الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة من الماضي

عيسى بن ضيف الله حداد

2019 / 8 / 26
الادب والفن


قصة من الماضي
(كوثيقة تاريخية – تعود إلى خريف 1967)

في الغابة.. ومع الليل..
وحتى النهاية

لا لم أصدق أنه لن يعجبني.. من كل أعماقي، كنتُ أتصوّر من أنني سأشعر في البهجة وتتغير أجواء نفسي- كفتى..
بيد أن ذلك لم يحدث.. أغلفتي ترافقني..

كوفود أجنبية مدعوة، كنا نتحلق حول إحدى الطاولات التي خصصت لنا..
الفرح الطفولي الذي استقبلت به الحفلة الراقصة، ذاب.. وتلاشى رويداً.. رويدا..- مع الزحام والتدافع والموسيقى الصاخبة..
تمايلت مارغريت بقدها المياس.. قائلة:
لماذا الصمت..؟ أنظر إنهم يرقصون ويضحكون..- ما بالك.. ! –الرقص، يزيل من النفس كرب الأمس..
لم يفتني ما ترمي إليه، كدعوة للرقص.. - الصمت ردي..
جميع الذين هم في معسكر الشباب الاشتراكي-الذي نحن فيه.. كانوا هنا..
جمعت المائدة عليها أصنافا من الشراب.. سكارى يترنحون.. يهزجون.. الأقداح تعانق الأقداح.. والموسيقى تضج صاخبة.. الزجاجات.. ترتفع.. وتعود.. وأحياناً تهوي..
الكآبة تحتلني..
ما الفرق إذن..؟ في أوربا البرجوازية يصنعون ذلك أيضاً..!!

المدينة الجميلة التي زرناها منذ أيام.. كل شيء فيها منظم على نحو اشتراكي.. المخازن- والمقاهي- والفنادق – كلها ملك الدولة.. ملامح الحياة الاشتراكية في كل زاوية من زواياالمدينة..
فرحي كان عظيماً.. سيصبح وطني كذلك يوماً.. إننا في بداية الطريق.. القرى التي مررنا بها – جميلة رائعة.. اشتراكية.. ليست كالقرى.. ما أروعها..! - ستصبح قرانا العربية كذلك يوماً..
فرحي كان غامراً... أرى فيما أرى، وطني العربي في الغد، بعدما تشرق شمس الثورة..

فرحي الطفولي الغامر، يذوب مع الموسيقى الصاخبة والرقص.. وزجاجات البيرة والويسكي والفودكا..
ما الفرق إذن.. ؟- السؤال يلوح.. يكبر.. يضج في أعماقي صارخاً..
في وطني يتدرب الشبان على السلاح.. أجزاء جديدة من أرضنا - يغتصبها البرابرة.. - في الفيتنام تُسطر أروع ملحمة بطولية في التاريخ..-
في أجزاء عديدة من العالم، من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.. يتصاعد النضال الثوري الدامي المسلح.. المد الإمبريالي يتكالب..
سكارى يترنحون.. يهزجون.. الأقداح تعانق الأقداح.. الموسيقى تضج صاخبة.. الزجاجات ترتفع.. وتعود..وأحياناً تهوي..

يوم أمس، مرت مناسبة العيد القومي المالي- احتفل الجميع..

أشار المندوب المالي على تصاعد المد البربري في العالم.. شرور الإمبريالية تمتد وتتسع..
تحدث عن المؤامرة الاستعمارية الشرسة على الوطن العربي.. لا بد للعالم الاشتراكي والشعوب أن تقف بحزم ضد الوجود الصهيوني الاستعماري. -- صفق الجميع بحرارة-
تتالت كلمات الوفود.. بدت لي فروق جليّة بين كلمات الوفود الأفرو- آسيوية- اللاتينية، وبين كلمات الوفود في أوربا الاشتراكية.. –
الأولى- تحوي نسغاً حاراً.. تحدثت عن المجابهة الصامدة.. ضد قوى العدوان الإمبريالي، وعن الحروب المحدودة التي تثيرها- أمريكا، ضد القوى الثورية، وعن تعاظم المد الإمبريالي- وعن الإستراتيجية الجديدة التي من شأنها مواجهة هذا المد – المضاد لثورات الشعوب..
على ضفة أخرى، تظهر كلمات الوفود الأوربية على وتيرة واحدة، نموذج من قالب واحد.. تحدثت عن قوى السلم والديمقراطية - وعن المساعدات التي تقدمها تلك الدول إلى دول العالم الثالث في نضالها ضدالاستعمار.

في نهاية الاحتفال خرجت الوفود الأفرو- آسيوية- اللاتينية – وعانقت الوفد المالي بحرارة.
كان موقفاً ثورياً رائعاً – تعانقت فيه وفود هذه الدول – الأسود والأبيض والأصفر والأسمر- صفق له الأوربيون بحرارة..

الأوربية الجميلة – مارغريت – بجانبي – تشدني بحرارة:
--"- لماذا الصمت والكآبة والشرود.. الموسيقى تنساب رائعة. .كلهم مرحون.. هلم بنا إلى الرقص..
-- لكني لا أتقن الرقص..
-- سوف تتعلم من مرة واحدة - سترى "..
...
وعدنا..
- ".. إنك تتعلم بسرعة فائقة.. ولكن قل لي، لماذا لا تعرف الرقص..؟ "
- " اسمعي يا مارغريت.. أنتم في أوربا متشابهون- ونحن نختلف عنكم.. أعرف الرقص الشعبي " الدبكة "، أما هذا الرقص، هو رقص الجماعات البرجوازية في وطني – هم مقلدون.. سوى ذلك لا نملك الوقت الكافي- الجهد السياسي يشغل وقتنا.. ونحن كما تعلمين على أبواب ممارسة الحرب الشعبية الطويلة الأمد- لذلك لا نعرف الليل..
أفترّ تغرها عن ابتسامة عذبة..
-" ذلك جميل و واقعي.. حدثني عن الدبكة "..
- " يا عزيزتي مرغريت: الدبكة نمط من الرقص الجماعي.. اليد باليد وتنتظم الأرجل في حركات منتظمة على إيقاع من نمط موسيقي شعبي..
لعل هذا النمط الفولكلوري الجماعي يمثل جماعوية المجتمع العربي أو الشرقي عموما.. مقابل فردانية الفولكلور الغربي.."
- "جميل هذا التعليل ..– قالت مرغريت -ممسكة يدي هيا للرقص من جديد...
في أعماقي .. يثور شعور حزين.. أخون وجودي.. كأني أرقص على جماجم الشهداء في وطني الجريح... أنا أرقص.. والأرض الحزينة يحرقها البرابرة..
أحست مارغريت بما اعتراني – قالت لي - كم أنت كئيب - وتثير الكآبة أيها العربي.. ذكرتني بما قد حدثني عن شاعركم الظريف.. اليوم خمر وغداً أمر.. كن هو.. ! – ما اسمه، ها قد نسيته..
امرؤ القيس..
أجل تذكرت.. كن إمرؤ القيس، وانزع عن النفس عبوس اليأس..


عدنا إلى الطاولة .. كانوا سكارى يترنحون.. يهزجون.. الأقداح تعانق الأقداح.. الموسيقى تضج صاخبة.. الزجاجات ترتفع.. وتعود.. وتهوي..- زجاجة الفودكا تنسكب على كتاب من مختارات لينين – كان على الطاولة.. بحكم المصادفة.. وجوده، لم يكن من اهتمام أحد..
قالت إحداهن..- آه أيها الرفيق العظيم لينين- إننا نحتفل.. لن تغضب.. لأننا تلامذتك.-
قالت أخرى: إنه يشاركنا الشراب.. نخبك يا رفيق..
ضحك الجميع..- لن يغضب الرفيق العظيم لينين....!!
غادرتُ الطاولة بصمت-
عند الباب الخارجي أدركتني مارغريت – " إلى أين ذاهب. أيها الهارب..!. "
–" أشعر بحاجة للمسير..

سرنا معاً في الغابة.. كان الظلام شديداً.. والليل ندياً.. والهدوء عميقاً.. عميقاً.. حزيناً ظهر القمر من بين السحب.. خجولاً خجولاً.. ليغمر الليل بأشعته الواهية.. يلقي على الغابة جمالاً ويضفي على السكون روعة..
مارغريت تسير بجانبي.. صامتة.. حيرى.. تريد أن تعلم.. ماذا بيَ قد ألم..
– " لماذا، لا نعود..؟ من يسير في هذه الغابة الموحشة.. تاركاً تلك الحفلة الراقصة الرائعة.. "
وجهها الجميل ينظر إليّ بإشفاق.. عيناها الزرقاوان يلوح فيها السؤال.. أحسستُ بحب جارف عنيف نحوها.. ضغطت على يدها بحرارة.. ..
- أترين القمر الشاحب الخجول- والليل الحزين.. والغابة الموحشة. أحس معها
بالهدوء والسكينة..
- لكني أشعر بالوحشة أيها الحبيب.."
- أعلم ذلك.. إننا مختلفون أيتها العزيزة مارغريت.
- ألسنا اشتراكيين جميعاً..
- " نعم ونحن مختلفون في مواقعنا.. لا يحق لي يا مارغريت أن أرقص على جماجم وطني وجماجم آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.. إنكم يا مارغريت تمرحون على جماجم العالم..
- " ما هذا القول..؟ إننا معكم..- أرجوك أن تعود.. أتسمع الموسيقى من بعيد.. تنساب رائعة.. جميلة.. عذبة.. تخرس الأحزان.. لك أن تنسَ الأحزان، عد معي.."
- " لا يامار.. لن أعود.. فالغابة الجميلة.. والقمر الشاحب الخجول.. والصمت العميق.. والليل الندي.. والدرب الضيق الذي يسير بين الأشجار.. - أحزاني تذوب هنا.. "
- آه، لكم تعذبني.. لم تكن تتحدث من قبل هكذا.. كنت تتحدث عن التقدم الاشتراكي الهائل في بلادنا.. وعن آمال الغد.. - درجت تقول: بلادنا ستصبح بعد عشرات السنين مثل بلادكم.."
-" نعم هذا صحيح.. لكنني أرى، أن النفَس النضالي في هذا الجيل يتلاشى.. بين الرقص والفودكا والموسيقى الصاخبة..
-" دع عنك هذا أيها الحبيب.. ولنعد.. اشعر بالوحشة.."
- " أيتها العزيزة مارغريت.. أشعر بالهواء الأفرو- آسيوي اللاتيني.. يتسلل إلى أعماقي من خلال الغابة الموحشة..
- " ماذا دهاك، تتحدث بمنطق جديد..
يجزأ وحدة العالم الاشتراكي والشعوب المناضلة.. هذا منطق خطير..
- بودي أيتها الرفيقة الأوربية الجميلة.. لو أني لا أتفوه بذلك.. لكنني اتلمس ملامح الخلاف..
- لماذا، وكيف..؟
- أنصتي يا مارغريت أنتم أيها الأوروبيون الاشتراكيون، سرتم طويلاً في طريق الاشتراكية..- أو هكذا يبدو لكم ولي- وإنكم بنيتم حياتكم الاشتراكية الخاصة.. وتعيشونها الآن.. لكن يجب أن يعلم الجميع في أوربا الاشتراكية.. إنه لا يمكن أن يعيش أحد- حياة اشتراكية حقيقية ما دام هناك إمبريالية.. ورأسمالية في هذا العالم – حياتكم الاشتراكية مهددة باستمرار.. وإن مرحلة الحياة الاشتراكية الحقيقية لن تأت إلا
بعد انتصار النضال العالمي الاشتراكي.. لا يعني أن لا تبنوا الحياة الاشتراكية في بلدانكم.. بيد أنه عليكم أن تربطوا بين البناء الاشتراكي في بلادكم وبين النضال العالمي العام من أجل الاشتراكية.
واعلمي، أن الاشتراكية والرأسمالية لا يمكن أن يتعايشا في عالم واحد.. النقيض لا يتسع للنقيض.. لا بد من النضال الواسع المتعدد الجبهات بكل السبل.. هذا الحديث عن السلام، ما هو سوى أسطورة، يحطمها الواقع العالمي الحالي – إنكم إن أردتم السلام.. لن تعطيه إياكم الإمبريالية – هاهم الإمبرياليون يهاجمون معاقل تقدم الاشتراكية والثورة في بلدان العالم الثالث.. في الفيتنام وكوبا والوطن العربي.. وغداً دوركم..- - أنتم مخطئون أيها الاشتراكيون في أوربا الاشتراكية، إن ظننتم أنه بوسعكم أن تعيشوا الحياة الاشتراكية بسلام- بمعزل عن النضال الاشتراكي العالمي.. نحن ندافع عنكم بنضالنا..
تتطلب الحقيقة الثورية الآن، أن يتلاحم الثوريون الاشتراكيون عبر العالم في نضال موحد - لا أن يناضل البعض – ويعيش الآخر حياته الاشتراكية الخاصة.. – الجزارون ووحوش الغابات.. وذئاب الليل.. لن يتركوا السلام يعيش بسلام..
كانت صامتة.. حيرى..-
– دعنا الآن.... عد معي.. فالرفاق سيغضبون.. أتسمع الموسيقى من بعيد-تنساب رائعة.. عذبة.. تخرس الأحزان..
-لا يا مار- لست من هذه الديار – لن أعود.. فالغابة الجميلة.. والقمر الشاحب الخجول.. والصمت العميق.. والليل الندي.. والدرب الضيق الذي يسير بين الأشجار.. - هنا ها هنا.. أدفن أحزاني..-
آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ووطني العربي أحسها هنا.. - كيف تريدين مني أن أرقص.. والأرض الحزينة يحرقها البرابرة في بلدي الحبيب.. وكلاب الليل في وطني تنهش الأحياء المقيدين بالسلاسل.. - لن أرقص.. ولن أرقص.. ولن أشرب الفودكا..
.- " إلى متى ستسير في هذه الغابة.. ومع الليل"
نظرتُ إليها بإشفاق.. إلى النهاية.. يامار .. إلى النهاية...إنك تتألمين أيتها الأوربية الجميلة -- إن أردنا تغيير العالم، ونبني العالم الجديد، وأن نعيش الحياة الحقيقية.. يجب أن نسير في الغابات.. نحارب الظلام حتى ينبثق القمر الحبيب من خلال الحجب المظلمة الكثيفة.. وتبزغ الشمس الدافئة لتحرق الليل بأشعتها.. -
إننا أيتها الرفيقة الأوربية لن نجد سعادتنا
إلا في النضال وسط الغابات.. حتى بزوغ العالم الجديد في الأرض..
-" و مسيرتكْ هذه ما دورها.. ما علاقتها.. في النضال.؟
- "هي المشاركة الرمزية - من هنا أيتها الرفيقة الأوربية الجميلة.. من هنا.. افترقنا.. إنها تعني الرفض.. الرفض المطلق للمباهج اليومية الصغيرة... ومن خلال رمز الرفض تبدأ الحقيقة..
- أو تريد أن تسير وحدك الآن.. ؟
- " لست وحدي يامار... إنها شعوب القارات الثلاث- تسير في الغابات.. والجبال.. والأودية.. والصحاري.. في الليل والنهار.. تسير باستمرار.. لست وحدي.. سنرفض الرقص والموسيقى والويسكي.. والفودكا.. والسعادة اليومية العابرة.. ونسير في الغابات والجبال والأودية والصحاري وفي الليل.. مع البنادق والرصاص.. حتى تنتهي وحوش الغابات - وجرذان الصحاري.. وقطاع الطرق في الجبال والأودية.. وذئاب الليل.. حتى نبني العالم.. وتشرق الشمس الجديدة- ويعم الدفء والاشتراكية.. السعادة الحقيقية..
أيتها الرفيقة الأوربية الجميلة.. تعالي معي.. إلى الغابات والجبال والأودية.. والصحاري.. مع البنادق والرصاص لنبني العالم الجديد.. - هناك السعادة سعادة المكافحين.. من اجل العالم الجديد.. وحده العالم السعيد..

كان الليل ندياً.. والهدوء عميقاً جميلاً حزيناً.. القمر يتهادى خجولاً.. خجولاً.. ليغمر الليل بأشعته الواهية.. يهب الغابة جمالاً.. ويضفي على السكون روعةً..
أسير وحيداً.. وحيداً.. – الأنغام الأفرو- آسيوية- اللاتينية، تغمر نفسي.. الحلم يدغدغني..
في الغابة وفي منأى مني، تنبعث الموسيقى صاخبة.. صاخبة.. وتمتزج بغناء راقص..

تذييل
- يعود هذا النص القصصي إلى خريف عام 1967 - 9/10/، تم نشره آنذاك في دورية طلابية جامعية حملت اسم " المثقف العربي الثوري.
صدرت تلك الدورية في جامعة دمشق.. كنت آنذاك طالباً في كلية الطب ورئيساً لتحريرها..
اختص هذا العدد لتمجيد استشهاد ارنستو تشي غيفارا - صورة الغلاف احتوت صورته..
يرتدي، أن هذا النص القصصي قيمة تتجاوز كثيراً قيمته الفنية..
تتجلى في إنعاش الذاكرة المنسية لموقف طالب يساري عربي، أقدم على نقد أنظمة المنظومة الاشتراكية-السوفييتية، في زمن سيطر فيه على الفكر العربي لاهوت التسبيح والتقديس بعظمة هذه المنظومة.
وقفة أمام الظرف الذي ظهر فيه هذا النص: قيظ لي أن أزور برفقة وفد طلابي ألمانية الديمقراطية، عدت حاملاً في جعبتي رؤية أولية جريئة تحمل الكثير من المعاني..
تنطلق قيمة هذه الرؤية في كونها قد سبحت ضد التيار الذي صنعته الآلة الدعائية العملاقة للنظام السوفيتي وأجهزة الأحزاب الشيوعية العربية، حينما ألقت في روعنا محرمات غير قابلة للمس..
لم أكن اعتقد بكون النظام السوفييتي هو نظام اشتراكي حقيقي = أنما هو مجرد كاريكاتور اشتراكية..
بعد مكوث عشرين يوما عدت من ألمانياً.. عبرت عن وجهة نظري لرفاقي، بكون هذا النظام المسمى آنذاك بألمانيا الديمقراطية.. يعاني من أمرين أَمرّين مرين: الشريحة البيروقراطية التي كرست نعم الاشتراكية لمصلحتها- والتبعية السوفيتية التي تجعل من المواطن الألماني يشعر في سريرته بالمهانة القومية..
تذكرت رؤيتي تلك، على مشهد من الجماهير الألمانية الشرقية وهي تنقض على جدار برلين..
لم أسجل في النص القصصي الآتي كل ما أختزن لدي من رؤية من زيارتي تلك، إنما قد اكتفيت بإرسال إشارات معلنة حيناً وحيناً مضمرة..
كان من الاستحالة بمكان مواجهة ذلك التابو المسيطر على الأذهان في ذلك الآن...
والسؤال الآن: أين نحن في يومنا هذا.. ؟ ! أدرج هذا النص القصصي، كما قد جاء عليه مع تعديلات طفيفة في صياغته- من حيث هو نص للتاريخ.. أكثر من كونه للفن القصصي..
(المرجع - ص 69- 74 من العدد الرابع لدورية المثقف العربي الثوري 1967).
الصدى في ذاك المدى
أثار هذا النص وغيره على نسقه، حفيظة الفريق الطلابي الشيوعي في جامعة دمشق وبدأت حملة منظمة ومتقنة ضد هذه الدورية – بما فيها شخصي.
والمريب في الأمر، تمركز نقد الفريق الطلابي الشيوعي – على عدم عروبية العدد.. في حين انهم يعلمون خصوصية العدد الذي صدر على إثر استشهاد غيفارا، القائل: " أحس على وجهي بألم أي صفعة توجه إلى أي مظلوم في هذه الدنيا، فأينما وجد الظلم هو وطني.." -- غيفارا عربي وإفريقي وأنساني، بمقدار ما هو امريكي لاتيني..
المستغرب أن الصولة والحمية الأممية تلاشت امام منحى ذلك العدد –¬ ربما يكون السبب في كون غيفارا حمل توجها نقديا للمنحى السوفيتي..
الأكثر غرابة، كانوا يروجون لمقولة غريبة في كون هذه المنظومة قد أنجزت البناء الاشتراكي وها هي تتقدم حثيثاً نحو صياغة النظام الشيوعي.. !!
كتقييم – ليس بوسعي في يومي، أن أكتب بمثل هذه اللغة، ولا الإتيان بمثل هذه الأفكار.. لأننا وغيرنا تظللنا هزيمة منكرة.. ربما قد مثّل البعض من هذا الفكر آنئذ، رؤية حدسية لحقيقة ما، أعلنت عن ذاتها عندما تهاوت المنظومة الاشتراكية وسقطت صريعة – ونحن معها - لنصبح معاً تحت سطوة الطغيان لدولي..
للقارئ.. أن يدرك..
على سبيل التذكر: أتذكر كنا خمسة من الزملاء: اثنان من جامعة دمشق، وإثنان من جامعة حلب، وممثل عن ثانويات دمشق وهو الشهيد يوسف أزروني.. (أستشهد في الجولان المحتل)
في خضم ذلك، سنحت لنا فرصة زيارة برلين الغربية، بيد أننا قد رفضنا رفضا باتاً، التزاماً بموقفنا مع ألمانيا الشرقية كبلد اشتراكي، وقد راع انتباهنا، أنه حلم للألمان الشرقيين، في تطلعهم الدائب غرباً.. كانت صدمة أولى لنا-
تجلت الصدمة الثانية عبر تجوالنا في برلين الشرقية، حيث تعرضنا للعديد من الطلبات لشراء الدولار منا بأرقام تفوق قيمته العملية كثيراً، رفضنا ذالك بإباء.. كبديل: توجهنا إلى البنك الرسمي بلا تردد، وسط دهشة موظفي البنك، الذين استغربوا طلبنا، كان هذا واضحاً بجلاء على وجوههم، وطريقة تعاملهم..
والأكثر غرابة، أن أحد الكوادر العاملة في معسكر الشباب الاشتراكي الدولي، أتصل بأحدنا وكان يتقن اللغة الفرنسية، طلب منه بعض الدولارات.. وكان حلمه الخفي اللجوء إلى الغرب، وفرنسا خاصة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما