الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس : فضيحة التزكيات .

فريد العليبي

2019 / 8 / 26
مواضيع وابحاث سياسية



في خضم الاستعداد للانتخابات الرئاسية اكتشف مواطنون ورود أسمائهم رغما عنهم في قائمات التزكيات التي يستظهر بها المترشحون أمام الهيئة العليا للانتخابات لقبول ملفاتهم ، بينما فقد آخرون تزكياتهم . ولم يقف الأمر عند حد تزوير تزكيات المواطنين وحدهم ، وإنما تجاوزه الى تدليس تزكيات برلمانيين ، مما حدا بنائب الى مراجعة نفسه وسحب تزكيته أحد المترشحين ، مبررا ذلك بأنه تم تزوير امضاءات عدد من زملائه . وراجت شائعات حول بيع نواب تزكياتهم بآلاف الدينارات ، ورفع بعضهم قضايا عدلية ضد مترشحين أخذوا تزكياتهم دون الرجوع اليهم وقال آخرون إن تزكياتهم ضلت طريقها ، فقد ذهبت لصالح غير من أرسلت اليه ، بينما تورط نواب في تزكية أكثر من مترشح ، وهو ما يتعارض مع القانون الانتخابي .
وبدا أن ما حصل تدليس يرقى الى مستوى الجريمة قانونا ، والفضيحة أخلاقا ، فقد أُستغلت أرقام هويات شخصية وامضاءات لتزكية مرشحين لا علاقة لهؤلاء وأولئك بهم ، وهو ما أثار موجة من الاحتجاج سواء في مواقع التواصل الاجتماعي، أو عبر الاتصال المباشر وتبليغ بعض المنظمات المعنية بمراقبة الانتخابات بما حصل.
وفي الأثناء طُرحت أسئلة حول صمت الهيئة العليا للانتخابات ، التي عوضا عن رفض ملفات بها تزكيات مزورة ، وضعت وزر المشكلة على المواطنين ، ناصحة اياهم بتقديم الشكاوى الى القضاء ، وأن بإمكانهم معاقبة المترشحين عبر عدم التصويت لصالحهم ، فتلك عقوبة أكبر من عقوبة القضاء بحسب ما قاله أحد أعضائها .
وفُسر هذا التعامل مع تلك الفضيحة بأن الهيئة مدينة للأحزاب البرلمانية من حيث تكوينها ، فكيف تلوي العصا في يدها ، مما يطرح أسئلة عن استقلالها ، وهي إن فتحت فروعها لتلقي الاعتراضات من قبل المواطنين فإنها لم تفعل أكثر من محاولة امتصاص غضبهم .
و ما يجدر ذكره أن هذه الفضيحة ليست الأولى من نوعها ، فقد حصلت مثيلتها للمرة الأولى في انتخابات 2014 ، وذهبت الاحتجاجات عليها أدراج الرياح ، إذ لم يحاسب المزورون على أفعالهم ، وظلوا دون عقاب ، وهاهم يكررون فعلتهم مرة أخرى . وقد طالبت هيئة رقابية الهيئة العليا للانتخابات بأن تتحمل مسؤوليتها وتبت في تدليس التزكيات ، وعدم الاكتفاء بنصيحة المتضررين برفع أمرهم للقضاء ، منبهة الى أنها لجأت خلال الانتخابات السابقة اليه ، مقدمة ملفات تفيد تزوير التزكيات ولكنه لم ينظر فيها حتى اليوم .
وقاد ذلك الى استنتاج أن التزكيات في الانتخابات التونسية قد خضعت دوما الى البيع والشراء ، وهذا ينسحب على أغلب المترشحين ، وإنه لفرط التهاون في التصدي لتزويرها أصبج من هب ودب يجمع ما شاء منها ، ليقدم نفسه باعتباره جديرا برئاسة الدولة ، إذ لا وجود لعائق كبير يمنعه من ذلك ، وحتى الضمان المالي المقدر بعشرة آلاف دينار فإنه في حال سقوط ترشحه سرعان ما يسترجعه .
واذا عدنا الى الترشحات الفولكلورية وربطنا بينها وبين التزكيات المزورة ارتسمت أمامنا صورة مشوهة للديمقراطية ، حيث الغش والخداع والمخاتلة والاحتيال . وستأتي الوعود الانتخابية ، التي لا أول لها ولا آخر بعد أيام لكي تزيد الطين بلة ، مما سيفاقم من حيرة الناخبين ويضعف ثقتهم في المترشحين ، وذلك في وقت ازداد فيه توجسهم من العملية الانتخابية ، بل ومن السياسية كلها ، وهو ما أكدته نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات البلدية الأخيرة بشكل لافت . ومن هنا فإن ما يجري هو اغتيال الديمقراطية باعتبارها حكم الشعب لنفسه بنفسه على يد الناطقين المزيفين باسمها ، بعد استباحة مفاهيم سياسية أخرى مثل الثورة ، التي تم تحويلها من حيث الدلالة والمعنى الى فوضى . والهدف الاستراتيجي هو اخراج الشعب من السياسة وتحويلها الى مهنة ، تتعاطاها فئة من المتاجرين بمصالحه وتقبض على ذلك أغلى الأثمان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - القرصان أكلة شعبية سعودية بطريقة الإيطالية مع قمر


.. صنّاع الشهرة - لا وجود للمؤثرين بعد الآن.. ما القصة؟ ?? | ال




.. ليبيا: لماذا استقال المبعوث الأممي باتيلي من منصبه؟


.. موريتانيا: ما مضمون رسالة رئيس المجلس العسكري المالي بعد الت




.. تساؤلات بشأن تداعيات التصعيد الإسرائيلي الإيراني على مسار ال