الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا الاصرار على استهداف اصوات النازحين؟

سربست مصطفى رشيد اميدي

2019 / 8 / 28
دراسات وابحاث قانونية


لماذا الإصرار على استهداف أصوات النازحين؟

بعد اسقاط النظام السابق في 2003 واستلام إدارة البلد من قبل العراقيين فقد جرت العديد من العمليات الانتخابية، وحيث بدأت هجمة إرهابية شرسة على أبناء الشعب العراقي من قبل الجماعات التكفيرية والبعثية وبدعم واسنتد من قبل دول الجوار وكل من يخاف التغيير. فقد حدثت نتيجة ذلك عمليات نزوح وتهجير قسرية في الكثير من محافظات العراق، وكانت الموجات الأكبر هي باتجاه محافظات الإقليم والى دول الشتات، حتى أصبحت ظاهرة مرافقة للوضع العراقي. هذا الوضع دفعت مفوضية الانتخابات خاصة بعد سنة 2008 وبعد انخفاض حدة الصراع الطائفي بعض الشيء الى البحث عن سبل لضمان عدم حرمان النازحين من الادلاء بأصواتهم لصالح محافظاتهم الاصلية وفي أماكن النزوح التي لجأوا اليها.بالاضافة الى العمل لضمان تصويت العسكريين وقوى الامن الداخلي بالقرب من ثكناتهم العسكرية، وذلك عن طريق بذل جهد عملياتي في فتح مراكزاقتراع لهم في أماكن تواجد هذه الفئات وهي ما تسمى بالتصويت الخاص وتصويت البمهجرين بدءا من انتخابات مجالس المحافظات سنة 2009 وما تلتها لاحقا. واستمرت المفوضية على توفير هذه الحلول العملية لضمان تصويت تلك الشرائح لصالح محافظاتهم الاصلية، وفي الحقيقة يجب ان تحمد مفوضية الانتخابات على هذا الجهد الرائع كون تصويت العسكريين والمهجرين والنازحين وأيضا تصويت الخارج يعتبر تحديا حقيقيا لها، حيث ان الكثير من الهيئات الانتخابية في الدول الأكثر استقرارا من الناحية الأمنية والأكثر تكريسا في اجراء الانتخابات تفشل في هذا المجال، لكن المفوضية نجحت في أكثر من ست عمليات انتخابية سواء كانت انتخابات لمجالس المحافظات او لمجلس النواب.
لكن ماحدث في انتخابات الدورة الرابعة لمجلس النواب التي جرت في 12/5/2018 من الغاء نتائج ثلاثمائة محطة للنازخين من محافظة نينوى في محافظة دهوك وأكثر من سبعين محطة أخرى لهم في محافظة أربيل واغلبهم من أبناء الديانة الايزيدية، ولاي سبب كان. سواء بفعل الإهمال والتقصير من قبل موظفي الاقتراع في تلك المحطات، اوبسبب عدم توازي خطة التعيين والتعاقد مع موظفي الاقتراع مع عملية تدريبهم على إجراءات الاقتراع والعد والفرز، وعدم خضوع اغلبهم للتدريب بفعل عملية الترك والتعويض، ام بسبب عدم المتابعة الفنية والميدانية للمفوضية لعملية الاقتراع في تلك المحطات. كل هذا توحي بانه كانت هنالك رغبة مبيتة لدى البعض في الغاء أصوات هؤلاء النازحين المغضوب عليهم من قبل أبناء جيرتهم ومن التاريخ والجغرافيا، وكأنه لا تكفي ما تعرضوا له من ظلم وهوان، وكأنه لاتكفي الظروف المعيشية الصعبة وعيشهم في خيام لاتقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء. وهذا الامر تعزز خاصة بعد إعادة العد والفرز اليدوي من قبل مجلس المفوضين من القضاة المنتدبين، حيث خلصوا أيضا الى الغاء نتائج تلك المحطات بالجملة. هذه الرغبة التي اتحدث عنها هي العمل باي طريقة من اجل الا تفوز قائمة كردستانية في محافظة نينوى بالمرتبة الأولى، ناسين او متناسين بان النظام الانتخابي المتبع وربط الية الترشيح مع الية احتساب المقاعد من جهة وتشرذم القوائم الانتخابية العربية وعدم تجمعهم في تحالف انتخابي واحد اوبضع تحالفات من جهة أخرى هو السبب في ذلك. وكان نتيجة الغاء أصوات النازحين هو فوز قائمة شيعية بغطاء سني بالمرتبة الأولى في انتخابات الدورة الرابعة لمجلس النواب لأول مرة منذ سنة 2005. والغريب ان المحكمة الاتحادية قد قررت بعدم دستورية الغاء أصوات ناخبين بالجملة بموجب قوانين وقرارات يصدرها مجلس النواب، لكن هذاالمبدأ لم يترجم في عمل وقرارات مجلس المفوضين من القضاة المنتدبين، والهيئة القضائية للانتخابات ردت جميع الطعون خلال اقل من ثمان وأربعين ساعة. وقامت المحكمة الاتحادية بالمصادقة على النتائج على الرغم من الغاء أصوات النازحين المساكين اللذين اغلبهم من معتنقي الديانة الايزيدية والمسيحية.
وما يدفعنا الى الاعتقاد وتصديق هذا التوجه المريب ضد أصوات النازحين المساكين هو تكريس طريقة استهدافها بنص القانون حيث جاء قانون تعديل قانون انتخاب مجالس المحافظات بنص غريب خلاف كل العمليات الانتخابية السابقة عندما نصت في الفقرة الأولى من المادة 16 منه والذي عدلت المادة 47 من القانون الأصلي ليقرا بالشكل التالي: (أولا: تخصص مراكز انتخابية او محطات محددة للمهجرين والنازحين في دوائرهم الانتخابية للمدن المحررة لغرض الادلاء بأصواتهم باستخدام بطاقة الناخب الطويلة الأمد (المحدثة بايومتريا)). هذا النص الذي أورد عبارة (في دوائرهم الانتخابية) يعني انه يتم تصويتهم في مراكز ومحطات في الحدود الجغراقية للدائرة الانتخابية في نينوى وكركوك وديالى، ولم ترد عبارة (محل سكناهم الاصلية)، وبالتالي تثير بعض التساؤلات، حيث ان الناخبون المهجرون كانوا يصوتون لدوائرهم الانتخابية في جميع الانتخابات السابقة في مراكز اقتراع في أماكن النزوح وبذلك يتحقق المعنى القانوني للتصويت لدوائرهم الانتخابية. وورود الصيغة بهذا الشكل يعطي التساؤل حول مصير النازحين والمهجرين الذين يسكنون في الحدود الجغرافية لمحافظة نينوى على سبيل المثال لكن ليس في مناطق سكناهم الاصلية، مثلا النازحون المقيمون في المخيمات وخارجها بالقرب من قضاء الشيخان وناحية فايدة وهما ضمن الحدود الإدارية لمحافظة نينوى، فهل سيكون هنالك داعي لنقلهم الى مراكز اقتراع بعيدة عن مراكز تواجدهم الحالي بفعل عمليات التهجير والنزوح. وهذا يقودنا الى التساؤل حول الخطة العملياتية لتنفيذ هذه المادة خاصة فيما يخص عملية انتشار مراكز ومحطات الاقتراع لهم وفق منطوق المادة القانونينة أعلاه، حيث ان هنالك مناطق قريبة من محافظة نينوى بالنسبة للنازحين الموجودين والمهجرين في محافظة دهوك مثل فايدة والقوش والشيخان ومجمع الرسالة وسريجكا وشيخكا وتلسقوف ودوغات وختارى وتل عدس ومنارة وغيرها، حيث من الممكن فتح مراكز اقتراع للنازحين في هذه البلدات والمجمعات وهي ضمن الحدود الجغرافية لمحافظة نينوى وهذا الاجراء سيحل مشكلة تصويت النازحين جزئيا بالنسبة للنازحين في محافظة دهوك عدا الساكنين في مخيمات النزوح وخارجها في قضاء زاخو. وبخلافه سيكون تطبيق هذه المادة لو لم يتم تعديلها تحديا كبيرا للمفوضية وغبنا واضحا للنازحين والمهجرين واستهدافا سياسيا لاصواتهم لانه سيكون سببا في عزوف الكثيرين منهم للمشاركة في الانتخابات وعدم الادلاء بأصواتهم.
وان ماجاء به هذه المادة القانونية من عملية نقل النازحين للادلاء بأصواتهم في مراكز اقتراع بعيدة عن مناطق سكنهم بفعل النزوح والهرب من بطش داعش ومن والاهم من أبناء بعض العشائر العربية المحيطة بقضاء شنكال على سبيل المثال. هذا الامر يعتبر مخالفا لاهم المعايير الدولية لنزاهة وحرية الانتخابات، وهي ان تكون مراكز الاقتراع قريبة من مناطق تواجد الناخبين حتى وان كانت مؤقته، فكيف وان مضى خمس سنوات على عملية النزوح دون ان تستطيع الحكومة العراقية من إعادة قراهم وبلداتهم وتوفير الامن والاستقرار لهم لضمان عودتهم اليها وممارسة حياتهم الطبيعية. لكن ان تبعد مراكز الاقتراع عن مناطق سكناهم الحالية مابين 50-100 كيلومتر فهذا امر غريب لمجرد الخضوع لشكوك بعض الأحزاب والقوائم العربية في نينوى وكركوك، علما ان دولة مثل الهند وعدد الناخبين فيها هو 900 مليون ناخب، فان بعد مراكز الاقتراع في عموم الهند تتراوح بين خمسمائة متر والكيلومترالواحد وذلك من اجل تطبيق هذا المعيار الدولي المهم. لكن لا يعرف موقف المفوضية بخصوص هذه النقطة ومدى مطالبتها لللجنة القانونية في مجلس النواب لاحترام المعايير الدولية لحرية ونزاهة الانتخابات لدى تشريع القوانين الانتخابية. حيث كان يفترض على المفوضية الاحتجاج على ادراج هذه المادة في اجتماعاتهم مع اللجنة القانونية في مجلس النواب، وفي حال إصرار اللجنة القانونية على موقفها فانه كان بفترض ان يقتصر هذا الامرفقط على العائدين والنزوح الداخلي داخل المحافظة نفسها. حيث انه هنالك نزوح داخلي في نفس المحافظة في محافظات ديالى والانبار وكركوك وصلاح الدين لم يشر اليها المادة القانونية السالفة الذكر. لكن يبدو ان النية عازمة على تنفيذ هذا االامر من خلال قرار مجلس الوزراء رقم 276 لسنة 2019 في الفقرة الثانية منه التي كلفت وزارات الدفاع والداخلية والنقل بتقديم الدعم اللوجستي للمفوضية يوم الاقتراع لغرض تسهيل نقل النازحين من مخيمات النزوح في محافظتي أربيل ودهوك الى محافظة نينوى او محافظة كركوك، ومن محافظة السليمانية الى محافظة ديالى. والواضح ان القوائم الانتخابية للأحزاب الكردستانية هي المستهدفة من هذا الاجراء بهدف ابعاد هؤلاء النازحين عن تاثير الأحزاب الكردستانية الفاعلة، ناسين ان المناطق التي يفترض ان يصوتوا فيها تخضع لسيطرة قوات أخرى تابعة لاحزاب وجهات سياسية أخرى لكنها غير كردستانية وهذا هو المهم لديهم. ويبدو جليا ان الهدف من وراء هذه العملية هو بالضبط نفس الهدف الذي يستند عليه الجهات الواقفة وراء ادراج هذه المادة، حتى يكونوا تحت تاثسر القوى السل=اسية غير الكردستانية. هذا القرار هو استمرار للقرارات الجائرة التي أصدرتها حكومة السيد حيدر العبادي ومجلس النواب في دورته الثالثة بعد عملية الاستفتاء في إقليم كوردستان لانها في الحقيقة تستند على نفس العقلية، وكأن قيام حكومة إقليم كوردستان وابناءه قد اخطأوا عندما شرعوا أبواب بيوتهم وقلوبهم لهؤلاء النازحين، في حين ان الحكومة العراقية كانت غير مهتمة في مد يد المساعدة لهم، ولم تهمهم مصيرهم وما الو اليها اطلاقا. في حين انها اقامت جسرا جويا لتقل مواطنين شيعة من أهالي محافة نينوى بين مطار أربيل ومطار النجف لاسكانهم في محافظتي كربلاء والنجف، بعد سقوط محافظة نينوى بيد قوات تنظيم داعش الاجرامي، ويبدو أت هذا هوجزاء الاحسان والإنسانية الفائقة التي أبدتها حكومة الإقليم وابناءه في إيواء واغاثة هؤلاء النازحين.
هذا الاجراء وفق المادة (16) من قانون التعديل وقرار مجلس الوزراء يتوقع ان يؤدي الى حرمان عدد كبير من النازحين من حق التصويت الذي هو حق دستوري لا يمكن لاي شخص او هيئة ان تتخذ إجراءات تؤدي الى حرمان شرائح معينة من حق التصويت، لكن يبدو ان ذلك هو الهدف النهائي للبعض. لكن الوضع الأمني في محافظات نينوى وكركوك وديالى وصلاح الدين أيضا ليس بالوضع المستقر لحد الان حيث نرى باستمرار استهداف بقايا داعش للقوات الأمنية والمواطنين هنا وهناك، وان اجراء الانتخابات القادمة بتطبيق هذه المادة سيؤدي الى زيادة نسبة عدم الثقة لدى النازحين بالعملية السياسية والانتخابية، وسيؤدي الى زيادة االتذمر وعدم الاستقرار خاصة في محافظتي نينوى وكركوك، حيث أنه بعد مرور خمسة عشر سنة والحكومات العراقية المتعاقبة لا تزال مترددة وغير راغبة في تنفيذ احكام المادة 140 من الدستور العراقي النافذ. ونعتقد ان المحافظات المحررة من رجس داعش والعراق عموما في غنى للتعرض لازمات سياسية وامنية أخرى والعراقيون لا يزالوا يلعقون جراحهم من سقوط ثلث أراضي العراق بيد داعش، وفي ظل الأوضاع الدولية والإقليمية القلقة الحالية. عليه من الضروري وضع حد لمعاناة النازحين وعدم حرمانهم من حق التصويت من خلال تعديل هذه المادة ما زال الوقت كافيا لذلك، وتقديم كافة التسهيلات امام ذلك وليس وضع العراقيل امامهم في ممارستهم لحقهم الدستوري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين: ما رأيته في غزة ي


.. آلاف اليمنيين يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة




.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل


.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون




.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة