الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع الدامي التاريخي بين الآلهة والبشر

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2019 / 8 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



كان الإله رمسيس هو فرعون مصر، يحكم سياسيا، ودينيا، فى آن واحد، يرتدى ملابس الحكم فى الأعمال الخاصة بالسياسة والاقتصاد والدولة، ثم يتنكر داخل الثوب الدينى، ليحكم باسم السلطة الإلهية. وكان الكهنة، ورجال الدين، من حوله، يخدعون الشعب باسم الإله، يفرضون الضرائب، على هيئة قرابين تٌقدم فى المعبد، ويستولون عليها. ولم يكن للكهنة أى عمل منتج. فقط يتمتمون بالآيات المقدسة، وأيديهم بدماء الشعب ملوثة.


كانوا يوهمون الشعب أن الإله يملك حياتهم، ورزقهم، وأعناق أولادهم، ويملك أيضا موتهم. فى البداية، كانت القرابين تقدم للإله، بشرية، حيث يذبح الأب ابنه البكر، ويقدم بناته العذراوات، كل شهر، حينما يكتمل القمر، ليتم اغتصابهن من قبل الكهنة، ويشتغلن خادمات فى المعبد. وهناك قبائل، ومناطق مختلفة فى العالم، يقدم رجال الدين، للحاكم فتاة عذراء كل شهر، يغتصبها، ليرضى عن العبيد المحكومين بسلطته، ويمنع عنهم الكوارث الطبيعية مثل الزلازل، والبراكين، والفيضانات، وكذلك يحميهم من الإصابة بالأمراض. وكان المصريون القدماء، يعبدون النيل، إلها، يقدمون له عذراء، هى عروس النيل، ليمنع عنهم غضبه، وفيضانه المدمر.

كانت الثورات الشعبية ضد هذا القهر الاقتصادى، والجنسى، وضد استعباد البشر، واغتصاب النساء، تقوم باستمرار، لم تتوقف عبر التاريخ فى جميع بلاد العالم. لكن يتم إجهاضها بواسطة الكهنة، ورجال الدين، وخُدام الإله. والملاحظ أنه على مدى التاريخ فى كل البلاد، قديما، وحديثا، يوجد الترابط بين السلطة الدينية، والسلطة السياسة، السلطة الطبقية الأبوية، وأن القهر سلسلة متصلة لا تنفصم. حتى فى البلاد التى تزعم الفصل بين الدين والدولة، فإن هذا الفصل هو جزئى، أو ظاهرى، وسرعان ما يتم التلاحم من جديد، خاصة فى وقت الأزمات الاقتصادية، والسياسية والعسكرية.

نتذكر عندما أمسك الرئيس الأمريكى، جورج بوش، بالإنجيل فى يده، ورفع رأسه، معلنا الحرب ضد العراق، باعتبارها حربا مقدسة ضد الشيطان فى عام 1991. وكذلك عندما لجأ الرئيس بيل كلينتون إلى الله، والقسس والكنيسة، بعد أن تكشفت خيانته الزوجية، وعلاقاته السرية بالبنات والنساء فى عام 1998. وتحت اسم الوعد الالهى لليهود بالأرض الموعودة، لشعب الله المختار، تم احتلال فلسطين، وطرد أهلها، وقتلهم. وفى مصر، رأينا كيف سمى السادات نفسه بالرئيس المؤمن، وكبير العائلة، وكيف كان يدعو إلى الرجوع إلى التقاليد العائلية، التى هى بالأساس تقاليد ذكورية أبوية، وكيف لتحقيق مشروعه السياسى، أعاد للتيارات الإسلامية قوتها، ونشاطها فى تحجيب النساء، ومنع الاختلاط وعمل المرأة، فى ظل انفتاح اقتصادى نعانى ويلاته حتى الآن. ونجد أن التيارات المسيحية فى الغرب الآن «التحالف المسيحى »، تدعم السلطة الأبوية وقيم العائلة، والقيم الدينية، وإرجاع النساء إلى البيوت، ويطلقون النارعلى الأطباء الذين يمارسون الإجهاض القانونى، ويدعون إلى تدريس الدين فى المدارس، وحذف النظريات العلمية المتعارضة مع نظرية الخلق فى الكتاب المقدس.

وفى بلادنا فإن التنظيمات الإسلامية، تفعل الشىء نفسه، باسم الرجوع إلى الدين، ورجوع المرأة إلى البيت، وتغطيتها تمسكا بالفضيلة، واستعادة للحكم السياسى الدينى، كما عرفه المسلمون والمسلمات الأوائل.

ثورة إيران عام 1979، بدأت ضد القهر السياسى الاقتصادى للشعب الإيرانى، لتحرير النفط من الأيدى الاستعمارية، لكنه سرعان ما تعاون الاستعمار الأمريكى والإسرائيلى لتحويل الثورة الإيرانية، إلى ثورة دينية بزعامة الخمينى، وتم إجهاضها بواسطة رجال الدين، وكأن التاريخ يعيد نفسه.

وكذلك الثورة المصرية، فى يناير 2011، بواسطة الإخوان المسلمين، والتيارات الإسلامية السلفية، التى أمدها الاستعمار الأمريكى الإسرائيلى، وتوابعه فى أوروبا، بالمال والسلاح.

وهكذا نشهد فى هذا العصر، فى كل مكان، الارتباط العضوى الوثيق، يتم تجديده، وترسيخه، بين الحكم السياسى، والحكم الدينى والحكم الأبوى، فى ظل أصوليات دينية سماوية، أو أرضية، وتحت مظلة، ورعاية الرأسمالية العالمية، فى أوج تنمرها، وذروة شراستها للاستهلاك والربح، والهيمنة،

والقوة الباطشة.

إن الكيل بمكيالين، أو الازدواجية، هو الأساس الذى تحكم به السلطة الدينية، والسلطة السياسية، والسلطة الطبقية الأبوية. إن طاعة رجال الدين، وطاعة رجال الحكم السياسى، وللنساء تُضاف طاعة رجال الأسرة الأبوية، ثالوث محكم، تأسس منذ آلاف السنوات، وتشتد قبضته، مع اشتداد الفقر، والجهل، والمرض، والتبعية، والفوارق الطبقية بين الناس.

ومثلما يغيب العدل فى الصراع المحلى، الدائر حول حقوق النساء داخل الأسرة، يغيب أيضا العدل فى الصراع الدولى العالمى، حول حق الشعوب فى الاستقلال، والنهضة والتحرر. صراع لم يخمد طوال التار يخ، والذى بدأه العبيد مع النساء، ضد نظام الرق أو العبودية. وأدى التراكم المتتالى من هذا الصراع، إلى انتهاء عصور العبودية. لكن مازالت العلاقات فى الأسرة، على المستوى الشخصى، والعلاقات بين الدول على المستوى العام، علاقات بين طرف أدنى، وطرف أعلى، علاقات غير متكافئة، فى جذورها علاقة بين «أسياد»، و«عبيد».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ويستمر الصراع
فؤاده العراقيه ( 2019 / 8 / 14 - 13:21 )
البعض يستغرب عندما يسمع عن ممارسات الحكّام في الماضي من اغتصاب للعذراوات ليمنعوا عنهم الكوارث ويعتبرها جهلا ويغفل عن الجهل الذي يعيشه ويتصوره طبيعيا حيث لا زلنا نعيش جهل الماضي ونقبل بممارسات الحكّام الذين هيمنوا على العقول وتنفّذوا عليها بسلطة الدين
صدام حسين كان مجرما وجرائمه فاقت كل التصورات وكان يفتعل التدين والخوف من الله حيث يفترش السجادة للصلاة أمام الجميع وتتناقله الكاميراتى عبر شاشات التلفاز وكان ممسكا بالقرآن أثناء محاكمته بل وحتى يوم إعدامه , هكذا هم الحكّام لا يستطيعوا الهيمنة على الشعوب بدون تسكين عقولهم وتغييبها
ننتظر كتاباتك بفارغ الصبر وتُفرحنا فهي بمثابة بلسم يشفي الجروح في هذا الجو القاتم والمليء بالقهر فلا تطيلي الغياب

اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح