّة".

ولقد توصلت إلى استنتاج، آمل ألا يكون ضعيف القاعدة، بأن المتغيرات السياسية الحاكمة للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مصدرها خارجىّ بالذات. ولهذا الاستنتاج دلالة خطيرة الشأن؛ وأستبق القول هنا، لأذكر أن معنى هذا الاستنتاج الواضح، أن الوطن العربي لن يستقيم له التطور خالصاً وفق الإرادة الجوهرية للشعب العربى، إلا إذا ارتخت قبضة المتغير الخارجى على رقاب المجتمع العربي و الأنظمة الحاكمة، القائمة منها بغير سند شعبي، أو القائمة بسند عبر الثورة أو الانتفاض.

و أما متى سترتخى هذه القبضة، فإن هذا يعود بنا إلى البحث فى تطور العلاقات الدولية التاريخى ، و مسار الهيمنة الذى لم تزل تتحكم فيه الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى، فى خط سيرها المتعرج ذى الطابع الحلزونى أو "اللولبّى" الأكيد .

للولايات المتحدة – وتابعتها "قُفّة"- أوروبا – العجوز، مصالح أكيدة فى منطقتنا العربية تجعلها تشدّد قبضتها ولا ترخيها من أى جانب . وأول هذه المصالح النفط والغاز، فتحت أراضى ومياه البلدان العربية يكمن نحو 55% من الاحتياطى المؤكد للزيت الخام فى العالم، ونحو 28% من الاحتياطى المؤكد للغاز الطبيعى . ولخمسين سنة قادمة، أو أقل قليلاً، أو أكثر، سيبقى الاعتماد الأساسي فى ميدان الإمداد بالطاقة قائماً على الوقود الأحفوري من النفط والغاز. وبرغم أن الولايات المتحدة أصبحت المنتج الأول للنفط على المستوى العالمى، و خاصة مع التوسع فى استكشافات وإنتاج النفط الصخري، و زوال اعتمادها التاريخى على المصادر الخارجية للإمداد بهذا المورد الطاقوى الحاكم، إلا أن استمرار السيطرة على منابع النفط والغاز، يظل أمراً جدّ حيويّ للامبراطورية الأمريكية فى مشروعها العالمى للهيمنة على المقدّرات العالمية.
يضاعف من أثر هذه الحقيقة أن الاقتصاد الأمريكي وإن كانت ترتفع به نسبة "الانكشاف الاقتصادي" Vulnerability إزاء العالم الخارجي، من حيث ارتفاع نسبة التجارة الخارجية (الصادرات + الواردات) إلى الناتج المحلى الإجمالى، إلا أنه يترتب على ذلك أنه مُستهلِك عالمي عظيم الأثر، بفعل كونه صاحب أعلى معدل لزيادة الواردات، و لنسبة مساهمة الواردات في نموّ الناتج المحلي الإجمالي، بين دول العالم المتقدم اقتصاديا في المرحلة الراهنة. لذلك تتسابق دول العالم المتقدمة والنامية على السواء، على التصدير إلى الولايات المتحدة التي تمثل نموذجا فريدا لتفوق النصيب النسبي للاستهلاك في الناتج بالمقارنة مع الادخار، و للاعتماد على الاستهلاك كقوة دافعة رئيسية لنمو الاقتصاد الكلي. ثم أن الولايات المتحدة أكبر مستثمر عالمي، سواء من حيث التدفق إلى الخارج Outflows أو إلى الداخل Inflows، للاستثمارات الأجنبية الخاصة المباشرة. وهى أكبر موطن في العالم لرؤوس الأموال الأجنبية المستثمرة فى أدوات الدين المحلّي (سندات الخزانة الأمريكية) حيث توظف لديها نسبة غالبة من الاحتياطي النقدي للصين من العملات القوية، المستشرفة آفاق ثلاثة تريليونات من الدولارات، ومن بعدها –بفارق كبير-دول الخليج العربية وغيرها. وما تزال العملة الخضراء – الدولار – هى أكثر وسائط النقد الدولى استخداماً فى تسوية المعاملات الدولية، وتكوين الاحتياطيات الوطنية .
لذلك، و لغيره، تظل الولايات المتحدة، حتى إشعار آخر، أكبر فاعل اقتصادى فى العالم، ولو بحكم كونها تحتل المرتبة الأولى بين جميع دول العالم، من حيث الحجم الكلي للناتج المحلي الإجمالي، تتلوها الصين، التي أخذت مقعد اليابان لتحل هذه ثالثا. ومن ثم تعتبر "أمريكا" أكبر لاعب على ساحة (الاقتصاد السياسى العالمى). ودليلنا الواضح على ذلك ، أنه ما أن تشهر الولايات المتحدة سيف ما تسميه " العقوبات الاقتصادية" – وهي ليست أكثر من عقوبات انفرادية من طرفها هي باديء الأمر– على أية فى العالم ، حتى تهتز فرائص وتترنح عروش..! إذ تحمل دولا أخرى كثيرة، من أوربا وآسيا بالذات، على اتباع خطى العقوبات، طوْعا أو كرها، نيلا لرضاها الاقتصادي و اتّقاءً للغضب. و ويضاعف من أثر ذلك، أنها كذلك أكبر قوة عسكرية فى العالم، وأكبر تاجر مصدّر للأسلحة، وصاحبة أكبر شبكة للأذرع الديبلوماسية و الإعلامية في الكوْن.

ثم أن الولايات المتحدة هى أكبر دول العالم استحواذاً على ناصية التقدم التكنولوجى الرقمي فى عصر "الثورة التكنولوجية الرابعة" لاسيما فى مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات . ولطالما أفضنا فى بيان الأدلّة على ذلك فى بعض مقالاتنا الأخيرة على صفحات (الشروق) القاهرية .

وإذن فإن الولايات المتحدة – تلك الدولة الأقوى على الكوكب الأرضي راهناً– ذات قبضة قوية بما يكفي لممارسة سياسة الهيمنة، وزيادة؛ وهي تشهر هذه القبضة أمامنا ومن خلفنا، بالنظر إلى الموقع الحاكم للوطن العربى فى الإمدادات الحالية والمستقبلية لمصادر الطاقة التقليدية. ونظراً لهذه الأهمية الحيوية للوطن العربي ، اقتصادياً ، ومن ثم جيوبوليتكيّا، فقد احتاط الاستعمار الأوربى القديم منذ مطالع القرن العشرين، ومن بعده الاستعمار الجديد، فى الحقبة الأمريكية إبان الصعود السوفيتى ثم من بعد السقوط؛ وكان هذا الاحتياط أو التحوّط معلقاً على إقامة كيان سياسى و فاصل بشرى كخنجر مسموم فى صدر الوطن العربى، من خلال تجسيد المشروع الصهيوني، بالمساعدة على إقامة ما أسموْه (الوطن القومى لليهود فى فلسطين) . وهكذا كان؛ وأصبح هذا الوطن الكيانى – ممثلاً فى (إسرائيل) – أكبر مشروع غربى امبراطوري للاستثمار فى الجيوبولتيكا العالمية للعالم في عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية . وسرعان ما أصبح الكيان الصهيوني ذا أهمية مستقلة عن السبب الأصلي الذي دعا الغرب للمساعدة في إقامته، ضمن حسابات الغرب، وأمريكا بالذات لحماية المشروع الإمبراطوري. هكذا أصبحت حماية الكيان ثم ضمان توسعه عبر الزمن أفقيا-بالاحتلال والضم والقضم للأراضي الفلسطينية خصوصا والعربية عموما- و كذا تعمقه رأسيا -عنصريا تجاه العرب الفلسطينيين- مصلحة في حد ذاتها للغرب وفق الرؤية الأمريكية في منطقتنا العربية، لتقف جنبا إلى جنب مع السيطرة على منابع النفط والغاز. يساعد على ذلك، ما قد يكون من عداء قديم، ثم مستحدث على هيئة "الخوف المرضي" مما هو عربي، وشرقي: إسلامي ومسيحي، خاصة إسلامي، مما يرجع به البعض إلى إرث "حروب الفرنجة" في العصور الوسطى وما صاحبها وتبعها من سيطرة العرب والمسلمين على طرق التجارة في العالم، سيما "التجارة البعيدة" لأوربا مع إفريقيا و آسيا بالذات.

هذا، و لقد نجح نسبيا، المشروع الاستثماري–الاستعماري إلى حين، وقامت "امبريالية صغرى" صهيونية، مساندة للإمبريالية الكبرى، الأمريكية، حارسة على حدود الامبراطورية مترامية الأطراف. وتشدّ هذه الإمبراطورية أطرافها، تلملمها، على أصقاع منطقتنا العربية خصوصاً، والمنطقة العربية – الإسلامية المركزية عموما (أو ما يسمى غربيا بالشرق الأوسط الكبير) من خلال تشديد القبضة على تطور النظم السياسية العربية بالذات .
يترتب على ذلك، بالضرورة، أن الإمبراطورية وذيلها الإمبريالى الصغير الإسرائيلى لابد متدخلة تدخلاً، مباشر أو غير مباشر، فى تطور الأحداث السياسية العربية، بما فى ذلك ما ما جرى و يجرى وما قد يجرى من ثورات وانتفاضات وهبّات شعبية . فما تراه هي ذا عداء جذري لها، تقوم بقمعه حتى تحاول القضاء عليه، بمختلف الأدوات وبكل الوسائط، من قِبَل لإمبريالية ذاتها، و بالقًفّة الأوروبية، والذيل الاسرائيلى ، وبالتوابع – التُبّع من الحكام العرب الخاضعين طوعاً أو كرهاً . ذلك ما جرى بالتحديد إزاء ثورة الثالث والعشرين من يوليو – تموز – فى مصر العربية منذ فجرها عام 1952 مروراً بأعوام 1956 (حرب بورسعيد) ، و1967 (عدوان الخامس من يونيو/حزيران) – حتى رحيل قائدها جمال عبد الناصر (28 سبتمبر/أيلول 1970).

ومن بعد العمل على إفشال المشروع الثورىّ -الناصري، بمساعدة غير مباشرة من عوامل داخلية لاريب، تأتي المساعدة الغربية الأمريكية على إقامة بديل متكيف مع الإمبريالية الكبرى والصغرى كما جرى فى مصر منذ انقلاب السادات (15 مايو/آيار 1971) . ثم تأتى المحاولات الدائبة الدائمة للعمل على إجهاض ثم السعى إلى إفشال الانتفاضات الثورية تباعاً، مع تأكيدنا الثابت على دور "العامل الداخلى" أو "المحلى" غير منازع.

ولذلك نرى أن الإمبراطورية و ذيّلها، مع "تابعها القُفّة، وبوسائط من التُبّع فى منظومات الحكم والسياسة العربية، لن يهنأ لها بال حتى تتدخل بأصابعها الخشنة والناعمة، من أجل الإجهاض والإفشال تباعاً. وتلك هى "المؤامرة" بالمعنى التاريخى ... من أجل أن تظل أمتنا العربية تدور داخل "الحلقة الخبيثة" أو "الدائرة الشريرة" لتناوب الحكم بين "العسكريتاريا والإسلامويين، والليبرالية المتخفية، دون حسم لصالح التيار الوطنى –القومى التقدمى العربى الحقيقى ...!
وطالما بقيت الإمبراطورية فاعلة كقوة هيمنة رئيسية، ومعها بالتبعية ذيلها النظامي، القائم كقوة مهيمنة فرعية بين ظهرا نينا فى فلسطين، فلن يقدر لإرادتنا العربية الشعبية أن تصير مطلقة السراح فى تشكيل مصائرنا بحرية تامة وفق ما نريد . ولكن ليست هذه حتمية آلية لمشروع الهزيمة. وإن الإرادة الإنسانية الثورية ضرورة تاريخية لمقابلة "الأمر الواقع" التاريخي.

وإن لم تستمر الثورات الشعبية والانتفاضات الجماهيرية والهبّات العارمة، وهي لابد مستمرة بقوة الإرادة الإنسانية عبر التاريخ الاجتماعي، فإن أستار الظلمة والظلام يمكن لها أن تعمّ الكينونة العربية، ثم العالمية وهو أمر غير معقول وفق فلسفتنا للتاريخ .

لا بدّ إذن من العمل الدائب الدائم من أجل خلخلة القبضة القوية لقوى الظلام النابعة من مشروع الإمبراطورية و قُفّتها و ذيلها وتوابعها المحليين، حتى نكون مستعدين للفجر الصادق للحظة الثورية حين يحين أوانها المنتظر غير بعيد.

ختام
من الوقائع السابقة وما تحمله من استنتاجات، نجد تأكيدا عاليا لمفهوم "نظرية المؤامرة" بالمدلول التاريخي، وإن يكن مراوغا بطبيعته. و إن المؤامرة على وطننا العربي بأقطاره المتنوعة، وفق ذلك، ليست مجرد كلمة لها معنى، في الحقل الفلسفي، و ليست من قبيل الألفاظ ذات المرجعية "الماورائية"-أو "الميتافيزيقية"- التي دعاها الفلاسفة "الوضعيون المناطقة" قبل مائة عام "غير ذات معنى"، سيرا على خطى (آير) و (فتجنشتاين) و عندنا (زكي نجيب محمود) في المرحلة الباكرة من تطوره الفكري. هي ذات معنى مطابق للوقائع الملموسة التي ذكرنا من بينها ما ذكرنا. ولكن ليس المعنى فقط، ما يميز "نظرية المؤامرة"، في باب الفهم الفلسفي، ولكن ما يميزها قبل ذلك وبعده، أنها تمثل "الحقيقة" Truth أو هي تلبي شرط "الصدق" في نظرية المعرفة التقليدية، حسب ما ذكر (تشارلز بيرس) وعندنا "عزمي إسلام". إنها إذن تجمع بين "المعنى" و بين "الحقيقة".
انطلاقا من المعنى والحقيقة التي تتضمنها وتشير إليها (نظرية المؤامرة) في الحقل الدلالي الخاص بصيرورة الواقع العربي المتغير، يجب العمل الدائم الدائب من أجل خلخلة القبضة القوية لقوى الظلام المنعكسة من مشروع الإمبراطورية و قُفّتها و ذيلها، حتى نكون مستعدين للحظة الحقيقة حين يأتي أوانها.
و إنه جنباً إلى جنب مع السعي إلى تحسين شروط حياة شعوبنا في اللحظة الراهنة، والحد من شروط الهيمنة؛ لابدّ من أن نشرع في تأسيس قواعد النهضة المرتجاة للمستقبل المنظور وغير المنظور. ومن جهودنا وجهود أمم وشعوب كثيرة فى الإنسانية الكوكبية، يمكن أن يتخلق عالم جديد أفضل حقا. و لنبدأ من حيث ما يجب أن نبدأ، سعياً إلى مستقبل سعيد غير بعيد ..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرد الإسرئيلي على إيران .. النووي في دائرة التصعيد |#غرفة_ا


.. المملكة الأردنية تؤكد على عدم السماح بتحويلها إلى ساحة حرب ب




.. استغاثة لعلاج طفلة مهددة بالشلل لإصابتها بشظية برأسها في غزة


.. إحدى المتضررات من تدمير الأجنة بعد قصف مركز للإخصاب: -إسرائي




.. 10 أفراد من عائلة كينيدي يعلنون تأييدهم لبايدن في الانتخابات