الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبيعة القانونية للقانون الدولي الإنساني ومدى إلزامية قواعده

عبد الرحمن علي غنيم
كاتب وباحث

(Abdulrahman Ali Ghunaim)

2019 / 8 / 15
دراسات وابحاث قانونية


تعتبر قواعد القانون الدولي الإنساني قواعد قانونية ملزمة؛ حيث صنعتها الدول وقامت بإبرامها وتطبيقها، ويعد تنظيم العلاقات العدائية بين الدول من أهم أولويات القانون الدولي الإنساني؛ حيث أنه يهتم بحقل معين من حقول العلاقات الدولية ويتميز عن غيره من القوانين الأخرى بأنه تحول كثيراً اتجاه الأفراد وحرص على تكثيف اهتماماته بهم، من خلال تركيزه على حل المشكلات التي تصيب البشرية بسبب النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، إلا أن تحوله هذا نحو الأفراد لم يجعله قانوناً مستقلاً وبقي متصلاً بالقانون الدولي العام .
ويتسم القانون الدولي الإنساني لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م، كما تنص عليه ديباجة قانون لاهاي لعام 1907م، بأنه قانون ذو طابع تعاهدي قائم على أساس تبادلي نسبي من حيث الالتزام والتنفيذ، ويستثنى من الحالات غير المشمولة بنصوص قانون لاهاي، مما يجعلها دائما تحت سلطان وحماية مبادئ قانون الأمم، كما وردت في التقاليد التي استقر عليها الحال بين الشعوب المتمدنة وقوانين الإنسانية ومقتضيات الضمير العام .
أما الطابع التبادلي النسبي يقصد به أن قواعد القانون الدولي الإنساني لا تطبق إلا في العلاقات التي تكون فيها كافة الأطراف المتحاربة أطراف في الاتفاقية، ويشار إليه عادةً بشرط المشاركة الجماعية أو شرط الاشتراط الكلي، وتم التأكيد على الطابع النسبي التبادلي من خلال المادة الثانية من اتفاقية لاهاي المتعلقة في قوانين وأعراف الحرب البرية والتي تم توقيعها في 18 تشرين الأول عام 1907م؛ حيث نصت أحكام هذه الاتفاقية على أن الأحكام التي تتضمنها القواعد المشار إليها في المادة الأولى والتي وردت في هذه الاتفاقية وأنها لا تطبق إلا بين الأطراف المتعاقدة .
وبالنسبة للطبيعة القانونية لقواعد القانون الدولي الإنساني فهي تنقسم إلى قسمين، هما :
أولاً: القواعد العرضية المثبتة في اتفاقيات لاهاي لعام 1907م وأنظمتها المثبتة وقراراتها والإعلانات الدولية.
ثانياً: القواعد التعاقدية المثبتة في اتفاقيات جنيف الخاصة بحماية ضحايا الحرب لعام 1949م، والبرتوكولين الإضافيين لعام 1977م وغير ذلك من الاتفاقيات في مجال حقوق الإنسان.
ومن ثم تغير طابع القانون الدولي الإنساني من الطابع ألتعاهدي الذي يقوم على أساس نسبي تبادلي وأصبح قانون دولي يتسم بأنه ذو طابع شامل ومطلق قابل للتطبيق في مواجهة الجميع واحترامه والتقيد به واجب في كافة الأحوال والظروف، وحصل ذلك التغيير بعد مجيء قانون جنيف عام 1949م، وبذلك أصبحت قواعد القانون الدولي الإنساني على النحو التالي :
- الصفة الإلزامية؛ حيث أصبحت قواعد القانون الدولي الإنساني ملزمة للدول الأطراف ولا يجوز لأحد الانحراف عنها، كما لا يجوز التفاوض عليها من قبل الدول، ويترتب على مخالفة هذه الصفة أن مخالفتها تعد جرائم حرب ومخالفات جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني.
- أن القانون الدولي الإنساني يتعلق بالدولة؛ حيث أن الدول هي التي تبرمه وتطبقه وتحمي مصالح رعاياها.
- تشمل قواعد القانون الدولي الإنساني القواعد المكتوبة بالإضافة إلى القواعد العرفية التي سيتم وضعها في قالب قانوني فيما بعد؛ حيث أن القانون الدولي الإنساني هو بمثابة تأكيد جديد لقواعد عرفية قديمة، جرى العمل على توسيع نطاقها عند تدوينها.
- لا تخضع قواعد القانون الدولي الإنساني لمبدأ المعاملة بالمثل؛ حيث أنه لا يقبل من طرف ما في الحرب أن يسيء معاملة الأسرى فقط لأنه خصمه ارتكب مثل هذه الأفعال.
تعتبر قواعد القانون الدولي الإنساني قواعد آمرة؛ بحيث أنها ملزمة لجميع الدول في المجتمع الدولي، ولا يجوز لأية دولة عضو في المجتمع الدولي أن تتفاوض على أي موضوع يتعارض مع القواعد الآمرة للقانون الدولي الإنساني ، ولذلك نصت المادة 53 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات عام 1969م على أن " المعاهدات المتعارضة مع قاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون الدولي ، تكون المعاهدة باطلة إذا كانت وقت عقدها تتعارض مع قاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون الدولي، ولأغراض هذه الاتفاقية يقصد بالقاعدة الآمرة من القواعد العامة للقانون الدولي القاعدة المقبولة والمعترف بها من قبل المجتمع الدولي ككل على أنها القاعدة التي لا يجوز الإخلال بها والتي لا يمكن تعديلها إلا بقاعدة لاحقة من القواعد العامة للقانون الدولي لها ذات الطابع".
وبذلك يترتب على أن قواعد القانون الدولي الإنساني قواعد آمره ما يلي :
- تعد قواعد القانون الدولي الإنساني ملزمة حتى للدول التي لم تشارك فيها.
- يتوجب على كافة الدول إدخال أحكام ومبادئ هذا القانون في تشريعاتها الوطنية.
- لا تستطيع الدول التخلي عن قواعد هذا القانون.
- يتعين على جميع الدول الالتزام بتنفيذ كافة قواعد القانون الدولي الإنساني وذلك انسجاماً مع المبدأ العام.
يرى الباحث أن قواعد القانون الدولي الإنساني تعتبر في غاية الأهمية؛ حيث أنه بسبب وجود هذه القواعد وتحديداً لكونها إلزامية وآمرة ويجب على كافة الدول الالتزام بها وتضمينها في التشريعات الوطنية للدول، ولأن هذه القواعد وضعت حدوداً لا يجوز تجاوزها من قبل الدول المتصارعة أثناء الحروب، واحترمت حقوق الإنسان وصانت حريته وحرمته، ونصت على عدم جواز خرق هذه القواعد، سواء أكانت الدولة طرف في هذه الاتفاقيات أم ليست طرفاً بها.


قائمة المصادر والمراجع
• الاتفاقية الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية، لاهاي، 18 تشرين الأول/ 1907م.
• اتفاقية جنيف الأولى لعام 1949م.
• اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات عام 1969م.
• البرتوكول الإضافي الأول لعام 1977م.
• د. رياض أبو العطا، قضية الأسرى في ضوء قواعد القانون الدولي الإنساني، بدون طبعة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2009.
• د. عصام مطر، القانون الدولي الإنساني مصادره مبادئه وأهم قواعده، بدون طبعة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2011.
• د. محمد الشلالدة، القانون الدولي الإنساني، الطبعة الأولى، دار الفكر للنشر، القدس، 2005.
• د. نزار العنبكي، القانون الدولي الإنساني، الطبعة الأولى دار وائل للنشر، عمان، 2010.
• نبيل العزاري، القانون الدولي الإنساني وآليات تطبيقه، مجلة البحوث القانونية والاقتصادية، مجلد 21، عدد 36، 2012.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا