الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إمامٌ في حضرة الفقيه -سطور من تاريخ الثورة الاسلامية في ايران-

ربيع نعيم مهدي

2019 / 8 / 31
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


"1"
منذ ان اعلن روح الله الخميني عن قيام جمهوريته الاسلامية باعتباره مرشدها الاعلى ولا زال الجدل دائراً في المجتمع الشيعي حول مشروعية "ولاية الفقيه" التي انتجت النظام الحالي في ايران، فما بين الرفض والقبول تباينت مواقف الفقهاء، حيث ان الإشكالية التي أوجدتها نظرية الخميني لم تكن وليدة أيام ثورة 1979، بل ان لها جذور عميقة في التاريخ الذي ساهم في بلورة التشيع الاثنا عشري.
فإذا نظرنا الى منظومة العقائدية للتشيع نجد ان مسألة الحكم وعدالة الحاكم من أهم المسائل التي ساهمت في نشوء التشيع الإمامي، والذي يشترط لتحقيق العدالة وجود المعصوم المتمسك بنهج القرآن، حيث ان القرآن يشكل الدستور الذي يحدد مسار الامام المعصوم عن الخطأ لإقامة دولة العدل الالهي، والتي ستُقام على يد الإمام الثاني عشر "المهدي الغائب المنتظر".
(2)
وهنا لا بد من تسليط الضوء على بعض الاحداث التي ساهمت في بلورة مفاهيم "ولاية الفقيه" المرتبطة بغيّبة الإمام الثاني عشر عند الشيعة الإمامية.
ففي مقدمة هذه الاحداث نجد ما عُرِف بالغيبة الصغرى للإمام المهدي، والتي دامت لما يقارب السبعين عاماً (260 هـ-329هـ)، حيث شهدت هذه الغَيّبة وجود السفراء الأربعة، وهم الوسطاء بين الإمام وعامة الناس، فمن خلالهم تنقل الرسائل والردود والأموال، وكان آخر السفراء "علي بن محمد السمري"، الذي انتهت بوفاته الغيّبة الصغرى، وبدأت الكبرى التي لا تزال مستمرة الى يومنا هذا.
ومع حلول زمان الغيّبة الكبرى خضع الشيعة الى عقيدة الانتظار لظهور المهدي، ولجأ علماء الإمامية الى إعادة تشكيل بعض المفاهيم لتجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع الانظمة الحاكمة، إذ تم تقسيم مسؤوليات الإمام الغائب بين الفقيه والإمام ذاته، ولا أعلم هل ان هذا الامر تم بتشريع من الإمام أم باجتهاد من الفقيه.
حيث ان المسؤوليات التي تم تقاسمها من طرف واحد، منحت الامام المهدي صاحب الولاية المطلقة تشريعات معطّلة، كـ "رفع راية الجهاد" و"إقامة صلاة الجمعة" و"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"......، فيما استحوذ الفقيه باعتباره صاحب الولاية الجزئية في زمن الغيّبة على بعض المسؤوليات كـ"جباية الخمس والزكاة" و"تصريف الأموال" وغيرها.
(3)
في المحصلة تمكن فقهاء الشيعة من صناعة أجيال من المنتظِرين للإمام المهدي والعاجزين عن إقامة سلطة أو انتخاب حاكم، وبالتالي تحول الشيعة الإمامية الى فئة مستضعفة ومستبعدة عن الحياة السياسية لعدة قرون، وللسيطرة على ابناء المذهب فرض الفقهاء على اتباعهم التقليد في العبادات والمعاملات، ليخضع غالبية الشيعة الى توجيهات الفقيه.
ان سيطرة الفقيه استندت على موروث كبير جداً من الاخبار والاحاديث المنقولة على النبي والأئمة الاثنا عشر، حيث عمل الفقهاء "الإخباريين" على جمع وتدوين الأخبار والاحاديث، لأنها المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن في زمن غيبة المعصوم، وهذا ما أدى الى سقوط التشيع في حالة من الجمود الخطر، والذي كان من الممكن ان يؤدي الى نتائج غير محمودة، لذلك سعى بعض الفقهاء الى اعادة تفسير وتأويل مصادر التشريع لإنعاش الواقع السياسي والاجتماعي للتشيع، وسريعاً تحولت هذه المساعي الى تيار مؤثر ، عُرف انصاره بـ "الأصوليين".
(4)
في الحقيقة ان مساعي الأصوليين التي بدأت بفتح باب الاجتهاد هي التي ساهمت في تكوين الأسس الفكرية لنظرية "ولاية الفقيه"، فمنذ ان كتب محمد الإسكافي (ت 378هـ) كتابه "تهذيب الشيعة" معتمداً على طرق فقهاء السنة في الاجتهاد واستنباط الاحكام، حتى دخل الفقهاء في جدلٍ أثمر عن ترجيح كفة الاصوليين، إذ استطاع المحقق الحلي (ت 676هـ) ان يحدد معالم الاجتهاد القائم على تحكيم العقل باعتباره معياراً في نقد الرواية والخبر.
ليأتي في وقت لاحق - الشهيد الأول - محمد بن مكي العاملي (ت 876هـ) ويعزز من موقف الفقيه بتوجيب الاجتهاد على من يمتلك القدرة والتقليد على عامة الناس.
(5)
وبالرغم من فرض الاجتهاد والتقليد على التشيع إلا ان الفقهاء التزموا بالابتعاد عن الشؤون السياسية لأنها كما أشرنا من اختصاصات الامام الغائب، لكن هذا الحاجز تم كسره في القرن العاشر، وعلى يد الحاكم، وهذه المسألة ملفتة للنظر.
ففي سنة 939 هـ فرض الواقع السياسي القلق على الشاه "طهماسب الصفوي" ان يلجأ إلى الفقهاء لمواجهة حركات التمرد، إذ ارسل الى المحقق "علي الكركي" (ت 940 هـ) طالباً منه ان يكون شريكاً له في الحكم، بعد ان وصفه بـ "نائب الإمام المهدي"، لكن قبول الكركي للشراكة مع الشاه أثار حفيظة علماء الامامية، لان الحاكم في زمن الغيبة لم يكن إلا ذلك المغتصب لسلطة الامام المعصوم.
ان موقف الكركي مع الشاه لم يقف عند حدود كسر الحواجز التي كانت بين فقاء الإمامية والحاكم، بل تجاوزها لتأسيس مشروعية تسمح للفقيه بالتدخل في السلطة والسياسة، وهذا ما عمل حكام الدولة القاجارية على استغلاله لتدعيم اركان سلطانهم، إذ أثمرت محاولات السلطان "فتح علي شاه" (ت1250هـ) في الاستفادة من تنظيرات الشيخ "أحمد النراقي" (ت1245هـ) حول "ولاية الفقيه"، والتي تضمنها كتابه "عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام"، حيث أجاز الولاية المطلقة للولي الفقيه المتمسك بأحكام وروايات الأئمة الاثنا عشر.
(6)
وكالمعتاد لم تسلم اطروحة الشيخ النراقي من النقد، لان اثبات مشروعية "ولاية الفقيه" بالاعتماد على الرواية يُعد من الامور المستحيلة، وهذا ما دفع المعترضين الى الدعوة لتحديد "ولاية الفقيه" بالاجتهاد والتقليد في الأمور الدينية والحياتية دون المساس بالأمور التي تعد من مسؤوليات الأمام المعصوم، لكن المحصلة أخرجت فقهاء الشيعة من الجدل الدائر بينهم بتكريس دورهم كنواب للإمام الغائب، وأثبتت مجادلاتهم ما بات يُعرف بـ "النيابة العامة" باعتبارها ولاية المستمدة من الله، فالعلماء والفقهاء هم ورثة الأنبياء والأئمة.
ليهمل البحث في ولاية الفقيه كنظرية أطلقها النراقي لفترة طويلة من الزمن، ولم يُعاد النظر في مفاهيمها والتنظير لها إلا بعد أن جاء آية الله الخميني في أواسط القرن الماضي.
(7)
ان السياسة التي أجبرت الحاكم على اللجوء الى الفقيه في الماضي هي ذاتها التي دفعت الفقيه الى البحث في الموروث الفقهي عن ما يمكن استغلاله في العمل السياسي، فمنذ ان دخل روح الله الخميني في دوامة السياسة - في ستينيات القرن الماضي- عمل جاهداً على إنضاج تصوراته لنظرية "ولاية الفقيه" التي أسس لها الشيخ النراقي.
وبالرغم من رفض المرجعيات الكبرى لطرح الخميني -المتأثر بشكل غير مباشر بفكر الاخوان المسلمين-، إلا ان الرجل لم يهمل العمل على تحشيد المؤيدين لأفكاره وإن كانوا من تلامذته في حوزة "قم"، فبعد نفي الخميني الى العراق سعى الى اقناع المرجع الاعلى "محسن الحكيم" بنظريته، لكنه فشل تغيير موقف الحكيم، لأن الاخير كان من أشد المعارضين لإقحام العمامة في العمل السياسي بشكل عام ، فالسياسة تستلزم الكذب والنفاق وهذا سيعود سلباً على العمامة ذاتها.
وعند النظر الى الاحداث السياسية في ايران قبل الثورة، نجد ان الخميني كان يدرك ان الطريق الى عرش الشاه بحاجة لنظرية تكسبه المشروعية في الشارع الايراني ذو الغالبية الشيعية، وهذا ما دعاه الى نشر تصوراته عن ولاية الفقيه في كتابه "الحكومة الإسلامية"، حيث أشار الى ان الأدلة التي تدل على وجوب الإمامة هي نفس الأدلة التي تدل على وجوب ولاية الفقيه, وأنها من الأمور الاعتبارية العقلانية (التي توجد بالجعل والتبني والوضع الإنساني) أيضاً, كجعل القيّم على لصغار, وأن القيّم على الأمة لا يختلف عن القيم على الصغار من ناحية الوظيفة، وأن الفقهاء باعتبارهم ورثة للأنبياء لم يرثوا العلم فقط, فالولاية قابلة للانتقال والتوريث أيضا، وبالتالي بإمكان الفقيه ممارسة مسؤوليات المعصوم في زمن الغيبة.
وهنا، لا بد من الاشارة الى ذكاء الخميني في قطع الطريق على غيره من فقهاء الشيعة إذا ما حاول أحدهم منافسته على الولاية، إذ حدد الاسبقية لإسقاطها عن الاخرين، فمما جاء في أحد كتبه: "إن الولاية بلا قيد ثابتة للفقيه, ولكن سبق أحد من الفقهاء موجب لسقوط ولاية غيره حال تصديه, .... فليس لأحد من الفقهاء الدخول فيما دخل فيه فقيه آخر لذلك".
وبالرغم من فرض ولاية الفقيه على النظام في ايران بعد الثورة إلا ان حدود وصلاحية الولي الفقيه لا تزال من أكثر المسائل جدلاً بين فقهاء الشيعة، فالأدلة التي تُثبت الولاية لا تستطيع حسم الجدل حول حدودها، حيث ان الوقع الذي فرضته نظرية الخميني يجعل من الولي الفقيه في منزلة الامام المعصوم لكنه بلا عصمة.
(8)
في ختام هذا المقال وباختصار شديد أوّد الاشارة الى نقطة مهمة، وهي ان فقهاء الشيعة منذ ان بدأ زمان الغيّبة وجدوا انفسهم مجبرين على إعادة رسم صورة الامام الثاني عشر ولأكثر من مرة، فالتعطيل والاستحواذ على المسؤوليات لم يكن في حقيقته إلا خرقاً متكرراً لمفاهيمهم حول الإمامة والغيّبة، وان ولاية الفقيه ليست سوى تحصيل حاصل لا مفر منه، وفي حال عدم ظهورها على يد روح الله الخميني فان فقيه آخر سيرفع رايتها في المستقبل، ولأسباب كثيرة يفرضها الواقع، وهو ذات الواقع الذي نشأت من رحمه "ولاية الفقيه".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مختصر ومفيد
سمير آل طوق البحراني ( 2019 / 8 / 31 - 04:36 )
لا ولاية لاحد على احد والولاية هي صناديق الاقتراع. عاش ائمة اهل البيت كـ معارضين سياسيين ولكنهم بايعوا سلاطينهم وبالرغم ذالك اضطهدوا بل وتمت تصفيتهم. اما الامام المهدي فلا وجود له ودلائل الاحداث منذ وفاة الامام الحادي عشر ـ اي ابيه ـ تنبئ على عدم وجوده حتى في الغيبة الصغرى لم يره احد وما انيابة الا مهنة مصطنعة هدفها ما دي لا غير. وللحق والحقيقة ان التسنن والتشيع كانتا حركتان سياسيتان فلم يعد لهما اي مفعول في زماننا وسوى اعتقد الشعي في 12 امام او اعتقد السني في صحابة فكلهم لا اثر لهم على ارض الواقع والاثر الموجود هو استغلال سايسي فقط. لا ايران تمثل الشيعة ولا السعودية تمثل السنة ومسالة العبادات كـ الصلاة وغيرها لا تحتاج الى فقهاء. اما ما يخص حياة البشر فالعلم وحده هو الفقيه ولا حاجة لي ب فقيه يوصف لي علاج لمرضي او يرشدني على العلاقات الاقتصادية بين الدول. اخي دع العقيدة شان شخصي فقط. لقد الفت كتب تنفي وجود المهدي وفي طليعتها كتاب احمدالكاتب ـ الامام المهدي حقيقة تاريخية ام فرضية فلسفية ـ وكتاب نظرية الامامة في ميزان النقذ ـ لمؤلفه حجة الله نيكوئي. ان الاعتقاد بوجود امام هو راحة نفسية


2 - ردٌ مختصر ومفيد
ربيع نعيم مهدي ( 2019 / 8 / 31 - 13:09 )
تحية طيبة أخي سمير .. اطلعتُ على تعليقك وللأسف يبدو لي انك لم تدرك الغاية من المقال، وحملته على غير وجهه.. وللتوضيح اقول ان الغاية من المقال هي استعراض المحطات التي مهدت لولاية الفقيه، كمفردة من مفردات الثورة الايرانية، والتي تم استغلالها من الملالي للوصول الى السلطة، ولستُ معنياً باثبات وجود المهدي او نفيه لا من قريب ولا بعيد.. لذلك ارجو منك ان تقرأ لتفهم ما بين السطور قبل ان ترى ما عليها .. وفي الختام أوكد انتعليقك البعيد عن محور الموضوع محط احترام وتقدير

اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا