الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منطقة آمنة في إقليم مشتعل، كيف؟!

آزاد أحمد علي

2019 / 8 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


في ظل السياسات الأمريكية غير المتوازنة والمناخ الدولي المضطرب، وكذلك تفاقم الأزمة الإقليمية وصراع السيطرة على سوق النفط وتجارة الممرات البحرية في كل من مضيقي هرمز وباب المندب، وفي سياق التصعيد العسكري والسياسي ضد حكومة طهران وتوفير البيئة لعقد صفقات كبرى، جاء الاتفاق الأولي التركي – الأمريكي حول تأسيس (منطقة آمنة) في شمالي الجزيرة السورية ليزيد المشهد تعقيدا ولتدفع المسألة السورية نحو مستوى آخر من الاستعصاء والكارثية.
على الرغم من الاهتمام والشرح المسهب إعلاميا لهذه المنطقة والسيناريوهات المتوقعة لصيغ تشيكلها، إلا أنه مازال اتفاقا أوليا غير دقيق، ولم تثبت تفاصليه، أو لم تعلن عنه إعلاميا على أقل تقدير. وعلى الرغم من أن الاتفاق من منظوره العام أفضل من اللااتفاق، فهو بطريقة ما يبعد احتمالات التصادم والحرب التي نخرت خواصر المجتمع السوري، لكنه من منظور خاص يظل اتفاقا خطيرا ومؤشرا على بداية مرحلة جديدة في معالجة وتثبيط المسألة السورية عموما والكردية منها على وجه الخصوص. ويشكل احتمالا إضافيا لتحسين وضعية تركيا النيوكولونيالية الساعية للهيمنة الاقتصادية والسياسية عالم العربي، فضلا عن أنه مسعى صريح لمعادة أي تقدم في الملف الكوردي. ما يرجح هذه الفرضية أن الرئيس التركي رجب اردوغان قد ضمن رسالته بمناسبة عيد الأضحى من جديد أحداثا ذات دلالة تاريخية استعمارية وتوسعية، فقد أكد على أن شهر آب الحالي سيشهد المزيد من الانتصارات في سوريا لصالح تركيا كما شهد هذا الشهر أول فتح تركي للمنطقة يوم 26 آب عام 1071 ميلادية، مذكرا بمعركة ملاذكرد التي تم فيها احتلال شمالي كوردستان والتوجه غربا نحو الأناضول لمواجهة بيزنطة ومحاربة العالم المسيحي والتوسع على حسابه. مفتخرا في الوقت نفسه بمعركة مرج دابق في 24 آب عام 1516م التي تم بعدها احتلال وحكم العالم العربي من قبل الغزاة العثمانيين الأتراك. فالدلالة صريحة وواضحة في استحضار التاريخ العسكري والسياسي للأتراك وتفصح عن رغبة فاقعة في التفوق العسكري والهيمنة على العالم العربي عموما وسوريا خصوصا.
أول مؤشرات خطورة هذا الاتفاق تأتي أيضا من أن الطرف السوري غائب بكل تلاوينه ومستوياته السياسية. كما أن الطرف الإقليمي العربي أيضا مستبعد. فضلا عن سلبية أوربية فرنسية – بريطانية.
المؤشر السلبي الأول لهذا الاتفاق يكمن في أنه أمني عسكري، لم يتدخل فيه سياسيا بشكل فعال سوى ممثل أمريكا في متابعة المسألة السورية جميس جيفري (المعروف بتعاطفه مع تركيا)، إذ ظهرت من العناوين الأولية للاتفاق أن قضايا الادارة والمجتمع والمساهمة في الانتقال الديمقراطي غائبة تماما، بقدر غياب الفعاليات السورية، على الرغم من ضعف حضورها في معظم الاتفاقيات الأخرى في السنوات والأشهر الأخيرة.
ما ترابط وتشابك مع الاتفاق على أرض الواقع هو رد الفعل الروسي بالتنسيق مع حكومة دمشق وترجم عسكريا في محافظة إدلب وتصاعد حتى تم قصف قافلة عسكرية تركية ليلة 19 آب الجاري، وعلى ما يبدو أن أول ترددات الاتفاق على الأرض السورية قد تكون عملية دفع المسلحين من متطرفي المعارضة نحو الشمال، الذي سيسبب مزيدا من الاحتكاك مع المواطنين الكورد في عفرين ومنطقة الشهباء وقد ينتج عنه موجة نزوح مدني وعسكري نحو داخل حدود تركيا. فالاتفاق قد يدفع كل من روسيا وايران ليس للاختلاف بل والانتقام من تركيا بإخراج المزيد من التنظيمات التابعة لها من مناطق ريفي حلب وادلب.
الخطورة المتوقعة تكمن أيضا حال تطبيق الاتفاق في إزاحة قوات سوريا الديمقراطية نحو الجنوب وزيادة احتكاكها مع الأوساط المستاءة من المجتمع العربي في جنوب الجزيرة السورية وعلى طرفي نهر الفرات. وبالتوازي مع ذلك من المحتمل تسلل عناصر تابعة للحكومة التركية مهمتها زرع عدم الاستقرار والتسبب في المزيد من الشقاق بين الكورد والعرب وابتزاز المسيحيين في الشريط الحدودي ذات الكثافة السكانية العالية.
مسار الحرب والصراع في السنوات الماضية أثبتت ان مطالب تركيا وطموحاتها في الهيمنة على سوريا وصياغة ما يتبقى منها مستقبلا لا تنتهي، وما المنطقة الآمنة سوى أحد حلقات هذا المسلسل الطويل في المطالب والحجج، ففي جزئية شرق الفرات لن تتوقف تركيا عن السعي لمزيد من الكسب السياسي غير المشروع، سواء من حيث عمق المنطقة الآمنة أو طولها، فهي تستهدف في المحصلة الواقع الإداري والسياسي والاجتماعي الجديد الذي تشكل بعد عام 2012، وليس له علاقة حقيقية بالتهديد الأمني لداخل تركيا، خاصة أن جل المنطقة المحاذية لشمال سوريا هي مناطق كردية ولا توجد في المناطق الحدودية سوى عناصر من حرس الحدود التركي، وخط الحدود مسيج بأسلاك شائكة منذ عشرات السنين وتم بناء جدار كونكريتي في السنوات الأخيرة فضلا عن وجود ألغام أرضية منذ تأسيس الجمهورية التركية منذ حوالي مئة عام. فهدف حكومة أردوغان استراتيجي صريح في السيطرة على المنطقة والهيمنة سياسيا على معظم منطقة شرق المتوسط، وصولا الى لجم وتحديد مسار العملية السياسية في سوريا بدلالة المصالح التركية.
في حال تسبب الاتفاق في نزوح المدنيين جنوبا و ازاحة قوات قسد للتمركز والتمدد على ضفتي الفرات في كلتا الحالتين قد نشهد مزيدا من العنف والتصادم الاجتماعي، وسيتم غلق ما تبقى من المخارج الضيقة أصلا نحو الحل السلمي والانتقال السياسي في سوريا.
إقليميا ليس ثمة عوامل مساعدة لا على تأسيس منطقة آمنة صغيرة ولا على إيجاد حل مشرف وقريب للمسألة السورية، فالاقليم مشتعل وقد تتفاقم حالات التصادم الى حروب كبرى، لذلك فرص نجاح تأسيس منطقة آمنة تظل قليلة وستأخذ نتائجها في حال التطبيق وقتا أكثر من المتوقع.
أخيرا أثبتت تجارب الخمسين سنة الأخيرة أن القوات التركية عندما يسمح (غربيا) لها بالخروج الى خارج حدود تركيا في الجوار فإنها لن تعود الى قواعدها اطلاقا وتضم هذه الأراضي الى تركيا وتنفذ برامج تتريك وتغيير ديمغرافي وسياسي كما حدث في شمال قبرص وفي كوردستان العراق وكذلك بشمالي سوريا في السنوات الثلاث الأخيرة (من جرابلس وحتى محافظة ادلب مرورا بعفرين)، وهذا ما يتوافق مع سياسات حلف حزب أردوغان (AKP) والحزب القومي الفاشي (MHP) التي باتت تبتلع الأراضي السورية منطقة بعد أخرى، كما تبتلع المعارضة السورية مجموعة بعد أخرى.
في المحصلة مشروع الحل السياسي؟ دعم مسار السلم الأهلي، ترسيخ قيم المواطنة والمساواة والبدء بالانتقال السياسي فالتأسيس لنظام ديمقراطي سيتراجع بالضرورة مع تقدم وتعمق التدخل التركي على الأرض في سوريا فضلا عن تقدمها المستمر في تفشيل ما تبقى من المعارضة السورية. الاتفاق الأمني التركي – الأمريكي بصدد شمال سوريا يؤسس لمزيد من الاستعصاء، ولا يوفر بيئة مناسبة لأي حل جزئي أو كلي. فالإقليم مشتعل، ومن الصعب تحقيق سلام جزئي على رقعة صغيرة منه، وان كان مطلب المواطن السوري اليوم هو السلم الأهلي في المقام الأول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت