الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوضى انتخابية .

فريد العليبي

2019 / 8 / 21
مواضيع وابحاث سياسية



مع افتتاح موسم الانتخابات الرئاسية برز الى السطح مهرجون وطامعون من كل لون ، وهم في مكاتب الهيئة العليا للانتخابات لتقديم ملفاتهم ، ومن بينهم العصفور النادر ، والفنان الباكي ، والبرجوازي الخيري ، وابن الشعب الدائم والمكشط بكوفيته الفلسطينية ، وحارس البلاد المتلعثم ، وكاشف تبانه ، والمثلي بعلمه الملون ، وصاحب القفة ، وصانع الرؤساء في أوربا وأمريكا . مما جعل صحفا تتحدث عن الترشحات الفولكلورية وهيستريا السلطة ، أما المواطنون فانخرطوا في حملة سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي من هؤلاء الذين أتاحت لهم " الأقدار " الفرصة لكي يلوثوا سمعة تونس على نحو لا سابق له .
و سار في جوقة هؤلاء المترشحين مثقفون وحقوقيون ، ومعارضون سابقون ، طلبا للمنافع ، مما يدعو الى التساؤل من أين خرج كل هؤلاء وأولئك ؟ وهل أن غايتهم هي فعلا التباري انتخابيا لحسن تدبير الشأن السياسي أم إن غرضهم تلويث السياسية وتنفير الناس منها ودفعهم الى هجرانها ؟ ويبدو أنه اذا كان للديمقراطية الناشئة من مأثرة فهي أنها أخرجت بعض الثعابين من أوكارها .
ومن المـــــــرجح أن ترشح أغلب هؤلاء لم يكن بريئا ، وأن قوى سياسية ومالية وإعلامية متنفذة تقف وراءه لبعثرة الأوراق ، ضمن استراتيجيات مرسومة للسيطرة ليس فقط على مؤسسة الرئاسة وانما سائر مؤسسات الدولة بعد تتفيهها وتحويلها الى مسخرة ، بما يمــــــكن بعدها من التخلص منها وتأسيس دولة أخرى تحل محلها ومنها تلك التي بشر الإسلام السياسي بها قبل سنوات تحت مسمى الخلافة السادسة .
و اللافت أن من بين المترشحين رئيس الحكومة ، الذي قالت حركة النهضة داعمته الرئيسية مرارا أنها ستسحب تأييدها له في حال أقدم على تلك الخطوة ، غير أنها تناست وعدها الآن وبلعت لسانها ، بل إنها نسجت على منواله فقد قدم وزراؤها في تلك الحكومة بدورهم ترشحهم للانتخابات التشريعية . وينظر الى ذلك باعتباره تواطؤا بين الطرفين ، كان الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي من المكتوين بناره في آخر أيامه ، كما أنه يمثل خرقا مبكرا لشفافية العملية الانتخابية مما يقوى الشكوك في نزاهتها .
وبدا المشهد أقرب الى فوضى انتخابية عارمة ، مندرجة ضمن فوضى الربيع العربي المعممة ، حيث المطروح خلخلة كل شيء وبعثرة كل الأوراق وتشتيت السلطات ، باستعمال الديمقراطية من قبل الامبراطوريات المعاصرة كسلاح ناعم لإعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية في المنطقة وفي العالم بأسره ، وفي خضم ذلك تقويض دول وتهشيم أوطان وتشريد شعوب وأمم .
واذا كانت صورة هؤلاء المترشحين وهم يقدمون ملفاتهم قد أثارت سخرية الشعب فإنها أبكته أيضا ، فمصيره وغده ومستقبله في مهب الرياح ، رغم تأكيد البعض أنه أفضل ألف مرة أن يترشح مائة من هؤلاء في انتخابات ديمقراطية من أن يكون في الحلبة مرشح واحد في نظام استبدادي يسابق نفسه ، غير أن الديمقراطية وقد غدت مهزلة ، لا تقل شرورها عن الاستبداد بل ربما فاقته .
ويسود بين التونسيين شعور أن تونس تضيع في تلك الحمى الانتخابية ويتساءل الناس من سوف ننتخب ؟ ولم يجد وزير الشؤون الدينية من سبيل غير دعوة الحجيج التونسيين وهم على جبل عرفة الى الدعاء لتونس لإنجاح مسارها ، في نفس الوقت الذي كانت تعم فيه ظاهرة انقطاع الماء والكهرباء أرجاء البلاد ، ومنها العاصمة التي لم يجد سكان حي من أحيائها غير قوارير مياه معدنية لتغسيل ميتة ، وفي الأثناء أكد البنك المركزي عبر تقريره السنوي أن تونس تغرق ولا حل في الأفق .
غير أن تلك الفوضى الانتخابية ليست جديدة ، فقد عرف التونسيون خلال السنوات القليلة الماضية ما يشبهها ، وكان البرلمان والحكومات المتعاقبة ساحات فوضى ، فسخروا من وزراء ونواب كانوا تعبيرا صادما عنها ، ونجحوا في هضم كل ذلك الخراب ، متعايشين معه والأمل يحدوهم في التحرر منها ، بتنظيم الحياة السياسية وتأسيسها على قاعدة التدبير العقلي ، حيث يعانق الحكم الحكمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا