الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا استهدفت إسرائيل العراق ؟ وكيف يواجه التحديات ؟

رضي السماك

2019 / 8 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


حالة من الصدمة المفاجئة والبلبلة سادت بين الأوساط الرسمية وقيادات " الحشد الشعبي " في تفسير سبب الإنفجارات المتتالية طوال ما يقرب من ثلاثة أسابيع و التي وقعت في مخازنه ومعسكراته ، فمن مفسرٍ بأن ما وقع ناجم عن ماس كهربائي ، إلى مفسر آخر إنما هو ناجم عن الإهمال و سوء التخزين الذي تفاعل مع ارتفاع كبير في درجة حرارة الطقس مما أفضى لتلك الإنفجارات ، وحتى الأصوات المحدودة التي اجتهدت بأنها ناجمة عن اعتداءات اسرائيلية مدبرة إنما اعتمدت على التكهن السياسي دون دليل مادي ملموس . على أن هذا الحيص بيص إنما يعكس بالضبط إنكشاف مظلة الغطاء الجوي للدفاعات العسكرية الجوية لإفتقار العراق لوسائل دفاع متطورة تمكنه من ضبط أي هدف معادٍ قبل وصوله إلى أهدافه وإسقاطه على الفور . ولعل إسرائيل كانت في نشوة السعادة والشماتة وهو تستمع لتلك التفسيرات العراقية المثيرة للشفقة كما عبّرت عنها واحدة من تغريدات المحلل الأسرائيلي القريب من دوائر الاستخبارات الاسرائيلية آيدن كوهين " معسكرات الحشد الشعبي والحرس الثوري تعرضت لماس كهربائي من طائرات F 353 مجهولة " . وحتى ساعة إعداد هذا المقال مازالت تسرح وتمرح مقاتلاتها ومسيراتها في سماء العراق ، وتتوالى ضرباتها وكان آخرها على الحشدالشعبي في قضاء القائم والذي أسفر عن إستشهاد أحد عناصره وجرى تنفيذها الأحد الماضي .
ليس مستعصياً بطبيعة الحال على المتتبع لأوضاع العراق الراهنة وتاريخه السياسي القريب فهم الأسباب التي أفضت إلى هذه الحال المأساوية التي غدا عليها جيشه الوطني ، فهذا الجيش الذي كان يُعد من أقوى الجيوش العربية في عصر ما ويحسب له العدو الأسرائيلي ألف حساب لا بما يملكه من عدة وعتاد فحسب ، بل ولما عُرف عن تمتع ضباطه وجنوده بكفاءة عالية وجاهزية مبنية على عقيدة قتالية مبدئية صادقة ضد العدو واتصاف بالشجاعة والتضحية والغيرة الوطنية .. هذا الجيش دمره تقريباً عن بكرة أبيه الدكتاتور المقبور صدام حسين في حروبه ومغامراته العسكرية الطائشة التي لا ناقة للعراق فيها ولا بعير ، بدءاً من حربه على الجارة إيران التي استمرت ثماني سنوات متواصلة حرثت الأخضر واليابس ( 1980 - 1988 ) ، ومروراً باحتلاله الكويت 1990 ، أي بعد عامين فقط من انتهاء تلك الحرب المجنونة الطويلة وخروج الجيش منها منهكاً ، فحرب طرده من الكويت على يد تحالف دولي تقوده أمريكا عام 1991 ، وانتهاء برفضه التخلي عن الحكم والخروج من العراق وتحديه الأخيرة بمنازلتها و بدفنها على أسوار بغداد على حد تعبيره الواهم ، ثم جاءت ثالثة الأثافي بقرار الاحتلال الامريكي بعد إسقاطه نظامه في 2003 بحل الجيش برمته من جذوره ، وأخيراً ما واجههه الجيش الفتي الجديد بقدراته الدفاعية المحدودة مسنوداً بالحشد الشعبي وقواه السياسية الوطنية من انهاك طوال الأربع سنوات الماضية العجاف في حربه التحررية لتطهير الوطن من رجس عصابة تنظيم داعش الإجرامية ودويلتها المزعومة " دولة الخلافة الإسلامية " بعد تمكنه من دخول العراق من ثغرة " دفرسفوار الموصل " بسهولة حيث سقطت حاميتها لأسباب خيانية وفسادية معروفة في ظل حكومة المالكي ، وليتمكن بعدئذ هذا التنظيم الارهابي من أن يعيث فساداً في العراق قتلاً وتقتيلاً وذبحاً وتخريباً طاول العباد والعمران ومعالم وكنوز العراق التراثية والحضارية والعلمية والدينية العظيمة .
ولأن إسرائيل عاجزة - لأسباب تاكتيكية مؤقتة - عن شن عدوان تأديبي شامل على لبنان يتركز على قوات ومواقع حزب الله ، كعدوانه في 2006 رغم ضرباتها الإستدراجية الأخيرة في الضاحية قبل يومين بطائرتين مسيرتين ، وحيث ما فتيء قائده السيد حسن نصر الله يعمد إلى إستفزازها بين الفينة والاخرى بالإعراب عن امتنانه الشديد للدعم الإيراني غير المحدود لحزبه مالياً وعسكرياً ، ولأن إسرائيل كذلك حذرة - إلى حدما - من توجيه ضربات عسكرية لإيران ، لا سيما وهي ترى حذر وتردد حليفتها أمريكا من المسارعة في الإقدام على خطوة كهذه غير مأمونة العواقب بذريعة تنامي خطرها النووي ، وقد كان رئيسها ترامب قد تراجع في اللحظات الأخيرة عن الرد على إسقاط إيران لطائرة دورن إمريكية ، لكل ذلك وجدت في الظروف الراهنة التي يمر بها العراق داخلياً من فوضى خلّاقة تتمثل في سعار الإنقسامات الطائفية التي جرى تجييرها لفرض عُرف المحاصصة الطائفية ، وفي الفساد المطنب في مفاصل الدولة كافة ، وبضمنها السلطة التشريعية بما انعكس كل ذلك في ضعف الدولة الجديدة بحكوماتها المتعاقبة منذ إسقاط النظام المدحور .. نقول وجدت إسرائيل سانحتها المواتية لتنفيذ انتقامها من إيران من خلال ضرباتها للحشد الشعبي المدعوم إيرانياً والذي يتشكل من فصائل مسلحة لتنظيمات متعددة معظمها موالٍ لإيران بدرجات متفاوتة خوفاً من تنامي قوته على غرار حزب الله اللبناني كذراع ضارب ثانٍ لإيران داخل العراق وفق مخطاطاتها ووساوسها الأمنية التي اعتادت الإقدام عليها دائماً منذ تأسيسها على أراضي فلسطين العربية عام 1948 .
والحال فإن العراق يجد نفسه في الظروف الراهنة البالغة الحساسية والدقة متروكاً وحده لمواجهة مصيره بنفسه بمعزل عن مصالح إيران ومصالح أصدقائها فيه ، فليس وارداً البتة في مخططات القيادة الإيرانية تزويد الحشد الشعبي أو الجيش العراقي بأدنى الأسلحة الدفاعية الجوية الممكنة لتمكينهما من صد ما تملكه إسرائيل من أسلحة هجومية متطورة لتنفيذ اعتداءاتها على العراق ، كالصاروخ الذي أسقطت بواحد منه إيران طائرة دورن إمريكية في سماء الخليج ، ولن تسمح الولايات المتحدة أصلاً ولا صديقتها إسرائيل بمثل هذا الدعم في ظل الأوضاع الراهنة الشديدة التوتر إقليمياً ودولياً وهي أوضاع تأتي في ظل أكثر الحكومات يمينية وعنصريةً في أمريكا وإسرائيل وشعبويةً في اوروبا ، بل وليس المراهنة أصلاً على إيران هي الخيار الاستراتيجي العسكري السليم الذي ينبغي أن يعوّل العراق عليه . وحتى بافتراض تحققه فلن يتحقق بدون دفع ثمن سياسي وحتى مالي ؛ ولعل تجارب الدعم العسكري الدولي تثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن ما من دعم قدمته دولة عظمى أو دولة متواضعة القوة عسكرياً جاء بلا ثمن سياسي أو مالي ، والذي غالباً ما يأتي على حساب حرية استقلال قرار وإرادة الحزب المدعوم أو الدولة المدعومة في هذه القضية أو تلك القضية . ومازالت الإمكانيات الهائلة المتوفرة للجيش والحرس الثوري الإيراني ولحزب الله اللبناني تفوق بكثير قدرات الحشد الشعبي بل والجيش العراقي الفتي الجديد المرهون حجم ونوع تسلحه بالدرجة الأولى لإمريكا والغرب . إذن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا ما العمل وكيف يدافع العراق عن سيادته ويحمي سماء وطنه وأرضه من الاستهداف ؟
مما لا شك فيه أن توفير مستلزمات قدرة العراق على الدفاع عن نفسه في مواجهة إسرائيل بالغ التعقيدات والمعوقات في ظل الأوضاع الراهنة ، لكنها غير مستحيلة إذا ما توفرت الإرادة الوطنية الحقيقية الخيّرة لدى كل القوى التي يعز عليها بما آل إليه وطنها من كوارث واستباحات متتالية على مدى 40 عاما بالتمام والكمال منذ أن قفز صدّام إلى قمة الحكم عام 1979 ، وهي تبدأ بتوفير مستلزمات تماسك الجبهة الداخلية الحصن المنيع لإفشال مخططات الاعداء الداخليين والخارجيين ، وانتهاج سياسة خارجية واقعية مستقلة تلبي المصالح الوطنية العليا للبلاد بمنأى عن الأدلجة وتدخلات الأحزاب الدينية ذات النفوذ المتموضع من خلال المحاصصة الطائفية داخل الحكومة ، وبخاصة حينما تكون بعض هذه الأحزاب - بوعي منها أو بدون وعي - أداة طيّعة لبعض القوى الإقليمية التي توظفها لخدمة أجندتها في المنطقة والتي قد يتعارض الكثير من مواقفها ويتناقض مع المصالح الوطنية العراقية العليا . ولتذكر على سبيل المثال ما أن تحسنت نسبياً العلاقات العراقية السعودية بما يصب في استقرار مصالح وعلاقات الشعبين الجارين حتى تعرضت العلاقات العراقية - البحرينية قبل أشهر إلى هزة خطيرة كادت أن تلحق أبلغ الضرر بمصالح وعلاقات الشعبين الشقيقين الذين تربطهما وشائج قوية . وهذا يتطلب بدوره انهاء العُرف الذي تكرس لفرض المحاصصات الطائفية في التشكيلات الحكومية المتعاقبة ، ودمج الحشد الشعبي في تشكيلات الجيش كأفراد تحت اُمرة وزير دفاع مستقل يتمتع بالكفاءة ورئيس حكومة وطني مستقل ، وبحيث يتم كل ذلك في إطار من التوافق الوطني يسعى لإعادة بناء الدولة الجديدة على اُسس مدنية علمانية ديمقراطية حقة مرجعيتها دستور عقدي يمنح التعددية ويكفل تطبيق مبدأ الإنتخاب الحر النزيه والفصل الحقيقي بين السلطات الثلاث وقيام مؤسسات مجتمع مدني حرة مستقلة وصحافة حرة .. إلخ . ودولة كهذه هي التي من شأنها أن تكون محصّنة من آفة الفساد إلى أدنى حدودها الممكنة بعد اجتثاث جبل تراكمه الراهن ناسجاً في بحر عقد ونصف فقط إخطبوطاً من مراكز القوى الفسادية داخل الدولة و متدثراً بمختلف التناقضات الطائفية ومصارع الأحزاب التي يجيد الرقص على حبالها والهاء الجماهير بل وإشغال القوى الحية بها على حساب المصالح الآنية للشعب والوطن وبخاصة السواد الأعظم من كادحيه ومستضعفيه ومعدميه .
وبدون إعادة بناء الدولة على اُسس كهذه سيظل العراق للأسف الشديد ينزف غريقاً و أسيراً للعنة سيزيف في تعاقب الكوارث واجترار الكوارث لا قدّر الله .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كفى اذلالا وامتهانا وقتلا للشعب العراقي!
طلال الربيعي ( 2019 / 8 / 26 - 16:01 )
يبدو ان الكاتب لم يكلف نفسه حتى بقراءة بيان الجيش الشعبي الاخير الذي حتى قد ترجم الى لغات اخرى ونشرته كل الوكالات العالمية. يقول البيان بالانكليزية ان طائرتين مسيرتين اسرائيليتين ضربت قوات الحشد الشعبي الاحد الماضي قرب الحدود مع سوريا وقتلت احد افراده وجرحت آخرا جرحا بالغا, وكان ذلك بتغطية جوية من طائرات امريكية بالاضافة الى منطاد كبير للمراقبة.
Iraq paramilitary: Israel behind drone attack near Syria border
https://www.aljazeera.com/news/2019/08/iraq-paramilitary-israel-drone-attack-syria-border-190825184711737.html?fbclid=IwAR0d8vZWrmL97YHFcJmEPW5zajJ44jPR5S69VfsB9E_ga09PwRL9pCiWzko

والعراق حسب علمنا يرتبط بمعاهدة دفاعية مع الولايات المتحدة ولكن الولايات المتحدة الآن تستخدم قواتها للدفاع عن اسرائيل وقتل العراقيين.
اذن لماذا لا تتحرك الحكومة العراقية, احتراما لشعبها وارواح افراده واحتراما لنفسها ايضا, وتقدم احتجاجا عاجلا عالي المستوى ضد الحكومة الامريكية وتستدعي سفيرها في بغداد وتطلب منه الاعتذار وتعويض الضحايا والتعهد بعدم اعادة اهذا العمل الاجرامي؟
يتبع


2 - كفى اذلالا وامتهانا وقتلا للشعب العراقي!
طلال الربيعي ( 2019 / 8 / 26 - 16:06 )
وهذا الاعتداء الفاحش ينبغي ان يحمل العراق وبرلمانه وكل قواه الوطنية الخيرة على الشروع بالغاء اية معاهدة دفاعية مع الولايات المتحدة (دفاعية ضد مَن؟) والغاء قواعدها العسكرية في العراق التي تسفك الدم العؤاقي وتستخدمها للدفاع عن اسرائيل . وينبغي تقليض حجم البعثة الدبلوماسية الامريكية الى الحد الادنى الآن.
وعلى الحكومة العراقية, ان كانت تحمل ذرة من الوطنية, تقديم شكوى عاجلة الى مجلس الامن الدولي على هذه الاعتداءات وقتل العراقيين و ان تدعو الى تحقيق دولي سريع وشامل.
ان موقف الحكومة العراقية الى آلآن متخاذل وهي تتصرف كالعادة وكأنها دمية تسيرها واشنطن وسفارتها في بغداد والآن اسرائيل وخصوصا ان ترامب يقول ان اسرائيل تأتي في المقدمة وحتى على وطنه.
اما قول الكاتب حول -إعادة بناء الدولة الجديدة على اُسس مدنية علمانية ديمقراطية حقة مرجعيتها دستور عقدي يمنح التعددية ويكفل تطبيق مبدأ الإنتخاب الحر النزيه والفصل الحقيقي بين السلطات الثلاث وقيام مؤسسات مجتمع مدني حرة مستقلة وصحافة حرة- , فهو اضغاث احلام وسمعناه من قبل آلاف المرات ولم يتحقق منه شيئا. فعلام النفخ في قربة مثقوبة؟
يتبع


3 - كفى اذلالا وامتهانا وقتلا للشعب العراقي!
طلال الربيعي ( 2019 / 8 / 26 - 16:08 )

اما قول الكاتب حول -إعادة بناء الدولة الجديدة على اُسس مدنية علمانية ديمقراطية حقة مرجعيتها دستور عقدي يمنح التعددية ويكفل تطبيق مبدأ الإنتخاب الحر النزيه والفصل الحقيقي بين السلطات الثلاث وقيام مؤسسات مجتمع مدني حرة مستقلة وصحافة حرة- , فهو اضغاث احلام وسمعناه من قبل آلاف المرات ولم يتحقق منه شيئا. فعلام النفخ في قربة مثقوبة؟
فمن سيقوم ببناء هذه الدولة الجديدة؟ ولماذا اذا كانت القوى المتنفذة مستفيدة من وجود دولة الفساد والمحاصصة؟ وهذه الاحلام لا تتحقق بدون الغاء العملية السياسية نفسها, ولكن الكاتب لا يخطو هذه الخطوة المنطقية ولا يعلن ذلك بصريح العبارة, واعتقاده ان الحل يأتي من خلال العملية السياسية نفسها هي معالجة الداء بالداء نفسه.
والكاتب يتحدث عن ضعف الجيش العراقي وهوضعف مقصود او متعمد. ولكن الجيش يبدو انه ضعيف فقط مع اسرائيل وامريكا وليس مع شعبه. فهو يسلك سلوك الاسد مع الشعب في تظاهراته واحتجاجاته وفي دفاعه المستميت عن المنطقة الخضراء والسفارة الامريكية فيها. انه اسد على الشعب ونعامة مع اعداء الشعب من الولايات المتحدة واسرايئل.
يتبع


4 - كفى اذلالا وامتهانا وقتلا للشعب العراقي!
طلال الربيعي ( 2019 / 8 / 26 - 16:10 )
ان الجيش العراقي, ككل الجيوش في الانظمة الطبقية, كما نعلم من الماركسية, هو جيش لخدمة السلطة في العراق والتي تتمثل في البرجوازية التابعة للرأسمال العالمي. والطبيعة الطبقية للسلطة هي جذر المشكلة والتي لا يمكن حلها بوجود هذه العملية السياسية وما عدا هذا فهو اضغات احلام واستهانة واستهتار بالشعب العراقي والوطن وارواح افراده وعزتهم وكرامتهم. فكفى اذلالا وامتهانا وقتلا للشعب العراقي على ايادي العملية السياسية صنيعة المحتل ومن امريكا واسرائيل!

اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة