الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


‏التغيرات في سياسة الصين أتجاه المحيط الصيني

عاصم البرقان
(Asem Al-burgan)

2019 / 8 / 15
السياسة والعلاقات الدولية


تقوم سياسة الصين اتجاه كل من هونغ كونغ وماكاو المستعمراتين البريطانية والبرتغالية سابقاً، على أساس مبدأ "دولة واحدة ونظامان"، وجاء اقتراح الصين لهذا المبدأ في ثمانيات القرن الماضي لكي تتمكن من استعادة أراضيها التي خسرتها في القرن التاسع عشر. وجاءت موافقة الصين بالابقاء على النظام الاجتماعي والاقتصادي الليبرالي في الفترة الاستعمارية بمثابة خدمة لتنميتها وذلك بفضل تكامل هذه المناطق مع الاقتصاد العالمي. وانطلاقا من هذه الأسباب إقامة الصين أول منطقة اقتصادية خاصة في قرية "شنتشين" بالقرب من هونغ كونغ. وكما وإعلنت الصين عام 1982 أن هذا المبدأ سوف يمتد ليشمل تايوان بعد عودتها الى الصين.
ووفقاً للإعلان الصيني البريطاني لعام 1984 والصيني البرتغالي 1987 الذين تضمنا مبدأ "دولة واحدة ونظامان" عادت هونغ كونغ عام 1997 وماكاو عام 1999 إلى الصين كمناطق إدارية خاصة، ووفقاً للإعلانين تعهدت الصين خلال مدة 50 عاما بالإبقاء على الوضع القائم في الاقليمين وبضمان الحريات الشخصية والملكية الخاصة والإدارة الذاتية لهذه المناطق، على أن تتولى الصين السياسة الخارجية والدفاعية. وبفضل ذلك أصبحت هونغ كونغ وإلى حد ما ماكاو مركزا ماليا صينياً ومكاناً جاذبا لاستثمار رؤوس الأموال.
وتعمل السلطات الصينية ومنذ عدة سنوات و بشكل متزايد على الحد من مبدأ "دولة واحدة ونظامان" وخاصة في هونغ كونغ وذلك لعدة أسباب منها انخفاض حصة هونغ كونغ في الاقتصاد الصيني، والتي انخفضت من 23% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1993 الى 2.8% في عام 2017. إضافة إلى أن الحريات التي تتمتع بها كلتا المنطقتين تتعارض مع سياسة الرئيس الصيني "شي جين بينغ" و‏المتمثلة في مركزية السلطة، وطروحاته حول "ولادة الشعب الصيني الجديد"، أي الاندماج الكامل لهونغ كونغ وماكاو وفي المستقبل أيضا تايوان في جمهورية الصين الشعبية.
‏الوضع ‏في هونج كونغ
‏تضع الصين قيود سياسية على الحريات المدنية في هونغ كونغ ‏بما في ذلك حق الترشيح والانتخاب لسلطات الإقليم، ولم تفي السلطات الصينية وبوعودها بإجراء انتخاب مباشر لمنصب الرئيس التنفيذي لهونغ كونغ، بالإضافة إلى عدم سماحها بتسجيل لترشح لكل من يعارض الاندماج مع الصين، كما وحرمت محكمة في هونغ كونغ عام 2016 أربع من النواب المنتخبين المؤيدين للديمقراطية من دخول البرلمان بسبب رفضهم أداء القسم الذي ينص على الولاء إلى الصين. وفي عام 2015 تم اختطاف عدة اشخاص من هونغ كونغ بحجة نشرهم لكتب محظورة في الصين. ومن الجدير بالذكر ان هونغ كونغ هي المكان الوحيد في الصين الذي يحتفل كل عام بذكرى الأحداث الطلابية التي جرت عام 1989. وكما وتفرض السلطات الصينية رقابة على وسائل الإعلام في هونغ كونغ وبطرق مختلفة، حيث تقوم شركات من الصين بالاستحواذ على عناوين صحف مستقلة مثل "South China morning post"، وفي الوقت نفسه تختفي من الأسواق عناوين أخرى بسبب وقف الإعلانات فيها من قبل الشركات المتعاونة مع الصين.
‏وترتفع وباستمرار حصة الصين في اقتصاد هونغ كونغ ويساهم الصينيون القادمون إلى هونغ كونغ كسياح ومستثمرون والذي بلغ عددهم عام 2018 ما يزيد عن 51 مليون سائح، برفع أسعار الخدمات والعقارات. وعملت السلطات عام 2018 على ربط هونغ كونغ مع الصين بمحطة قطارات سريعة، كما وقامت ببناء جسر يربط هونغ كونغ وماكاو مع "تشوهاي"؛ المنطقة الاقتصادية الخاصة في دلتا نهر لؤلؤ.
ويتزامن تقيد مبدأ "دولة واحدة ونظامان" مع الاحتجاجات في هونغ كونغ، فقد عارض سكان هونغ عام 2014 من بين أمور أخرى التعديلات على القانون الانتخابي، ويشارك هذا العام 2019 اكثر من مليوني شخص في مظاهرات ضد قانون تسليم المجرمين والذي يسمح بتسليم المشتبه بهم الى الصين، حيث يخشى مواطنو هونغ كونغ في حال تطبيق القانون أن ينفذ على المعارضين ومنتقدي السلطات الصينية والأجانب. وقد علقت سلطات هونغ كونغ مشروع القانون بسبب ضغط المتظاهرين. وتشير الاستطلاعات إلى ارتفاع عدد سكان هونغ كونغ الذين يشعرون بأنهم "هونغ كونغيين" وليس صينيين؛ اذ ارتفعت نسبتهم إلى 65% في حين كانت عام 1997 بحدود 50% وأنهم يفضلون اللغة الكانتونية بدلا من اللغة المندرينية، وكذلك يحتجون على تدفق مواطني الصين الى مقاطعتهم.
خصوصية ماكاو
خلال فترة حكم البرتغال لماكاو كان تأثير الحزب الشيوعي الصيني فيها أقوى منه في هونغ كونغ، وكان استعداد البرتغال لتخلي عن ماكاو وإعادتها الى الصين اكبر. وكانت المشاركة العامة للسكان بالانتخابات أقل، وبالتالي التمسك بالآليات الديمقراطية أقل شيوعاً، ومن هنا فإن الحد من مبدأ "دولة واحد ونظامان" يبدو أقل وضوحاً. ومثال على ذلك إدخال السلطات مادة التربية الوطنية إلى مناهج الدراسة في ماكاو، ومنع القضاة غير الصينيين من النظر في مسائل تمس الأمن القومي. وتتمثل خصوصية ماكاو في أن الحصة الأكبر في اقتصادها يعود إلى ألعاب القمار، حيث أنها المكان الوحيد في الصين الذي يسمح بذلك بشكل قانوني.
العلاقة مع تايوان
اعتمدت الصين في فترة حكم الحزب الوطني "الكومينتانغ" لتايوان في الفترة من 2008 الى 2016 على سياسة الحوار القائم على أساس توافق عام 1992 والذي يقوم على أساس وجود صين واحدة ولكن بتفسيرات مختلفة، وكانت خلال هذه الفترة تشير بشكل اقل الى مبدأ "دولة واحدة ونظامان" إلا أنه وبعد وصول الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض للحكم في الجزيرة اعادت الصين من جديد التأكيد على هذا المبدأ. وفي كانون الثاني 2019 قدم الرئيس الصيني رؤيته حول تايوان بعد الوحدة مع الصين من خلال إعلانه عن الحفاظ على النظام الاجتماعي القائم، واحترام الملكية الخاصة والقوانين المعمول بها في الجزيرة، وفي نفس الوقت لم يستبعد استخدام القوة في حال إعلان سلطات الجزيرة الاستقلال. وجاءت هذه التصريحات كشكل من أشكال الضغط على الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم والذي خسر في تشرين الثاني 2018 الانتخابات المحلية لصالح حزب "الكومينتانغ" وذلك بسبب تدهور الوضع الاقتصادي في تايوان واتساع الإستياء العام لدى السكان.
ويمكننا القول بأن إعلان تكامل تايوان مع الصين المزدهرة موجه لجزء من المجتمع التايواني غير الراضي عن سياسات حكومة الحزب الديمقراطي التقدمي إلا ان تطور الأوضاع حاليا في هونغ كونغ ساعد الرئيسة التايوانية "تساي إنغ ون" على تحسين صورتها في استطلاعات الرأي العام.
ويتوقع أن تحد الصين من مبدأ "دولة واحدة ونظامان" في سياساتها اتجاه هونغ كونغ وماكاو لوقف أي محاولة لهذه المناطق من الانفصال، ولكن وبشكل تدريجي وذلك تخوفا من ردة الفعل الأمريكية. حيث دفعت الاحتجاجات في هونغ كونغ السياسيين الأمريكيين إلى إعادة النظر في سياستهم، وإدخال تغيرات على "قانون سياسة الولايات المتحدة تجاه هونغ كونغ" "US - Hong Kong policy act" من خلال إدخال قواعد أكثر ملائمة للتعاون التجاري مع هونغ كونغ منها مع الصين. وفي نفس الوقت فان الصين قلقة من استغلال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قضية هونغ كونغ في النزاع الصينية الأمريكي القائم.
أما فيما يتعلق بالعلاقة مع تايوان فأن الصين لن تتراجع عن مبدأ "دولة واحدة ونظامان" كصيغة وحدوية في المستقبل، ‏إلا أنه وبسبب الاحتجاجات الاخيرة في هونغ كونغ سوف تقوم السلطات الصينية بالتركيز على دعم الفئات الاجتماعية الموالية للصين قبيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تايوان أوائل عام 2020 من خلال الدعم المادي والحملات الإعلانية عبر الإنترنت.
وتعد سياسات الصين اتجاه هونغ كونغ وماكاو وتايوان بالإضافة إلى الجزر الصناعية التي تم بناؤها في بحر الصين الجنوبي، مثالا على تعزيز السيطرة على ما يسمى ‏بالمحيط الصيني. وتتماشى مع هذا الاتجاه تشديد السياسة الصينية في "شينغيانغ" ضد اقلية الأيغور الذين تتهمهم السلطات الصينية بأنشطة أنفصالية.
أن الحد من مبدأ "دولة واحدة ونظامان" في هونغ كونغ يعني فعليا خرق للإعلان الصيني البريطاني لعام 1984، ويضع السلطات البريطانية في وضع محرج ومن هنا تحاول بريطانيا المناوره بين انتقاد السلطات الصينية، وتعزيز العلاقات معها خاصة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. وإن أي إخلال بمبدأ "دولة واحدة ونظامان" سيؤثر سلبا على ألاف الشركات العالمية في كل من هونغ كونغ وماكاو، وبنفس الوقت يعتبر تهديد للأجانب المقيمين فيهما.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف