الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ علم المسرح

محمد يعقوب الهنداوي

2019 / 8 / 19
الادب والفن


مشروع دراسة عن المسرح

أشتغل حاليا على مشروع دراسة عن "تاريخ علم المسرح" أسعى الى أن تكون بمستوى مسؤولية الكتابة وليست مجرد مادة انشائية عابرة أو إضافة شكلية بلا قيمة حقيقية. ورغم كتابتي أكثر من ألف صفحة من المسودات والنصوص الأولية، لا زلت أتلمس طريقي لصياغة الكتاب بالشكل الذي يقنعني ويستحق الطرح للقراء. وأضع بين أيديكم المرتكزات الأساسية للدراسة متوخيا الاستعانة والاغتناء بأفكاركم:

1- تشير معظم الدراسات، ان لم نقل جميعها، الى ان المسرح بدأ كنشاط فني وانساني في حضن المؤسسة الدينية. ووجهة نظري تختلف في هذا لأني أعتقد ان المسرح نشأ تاريخيا في حضن المرأة التي كانت المعلمة الأولى والشاعرة الأولى والمغنية الأولى مثلما كانت الممثلة الأولى في التاريخ، طبعا الى جانب كونها المربية والأم ومانحة الحياة وحافز الابداع.

2- يسود الرأي لدى عامة دارسي المسرح والمتخصصين في ان المسرح الاغريقي كان الشكل الأول الناضج لهذا النشاط الإنساني، ووجهة نظري هي ان هذا غير صحيح لأن المسرح تطور ونضج في بابل وعموم بلاد ما بين النهرين قبل المسرح الاغريقي بأكثر من ألفي سنة، وهناك نصوص مسرحية وروائية تؤكد هذا، رغم انها لا تنتهج مسار المسرح الاغريقي لكن هذا ليس مبررا لغض النظر عنها، فالمسرح الشرقي (الهندي والياباني والصيني) مثلا لا ينتهج ذلك المسار لأسباب كثيرة ليس أقلها اختلاف البيئة والثقافة وطرق التعبير. وهذا الرأي لا علاقة له على الاطلاق بمشاعر ما يسمى (العزة القومية) المزعومة، ولا بأية مزاعم مفتعلة عن صلة مفترضة للعرب بالمسرح مطلقا، فأنا لا أؤمن بأية فئويات قومية ودينية ووطنية أو أية خزعبلات مماثلة، والعرب لا صلة لهم بالمسرح لأن ثقافتهم الموروثة بعيدة تماما عن الدراما، اضافة الى تحريمه دينيا طبعا.

3- ركبت المؤسسات الدينية على أكتاف المسرح وسخرته لنشر عقائدها وأوهامها وأساطيرها ووضعه في نطاق التثقيف الجمعي بما يخدم تلك المؤسسات، واستمر هذا طوال فترات العقائد والأديان التي تؤمن بتعدد الآلهة وصراعاتها وأدوارها المختلفة في نشأة الكون والتحكم بقوى الطبيعة. لكن مع هيمنة المؤسسات الدينية الابراهيمية القائمة على التوحيد منعت المسرح بشكل قاطع كما منعت الغالبية العظمى من الفنون الجميلة بحجة "تحريم التشخيص" في الفنون، فكان الرسم والنحت ضحايا لهذه الأديان التي لم تقتصر على منع العلم والبحث العلمي بل وسعت الى الحجر على العقل الإنساني وابقائه في قبضتها محكوما بخرافاتها ومقولاتها العتيقة الزائفة.

4- دام حجر الديانات الابراهيمية على الفنون والعلوم عامة وعلى النشاط المسرحي خاصة لأكثر من ألف عام متواصلة، ولم يتحرر من ذلك الحظر والتحريم إلا مع بوادر الثورة الصناعية البرجوازية في أوربا وبالترافق مع حركة التنوير والاستكشافات الجغرافية والنهضة العلمية الحديثة، وحتى في بداياته الجديدة حاولت المؤسسة الدينية تجييره لصالحها لكنها فشلت في ذلك وأفلت الزمام من يدها سريعا بسبب القوة العارمة للثقافة التنويرية ولأهمية المسرح للبرجوازية الصاعدة كقيمة ثقافية وكنشاط تجاري مربح.

5- المسرح هو النشاط الذي يجمع في بوتقته كل الفنون الحيوية والإبداعية من الموسيقى والرقص والغناء الى الرياضة والسيرك والاكروبات والتلميح أو التصريح والصامت أو الناطق، الى جانب التمثيل طبعا، وعليه فان المدارس الفنية التي تزعم أنها تحقق تجديدا من نوع ما بتركيزها على جانب واحد هي توجهات منغلقة ومحدودة الأفق ولا ترتقي الى ما ينبغي أن يكون عليه النشاط المسرحي الحقيقي، وعلى الممثل الحقيقي أن يتقن كل تلك الفنون، الى جانب حيازته أقصى ما يستطيعه من المعارف الانسانية والعلوم والثقافة العالية.

6- المسرح علم أصيل الى جانب كونه فناً، فهو يستفيد ويستلهم جميع المنجزات العلمية والمفاهيم الثقافية الناضجة التي بلغها الانسان في عصره ويرتز عليها، وكلما تقدمت العلوم كان المسرح في طليعة النشاطات الإنسانية المنتفعة منها والتي توظفها لأغراضها.

7- المسرح، مثل جميع الفنون والنشاطات الإبداعية الإنسانية، يرفض جذريا مقولات (الفن للفن) لأنه لا يمكن إلا أن يكون هادفا، وبهذا المعنى لابد أن يكون إما رجعيا أو ثوريا وفي خدمة الانسان وتطوره ورفاهه، والمسرح التجاري يقع بطبيعة الحال ضمن الفن الرجعي الذي يرسخ المفاهيم التقليدية القديمة والمحافظة ويسعى الى تخدير وعي المتلقي وعرقلة إدراكه العلمي، وعليه لابد من إدراك هذه الحقيقة ووضعها في جوهر أحكامنا الذوقية ومنتجاتنا الفنية.

8- المسرح يفتح آفاق الانسان ويحرك وعيه وخياله ويضعه أمام الأسئلة الصعبة بحكم معالجته للحالات الاجتماعية والسياسية والفكرية ذات الإشكالية والتعقيد والتي تجد مكان معالجتها في المسرح لتعميم الخبرات واشراك الجمهور في التفكير والبحث، والمسرح الذي يستبعد اشراك الجمهور أو يبقيه في مقاعد الانفعال السلبي انما هو مسرح رجعي وضد الانسان. وهذا لا ينفي ولا يقلل من قيمته الترفيهية طبعا، بل يجعلها مضاعفة.

9- لا تتحقق أية ثورة سياسية ولا تنتصر دون ثورة ثقافية وفكرية، وإلا كانت مجرد محاولات سلطوية فاشلة ومحدودة الأثر، وعلى هذا الصعيد لم تنتصر ثورة البرجوازية في العالم المتقدم إلا على أكتاف حركة التنوير والنهضة الثقافية العملاقة التي سادت في أوربا ونجاحها في هزيمة الفكر اللاهوتي والمؤسسة الكنسية وإرثها الرجعي. وفي روسيا مثلا، لم تتحقق ثورة 1917 ضد النظام القيصري ولم تنتصر إلا على أكتاف ثورة فكرية وثقافية عملاقة سبقتها وعبر عنها مبدعون كبار مثل تولستوي وكوكول ودستويفسكي وآيزنشتاين وتشيكوف وعمالقة أخرون مهدوا لها بنسف الفكر الاقطاعي الرجعي والثقافة الكنسية التي كانت تربط بين الحكم المطلق والارادة الإلهية.

10- المعالم الثورية الكبرى والعلامات الفارقة في تاريخ المسرح العالمي الحديث واضحة جدا وتمثلت بموليير وشكسبير وابسن وتشارلي تشابلن وتشيكوف وبيرانديللو ومايرهولد وبريخت وكروتوفسكي وبيتر بروك وقلة آخرين، وجمعتُ هنا بين المؤلفين والمخرجين والممثلين عامدا لأنهم سلسلة مترابطة من المبدعين الثوريين الذين تكاملت تجاربهم بمجموعها، ولأن كلا منهم جمع بين كافة عناصر الإدراك العميق لدور المسرح واهميته وشموليته وثوريته وقدرته على استيعاب كافة منجزات الانسان الابداعية في بوتقته العملاقة. أما التوجهات الفرعية الصغيرة مثل دعاة المسرح الطقسي ومسرح القسوة (آرتو) وما يسمى (مسرح الصورة) فهي مجرد فقاعات تافهة تجمع بين سطحية التفكير الارتدادية المضادة لحركة التاريخ والحضارة والهوس الفردي والتوجهات الرجعية العقيمة، ولهذا وجدت هذه التوجهات أرضية لها في الثقافات المتخلفة مثل المجتمعات العربية والإسلامية بالدرجة الأولى.

11- مع الانهيار التام للمنظومة التعليمية والخراب الثقافي الشامل في بلداننا يشكل المسرح بديلا عمليا واقعيا ناضجا للمدرسة التقليدية لأنه سيكون مثمرا على كافة الأصعدة والمستويات سواء بالنسبة للتلاميذ الصغار والطلبة الكبار أو على صعيد المجتمع ككل، فهو لا يقتصر على التربية المعرفية وإطلاق الطاقات الابداعية للفرد والمجتمع بل ويخلق القادة والمفكرين الذين يجمعون بين الثقافة الراقية والشجاعة المبدئية والحضور المتميز الذي يفتقد اليه معظم الناس في مجتمعاتنا، كما أنه يجمع بين الترفيه والتفكير والمعالجات الموضوعية للظواهر والأحداث.

12- المسرح صنو الديمقراطية وهو يعزز الوعي بها وبممارستها لأنه بكل بساطة يحتاج اليها ليتطور ويستمر، ولهذا لا وجود لمسرح حقيقي في بلدان ومجتمعات يسودها القمع والاستبداد ولا تعيش ديمقراطية حقيقية.

وأرحب بكافة الآراء والمقترحات والاضافات، مع المحبة والامتنان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في