الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم النضج الإنساني 4-4

راندا شوقى الحمامصى

2019 / 8 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من مظاهر النضج للعالم الإنساني في كور حضرة بهاء الله حرق حجاب الأسماء و الالقاب
من الملامح المميزة لنظام حضرة بهاءالله العالمي الجنيني هو خلوّه من الشخصيات الأنانية المتنفذة في شؤونه ومصيره. فقد منح حضرته السلطة لمؤسسات نظمه، سواء كانت المحلية منها أو المركزية أو القطرية أو العالمية. لكن الفرد العضو فيها لا سلطة له. وخلافًا لما عليه أهل السلطة في عالم اليوم ممن ينشدون الشهرة والشعبية، فإن أعضاء المؤسسات البهائية لا يسعهم إلاّ إظهار التواضع ونكران الذات إن كانوا مخلصين لحضرة بهاءالله. أمّا أولئك القاصرين، بسبب قلة النضج أو الإيمان، عن بلوغ هذه المستويات فهم حقا ضحايا التعلق ﺒ"ملكوت الأسماء" وهم محرومون من عطايا الله في هذا العصر.
قد تكون أعسر مهمة للبهائي أن يحرر نفسه من علائق "ملكوت الأسماء"، وقد يدوم صراعه معها طوال العمر. فقط لو يدرك الإنسان بأن ما لديه من فضائل لا يرجع لذاته تلقائيًا، بل إنها مظاهر صفات الله، لتحرر من "ملكوت الأسماء" وأصبح متواضعًا حقًا. إن شخصًا كهذا سيهب الكمالات السماوية لعالم الإنسان. وهذه أعلى رتبة ومقام قدرهما الله للإنسان.
وصل بعض أتباع حضرة بهاءالله إلى هذه الرتبة بعدما وعوا واعتبروا بأن شرف فضائلهم إنما يأتي من عوالم الله وليس من أنفسهم. كان النبيل الأكبر واحدًا منهم، والذي قد يُعتبر من أعلم حواريي حضرة بهاء الله. لقد وصف الحاج ميرزا حيدر علي لقاء له في قزوين حيث كان هذا الرجل العظيم يتحدث مع بعض المؤمنين. فيما يلي بعض كلماته بخصوص النبيل الأكبر:

ما أوفر حظي بسماع بيان ذلك السيد الفاضل بحيث اقتطفت من كلماته في مجالس كثيرة في عديد من المناسبات. من جوانب عظمة هذا الفاضل كانت قدرته التي لا تضاهى في تبيان أي موضوع أو مسألة. مثلاً لو قال بأن الماء حار وجاف وأن النار باردة ورطبة، لما تمكن أحد أن يقاومه أو أن يثبت عكس ذلك. ومع ذلك فقد لاحظت وقت تلاطم بحر بيانه وحرارة خطابه أنه لم يكن قط ليذكر كلمة في غير موضعها أو يخوض في رأي غير صحيح، وإن ذكّره شخص بخطأ أو تنبّه إليه بنفسه، فإنه كان يظهر غفلته واشتباه الأمر عليه.
ومن الملاحظات المحكمة المتينة لذلك الشخص أن الإنسان بطبيعته عاجز جاهل ضعيف حقير كثير الخطأ، بينما القوة والقدرة والعلم والحكمة والغلبة والفضيلة والطيبة هي كلها من عند الحق، سبحانه وتعالى. لذلك على الإنسان في كل الأحوال أن يعتبر نفسه خاطئًا جاهلاً أسير النفس والهوى. فلا ينبغي له الشعور بالهمّ أو الألم إذا ما وصمه الناس بهذه العيوب التي هي في الواقع متأصلة فيه. بل على العكس ينبغي له أن يكون ممنونًا وشاكرًا ومسرورًا، ولكن في نفس الوقت يجب أن يشعر بعدم الرضى عن نفسه، وأن يطلب من الله أن يحميه من نفسه الأمّارة وميوله الطبيعية الدنيا.( "بهجة الصدور"، الصفحتان 189-190)

إن نفوسًا كهذه كانت بالفعل منقطعة حقًا عن "ملكوت الأسماء". وليس من شك أنهم ممن كان حضرة بهاءالله يعنيهم عندما كتب:

"يا شيخ إن هذا الحزب قد اجتاز خليج الأسماء ونصب سرادقه على شاطئ بحر الانقطاع. يفدون بمائة ألف روح ولا يتكلمون بما أراده الأعداء. متمسكون بإرادة الله ونابذون لما عند القوم. ضحّوا برؤوسهم وما تفوهوا بكلمة غير لائقة."( "لوح ابن الذئب"، الصفحة 50 (ألمانيا)؛ الصفحة 55 (مصر))
تدعم تعاليم حضرة بهاءالله أفكار النبيل الأكبر دعمًا كاملاً. يكفي الاستدلال بالأدعية والمناجاة العديدة النازلة من قلم حضرته حيث تزخر بفقرات يعترف فيها الإنسان بعجزه وجهله وفقره، وجبروت الله وحكمته وسلطانه.
(ظهور بهاء الله ج2 الفصل الثاني ص32-40)

من مظاهر النضج في كور بهاء الله التأليف بين قلوب البشر و الترفع على النزعة السلطوية و الأنانية
يصرح حضرة بهاءالله في أحد ألواحه(بهاءالله، "مائدة آسماني"، المجلد 4، الصفحة 352) بأن الله قد أدان في هذه الدورة الذين يثيرون الفتنة ويتعاملون بخبث مع الناس. فكل من يميل لأذية أحد أو ضره، كأنما قام بالعمل ذاته نحو الله.
إن مبدأ حضرة بهاءالله هذا يلقي ضوءًا جديدًا على العلاقات البشرية، ويفتح آفاقًا مدهشة أمامها. فهو يسبغ على الإنسان تبصّرًا أعمق وأعظم في عالم الحقائق، ويعينه على نبذ الكراهية بشكل فاعل، وكذلك التعصب وغيره من النقائص التي غالبًا ما تتبدى من البشر عند تعاملهم أو معاشرتهم لبعضهم البعض. مثلاً، يشعر المرء بمرارة وألم عندما يوجَّهُ له انتقاد ليس بمحله وتُستنكَر أعماله. في الموقف والأحوال العادية في الحياة غالبًا ما يؤدي هذا إلى برودة وجفاء وشعور بالمرارة وحتى الكره بين الناس. فالنقد الظالم والاتهامات الباطلة عوامل ضاغطة على الإنسان قد تؤدي به إلى التحطيم التام والانهيار الكامل. لكن إذا ما آمن الشخص بحضرة بهاء الله وكلماته واتبع تعاليمه السامية بإخلاص، فإن موقفه تجاه الآخرين سيتغير تمامًا وسيكتسب مناعة ضد هذا الخطر. لأنه صار يعلم بأن النقائص، مثل البهتان والعداء والحقد لن تتمكن من التأثير فيه ما دام يتوكل على الله، بينما سيئات المذنبين موجهة -طبقًا لهذا المفهوم الجديد- إلى الله الذي سيعاقبهم على أفعالهم.
حينما يبلغ المرء هذه المرحلة من النضج والتبصر، فلن يُثبطه نقد لا مبرر له، كما لن يسرّه مديح وتعظيم. في الحالتين نجد "الذات" هي التي تنفعل بمرارة إذا أزعجت وبانشراح إذا أرضيت. والمفهوم آنف الذكر، كما يفسره حضرة بهاءالله، يساعد الإنسان على كبح أنانيته والسيطرة عليها. فإن مجرد الوعي بحقيقة أن الشخص في هذه الحالة، يتصرف ضد الله عندما يدين أو يتهجم على غيره، يكفي لردعه عن الاستمرار بهذا السلوك الذي يؤاخَذ عليه. كما يمكّنه أيضًا من الإدراك بأنه ما دام متوجهًا إلى الله، فلن تستطيع قوى الشر أن تضره أبدًا بأي نحو كان.
فيما يلي كلمات تبعث على التأمل كتبها المفكر الورع ميرزا عزيز الله مصباح، العلاّمة الكبير الذي وردت الإشارة إليه في الفصول السابقة:
لن يُضر من له عينان إذا نُسب له العمى، كما لن ينفع الأعمى شيئًا لو مُدحت حدة بصره. ذلك لأن ما يُعتبر مستحق المدح أو القدح في الحقيقة هو امتلاك البصر أو فقده على التوالي وليس تعليق الناس، إيجابًا أو إثباتًا، على الأمر. يستنتج من ذلك بأن العلامة الوحيدة على حدة البصيرة تُعرف عندما لا يعبأ ذاك الشخص بمديح أو ذم الناس.( "ديوان مصباح"، الصفحة 366)

يصرح حضرة عبدالبهاء(عبدالبهاء، "مائدة آسماني"، المجلد 9، الصفحة 122) بأنه إذا ما ذكر أحد في محضر حضرة بهاءالله عن وجود خلاف طفيف فيما بين المؤمنين في مكان ما، فإن الجمال المبارك يغرق في حزن شديد بدرجة تبدو على محياه علامات عميقة من الألم والغضب. في عدة مناسبات أكد حضرة بهاءالله لمن كان في محضره بأنه لو علم أن أمر الله صار مصدر فُرقة بين اثنين، لاستغنى عنه.
إن تأسيس الاتحاد فيما بين المؤمنين هو حجر الزاوية لتعاليم حضرة بهاءالله. بدونه لا يمكن لأمر الله أو مؤسساته أن تقوم بوظائفها، كما لا يمكن للفرد أو المجتمع أن يتقدما روحيًا أو ماديًا. إن الوحدة بين المؤمنين، وعند تمام الأجل، بين البشر أجمعين، لا يمكن تحقيقها بإجراءات نابعة من دوافع مصلحية، بخطط من صنع الإنسان، أو حتى بتوفر نية طيبة وتفهمّ من قبل كل البشر. إذ بهذه وأشباهها من السبل والوسائل قد يفلح البشر بتأسيس اتحاد سياسي، لا الوحدة التي أتى بها حضرة بهاءالله، وحدة تتخطى كل حدودات البشر، وتؤلّف بين أفئدة الناس وأرواحهم بروح الأخوّة الحقة وتستمد قوتها الموحّدة من حضرة بهاءالله نفسه.
إن الإنسان لقادر على تحقيق إنجازات عظيمة في كافة ميادين النشاط الإنساني. فبوسعه كسر قوانين الطبيعة، والسفر بسرعة ما فوق الصوت في الفضاء، ويقدر أن يخلق ويسيطر على مصادر طاقة مهولة ويستغلها. بل ما من حدود لما يمكنه بلوغه في المستقبل. لكن الذي لا قدرة له على تحقيقه هو التأثير في قلوب الناس وجعل خصمين يحب أحدهما الآخر. فإذا ما حاول، بنفسه فقط، أن ينفق كل ما لديه من قدرات مادية لتوحيد نفسين روحيًا، فإنه فاشل لا محالة. فتوحيد قلوب الناس وتآلفها من شأن المظاهر الإلهية ومهامهم. يشهد بذلك حضرة بهاءالله في أحد ألواحه:

"ولا تجادلوا للدنيا وما قدّر فيها بأحدٍ لأن الله تركها لأهلها وما أراد منها إلاّ قلوب العباد وإنها يُسخّر بجنود الوحي والبيان كذلك قدّر الأمر من أنامل البهاء على لوح القضاء من لدن مقضيٍ عليم."( "منتخبات من آثار حضرة بهاءالله"، رقم 128)

وكذلك قوله المبارك في لوح آخر:

"أن افتحوا يا قوم مصاريع القلوب بمفاتيح الذكر من هذا الذكر الحكيم. ما أراد الله من الأرض وما عليها إلاّ قلوب عباده وجعلها عرشًا لظهور تجليّاته. إذًا قدسوها عن دونها ليرتسم عليها ما خُلقت لها وإن هذا لفضل عظيم."( المصدر السابق، رقم 136)

عند مجيء المظاهر الإلهية، فإن أفئدة أتباعهم تتآلف وتتحد، بتأثير الكلمة الإلهية، في رابطة من الوحدة. حتى وإن كان أولئك أعداء من قبل، فإنهم يصبحون أحبابًا أوداء. فتراهم ينقلبون خلقًا جديدًا وقد حلّت فيهم قوة تؤثر في غيرهم وتبدل قلوبهم. هذه كانت قصة كل الأديان وشأنها. إن كلاً من حضرة موسى وحضرة عيسى وحضرة محمد فعل ذلك في أيامه. واليوم فإن كلمات حضرة بهاءالله فقط هي القادرة على تبديل قلوب الناس. فقد تمكن أتباع حضرة بهاءالله، متسلحين بقوة الكلمة الإلهية الخلاقة، من توحيد قلوب ملايين من البشر كانوا من قبل أعداء. فلقد اعترف في هذا اليوم وأقرّ بأمر حضرته يهود ومسيحيون ومسلمون وبوذيون وأتباع أديان أخرى، ووثنيون وغنوصيون وملحدون في كل قارات الأرض، يمثلون كافة الأجناس والقبائل تقريبًا، ورغم اختلاف لغاتهم ومشاربهم، اعترفوا وأقروا بمقام حضرة بهاءالله على أنه الآب الموعود وأصبحوا أتباعه. وبفضل تأثير كلمته حلّت في قلوبهم نزعة اتحاد روحي وحب عالمي لبني الإنسان، محل البغض والتعصب اللذين لم يعد لهما مكان في جوارحهم. هذه الجامعة العالمية الواسعة المتنامية باستمرار والقائمة بوظيفتها بتوافق وانسجام، هي ظاهرة وحدث فريدان في تاريخ البشر. فهي تشكل النمط، وتدلل على مجد ووعد ما سيتمخض عنه المستقبل في تكوين الرابطة البهائية العالمية. هذا وقد لا يجد المراقب المنزّه عن التعصب والباحث عن أدلة أحقية رسالة حضرة بهاء الله، صعوبة في الاقتناع بأن قوة أواصر الاتحاد التي تربط جامعة البهائيين اليوم ببعضها، لهي إحدى أوضح العلامات على عظمة مؤسسها وعلى أصلها السماوي.
(ظهور بهاء الله ج2 الفصل الثامن ص184-189)

الالتزام بعهد الله و ميثاقه و التغلب على الانقسامات هو أحد أهم مظاهر النضج في هذا الكور الأعظم

رابط وثيقة السلام العالمي وعد حق
http://reference.bahai.org/ar/t/uhj/PWP/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 12345


.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #


.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع




.. #shorts yyyuiiooo