الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقالة الدكتور كاظم الحبيب عن السفالة

فالح مهدي

2019 / 8 / 20
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


مقالة الدكتور كاظم الحبيب عن السفالة
فالح مهدي

قام الأستاذ الدكتور كاظم الحبيب بنشر عدة حلقات في الحوار المتمدن وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي عن كتابي (مقالة في السفالة : نقد الحاضر العراقي) وصلت الى 22 حلقة، نُشرت الأولى في 18-5-2019 وختمها بالحلقة الثانية والعشرين في 3-7-2019 .
يلج أستاذنا الحبيب الى قلب الموضوع في الحلقة الثانية بهذه العبارة التي لخصت تجربته الطويلة في دروب النضال وخبرته الثقافية وما مر به من محن وويلات « في عام 1995 صدر لي كتاب في بيروت تحت عنوان (ساعة الحقيقة: مستقبل العراق بين النظام والمعارضة)، قلت فيه بأن الكثير من شخصيات وقوى المعارضة العراقية لا تختلف من حيث الواقع عن طبيعة ونهج وسلوك الدكتاتور صدام حسين، بل وستمارس سياسة مماثلة أو أسوأ ان وصلت الى السلطة، ومن المؤسف ان تحققت هذه النبؤة المحزنة ».
بهذه العبارة يختصر الحبيب الدمار الذي تعرض له العراق من عام 1963 ولحد هذه اللحظة. ليس الإسلام السياسي والعقائدي هو الرث فحسب، بل كل المعارضة وبكل أطيافها التي ساهمت ببناء هذه السلطة التي أتى بها المحتل.
كاظم الحبيب الذي شرفني وكرمني ليس بقراءة كتابي(مقالة في السفالة: نقد الحاضر العراقي)، إنما بإضافاته المهمة وأنارته لبعض توجهات الكتاب، دون ان يتوانى في نقد ما وجده جديراً بالنقد، قام بكل ذلك بموضوعية احسده عليها وانسيابية في عباراته، تنم عن قدرة تستحق التقدير في مواجهة الآخر المختلف في الرؤيا، مع اني كنت شديداً مع الحزب الشيوعي وقياداته بالذات .
في قراءتي للحلقات كلها توقفت على محطات أكد عليها الحبيب . هناك فقرات أشاد بها الحبيب بجهد المؤلف لاسيما فيما يتعلق بالعنف والإبادات الجماعية لن أتوقف عندها، إنما سأتوقف عند المحطات التالية: الدولة الريعية ، الحزب الشيوعي العراقي وموقفه من الاتحاد السوفيتي، انتهازية الحزب الشيوعي العراقي، أكردة الحزب الشيوعي العراقي .
أعود الى هذه المحطات لآن استاذنا الحبيب توقف عندها ملياً وهذا امراً ليس عجيباً فقد كان ولزمن تجاوز الثلاثين عاماً احد اهم قيادي هذا الحزب العريق. وكل من قرأ مسودة الكتاب قبل نشره من الأصدقاء الشيوعيين أو المتعاطفين مع الحزب الشيوعي توقفوا كثيراً عما كتبته بحق الحزب. لقد خصص الحبيب ستة حلقات لمعالجة موضوع نقد الحزب الشيوعي الذي جاء في كتابي(راجع الحلقات15-20).
مفهوم الدولة القومية : في الحلقة الثالثة عشر يعترض أستاذنا الحبيب على ما جاء في كتابي على النحو التالي « يشير الدكتور فالح مهدي إلى رأي لخصه بما يلي: "يمثل سقوط نظام البعث في عام 2003، نهاية الدولة القومية التي جلبها البريطانيون معهم في بداية القرن العشرين وبداية دمار جديد، بدءاً من تلك السنة ولا زالت فصوله قائمة". ويستكمل هذه الرؤية بقوله: "ويمثل أيضاً الانتقال من رثاثة البعثنة إلى رثاثة النرجسية الثقافية الإسلامية بشقيها الشيعي والسني، القائمة على مخيلة ماضوية، لا تعير اهتماماً بالحاضر ". (مهدي، الكتاب، ص 173).

ومن ثم يستمر في رحلته على النحو التالي « وهذين المقطعين المهمين أثارا فيَّ مجموعة من الأسئلة التي تستوجب الإجابة التحليلية المدققة. أركز هنا على ثلاثة أسئلة أحاول أن أطرح تصوراتي في محاولة لخوض الحوار والنقاش العلميين حولهما. هل إن إسقاط البعث وحكمه عبر الحرب الخارجية قد أنهيا فعلاً الدولة القومية في العراق؟ أليست هناك قوى أخرى حاملة لفكر ونهج الدولة القومية؟ أوليس هناك تداخل فعلي شديد الوضوح بين القوى القومية والقوى والأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية منها والسنية من حيث الفكر والممارسة والنهج، ولاسيما بعد استتباب الوضع لهم في الدولة التي يهيمنون عليها، لاسيما وأن الزميل مهدي يشخص بوضوح بأنه انتقال من رثاثة البعثنة إلى رثاثة النرجسية الإسلامية؟ أليست إيران دولة دينية مذهبية، ولكنها تعبر في الوقت ذاته عن ذهنية قومية فارسية شوفينية مغرقة بالطائفية السياسية والعنصرية، والتي تجد تجلياتها في الموقف من منتسبي القوميات وأتباع الديانات الأخرى في إيران؟ ألا تشير تجربة الحكم في السودان في فترة حكم عمر البشير أو حتى في نهج المجلس العسكري الراهن الذي يرفض تسليم السلطة للمدنيين خشية فقدان دورهم العسكري ورؤيتهم القومية الدينية للدولة والمجتمع بما يمكن أن يقترب من ذلك؟ هل يمكن أن نقول بأن دور القوى القومية قد انتهى وبالتالي الدولة القومية أيضاً انتهت، أليست هنا قوى أخرى وطنية وديمقراطية حاملة للدولة القومية أو الوطنية؟»
في هذه الجملة ما أردت قوله ان ما يطلق عليه في القاموس السياسي الفرنسي tat Nation É، ويقابله في الانكيزية Nation Stat ، هي من انتهت . صدام حسين انهى تلك الدولة المستوردة والتي لم تعرفها بلدان الشرق سابقاً.نعم يا سيدي الجليل، صدام أنهى الدولة أثناء وجوده في السلطة ، ليس هناك مؤسسات لاسيما في فترة الحصار . لقد كان همه الوحيد البقاء في السلطة كما تعلم .
الدولة الريعية
في الحلقة الرابعة عشر اعترض الحبيب على تعريفنا للريع باعتباره دخلاً غير متعوب فيه على النحو التالي« أما تعريف الدكتور محمد علي زيني فهو تعريف خاطئ جملة وتفصيلاً، علمياً أو اقتصادياً، إذ إن الريع ليس دخلاً غير متعوب فيه، بل إنه ناتج قوة عمل العامل التي استهلكها في إنتاج السلعة أولاً، وهو جزء من فائض القيمة أو القيمة الزائدة التي يسيطر عليه الرأسمالي أو الحائز على الأرض في الزراعة، وهما لم يبذلا فيه جهداً في إنتاجه. نعم إن الثروة موجودة في الطبيعة، في باطن أمنا الأرض، ولكن العامل هو الذي يستخرجها وهو الذي يصرف قوة عمله عليها ويحقق أجراً له، ولكنه ينتج أكثر من أجره، وهو ما يطلق عليه بـ“فائض القيمة” وإن الريعَ يشكل جزءاً منه »
الحبيب بروفيسور وأستاذ في الاقتصاد والذي هو موضوع أطروحته لنيل الدكتوراه، لذا فهو ليس متطفلاً على هذا الموضوع كما هو شأني. مع ذلك سنتوقف قليلاً أمام موضوع الريع بالذات وهنا اقصد الريع النفطي والذي يعتبر دخلا غير متعوب فيه . التعريف الذي أورده محمد علي الزيني واستندنا عليه، يعتبر في جوهره إلى اول محاولة لتعريف هذا الصنف من الموارد المالية. الزيني لم يبتكر شيئ بل استند الى كتابات نشرت باللغة الانكليزية في بداية السبعينيان. ففي كتاب صدر عن جامعة اكسفورد في عام 1970 واشرف عليه المستشرق البريطاني م.أ .كوك على النحو التالي) M.A . Cook « ed »Studies in the Economic History of the Middle Este .Oxford University Press.1970 ) في ذلك الكتاب مساهمة
للباحث الإيراني حسين مهدوي وردت على النحو التالي ( The Pattern and
Problems
of Economic Development in Rentier States: The Case of Iran)
والذي يمكن ترجمته بنمط ومشاكل التطور الاقتصادي في الدول الريعية : النموذج الإيراني ).
تعرف تلك الدولة في علم السياسة ونظرية العلاقات الدولية من انها دولة تستمد معظم ايرادتها بل يمكن القول كل ايراداتها من مورد وطني عبارة عن ريع قائم على مصدر طبيعي يباع لزبائن دوليين، هو الذي ساد في الكتابات المتعلقة بالدولة الريعية . هذه النظرية هي خلاصة ما جاء في كتابات حسين مهدوي. كما يعلم الحبيب فأن لم يستخدم قبل القرن العشرين ويتم اللجوء إليه عند التطرق الى الدول الغنية التي تعتمد في إيراداتها على النفط مثلاً.
الباحثان حازم الببلاوي وجيوكومو لوجيني يقترحان اربعة خصائص يمكن عبرها تحديد الدولة الريعية:
- إيجار الموضع
- يعتمد الاقتصاد في معظمه على هذا الصنف من الإنتاج
- ليس هناك إلا عدد محدود من السكان القادرين على العمل ممن يساهم في استخراج ذلك الريع .
- والأكثر أهمية هو ان الحكومات في الدول الريعية هي المستفيد الأول من تلك الموارد غير المتعوب عليها . ( راجع Hazem Al Beblawi et Giacomo Luciani The rentier State in the Arab World in Giacomo Luciani (ed) The Arab State Londen,Routlege ,1990 PP87-88 )
مفهوم الدولة الريعية كان عبارة عن محاولة لفهم هيمنة الأنظمة الاستبدادية في هذا الصنف تتميز هذه الدول بهزال الموارد المتحصلة من الضرائب. بل يذهب الباحث دوغلاس ياتس الى ان النهج الاقتصادي في الدول الريعية يعتمد على بتر العلاقة ما بين العمل والأجر المترتب عليه . لذا فأن الدخل والثروة لا يعتمد على الجهد المبذول ، انما على "حسن الحظ" (

Douglas A. Yates, The Rentier State in Africa: Oil Rent Dependency and Neocolonialism in the Republic of Gabon, Trenton/Amsara, African World Press, 1996
في مساهمة الببلاوي وجياكومو ملاحظات مهمة جدا ، فكلاهما يعتقد ان الريع يمكن ان يؤدي الى خلق عقلية ريعية .
كما ان هناك رأي جدير بالملاحظة للكاتب والصحفي الشهير فريد زكريا ، فهو يعتقد ان هذا الصنف من الدول لا يتطور على ضوء المفاهيم السياسية بسبب غياب الضرائب أي ان " المواطنين ممن يقوم يالاعتراض على سياسة الحكومة اقلة ضئيلة . بل تقوم الحكومات في هذه الدول برشوة المواطنين عبر نظام توزيع المنح والعطايا. حتى يمكننا اختصار ميزانية الدولة من انه عبارة عن نظام عطايا ! الحكومات التي تحصل على مواردها عبر الريع ، لا تخضع الى قانون السوق وهي غير مكرهة على تطبيق قانون التبادل الحر الذي سيؤدي في حالة تطبيقه الى خلق الظروف الملائمة للتطور الاقتصادي.
الدول الريعية لاتسمح بقيام مجتمع مدني ناضج بل تحاربه بكل الوسائل اولها المالية. في هذه الدول هناك نظام بيروقرطي بائس وغير فاعل
الحبيب ربط الريع بفائض القيمة الذي اتى به ماركس .علما إنني لم أتطرق الى موضوع فائض القيمة في كتابي . ومن ثم لو افترضنا جدلاً ان هناك علاقة ما بين الريع وفائض القيمة فهل يجب ان نعود وفي كل مرة الى ماركس ؟ ماركس مفكر كبير لا جدال في ذلك انما لو عاد وكتب رأس المال من جديد لكتبه على نحو لاعلاقة له بذلك الكتاب الذي أنجزه في القرن التاسع عشر. لقد تمت مصادرة ماركس من قبل الإيديولوجية السوفيتية وأصبح يشار الى هذا المفكر العظيم كأيديولوجي . لن تجد أي مفكر اخر له اتباع يطلق عليهم الكانتيين ( نسبة الى الفيلسوف كانت ) أو هيجليين ( نسبة الى هيجل ) أو نتشياويين( نسبة الى نيتشه). من يحترم ويقدر هذا المفكر العظيم عليه ان يساهم بتحريره من القيود الايديولوجية.


الحزب الشيوعي العراقي وموقفه من الاتحاد السوفيتي
بدا من الحلقة الخامسة عشر والى الحلقة العشرين يشتغل الحبيب على موضوع الحزب الشيوعي الذي ورد في كتابي .انما وقبل ذلك وفي الحلقة السادسة ينتقد ستالين ويعترف بجرائمه الكثيرة . في الحلقة الخامسة عشر يستهل ما اراد قوله بهذه الكلمات ( كل الأخطاء التي ارتكبها الحزب الشيوعي العراقي في خضم النضال والعمل السياسي، وأينما كان موقعي في الحزب، فأنا مسؤول عنها، ولاسيما حين كنت عضواً في اللجنة المركزية ومكتبها السياسي، إذ من العيب المشين وعدم المصداقية أن أنأى بنفسي عنها، وبغض النظر عن مدى تأييدي أو اعتراضي على هذه الفكرة أو القضية أو الموقف أو عموم السياسة.)
كيف لا تحترم هذا الرجل الذي لا يتواني من نقد ذاته واعتبار نفسه مسئولا عن ما بدر من الحزب الشيوعي العراقي ، علماً انه ترك الحزب منذ زمن طويل.
وفي نفس الوقت يعرب عن امتنانه لهذا الحزب على الشكل التالي( تعلمت من الحزب وفيه الكثير، تعلمت منه حب الشعب وحب الوطن والوفاء لهما والدفاع عنهما وعن مصالحهما، تعلمت منه الصدق والوفاء وعزة النفس والكرامة والصمود والتضامن مع الناس الآخرين والشعوب الأخرى. ومنه تعلمت كره العنصرية والفاشية والطائفية والتمييز بكل أشكاله، ولاسيما ضد المرأة، فهي الأم والأخت والزوجة والبنت والعمة والخالة والمواطنة الشريفة والمعين الذي لا ينضب للبرية جمعاء.)
كاظم الحبيب له مجموعة خصال أهمها الموضوعية والقدرة على نقد الذات وهذا أمر كان نادراً بل مستحيلاً، نحن هنا أمام المثقف العضوي كما يقول غرامشي والمناضل الشريف البعيد عن المصلحة الذاتية. في نفس تلك الحلقة يشير الحبيب الى تلك العلاقة المريضة بين الأحزاب الشيوعية في العالم والحزب الشيوعي السوفيتي على النحو التالي(لقد ابتلت الأحزاب الشيوعية بمرض خبيث هو الستالينية والبيروقراطية والابتعاد عن الديمقراطية بذريعة الديمقراطية الشعبية والتراجع عن العدالة الاجتماعية. وقد شخصت المفكرة المميزة والبارزة والماركسية الألمانية روزا لكسمبورغ في كراسها الذي كتبته في السجن في العام 1919 وقبل اغتيالها والموسوم "الثورة الروسية"، عن مجموعة من تلك العلل التي ابتلت بها كل الأحزاب الشيوعية، ومنها التصور بامتلاك الحق والحقيقة كلها، أو الادعاء بتمثيل الطبقة العاملة، في حين المفروض أن نشير إلى سعينا للتعبير عن مصالح الطبقة العاملة.. إلخ.)
يعترف الحبيب دون مواربة ان الاتحاد السوفيتي لعب دورا مهماً في توجهات الحزب الشيوعي العراقي ففي الحلقة السادسة عشر والسابعة عشر أفصح عن رأيه دون مواربة. لذا وعلى ضوء ما جاء في كتاباته هنا، اسمح لنفسي وأقول ان الاتحاد السوفيتي ساهم في دمار الحزب الشيوعي العراقي كما ساهم سابقاً في دمار الحزب الشيوعي الفرنسي وأحزاب شيوعية عديدة ، فقد وقف الحزب الشيوعي الفرنسي مع الموقف السوفيتي بعدم إعلان معارضته للنازية اعتمادا على المعاهدة بين هتلر وستالين في عام 1939 والتي تتضمن عدم العدوان مما أثار ريبة السلطات الفرنسية، انما خلال الحرب العالمية الثانية ابلى الشيوعيين الفرنسي خير بلاء وتم تصفية أعداد كبيرة منهم من قبل قوات الاحتلال النازية .
القراءة الجادة تدفعنا للكشف عن المحجوب او ذاك الذي يراد له ان يبقى طي الكتمان .
الاتحاد السوفيتي دولة عظمى ما تسعى إليه أولا هو الدفاع عن مصالحها. الحزب الشيوعي السوفيتي بل حتى الماركسية، اصبحت المطية التي امتطتها الايديولوجية السوفيتية بدءا من ستالين الى بريجنيف لأنه يمثل في تقديري موت ذلك النظام.الشيوعية الروسية التي قامت بذلك الانقلاب في 1917، كانت أقلية وهي في هذه النقطة بالذات تشبه البعث العراقي. صدام حسين كان على معرفة يقينية بتلك المسألة البديهية، والمتمثلة بمصالح النظام السوفيتي. لم يعترض القادة السوفيت على المذابح التي قام بها النظام البعثي ضد الشيوعيين العراقيين ، بل تطورت العلاقة بين الاتحاد السوفيتي والعراق ، ذلك انه أصبح المورد الأساسي في حرب صدام مع إيران. الشيوعيين العراقيين بل كل شيوعيو العالم لم يكونوا عملاء بل عقائديين شرفاء يبحثون عن مستقبل أفضل للإنسانية ،إنما الكثير من قادة هذه الأحزاب لا سيما في العالم الثالث كانت متواطئة مع الإيديولوجية السوفيتية .
انتهازية الحزب الشيوعي العراقي
في الحلقة الثامنة عشر ، يتناول استاذنا كاظم الحبيب هذا الموضوع على النحو التالي :« لم تكن الأخطاء الفكرية والسياسية التي وقع فيها الحزب بأي حال من الأحوال تعتبر من حيث المبدأ وتعبر عن مفهوم الانتهازية أو عن ذهنية أو روحية انتهازية أو عن انتهازية اللجنة المركزية ومكتبها السياسي في الفترات المختلفة، بل كان الموقف يعبر عن رؤى فكرية متباينة، عن قناعات خاصة بكل من هؤلاء الرفاق، ولم يكن جميع الرفاق بمستوى فكري وسياسي واحد، ولا برؤية سياسية واحدة، أو قدرة تحليلية واحدة، للأوضاع القائمة. ولا يمكنني أن أجزم بأن لم يكن هنا أو هناك رفيقاً أو آخر تميز بمواقف انتهازية يسعى من خلال توريط الحزب بسياسات معينة للحصول على مكاسب معينة وشخصية، ولكن هذه الحالة، إن وجُدت، فهي حالات فردية محتملة»
عندما اتهمت الحزب الشيوعي العراقي بالانتهازية، لم اعني الأشخاص بل قصدت سلوك الحزب كبناء وإيديولوجيا . تُعّرف الانتهازية باعتباره سلوك ينطوي على ردة فعل تتناسب مع اللحظة التي قام بها ذلك الفعل من اجل الوصول الى أفضل النتائج . وتعني سياسياً تبديل البرامج والمواقف دون تهيب ودون الأخذ بالاعتبار المبادئ الأساسية التي قامت عليها تلك الايديولوجيا. في عالم السياسة الانتهازية تعني الواقعية .
في رواية الكاتب النمساوي روبرت ميسيل (الإنسان دون قيمة) ، نجد هذا المقطع المعبر عن السلوك الانتهازي ، حيث يتجاوز فيه هذا الروائي افضل التعاريف لهذا المفهوم « الاشياء ذات القيمة : عندما يبحث الكلب ذو الأصل الرفيع عن مكانه تحت مائدة الطعام، دون ان يعير اهتماماً للركلات التي تتساقط عليه، لا يقوم بذلك بدافع الدونية ، بل تعبير عن إخلاصه وارتباطه بسيده . في الحياة هذا الصنف من السلوكيات يتم حسابه بدم بارد ...» .
ومع جل احترامي للحبيب ، فهو يعرف اكثر مني من ان عارض قيام الجبهة مع قتلة الأمس ، حيث لم تجف دماء تلك الأعداد الكبيرة من الشرفاء والأبرياء من قتل بدم بارد تحت التعذيب الذي لا يمكن مقارنته وحشيته وبربريته بأي تعذيب اخر في العالم، تم اغتياله.
هل يكفي استاذنا العزيز ان نقول ان الجبهة كانت خطأ فادحا ساهم في احتلال العراق من الداخل من قوى فاشية طفيلية تبحث عن الكسب السريع وبأي ثمن ؟
لقد اعتبرت مؤلف كتاب ( نهوض وسقوط الحزب الشيوعي العراقي ) متحاملا وغير موضوعي ، علماً انه كتب عن أحزاب شيوعية أخرى ، كالحزب الشيوعي السوداني ، اللبناني ،اليمني ، إضافة الى عدد من الكتب عن السياسة والايدولوجيا في بلدان الشرق الأوسط ومعظمها صادر عن دار كامبردج.
ألم تكن انتهازية اشتراك حميد مجيد سكرتير الحزب (1993- 2016 ) في مجلس الحكم المشين الذي جاء به الحاكم الامريكي بريمر؟ ألم تكن انتهازية الدخول بجبهة مع مقتدى الصدر ؟ ألم تكن انتهازية عندما يعتبر عضو المكتب السياسي جاسم الحلفي ان مقتدى الصدر قادر على تحقيق شعار ( وطن حر وشعب سعيد )؟
انه سلوك ايديولوجي يا سيدي العزيز ومن لا يرض به، امامه الخروج وحسب علمي فعل البعض بعد قيام ذلك الحلف المشين بين الصدر والحزب الشيوعي العراقي .
عن أكردة الحزب الشيوعي وهزال القيادة
في هذه الحلقة التي تأخذ الرقم 19 ، يتناول الحبيب موضوع أكرة الحزب الشيوعي العراقي .ومع اعتزازي الشديد بكل ما كتب أستاذنا الحبيب عن المواضيع التي وردت في متن هذا البحث، إنما أجده ركّز وعلى نحو استثنائي على ما ورد في كتابي عن هذا الحزب العريق علماً انني لم اخصص إلا عدد قليل من الصفحات . في ذلك الكتاب ركزت على الدمار الذي قام به حزب البعث وصدام حسين بالذات، ركزت على البداوة، عن الدور المدمر الذي لعبته الدولة العثمانية ، عن الريع ، عن الطفيلية وغيرها من المواضيع .
يبدأ مقاله الدكتور الحبيب على النحو التالي(كتب الأستاذ الدكتور فالح مهدي يقول بأن أول من انتبه إلى حقيقة، إن معظم قادة الحزب الشيوعي كانوا من الأكراد هو حنا بطاطو حسب علمنا، لقد انتبه ذلك الباحث الشريف من أن مذابح كركوك التي اتهم بها الشيوعيون في بداية الستينيات من القرن المنصرم كانت من صنيعة الأكراد المتطرفين. ثم يواصل قوله فيكتب: لقد كان من نتائج أكردة الحزب الشيوعي في بداية الستينيات من القرن المنصرم، أن خرج الحزب الشيوعي من شعار الأممية إلى شعار القومية).
ومن ثم يقوم وبدون مواربة بنقد تلك العبارة على النحو التالي (أبدأ أولاً ببعض التصحيحات التاريخية قبل الخوض بالنقاش. التصحيح الأول، وقعت أحداث كركوك في 14 تموز 1959، أي أثناء احتفال المدينة بالذكرى الأولى لثورة تموز 1958، وليس في بداية الستينيات. التصحيح الثاني:يشار إلى أكردة الحزب في فترتين الأولى مع مجيء ثلاثة من الكرد الشيوعيين على رأس الحزب في الفترة بين 1949 حتى العام 1954/1955، والفترة الثانية في أعقاب انقلاب شباط واستشهاد جمهرة كبيرة من القادة الشيوعيين العرب)
في تلك الفقرة لم أتكلم عن أحداث كركوك بل عن أكردة الحزب بعد انقلاب شباط الأسود. لذا ليس هناك من خطأ في ذلك التقييم . وحقيقة صعود «الأكراد في قيادة الحزب فرضته الحملة الشرسة ضده» كما يؤكد عزيز محمد في اللقاء الذي أجراه معه الصحفي غسان شربل ( راجع صحيفة الحياة 11 أغسطس 1997 ).
قبل نشر الكتاب عرضت مسودته على أصدقاء أعزاء لي وهم أصدقاء للحزب أيضا بل ان بعضهم كان عضواً فاعلا في الحزب . كما ذكرت في ذلك الكتاب لم يكن الهدف من ذلك الكتاب التجني على هذا الحزب العريق والذي له تاريخ مشّرف في الكثير من مواقفه. إنما وعبر العنوان الثاني الذي اخترته للكتاب ( لماذا وصلنا الى هنا؟ )، أخذت محاولاتي طريقاً غير قابل للمساومة والمجاملة . الحزب الشيوعي كان فاعلا فيما وصل اليه العراق من دمار.
كل هؤلاء السادة المحترمين ممن تفضل وقرأ مسودة هذا الكتاب لم يعترض على عبارتي تلك بل أن عزيز محمد اعترف بتلك الحقيقة . أكردة الحزب كانت نتيجة طبيعية لسياسة بعيدة عن المبدئية.
تصدى الدكتور كاظم الحبيب لقولي من اول« من انتبه الى حقيقة ، ان معظم قادة الحزب الشيوعي كانوا من الاكراد هو حنا بطاطا حسب علمنا» على النحو التالي « ليس حنا بطاطو أول من كتب عن ذلك بل أجهزة التحقيقات الجنائية في العهد الملكي، ومن ثم أجهزة أمن البعث، والكاتب حنا بطاطو اعتمد على تقارير أجهزة الأمن التي وضعت كلها تقريباً تحت تصرفه... » منهجياً هو أول باحث يضع تلك الحقيقة في كتابه ذاك ومن ثم كانت عبارتي تحمل هذه الجملة ( حسب علمنا ).
ومن ثم يورد الدكتور كاظم الحبيب هذا الفقرة من الكتاب «لقد كان من نتائج أكردة الحزب الشيوعي في بداية الستينات، أن خرج الحزب الشيوعي من شعار الأممية إلى شعار القومية (الكتاب، ص 209) وبرأيي ومعرفتي بواقع الحزب وكوني من كوارد الحزب المتقدمة حينذاك.... لم يتغير شعار الحزب الأممي بشعارات قومية. وأرى أن هناك فهماً خاطئاً للعلاقة بين الأممي والقومي. فالأممي لا يتنكر لقوميته أو لشعبه أو لوطنه، بل يزداد تمسكاً بهما..... »
أنا لا اعني البتة ان الحزب الشيوعي العراقي أصبح قومياً ، بل ما اردت قوله ان معظم جهوده تركزت بعد عام 1964 على تأييد القضية الكردية وكان من نتائج تلك السياسة القصيرة النظر شق الحزب الشيوعي الى عراقي وكردستاني !
في تقديري ارتكب قادة الحزب الشيوعي خطأ جسيماً. ولو تمكنا ان نخرج من لغة الشعارات والمغالاة فسنجد ودون اية صعوبة من انه ليس هناك امة كردية ودولة كردية تم احتلالها من قبل العراق . القيادات الكردية وليس الشعب الكردي كانت خنجراً في خاصرة العراق . وليس سراً إن مصطفى البرزاني قدم خدماته لكل من يرغب من شاه ايران الى المخابرات الامريكية الى الاتحاد السوفيتي وإسرائيل من اجل ان يحقق هدفه بالخروج من العراق، وليس الاستقلال عن العراق ، لأنه ليس ليس هناك دولة كردية تم احتلالها من قبل العراق وليست هناك امة كردية كانت ومن ثم انفرطت. البرزاني الاب كان انتهازيا بجدارة مسكون بوهم كما فعل صدام حسين تكوين امة كرية وجمعها تحت قيادته العشائرية .ولم يكن الولد مسعود بعيداً عن ابيه بل بزه في تأمره على العراق . وسلوكه مع المركز (بغداد) . في سلوكه المشين كّذب توقعات عزيز محمد في ذلك اللقاء مع غسان شربل ، اذ قال السيد عزيز محمد وهو على ثقة تامة « ونحن نعتقد ، وهذه حصيلة التجربة التاريخية ، انه كلما حصل الشعب الكردي على حقوقه القومية ، في ظل الديمقراطية انجذب الى المركز» !
ولا أشير هنا الى مواضيع خطيرة بقت طي الكتمان انما كتب عنها بعض الشرفاء واقصد هناك حركة الانصار في شمال العراق والدور غير المشرف لجلال الطلبانى وعصابته بقتل عشرت المناضلين الشرفاء ممن لجا الى الجبل لمحاربة ذلك النظام البربري في بغداد.
ومن ثم يورد الدكتور الحبيب هذا القول « في هذا الجزء من المقالة في السفالة نوع من خلط الأوراق. فلم يكن للكرد دخل في الاعتراف بإسرائيل عام 1947/1948. وفي حينها كتب شيوعيون عرب من العراق رسالة أرسلت من باريس إلى الرفيق فهد يطلبون منه فيها الاعتراف بإسرائيل بعد اعتراف ستالين بذلك. لم يوافق فهد على ذلك وطلب بحث الموضوع مع الحزب الشيوعي السوري. ويبدو إن الحركة الشيوعية العالمية قد أقرت ما وافق عليه الاتحاد السوفييتي في مجلس الأمن الدولي.»
ويعترف الحبيب من ان ذلك القرار لم صائباً. لقد عدت الى مسودة الكتاب ولم أجدني ملقياً اللوم على الأكراد في هذه المسألة .
اعترض الدكتور كاظم الحبيب على عبارتي التي جاء فيها ان عزيز محمد دمث الاخلاق حسن المعشر إنما كان خاليا من أية موهبة. ربما أكون مغالياً في رأي هذا الذي حصلت عليه عبر كثير من القراءات ومن لقاءات مع شخصيات شيوعية كان لها دورا عظيما في مسيرة الحزب. لقد خطّأ الحبيب الرأي الذي أتيت به وقلت من انه كان بعيدا عن عالم القراءة. ولكي يؤكد رأيه ذكر الحبيب من انه كان يقوم هو نفسه بتجهيزه بالكتب إضافة الى فخري كريم ، انا لا اشك إطلاقا في كلام الحبيب ، انما ليسمح لي بهذا السؤال والذي نسجته على ضوء القول المنسوب للسيد المسيح ( ما جدوى ان تربح العالم وتخسر نفسك) ، اقول ما جدوى ان تقرأ كل كتب العالم وتبقى ايديولوجياً مصابا بداء اليقين .القراءة التي لا تساهم بإخراج القارئ من أوهامه من معتقداته البالية من عماه الإيديولوجي، باطلة كل البطلان .
مع محبتي للدكتور الحبيب الذي سمح لي ولغيري في المساهمة في هذا النقاش .














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اشعر بسعادة خاصه بقراءتي لافكاري ومواقفي منذ الخمس
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2019 / 8 / 20 - 17:02 )
منذ الخمسينات فيما يتعلق باكردة حشع وبتوسيخ حشع بذيلياته للبعث وقبلها لقطاع الطرقالبرزانيين وحاليا لاسفل السفله في العراق البهيمه مقتده وجيشه المهدي القاتل السارق الفوضوي وفي الوقت الذي ابارك للزميل د فالح توصله لتحديد امراض مهمة في الحركة السياسية العراقية بما فيها حشع-الذي كان الحشعيون يقلبون الدنيا على راس كلمن يشير ولو باصبعهعلى خلة فيه او في سياسته او الى الامية البشعه المنتشرة بين قياديه بمستوى ليس اقل من الامية البشعه بين قياديي البعث وصدام وعزتوالثلث -نسيت اسمه-نائب الجمهورية ونائب الضابظ الفاشل كنت اتاءلم لان العمر اخذماءخذه وحينما يكون الانسان في ال85يكون محدودالقابليات البدنية خصوصا في الكتابة ومايصاحبها من البحث والتقصي-ولكن يظهر ان العراق ولود وانفتاحنا على الخارج مبكرا وبكثافه منذ اواسط الخمسينات قد اثمر ثمرابهيجا الدكتور فالح واحد من اينعها فبلا التخلص من الامية وتنظيف الذات من البدائية لايمكن اكتشاف الواقع العراقي ورسم البرامج
والسلوكيات وتحشيد الناس من اجل التقدم-اما


2 - تحيا تي متواصله للدكتور فالح وللاسف لم استطع السير
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2019 / 8 / 20 - 17:27 )
لنهاية الاحرف المخصصه للتعليق بسبب -جهلي-لتكنولوجيا النت الا البسيط منها
واحببت جهد الامكان الاشارة لبعض افكاري بهذه المناسبه واير هنا الى النكتة السمجه عن ربط الريع بفائض القيمه وفذلكات البعض في محاولة تعمية الناس-وكنت قد رديت على صاحبها في نهاية الستينات او بداية السبعينات بمناسبة مقالة نشرها فيها هذه الهرطقه -بس انا يؤرقني جدا مصير بعض افضل اكاديميينا وخصوصا صديقي الحميمين الدكاتره صفاء الحافظ وصباح الدره الذين قتلا بمعرفة ان لم نقل اكثر من شخصين ليسا من اصول عراقية هما بطل مقالتك اليوم د فالح والشخص الذي ذكره في تثقيف محمد عزيز- ومقتل هذين الاكاديميين الشيوعيين المتنورين جدا تعتبر واحده من ابع ايات الطائفية في العراق ولو بشكلها المعقد جدا -كما وانه الى جنب ماذكرتموه من سفالة الطالباني وعصابته في قتل نخبة من الانصار فاءن النا س لازالوا يتساءلون عن العديد ممن حوكموا-في الجبال-واعدموا من الانصار لا لشئ الا انهم معارضون للسياسى المجرمة فيتوريط شبابنا بما سمي بالكفاح المسلح ويردد الناس اسم صاحبنا المنظر كرئيس للمحكمه وطبيبين كمحققين احدهما لازال حيا ويكتب في الحوار المتمدن-الذي اري


3 - مساهمة
منير كريم ( 2019 / 8 / 20 - 18:03 )
تحية للكاتب المحترم
لمست في احدى العبارات وكانك يائس من تكون معارضة ديمقراطية حقيقية حتى الان , وانا اشاطر هذا الراي, وتفسيري الاولي انعدام وجود طبقة سيلسية ليبرالية ديمقراطية تنتج احزابا ديمقراطية تنهض بالعراق على نمط حزب المؤتمر الهندي
لقد قضت الاحزاب الديكتاتورية والانظمة العسكرية على هذه الطبقة السياسية, وهناك سبب اعمق لعدم نشوء هكذا طبقة هو الوعي الباطن للجماهير الرافض لقيم العصر الحديث , وقد تجلى ذلك واضحا حينما صمتنا على الاستعمار العثماني 5 قرون وهاجت هائجتنا على الاستعمار البريطاني رغم انه حولنا من لاشيء الى شيء
شكرا جزيلا لك
وشكرا للحوار المتمدن


4 - مقترح باضافة الكتاب الى مكتبة الحوار المتمدن
صباح كنجي ( 2019 / 10 / 17 - 22:44 )
العزيز فالح مهدي .. بعد هذا الجهد والمتابعة من قبل القراء لمحتوى الحلقات التي كتبها العزيز كاظم حبيب عن بحثك .. اقترح ان تضع الكتاب كاملا تحت تصرف القراء في الحوار المتمدن.. وبقية المواقع الالكترونية ..ان لم يكن هناك مانعا.. مع مودتي صباح كنجي

اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة