الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض متناقضات زينون الإيلي

هيبت بافي حلبجة

2019 / 8 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ثمة من يعتقد خطأ ، من كبار المفكرين العرب في هذا الوقت ، إن الفيلسوف الإغريقي زينون الإيلي ( زينو الإيلي) ، دافع من خلال مفارقاته عن إطروحات إستاذه بارمنيدس سيما في الوجود والثبات ، وهذا منقوض من ثلاثة زوايا ، الأولى إن فيلسوفاٌ بهذه القوة من المحاججة والمقارعة لابد إنه يملك رؤية فكرية كاملة شاملة خاصة به ، و لكن إن تطابقت هنا أو هناك مع إطروحات أستاذه في مفهومها فهذا لاينقص أبدأ من إبداعه الفلسفي ، الثانية لقد ذكر إفلاطون في مؤلفه ( محاورة بارمنيدس ) إن في مناسبة رسمية قرأ زينون جزءأ من كتابه وكان معه أستاذه بارمنيدس ، فلو كان الكتاب يخص إطروحات بارمنيدس ليس إلا ، لقرأه هذا الإخير بنفسه ، لكن وعلى الأغلب كان ذاك الكتاب يتضمن أفكار زينون الفلسفية ، أي كان يتلو على الحاضرين جزءاٌ من إطروحاته الخاصة به ، الثالثة لايعقل أبدأ إن يدون زينون مفارقاته هذه مباشرة دون أن يمهد لها بإطروحاته الفكرية الفلسفية ، أو أن يبدي ، على الأقل ، المسوغات التي جعلته يصوغها على تلك الشاكلة .
إلى ذلك ، لو أكتفينا فقط بما ورد في هذه المفارقات ، التي سردها أرسطو في مؤلفيه ( مابعد الطبيعة ) و ( السماع الطبيعي ) ، والتي ذكرها الدكتور يوسف كرم في مؤلفه ( تاريخ الفلسفة اليونانية ) وكذلك الدكتور عبد الرحمن بدوي في مؤلفه ( ربيع الفكر اليوناني ) ، وتمعنا بكيفية تنسيق وسياقة الأفكار فيها ، لأستنبطنا منها الإستنبطات التالية :
الإستنباط الآول : إن زينون ينطلق من محتوى العلاقة مابين الإدراك وموجودية الشيء وليس وجودية الشيء ، فلكي يكون الشيء موجوداٌ لابد أن يدرك ( بضم الياء ) ، وطالما إن الموجودات ( وليس الوجود ) تدرك ( بضم الياء ) تماماٌ فهي إذن من الوجود وهي الوجود بعينه ، بمعنى آخر ومعاكس ، الموجود هو الوجود الذي يدرك إدراكاٌ تاماٌ ، أي بتعبير أدق إن زينون ينطلق من الموجودات إلى الوجود ، فلولا الموجود ماكان الوجود .
الإستنباط الثاني : في نفس السياق والدرجة ، طالما لا يمكننا أن ندرك اللاوجود وكذك لا ندرك الأسم الميمي للاوجود أي ( اللاموجود ) ، فإن اللاوجود لايمكن إلا أن يكون لاوجوداٌ غائباٌ ، أو وهماٌ وسراباٌ ، ولو كان العكس صحيحاٌ لأدركنا ، حسب زينون ، اللاموجودات ، وهذا خلف ونقيض ، وهذا أمر طبيعي لدى زينون ، فإنه حينما يذهب من الموجود إلى الوجود ، فسوف يذهب من اللاموجود إلى اللاوجود ، وطالما هو لايتحقق من وجود الموجود فإن الطرف الآخر من المعادلة يكون نفياٌ بالقطع ، أي إن اللاوجود هو اللاوجود حتماٌ إدراكأ وحساٌ .
الإستنباط الثالث : في نفس السياق والدرجة ، إن الوجود ، لديه ، هو الوجود الممتلىء عينياٌ ، فلاوجود لإي وجود خاوي وخارج محتواه ، والإمتلاء هو عين الإمتلاء ، والخواء هو عين الخواء ، والفراغ هو عين الفراغ ، والمعدوم هو عين العدم ، والموجود هو عين الوجود ، والتناقض الفعلي هو مابين الإمتلاء ومابين الخواء ، فحتى حينما يتحدث عن المكان ، فهو يعني الفراغ بأبعاده الموجودية وليس الوجودية ، لإن الإمتلاء هو نفسه والفراغ معاٌ ، في حين إن الخواء هو ليس بالمطلق ، وبهذا فإن زينون يقع في مصيدة الإدراك نفسه ، فيختلط عليه ما ينتمي إلى الإدراك الحسي ، أي المدرك حسياٌ ، وماينتمي إلى الإدراك خارج الحسي .
الإستنباط الرابع : في نفس السياق والدرجة ، يرفض زينون مبدأ التناقض رفضاٌ مطلقاٌ ، لإن الوجود الممتلىء هو الإثبات عينه وليس الثبات كم توهم معظم المفكرين ، هو الإثبات دون أي شكل للنفي ، هو الموجب المسترسل بذاته دون أي شكل للسلب ، لإنه هو عين ذاته ، فلا نفي ولاسلب ولامحاكاة ولاصيرورة ، إنما سيرورة أبدية مطلقة ، سيرورة خارج مفهوم التناقض .
الإستنباط الخامس : في نفس السياق والدرجة ، يرفض زينون مبدأ الكثرة والتعددية ، ويقر بمبدأ الوجود الواحد ، وتفادياٌ لأي إلتباس أستخدمنا مصطلح الوجود الواحد بدلاٌ من مفهوم الوحدة أو الإتحاد اللذان قد يدللان على بعض من التغيير التفارقي أو الحركة التحولية ، ومبدأ الوجود الواحد ينسجم بالكلانية مع محتوى العلاقة مابين الإدراك وموجودية الشيء من جهة ومابين الإمتلاء والسيرورة من جهة أخرى .
الإستنباط السادس : في نفس السياق والدرجة ، إن الثبات يلحق بالوجود من خلال علاقة المكان بمفهوم الوجود الواحد ، أي إن الثبات لا يتأتى إلى الوجود من الداخل ( هو هنا الإثبات ) بل يلحق به بالضرورة من خلال محتوى الواحد الفعلي ، فالكون هو الإثبات من حيث الوجود الممتلىء ، وهو الثبات من حيث هو وحدانية العدد ، وكإن الثبات صفة تلحق به من الخارج مابين قوسين .
وهكذا ندرك إن زينون ليس فيلسوفاٌ سفسطا ئياٌ كما توهم الكثيرون ، بل هو صاحب جدل فعلي يتخطى في درجته درجة الجدل لدى الكثيرين من الفلاسفة الطبيعيين ، ولنتحقق الآن من موضوعية وقيمة هذا الجدل الفعلي في مفارقاته :
يسرد أرسطو حجج زينون في دحض الحركة والكثرة من خلال أربعة حجج في تفنيد الحركة ، وأربعة أخرى في تفنيد الكثرة ، ونحن سنختار أثنين من كل أربعة :
الحجة الأولى : إن أي مقدار متناهي هو قابل للقسمة بالضرورة ، وإلا ماكان مقداراٌ ، وعندما ينقسم هذا المتناهي إلى جزأين ، فإن كل جزء منهما هو مقدار جديد يقبل القسمة إلى جزأين ، وهكذا دواليك دون أن تنتهي القسمة إلى آحاد غير قابل للتجزئة إلى قسمين ، أي إن المتناهي يحتوي أجزاءاٌ حقيقية لا متناهية العدد ، وهذا خلف وتناقض ، فالكثرة ممتنعة .
الحجة الثانية : إذا كانت الكثرة حقيقية ، فينبغي أن تكون الأشياء جميعها حقيقية ، وإلا كانت الكثرة ليساٌ ، وبالتالي فإن كل ( شيء ) من الأشياء هو حقيقي ، ويشغل بالضرورة مكاناٌ حقيقياٌ ، وينبغي ، لنفس الضرورة السابقة ، أن يشغل هذا المكان مكاناٌ ، وهذا المكان الثالث مكانأ رابعاٌ ، وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية ، وهذا ممتنع ، فالكثرة إذن غير حقيقية .
الحجة الثالثة : إن أي جسم متحرك لايستطيع أن يبلغ غايته ، فلو فرضنا إن جسماٌ ما موجود في نقطة معينة ، سين مثلاٌ ، ويود إن يبلغ نقطة أخرى ، جيم مثلاٌ ، تبعد عن الأولى كيلومتراٌ واحداٌ ، فينبغي على هذا الجسم أن يقطع اولأ نصف المسافة ، ثم نصف النصف ، ثم نصف المتبقي ، ثم نصف ماتبقى ، وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية ، ولما كان إجتياز اللانهاية ممتنعاٌ فإن الحركة ممتنعة .
الحجة الرابعة : في سباق خاص مابين آخيل ( الرجل السريع جداٌ ) والسلحفاة ( الحيوان البطيء جداٌ )، فإن آخيل لن يدرك السلحفاة أبداٌ إذا كانت هذه الأخيرة متقدمة عنه بمسافة ما ، فحتى يقطع آخيل المسافة الأولى الفاصلة بينهما ، تكون السلحفاة قد قطعت مسافة ما ، وحتى يقطع آخيل هذه المسافة الجديدة ، تكون السلحفاة قد قطعت مسافة ثالثة ، ورابعة ، وخامسة ، وهكذا دواليك حتى اللانهاية ، ولما كان إجتياز اللانهاية ممتنعاٌ فإن الحركة ممتنعاٌ .
إلى ذلك ، لابد أن ننتقض ونقيم المحتوى الفعلي لهذه المقولات من خلال الملاحظات التالية :
ماقبل الملاحظة الأولى : أعتقد إن هناك سوء فهم من قبل أرسطو في سرد تلك الحجج المتعلقة بإمتناع الحركة ، ففي مثال آخيل والسلحفاة ، لكي يدرك آخيل السلحفاة ينبغي عليه أن يقطع نصف المسافة ، ولكي يقطع نصف هذه المسافة التي قطعها للتو وليس نصف المسافة الباقية ، ينبغي عليه إن يقطع ربعها ، وحتى أن يقطع هذا الربع ينبغي عليه أن يقطع نصف هذا الربع ، وهكذا دواليك حتى اللانهاية ، أي إن أخيل لايستطيع أن يتحرك من مكانه أصلاٌ ، ويبقى في موقعه إلى الأبد ، وهكذا تكون الحركة ممتنعة حقيقة وتاٌصيلاٌ ، أما في مثال عدم قدرة الجسم بلوغ غايته ، فإنه يتحرك إلى النصف ، ومن ثم إلى نصف النصف المتبقي ، وهكذا إلى ما لا نهاية ، أي إنه لن يبلغ غايته ، لكن هذا يعني إنه يتحرك ، والحركة حقيقية هنا ، والدليل إنه قطع النصف ثم الربع ، فهنا لايوجد إمتناع للحركة إنما إمتناع لبلوغ الغاية .
الملاحظة الأولى : بغض النظر عن صحة أم خطل ماذهب إليه زينون ، فثمة تناقض مخيف مابين علاقة إمتناع الحركة أو عدم إمتناعها وعدد الوجود ، وإستنتاج إن الوجود واحد من خلال إمتناع الحركة ، أفلا تسطيع الحركة إن تمتنع حتى في الوجود الواحد ، هل عدم قدرة أخيل الإلتحاق بالسلحفاة هو مرتبط بماورائيات الطبيعة أم إنه ، من المفروض ومن الأكيد ، مرتبط بإسلوب إستخدام القاعدة المطبقة ، وليس بإسلوب آخر ، وبعين المنطق ذاته ، وليس بمنطق آخر ، ( حتى أن يلحق آخيل بالسلحفاة عليه أن يقطع أولاٌ المسافة التي بينهما ، ومن ثم ... ف ...وهكذا ) و ( كلما قطع آشيل المسافة التي بينهما قطعت السلحفاة مسافة أخرى في نفس الزمن ، ومن ثم ... ف ... وهكذا ).
الملاحظة الثانية : بغض النظر عن صحة أم خطل ماذهب إليه زينون ، فثمة تناقض مخيف آخر وهو إذا كان من التناقض أن يحتوي المتناهي اللامتناهي ، حسب صيغة زينون ، فإن المتناهي لايستطيع حتماٌ إحنواء أكثر من الواحد ، أي من الموجود الواحد ، كما إن من التناقض أن يوجد أكثر من متناهي واحد ، حسب منطق زيون نفسه ، فلو وجد متناهيان أو أكثر لحصلنا على اللانهاية من المتناهيات ، وهذا لن يروق له ، وبالنتيجة لايمكن أن يكون لدينا أكثر من متناهي واحد في الوجود كله ، وبالتالي لن يكون لدينا سوى موجود واحد في الوجود كله ، أي ، في الأصل ، تتحول معادلة الوجود موجود إلى معادلة الموجود موجود ، بالإستنباط ينبغي القول الموجود واحد ( وحدة الموجود ) .
الملاحظة الثالثة : لننطلق من نفس مفارقاته ، ونضرب مثلاٌ ، نأخذ فيه ثلاثة متسابقين بدلاٌ من أثنين وهم آشيل والأرنب والسلحفاة حيث كل واحد منهم واقف بالترتيب في النقاط جيم وسين وصاد ، ومابين جيم وسين كيلومتر واحد ، ومابين سين وصاد ثلاث كيلومترات ، أي مابين جيم وصاد أربع كيلومترات ، ولنحدد سرعة آشيل بثلاثة دقائق لكل كيلومتر ، وسرعة الأرنب بعشرة دقائق لكل كيلومتر واحد ، وسرعة السلحفاة بدقيقتين لكل متر واحد ، وتبدأ المسابقة في تمام الساعة العاشرة صباحاٌ ، مع وجود نقطة رابعة ( نقطة ميم ) تبعد عن النقطة صاد بمسافة كيلومترين ، فماذا يحصل في الساعة العاشرة وثمانية عشر دقيقة : يكون آشيل الأول مازال في مكانه ، أي في النقطة جيم ، ولايستطيع أن يبرحها ( لوجود اللامتناهي ) ، ويكون آشيل الثاني قد جاوز آشيل الأول ، لكن عليه الآن أن يتصارع مع اللامتناهي مع الآرنب ( النقطة سين ) ولايستطيع أن يدركه ، ويكون آشيل الثالث قد جاوز آشيل الأول ومن ثم آشيل الثاني وكذلك الأرنب ، لكن عليه الآن أن يتصارع مع اللامتناهي مع السحفاة ( النقطة صاد ) ولايستطيع أن يدركها ، ويكون آشيل الرابع قد جاوز آشيل الأول ومن ثم آشيل الثاني والأرنب ومن ثم آشيل الثالث وكذلك السلحفاة ، وهاهو قد بلغ النقطة ميم .
فماذا نستنتج من هذا المثال : إن العقل لايستطيع أن يكون هو الحاكم في الطبيعة ، كما ليس بمقدوره أن يحدد من خلال فكره المحض شروط وحيثيات أي حالة من الحالات في الطبيعة ، فالطبيعة مستقلة عنه في حدها وحدودها ، وتمارس ذاتيتها من خلال ، أولأ كونها هي ظاهرة فيزيائية ، وثانياٌ كونها هي التي تحدد مفهوم الفيزياء والرياضيات والكيمياء وتضفي إليها خواصها ، وبالتالي هي التي تحدد شروطها وحيثياتها عند كل حالة من تلك الحالات ، ومن هنا تحديداٌ فإن العقل هو تابع للطبيعة بالضرورة . وإلى اللقاء في الحلقة الخامسة والسبعين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة