الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا حزنا أو حسرة

عدنان العريدي

2019 / 8 / 16
الادب والفن


وبالعودة للقامة توفيق زياد في غنائيته من شدة الحب.
نرى التركيز على طبيعة إنسانية الحياة المستمدة من فهم جدلي يسخر العلاقة الجدلية القائمة ما بين المعايير المجتمعية والصورة المتخيلة، فوق النمطية المترابطة جماليا أي بين البساطة والجمال والبناء الثوري المدعوم أيديولوجيا أو ما بين الربط تاريخيا وفكريا لبناء وعي ما فوق قومي بأسلوب بسيط يعتمد على معجم مفهوم وسلس مقبول لدى معظم مكونات النسيج الطبقي في المجتمع الفلسطيني والعربي من منطلق قابلية الوعي القومي العربي المرتبط بالقضية الفلسطينية
سأعيش واحيا
سأعيش واحيا
أتجدد كل صباح
كل دقيقة
في ضوء الشمس
وفي وشوشة الغاب الساحل
في الصوت
في العاصفة الهوجاء
في خط جناح طائر
سأعيش واحيا
سأظل إلى ابد الآباء
أتجدد في وطن الأجداد
فأنا والنصر وشمس الأحرار
على ميعاد
على ميعاد
هذه الفكرة القائمة على التمسك بأسباب الحياة واستمراريتها من خلال أنفاس متجددة ونابعة من خلف جمال طبيعي يشكل كيانا رابطا بين الطبيعة والجمال والإنسان من خلال علاقة جدلية تشكل أساسا لأسباب الحياة والتمسك بالأرض والإنسان حتما تؤدي إلى التشبث بأحقية الوجود نهايتها انتصار الحق على الطاغوت.
ونلمح ذلك التقارب وتشابه الروابط الفكرية من خلال باق غنائيات شعراء المقاومة كسميح القاسم ومعين بسيسو ومحمود درويش وعز الدين

منتصبَ القامةِ أمشي
مرفوع الهامة أمشي
في كفي قصفة زيتونٍ
وعلى كتفي نعشي
وأنا أمشي وأنا أمشي....
قلبي قمرٌ أحمر
قلبي بستان
فيه العوسج
فيه الريحان
شفتاي سماءٌ تمطر
نارًا حينًا حبًا أحيان....
في كفي قصفة زيتونٍ
وعلى كتفي نعشي
وأنا أمشي وأنا أمشي.
سميح القاسم
فالإنسان قامة وحتى تدرك إنسانيتها لا بد أن تعيش كريمة بهامة مرفوعة، إن تمسكت بأرضها ولو بذلت الغالي في سبيلها، والحياة الإنسانية مسيرة متواصلة ولا بد من تواصلها بلا عبثية والشهداء معلم باق كالقمر، يبذلون أرواحهم لتحيى الأجيال القادمة، قلوبهم كالقناديل وقودها زيت الأرض عطرها رياحين يستحق التضحيات حتى يقتلع والعوسج الشائك في القلوب.ولا يمكن إخفاء هذا التأثر بالقرآن الكريم مراعاة للشعور العام إمعانا في كسب الجماهير التي لا يمكن فصلها عن القرآن فهذه الألفاظ أتت بمثابة كسب لموقف الناس


أسمعتم بالحب القاتل ؟
هذا هو يا شعب الحب القاتل
لينتهي هذا (المنولوج) أو الحوار الداخلي بين الشاعر وذاته باستفهام تقريري تصوري عن واقع الفعل التحضيضي ومن ثم يعود إليه لتأكيد العاطفة بالإشارة المباشرة من خلال النداء مرة أخرى ليعبر عن بوصلة لا تشير إلى حب الوطن ومصالحه هي بوصلة خرساء ميتة، ليترآى لنا ثانية أن البناء الحقيقي هو البناء القائم على الفكرة يتبين ذلك من خلال عملية المزاوجة وحسن التنقل في أساليب البناء اللغوي ما بين خبر وإنشاء ، فمن نفي لحالة محبطة "لا حزنا أو حسرة" يعود مستدركا لبناء بواقع الخبر الشارح لأسباب الربط بين الظواهر في علاقة جدلية رابطة مشاعريا وتكوينيا بين الإنسان وموطأ قدمه "لكن من شدة حبي لوطني" لينتقل إلى الوصف الداخلي شارحا أسباب هذه الروابط الباعثة لأسباب التمسك بالأرض التي تعني حياة كيان ووجود وتطور ولا بد من إيجاد صور مركبة وبسيطة أحيانا أخرى متخيلة باعثة لأسباب التمسك العاطفي بالمكان .


المزاوجة بين الخبر والإنشاء
إن الواقع البنائي في شعر المقاومة وخصوصا الغنائي، يعبر عن مضامين استنهاضية باتجاه العدول عن مقتضى الظاهر لواقع البناء، حيث يتم البناء ظاهرا وفق أسلوب البناء الخبري محمولا على معان أخرى ولئن غلب في الكثير من الأحيان واقع البناء الإنشائي من باب إضفاء الصبغة الجمالية على واقع القصيدة تناسبا مع واقعها الرومانسي ويعود ذلك لروح الارتباط العاطفي بالهم العام، وذلك لإظهار توحد الشاعر مع القضية العامة في طرحه، مع الأخذ بعين الاعتبار سهولة الألفاظ المعجمية ومدى سلاستها وقربها من الوسط الحياتي للمجتمع بحيث لا تكون عصية على عموم الفهم فمثلا في غنائية توفيق زياد نرى أنه يستفتح بخبر تعليلي متعلق بحدث ما في زمن ما مؤكد لظرف وحدث سرعان ما ينقلنا لحديث مباشر يعبر عن روابط لعاطفة جياشة تنساب بصور بسيطة قريبة إلى تصور المتلقي بعيدة كل البعد عن التعقيد . ولذا يمكن القول،إن لشعر المقاومة طبيعته الخاصة به التي بنيت وفق أساليب متعددة الغالب فيها ثلاث اتجاهات. أولهما:وفق قواعد البناء القريب من المدرسة الكلاسيكية واتضح ذلك في مراحل بدايات القضية تمثل في شعر ابراهيم طوقان وعبد الكريم الكرمي و البيتجالي والبستاني وعبد الرحيم محمود وفرحان السعدي وغيرهم ممن اعتمد المباشرة بعيدا عن الرمزية مع الإقلال من الصور الشعرية واستمروا على هذا النهج ومنهم نتيحه لذلك من دفع حياته ثمنا أو فقد وظيفته أو تم إبعاده. واتجاه ثان: حيث بدأ شبه كلاسيكي نزع للتطور التدريجي تماهيا مع تطور الأحداث الدراماتيكية السريعة الحركة والتطور للقضية مستعينا بأساليب البناء الرمزي الحديث مع إظهار الطابع الخاص وذلك لما يربط الخاص بالعام فالخاص يتصاعد تلقائيا ليصب في العام وظهر ذلك من خلال جيل ما بعد النكبة .واتجاه ثالث استفاد من ما قبله فاختصر الوقت والجهد وبدأ بالرمزية حيث كان الرمز هدفا للبعض منهم مما أوصلهم حد التعقيد على حساب الواقع البنائي الجمالي للقصيدة والبعض لو كان بإمكاننا أن نحسب ما كتبوه قصائد لجاز لنا اعتبار ما يكتب على الفيس من ترهات فصائد ولجاز لنا اعتباره أدبا، ولذا لا يمكن دراسة شعر المقاومة وفق منهج معين بحد ذاته واحتسابه ضمن مدرسة بعينها لاعتماده على واقع التحول السريع في الحركة البنائية والتي تأتي في بعض الأحيان من أجل الحركة ذاتها لا من أجل الانتقال الأسلوبي المتناسب مع المعاني فكيف يمكن أن نقرأ شاعرا كعبد الرحيم محمود إن لم نقرأه سياقيا وبنيويا معا فلو فعلنا ذلك فإننا نفصل بين آليات ومقومات الشعر نفسه.
الحركة السريعة والحركة المتسرعة
تكون الحركة سريعة إذا استطاعت أن تكشف لنا عن باطن ما يليها من رمزية وبهذا تكون متناسبة البناء في المجمل.وإن لم تصل حد الكشف عن توابعها من رمزية فهي متسرعة تبقي الضوء الكاشف عن الرمز في ذهن الشاعر بحيث يتم حذفها عن المتلقي ويبقي الشعور مناصفة ما بين القارئ والشاعر لتسقط نظرية موت المؤلف ويسقط دور القارئ العمدة الذي يعجز عن استكمال تحليل شفرا الرمز دون الاستعانة بالشاعر نفسه.وللاستزادة في الإيضاح نقول أن هناك استخفاف في عملية الإسناد والتقليل من دور العمد المتمة للمعنى مع التقليل من الفضلة المزيلة للإبهام ، فنجد قديما أنه كان يلجأ الكاتب لما هو فضلة لإزالة الإبهام إمعانا في زيادة التوضيح سواء بالنكرات كالحال أو المفاعيل... أو بالصفات كالنعت والتوابع..يقول المتنبي:
لا تحسبن رقصي في الهوى طربا * * فالطير يرقص مذبوحا من الألم
لقد اعتمد هذا البيت على حركتين إحداهما منفية والثانية مثبتة: فعل الحسبان "حسب" وفعل جارح: "يرقص" ولشرح الواقع النفسي له اعتمد الكناية والتشبيه الضمني فحتى لو رأيتني ضاحكا لا تصدق ذلك كما أنك لن تصدق أن الطير يرقص بعد الذبح فحالي ولو بدت لك طربه إلا أنها أليمة.
فلو حاولنا تتبع ما قبل الحركة عند معين بسيسو
واه يا فمنا المدنس
واه يا دمنا المقدس
آه يا سفر الهداهد في القصائد
آه يا نوح البجع
لوجدنا واقعا لا حركة فيه بل إنها جاءت كمقدمة للحركة وسبب في التعاطي مع رمزيتها فهي مفجعة متألمة من الوعود الكاذبة الغادرة التي أدت إلى سفك الدم المقدس بغير وجه حق نتيجة هذا التلون في القصائد المتباكية على البجع الذي وإن كان مكشوفا هشا إلا أن عظمه متين وقامته فخمة عصي على الانقراض .
حط الحمام على الشجر
سقط المطر
ذاب الحمام على الشجر
معين بسيسو
وتأت الحركة بفعل مشدد بمقطعين صوتيين صامت وحركة وساكن وصامت وحركة من خلال حرفين الحاء وهو حلقي مهموس رخو وفي حساب الجمل هو الحرف الثامن والطاء: وهو مجهور شديد يشارك فيه طرف اللسان والثنايا العليا وهو التاسع من حساب الجمل (أبجد هوز حطي) وفاعله معرف يعود للمهموس بعد الجهر .
وإن قيل لما أتى بالحمام معرفا ؟ وكيف تستوي الرمزية مع التعريف؟
بحيث نلحظ لدى معين تعريف خاص للظواهر الرمزية (الحمام ..الشجر..المطر)لقد جاء معرفا لإثبات رمزيته له هو فهذا الحمام أنا جزء منه وللتفريق بينه وبين الصقر الدال على القوة ورمز الهجوم والشدة، فالحمام وديع مسالم كناية عن سكان مخيمي صبرا وشاتيلا كذلك الشجر كرمز للحماية والأمان والمطر المسبوق بحركة سقوط لا إرادية أي انه لم يقل نزل المطر يساهم في الإشارة بشكل أكبر للدلالة الرمزية وهنا شعر بتوضيح كاف ولذا أردف بالفعل ذاب كحركة مكملة جاءت نتيجة للسقوط، وبنظرة ثاقبة نلمح كيف أتت الحركات مكتملة المعان والدلالة من الداخل والخارج من البنية ومن ما حولها من زمان ومكان من واقع وتاريخ من ظاهرة وإنسان من قوة وضعف ومن خلق ولا خلق فالبناء كل متكامل ولو اختصرنا الفهم في جزء وأغفلنا الباقي لصار الفهم قاصرا والحركة عمدة وفاعلها عمدة كما المبتدأ والخبر والباقي زيادة ومساعد في المعنى ومزيل للإبهام عن الرموز التي لا يمكن فهمها بمعزل عن كنفها ،وعلى عكس هذا البناء التدريجي المتلازم البناء والمعنى سار البعض في الخروج عن المألوف في بناء تجديدي بحيث يتبع المعنى المبنى بالاعتماد على تضاد الحركة في البناء، فإن كان الفعل "حط" عند معين ذا حركة في الماضي من حيث البناء فإن الفعل الماضي "ذاب" جعله يحمل في معناه الحال والاستقبال فبعد أن حط الحمام على الشجر نزل عليه المطر مما أدى لذوبانه على الشجر.
يقول محمود درويش في قصيدة يطير الحمام يحط الحمام : وهي قصيدة في بنائها يشبه بناء قصيدة سفر لمعين مقطعية البناء دائرية الحركة لولبية الإطار إلا أنها لا تعادلها في الحجم.

يطير الحمام

يحطّ الحمام

- أعدّي لي الأرض كي أستريح

فإني أحبّك حتى التعب...

صباحك فاكهةٌ للأغاني

وهذا المساء ذهب


لو دققنا النظر في الحركة كاستهلال للقصيدة من خلال التغير الزمني واختفاء المكان نجدها قد أتت بفعلي الحال "يطير، يحط"مسندان للفاعل "الحمام" سرعان ما يتم نقلنا لأسلوب الطلب الإنشائي من خلال فعل الأمر"أعدد" المسند لياء المخاطبة في محاولة لإزالة الإبهام عن ما سبق من إسناد رمزي، وللوصول للدلالة الرمز نجد المتلقي مضطر للمتابعة الدائرية للكشف عن ملامح تساعد على تفسير رمزية لما تم إسناد الحركة إليه فلا يعقل أن الشاعر أتم الإسناد جزافا فليست نباهة أن نعلم أن الطيران فعل مرتبط بالطيور والطائرات ولذا لا بد من وجود دلالة رمزية لم يكشف عنها الشاعر في العنوان ولا في الاستهلال، فيقودنا الشاعر للمتابعة جريا وراء محاولة تفكيك الكلمات والغوص فيها وصولا لسبر غور الرمز
يطير الحمام
يحطّ الحمام

- أعدّي لي الأرض كي أستريح

فإني أحبّك حتى التعب...

صباحك فاكهةٌ للأغاني

وهذا المساء ذهب

معتمدا على تكرار الحركة كاستهلال مقطعي قام على التضاد الحركي كعملية نفسية تشد ذهن المتلقي الذي يدور حول الحركة الآنية من خلال الفعل المضارع المعبر عن الحال "يطير و يحط" فمرة يلجأ للإنشاء من خلال فعل الطلب للتعبير عن العاطفة كعملية كسب لعطف المرموز من خلال التصريح المباشر بأدوات تأكيد الفعل المضارع المعبر عن الحالة " فإني أحبّك حتى التعب..." فالفاء استئنافية تفسيرية متبوعة بالضمير"أنا" مضاف إليه ياء المتكلم كتعبير عن خصوصية المشاعر من خلال صورة مفردة " صباحك فاكهةٌ للأغاني" حيث يجعل صباحها سببا لقصيدته فهو الذي أحبها لدرجة التعب من حبها ويأسف على يوم انقضى باجترار الذكريات التي سأعيش عليها من لحظة فراقك وعناق التخيلات بدلا من حقيقة وجودك" وأشبه نفسي حين أعلّق نفسي على عنقٍ لا تعانق غير الغمام". ومن ثم تضح خصوصية الشاعر من خلال متابعة الرموز وفك المبهم الخاص فيها فبعد أن ظن الشاعر الاستقرار المادي من خلال تمسكه بالبر وإذا به ثانية يعود مغتربا كما كان.

وأنت الهواء الذي يتعرّى أمامي كدمع العنب

وأنت بداية عائلة الموج حين تشبّث بالبرّ

حين اغترب

وإني أحبّك، أنت بداية روحي، وأنت الختام

يطير الحمام

يحطّ الحمام .

ونبقى مشدودين في غمرة متابعة العصف الذهني نفتش عن مؤكد لتثبيت التفسير البنيوي للنص، من خلال تكرار فعلي التضاد حيث سيطرا على الاستهلال المقطعي واللولبي للقصيدة، لندخل في مقطع جديد ينقلنا من الطلب إلى الخبر الثابت بعد المقابلة والتضاد المسندتان للفاعل "الحمام" كصراع بين شد وجذب، لواقعه الحقيقي المعرف وباطنه الرمزي المتخيل فالمقطع بدأ وختم يهما بناء ومعنى ، ويعود للمباشرة لتفسير الواقع من خلال الخبر الثابت المرتبط بالحدث دون الاكتراث بالزمن معتمدا على المقابلة بين واقع حقيقي مؤكد،كوصف لحدث ثابت ما رغب الانفصال منه إلى واقع ثابت صار واقعا منفصل متخيل بدأ بحركة "ندخل في الحلم" والملاحظ انه كلما وصل المتلقي تدريجيا للتثبت من عملية الكشف الرمزي "أنا لحبيبي أنا" نراه يحاول الحول بين المتلقي وعملية الفك الرمزي من خلال صورة جمالية رمزية جديدة " وحبيبي لنجمته الشاردة" ليدخل المتلقي في غمرة تحليل جديدة تثقل ذهن المتلقي بتخمينات وتساؤلات حول ماهية "وحبيبي لنجمته الشاردة" لتبدأ عملية عصف ذهني جديدة تسهم في فصل الواقع من خلال الخيال "يتباطأ" واقع والحلم خيار فعدم رؤيته للحبيبة يدخله في الأحلام ويعود للكشف عن شخصية الرمز من خلال نسيانه لليالي ما قبل اللقاء ليثبت الواقع الجديد بفعل الطلب الإيحائي في محاولة لإشعال العاطفة في الطرف الآخر بأسلوب الحكيم لإثارة التساؤلات في داخل المتلقي "فنم يا حبيبي".
أنا وحبيبي صوتان في شفةٍ واحده

أنا لحبيبي أنا. وحبيبي لنجمته الشاردة

وندخل في الحلم، لكنّه يتباطأ كي لا نراه

وحين ينام حبيبي أصحو لكي أحرس الحلم مما يراه

وأطرد عنه الليالي التي عبرت قبل أن نلتقي

وأختار أيّامنا بيديّ

كما اختار لي وردة المائدة

وبين مد وجزر نلحظ عملية تكرار فعل الطلب، كتركيز على إثارة العاطفة ليجعلها متملكة في المتلقي، متمكنة منه تثير التساؤلات العميقة في داخله، وهذا الأسلوب المتطور ليس بغريب على شاعر متمرس بني وتأسس أيديولوجيا فأدلجة الحب والمراوغة، يمكن استنتاجها من المتابعة الجلية لبقية المقاطع التي اعتمدت على واقع البناء النفسي للقصيدة فالفصل ما بين الشاعر وأساسه القائم على التربية الأيديولوجي هو فصل تعسفي، ليبقى الأساس يسير مع الشاعر يؤثر فيه ويتأثر به وما التضاد في الأسلوب البنائي إلا نتاج فكري وأيديولوجي .

فنم يا حبيبي

ليصعد صوت البحار إلى ركبتيّ

ونم يا حبيبي

لأهبط فيك وأنقذ حلمك من شوكةٍ حاسده

ونم يا حبيبي

عليك ضفائر شعري، عليك السلام

يطير الحمام

يحطّ الحمام .

ولنلحظ عملية التحول في البناء والمعنى بعد تكرار الحركة المتناقضة في نهاية المقطع السابق كيف انتقلت لحركة مبنية على فعل متعلق بالحاسة "رأيت" كتعبير عن صدق العاطفة المتأثرة بواقع الانفصال،والانفصال واقع عرضي طارئ والشاعر ظاهرة ووعي ثابتين وتأثره تأثر عرضي، ينتقل من حدث لحدث ومن زمن لزمن ومن واقع لواقع يصنع الواقع يؤثران في بعضهما يتقابلان ويفترقان ويبقى الواقعان على ثباتهما.

رأيت على البحر إبريل

قلت: نسيت انتباه يديك

نسيت التراتيل فوق جروحي

فكم مرّةً تستطيعين أن تولدي في منامي
وابريل شهر ربيعي فاعله ضمير الذات وفعله فعل مرتبط بالعين والرؤيا، فعل لظاهرة قد تكون حقيقة وقد تكون متخيلة، والبحر متعلق بفعل الرؤيا نظريا أو خياليا، والشاعر يرفع من وتيرة الجمال كعامل جذب وتأثير نتيجة لحالة متردية للفت الانتباه والتعبير عن صدق المشاعر بالتنقل بين أساليب البناء الكلامي المعهود من الخبر الثابت والمتحرك والاستفهام الإنشائي المتكرر عن مطلوب والمطلوب بمصدر المرة الدال على العدد المسبب لألمه، المقرب لسبر غور الرمز والمقرب منه، ليأخذنا في المحصلة النهائية في محاولة تتويه كي نبتعد ثانية عن مدلولات الرمز من خلال الأسطورة خاتما المقطع بتكرير نفس الفعلين لنفس الفاعل"يطير ويحط"

وكم مرّةً تستطيعين أن تقتليني لأصرخ: إني أحبّك

كي تستريحي?

أناديك قبل الكلام

أطير بخصرك قبل وصولي إليك

فكم مرّةً تستطيعين أن تضعي في مناقير هذا الحمام

عناوين روحي

وأن تختفي كالمدى في السفوح

لأدرك أنّك بابل، مصر، وشام

يطير الحمام

يحطّ الحمام .

فيعود ثانية في محاولة تقريبية شبه تصريحية لكنه الرمز، من خلال الاستفهام عن مكان الفعل الذي يضع المتلقي أمام عملية ذهنية، تثير العديد من التساؤلات لديه، عن الحال الحالي والحال والمستقبلي القبلي في ظروف متقابلة، تراوح ما بين الواقع والمتوقع للتأثير على المتلقي من خلال واقع التضحيات المقدمة قربان للحب، وكل تلك المقارنة بفقدان عدة أشياء مقابل شيء واحد، أتت لتهويل عملية ثقل التضحية، فالحال ينقسم لثلاث حالات منها الواقع ومنها المتخيل ما بين ما قبل وما بعد والمتوقع فمقصد الشاعر تغيير المتوقع المأسوف عليه الموصوف بأكمل الفراغ بين النتيجتين "حرام..حرام".

إلى أين تأخذني يا حبيبي من والديّ

ومن شجري، من سريري الصغير ومن ضجري،

من مراياي من قمري، من خزانة عمري ومن سهري،

من ثيابي ومن خفري?

إلى أين تأخذني يا حبيبي إلى أين

تشعل في أذنيّ البراري، تحمّلني موجتين

وتكسر ضلعين، تشربني ثم توقدني، ثم

تتركني في طريق الهواء إليك
حرامٌ... حرام

يطير الحمام

يحطّ الحمام .

***

وبعد الختام بالحركة الرمزية يأتي دور التعليل المستنتج من السبب المؤدي للنتيجة "لأني أحبك" وهي الألم والنزف والتي يعبر عنها بالواقع الحالي الاسمي"نازفة" للتدليل على الملازمة والثبوت كنتيجة للفراق وفي حال الانتقال الوصفي للحالة يأتي بالفعل المتحرك ومن ثم يعود للثبات لينتهي بأفعال طلب متقابلة ومكررة كمحض أمان تعبر عن واقع ثائر مضطرب له مسبباته، ثائرة بحركة الفعل "أركض"سرعان ما يبدأ بالخفوت بحركة الفعل" أحبك" إلى الأكثر تشبيبا بالفعل "أشتهيك" ثم إلى "أحضنك" الأقل نبرا...ليختم المقطع بالحركة الرمزية الأساسية "يطير الحمام يحط الحمام".

لأني أحبك، خاصرتي نازفه

وأركض من وجعي في ليالٍ يوسّعها الخوف مما أخاف

تعالى كثيرًا، وغيبي قليلاً

تعالى قليلاً، وغيبي كثيرًا

تعالى تعالى ولا تقفي، آه من خطوةٍ واقفة

أحبّك إذ أشتهيك. أحبّك إذ أشتهيك

وأحضن هذا الشعاع المطوّق بالنحل والوردة الخاطفة

أحبك يا لعنة العاطفة

أخاف على القلب منك، أخاف على شهوتي أن تصل

أحبّك إذ أشتهيك

أحبك يا جسدًا يخلق الذكريات ويقتلها قبل أن تكتمل

أحبك إذ أشتهيك

أطوّع روحي على هيئة القدمين - على هيئة الجنّتين

أحكّ جروحي بأطراف صمتك.. والعاصفة

أموت، ليجلس فوق يديك الكلام

يطير الحمام

يحطّ الحمام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا