الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة الواقع السياسي السوداني

سعد محمد عبدالله
- شاعر وكاتب سياسي

2019 / 8 / 21
الثورات والانتفاضات الجماهيرية



أولا. لا يختلف إثنان في حقيقة إنقسام قوى الحرية والتغيير بسبب تكاثر الخلافات بين كتل المعادلة السياسية الرئيسية، وكان هذا الإختلاف بمثابة "رصاصة" أصاب مطلقها وحدة الحرية والتغيير ووضع البلاد برمتها في مشكلة كان الأحسن تجنبها قدر الإمكان، ونحن عندما نقدم نقدنا لتجربة الثورة وخط الحرية والتغيير لا نقصد البتة إرباك المشهد السياسي وتأزيم الخلافات كما يفسره بعض محدودي البصر من التيارات المناوئة إنما نقصد التعبير الجاد والصادق عن مرحلة تاريخية مهمة جدا للسودان وتوضيح موقف فكري وسياسي دقيق وصارم تجاه الأحداث السياسية وحركة المجتمع اليومية سواء في المدن او الأرياف علي طول وعرض الوطن، والتحدث عن المشكلة قبل إستفحالها سيفتح نقاش واسع لإيجاد الحلول المناسبة اما إذا صمتنا فسنحمل السودان مشكلات تنتقل معه وتتسبب في أضرار سياسية وإقتصادية وأمنية لا نقبلها أبدا، وللعبور عبر بوابة هذه الثورة العظيمة إلي فضاء الدولة المدنية الديمقراطية لا بد من التوقف عند محطة السلام والتزود بمستلزمات رحلة التغيير والتحرر، فلا يمكن الوصول إلي المدنية والديمقراطية دون سلام شامل وعادل، ولا يجوز تجنيب قضية السلام او تأجيل حلها تحت زرائع هلامية فهي قضية مفصلية كان الأمثل وضعها في مقدمة أجندة التغيير لا إستخدامها كورقة للمناورة او ككلمة تنطق بطرف اللسان لتجميل الخطاب السياسي ودقدقت مشاعر الجماهير وتزوير إرادتها بعبارات فضفاضة خالية من مضامين السلام الحقيقية، فذلك الخطاب أعاد لنا صور من السودان القديم الذي تحكم في مركزه نظام الجلابة الإسلاموعسكري والمعروف بعادات العنصرة والإقصاء وتهميش المجتمعات علي أسس لونية وعرقية ودينية وجهوية وتشكيل حكومات ممكيجة الظاهر وتستبطن التشوه ولا تلبي أشواق الجماهير ولا تعبر عنهم، وهذه خطيئة سياسية وضعت بلادنا في محكات خطيرة نأمل عدم تكرارها، وهذه رسائل مباشرة نتوجه بها للدكتور عبدالله حمدوك رئيس مجلس الوزراء والسادة/ت الذين تم إختيارهم لمجلس السيادة ومجلس الوزراء لكونهم حكومة السودان.

ثانيا. ظللنا نتابع المشهد السياسي في كل مراحل الصعود والهبوط والنقاشات الجارية علي المسرح الوطني العام منذ ذهاب عدد من مكونات الحرية والتغيير إلي أديس أبابا لمناقشة قضايا السلام والديمقراطية، فقد إتفقت مكونات الحرية والتغيير مع الجبهة الثورية علي جل قضايا ومتطلبات السلام الشامل والإنتقال الديمقراطي، وقد أخذت إتفاقية أديس أبابا إلي الخرطوم وعرضت علي المجلس العسكري وأعلن موافقته عليها بقرض إدراجها في الإعلان الدستوري لكن بعض المجموعات داخل الحرية والتغيير رفضت ذلك وقامت بتنظيم حملات إعلامية ترمي الجبهة الثورية بطلب المحاصصة في المجالس الثلاثة، وقد أضرت تلك الحملات بعلاقات مكونات الحرية والتغيير وسببت في خدوش في شعور ضحايا الحروب الذين كانوا يحلمون بدولة السلام والمواطنة بلا تمييز، ولكن لتدارك تلك المواقف بدأ البحث عن حل سريع وكانت إجتماعات القاهرة وما شابها من تعثر، ولقاء جوبا وموقف الجبهة الثورية تجاه السلام ومسألة التوقيع النهائي علي الإعلان الدستوري دون تضمين رؤيتها او النظر في ملاحظاتها، وتشكيل الحكومة المدنية ومعاير إختيار أعضائها، والإنتهاء باقصاء الجبهة الثورية من الإحتفال الذي تم في الخرطوم، وجرت تلك الأحداث بشكل مسرحي وضعنا أمام تحديات كبيرة، وكان بالإمكان تجنب وضع البلاد في محكات كهذه قد تعيده لحقبة الحكم الإنقاذي بشكل آخر، فقضايا السلام الشامل لا تحتمل التجنيب او المماطلة في ظل سودان الثورة، وعدم إدراج نصوص إتفاقية أديس أبابا كما صيغت وأبرمت في الإعلان الدستوري يعطي مؤشرات سالبة جدا لا تخدم مصالح السودانيين وتتعارض مع روح الثورة والتغيير المرتجى، فكلما تم تأخير الإتفاق علي الحل الشامل لقضايا الحرب والسلام كلما تعمقت المشكلات وتراجعت فرص الحل وبالتالي تأزم الوضع السياسي والأمني أكثر فأكثر، ولا يمكن تجاهل واقع وجود خمسة جيوش في دولة واحدة وحدتها الآن معرضة للخطر بسبب تراكم الأزمات وعناد المركز الذي لا يريد الإستفادة من فرصة الثورة لتحقيق تغيير شامل، وكنا طوال الفترة الفائتة نحاول قدر الإمكان ضبط نقدنا وعدم فتح بوابة مواجهة بين قوى الحرية والتغيير حتى لا يحدث إنقسام يعطل مسيرة الشعب السوداني الساعي لبلوغ دولة ديمقراطية حرة يتوفر فيها السلام العادل، ولكن بعد أن رفضت بعض مكونات الحرية والتغيير أن تخرج من مسرحيات الإقصاء والتهميش الممنهج والمقصود وتم التوقيع النهائي للإعلان الدستوري وسط إحتفالات غيبنا عنها قسرا يجب أن نكشف الحقائق لشعبنا ونواصل مقاومتنا بالوسائل المتاحة حتى يأتي السلام الشامل.

ثالثا. إحتفل الناس في الخرطوم لكن قلوبنا كانت تحتج مع النازحيين في معسكر زمزم في أقصى دارفور، ويعتصرنا الحزن علي حال سكان المخيمات في المابان بالنيل الأزرق والجيلي علي طخوم الخرطوم وهم جميعا يصارعون السيول التي جرفت خيامهم، والعين تبصر الجوع والعطش والموت تحت ضوء النهار في مناطق الحرب وخلف جبال الأنقسنا وجبال النوبة وجبال التاكة وعلي مرامي المدن المريفة وفي دول المهجر حيث يرقد الشهيد والنازح واللاجئ وكان حلمهم العيش في دولة سلام تحترم إنسانيتهم وحقهم في الحياة لكنهم حرموا من الإحتفال بنجاح ثورة هم جزء منها وما زالوا يحلمون رغم ما حدث، والثورة كانت فرصة لتحقيق أحلام الجميع لكن تبدوا الأمور مختلفة، وهذا يتطلب منا التحدث بكل صراحة ووضوح ليعرف الشعب السوداني أن ثورته لم تكتمل بعد، وأن الطريق إلي دولة الحرية و الديمقراطية يمر عبر السلام الشامل، وأن ما تم في الخرطوم لم يحقق حلم اللاجئين والنازحين والمحرومين، وأن الإعلان الدستوري تعرض لخدوش قد تؤثر في مناعته وتجعله يتهاوى أمام رياح الثورة المضادة التي تنشط وكنا نحذر من تربصها بمكتسبات ثورة شعبنا الصنديد لكن النيران الصديقة لم تكن تولي الأمر إهتمام، ومؤسف جدا أن نختلف علي قضية السلام وهي الشريان الذي يغذي قلب الثورة المجيدة، هنا قد يحدثنا البعض عن تخصيص ستة اشهر قيل انها للسلام، هذه الشهور الستة ليست محددة ببرنامج واضح وحددت بشكل استباقي إلتفت حولها النخب في الخرطوم لكسب شرعية تضعها في سدة الحكم وتخصيص مقاعد المعارضة لشركاء الثورة في حين شارك الجميع بقوة وبالتساوي في كل مراحل الثورة، ولكن لا نريد الدخول في مغالطات لا تخدم مصالح شعبنا ولا تحقق التغيير، لذلك نرجوا من السادة قادة المجلس السيادي والوزاري التحرك بأسرع ما يكون لحل مشكلة الحرب وتحقيق سلام شامل والتأسيس لديمقراطية كاملة لضمان نجاح الثورة، فما زالت هنالك فرصة للتغيير والتحرر.


سعد محمد عبدالله
21 أغسطس - 2019م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا