الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التقينا ولم نكن غرباااء ...قصة قصيرة

زهور العتابي

2019 / 8 / 21
الادب والفن


دخلت تمشي الهوينا تجتاز ذاك الرواق الطويل وتجر ذيال الخيبة والندم وتحمل جبل من التعب والهم ...تستند على عكازها وتتبع خطوات ولدها الذي أتعبت يداه حقائبها وأغراضها الثقيلة ..دخلا الإدارة معا ..استقبلتهما المديرة بوجه بشوش ..سمح ما لبث ان زال التوتر الذي كانت عليه فأحست بشيء من الطمأنينة والهدوء ...تمتمت في نفسها .. البداية جميلة.. يا الله ...اخبرتهما المديرة بعد أن سحبت الدرج لتخرج منه بعض الأوراق وأخذت القلم بين يديها وبدأت تكتب المعلومات وتملي عليهما شروط القبول بالدار....
لم تكن ست هناء المدرسة المتقاعدة ذات الخمسة والسبعين عاما مقتنعة تماما بدخول (دار المسنين هذه ) ولكن وحدها الظروف من حكمت وأجبرتها وقادتها لهذا المكان ...فبعد ان فقدت زوجها وأصبحت وحيدة في دارها الواسعة التي كانت كل زاوية منها تمثل لها عمر وتاريخ ..وذكريات لاتنسى ...فليس سهلا أبدا ان تغادر بيتها وعالمها هذا ... لكن انشغال الأولاد عنها ...منهم من سافر وهاجر شأنه شأن الكثير من العراقيين ومنهم من أتعبته وأخذته مشاغل الحياة بعيدا...وكل فين وفين يزورها أحدهم في الوقت الذي لم يبادر أي منهما ليسكن امه معه لعلها الاستقلالية او إرضاءا لنصفه الاخر ..ربما ...وهي تدرك هذا جيدا وتفهمه ثم أنها بهذا العمر لاتجد راحتها الا في بيتها ..أما ما دعاها لأن تسكن دار المسنين ليس كبر سنها وعدم قدرتها على العمل فحسب إنما هي الوحدة القاتلة التي تعيشها جعلتها فيما بعد تفكر مليا وترضخ لاقتراح ولدها بان تسكن دارالمسنين ..كل هذا كانت تفكر به..وبينا هي كذلك جاء صوت المديرة تنادي أحدهم بعد أن أتمت جميع الأجراءات القانونية طلبت منه أن يأخذها وابنها حيث الغرفة والمكان الذي تعيش.....خرجا معا ودخلا تلك الغرفة فسلمت على من فيها من النزيلات . ..كان هناك أربع من النساء يشاركنها المكان ...وما أن شاهدنها علا وجوههن الفرح الذي لايخلو من فضول فهرعن نحوها يرحبن بها..و..و.قابلتهن بابتسامتها الجميلة المعهودة التي رغم سودانية الظروف لم تفارق محياها ابدا ....مرت لحظات يسودها السكون التفتت بعدها لتودع ولدها الذي بدت عليه علامات الحزن وشيء من ندم لم يتمالك نفسه بعدها فعانقها وخانته دموعه.. فبكى ..ضمته الى صدرها لتودعه وحاولت جاهدة أن تبدو متماسكة قوية رغم صعوبة الموقف والحزن الشديد الذي هي عليه...قالت له بعد أن رأت الدموع في عينيه ..كن مطمئنا ولدي .. ساكون حتما بخير ..لكن الذي أرجوه منك أن لا تبخل علي بالزيارة !! أشاح بوجهه عنها قائلا اكيد أمي العزيزة... كل أسبوع ستجديني انشاءالله أمامك ...وخرج مسرعا وهي تنظر اليه وألقت بنفسها على السرير ولم تنبت ببنت شفة ولم تتمكن من الرد على الأسئلة المتلاحقة التي كانت تاتيها من الساكنات ..التزمت الصمت وثمة حسرة ودموع لم تقوى هذه المرة على كتمانها ...
وما أن حل المساء ذهبت بمعية رفيقاتها الجدد الى الصالة التي يرتادها المسنووون في هكذا وقت ..هي قاعة كبيرة تتوسطها مناضد هنا وهناك تحوطها الكراسي من الجانبين وعلى أحد الحيطان كانت هناك شاشة تلفزيون كبيرة ..أعجبها المكان كان نظيفا بحق وواسع وجميل .. اتخذت لها مكانا بين المسنين وكانوا بالطبع من (كلا الجنسين )وجلست غير بعيدة تتفحص وجوه الحاضرين ..ماهي إلا لحظات حتى وقعت عيناها على أحد الوجوه .. وجه تألفه ..تعرفه تماما .. لم تصدق عينيها ...أيعقل أن تكون هي الأخرى هنا .أي صدفة هذه !؟ هكذا كانت تحدث نفسها بعد أن لاح لها وجه صديقتها (ام علاء)..ست الهام.. صديقة العمر الطيبة الخلوقة الطيبة...كانتا معا في نفس المدرسة وشاءت الظروف أن تفرفهما لاحقا بعد أن انتقلت الهام لمحافظة أخرى ..ولم تلتقيها منذ أكثر من ثلاثين عاما ...هل يعقل أن تلتقي بها هنا في دار المسنين !؟ ؟ أي صدفة هذه وأي قدر ذاك الذي رسم !؟.نظرت اليها بذهول تتفحص وجهها غير مصدقة ... وما أن التقت عيناهما...صاحت بها صديقتها ..هناء !؟ أنت هناااء اليس كذلك !؟ أجابتها بنعم .. قالت لها ..معقول ؟ مالذي اتى بك هنا صديقتي الرائعة ؟...أجابتها بمرارة ... الذي جاء بك هنا ...هو من أتى بي ايضا ...لعلها ذات الظروف عزيزتي...فالظروف وخيبات الزمن هما من يرسمان لنا الحياة والقدر ....تقدمت نحوها وعانقتها بشدة...وهمست في أذنها. .انك كما أنت لم تتغيري بذات الحلاوة وذاك والرقي..ههههههه...وجلستا سوية تتجاذبا الحديث فيما طلبت منها الهام أن تخرجا لحديقة الدار حيث الطبيعة الحلوة والهواء النقي ...بينما همتا بالخروج جاء صوت إحداهن ممن تسكن معها في الغرفة...أخت هناء... عكازتك....أجابتها تعلوها ابتسامة....لاعليك دعيها جانبا لا أعتقد انني بعد الآن احتاجها فلقائي بصديقة العمر هذه يغنيني عنها تماما .....وخرجتا معا تتابط إحداهما ذراع الأخرى وهما في غاية الفرح والغبطة والسعادة ...جلست الأثنتان على إحدى المساطب وأخذن يتكلمن بأمور كثيرة... ذكريات الأمس وظروفهما التي تكاد تكون متشابهه وتحدثت كل منهما عن معاناتها وأولادها والظروف التي احاطت بهم و...و....وبينا هما كذلك لاح لهناء الكتاب الذي كانت تحمله الهام استفزها عنوانه ..فسالتها والأبتسامة تملأ محياها .....
_ الهام.. هل مازلت تقراين لعريااان. ......!؟
هههههههه ..وهل لي سواه.............وأنت ؟
- هل مازال ملهمك جبراان خليل جبراان.......!؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج