الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يعاني المغرب من مأزق إجتماعي أم أزمة ضمير سياسي؟

عادل امليلح

2019 / 9 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


بعيدًا عن مغازلة الواقع وتقديس المسميات، فإن الظرفية الراهنة التي يعيشها المغرب دولة وشعبًا تتطلب منا نوع من الجرأة، خاصة في ظل التحولات السريعة التي تمر منها البلاد... وحسب قانون "الكم والكيف" فإن التراكمات الكمية لابد وأن ينتج عنها تغيرات كيفية، ففي بلادنا اليوم هناك تسابق واضح لإفراغ التطورات الكمية من بعدها السياسي وإلباسها الصفة الإجتماعية، فكثر الحديث عن الأمن الإجتماعي، والحوار الإجتماعي، والحركات الاجتماعية.. ويعمل الإعلام المتحيز عبر منابره على ترسيخ هذه التسميات، ممررًا خطابًا مفاده أن الأزمة التي تعتمل في البلاد إجتماعية وليست سياسية، على الرغم من أن هذا الفصل التعسفي بين السياسي والاجتماعي لا وجود له أساسًا في الواقع، هذه الفلسفة التي انطلقت مع وصف "البصري" لشهداء احتجاجات الدار البيضاء 1981 التي راح ضحيتها ما يفوق 600 شخص بشهداء ((الكميرة))، وليس شهداء سياسة هيكلية عملت على تهميش المواطن وأبانت عن محدوديتها وفشلها، ولم تعد تجد لها من وسيلة سوى القمع، وعلى أي فإن هذه التوصيفات الغارقة في النفاق السياسي إذا أحسنا التعبير، لاتعكس الواقع المغربي، أو بالأحرى تقدم صورة ضبابية عن مسار التطورات داخل البلاد، ذلك أن المشكلة ليست إجتماعية فقط، بل سياسية في الأساس، فتدني مستوى المعيشة وانسداد الآفق التنموي ليس مرده إلى عيوب في البرامج والنماذج والمخططات التنموية، أو نقص في الميزانيات الموجهة للقطاعات الاجتماعية أو حتى في صيغة المقاربات التنموية.. وإنما تكمن في وجود أزمة سياسية، تعصف بكل ماهو إجتماعي، هذه الأزمة المتمثلة في فقدان التوازن السياسي داخل البلاد، فالاحزاب السياسية والنقابات.. لم تعد سوى هياكل فقدت قوة التأثير وأخصيت إرادتها، وأصبح اليسار مجرد عرف سياسي، وبدل أن تلعب دورها كقوى فارضة للتوازنات، أصبحت وسائل تمدد الإختلالات وتوطد الهيمنة المطلقة للقوة الواحدة، والصراع السياسي في المغرب عرف تحولات منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، فلم يعد قائم على ازدواجية يسار-يمين، ولكنه أصبح قائمًا بين المجتمع والقوى السياسية بمختلف أطيافها، فالنقطة المحورية هي أن المغاربة فقدوا الثقة في المؤسسات السياسية التي دخلت مرحلة "أزمة ضمير سياسي" أو لنقل "سبات سياسي"، والتي لم تعد في نظرهم سوى امتداد للقهر والجبروت الذي يهدد أرزاقهم ويسلب حقوقهم، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة، والحركات الاجتماعية كما شاء البعض تسميتها أبانت عن فاعلين جدد، عوضوا الفراغ الذي تركه الفاعلين السياسيين، إذ تحول همهم تقلد المناصب ودخول قبة البرلمان والحصول على الإمتيازات والتزكيات، وإيجاد مقعد مريح في قطار الريع الذي ينخر المجتمع، ثم إن الخطابات المشحونة بالأمال وفلسفة الاستثناءات!! باتت هي الأخرى مكشوفة للعيان، ذلك أن الخطاب التنموي محدود الأفق، فيدون وجود مستوى من الإستقلال في القرار السياسي والاقتصادي، ودون إنتقال ديمقراطي واضح وثابت لن نتمكن من تحقيق التقدم أبدا. فلا تنمية تبنى على حساب جيوب المواطنين، ولا تنمية ممكنة إنبنت على تقارير ودعوات المؤسسات المالية الدولية، التي تصادر سيادة البلاد وترهن مستقبلها، لذلك لاجدوى من منافقة المواطن الذي يلاحظ كل يوم الإقلاع التنموي السريع في العديد من بلدان العالم، ويقارن ذلك بالأوضاع العامة في وطنه، ولعل مؤسسة المخزن أكثر دراية بهذا التحول، فبدل الدعوة إلى حوار وطني صريح النوايا، نجده لم يتحرر من سياسة "العضلات والسوط" فهو حريص على تعزيز قبضته الأمنية، فيما يعرف اليوم "بالمقاربة الأمنية"، كما قد أصبح واضحا أن مكتسبات دستور 2011 جاري هضمها، والتحايل في تنزيلها، فيكفي اليوم أن تطل مسيرة إحتجاجية، أو جماعة مطالبة بحقوقها.. حتى تتعرض للقمع، حيث تحول الإحتجاج والتظاهر في الفضاء العام إلى مجازفة لا طائل من ورائها، مما اقتضى معه البحث عن فضاءات جديدة للاحتجاج والتعبير عن الرأي كما حدث في المقاطعة الشعبية لبعض المنتوجات الإستهلاكية!!
والحقيقة أن الأمن الإجتماعي أصبح في خبر كان، لأننا اليوم نعيش احتقان إجتماعي خطير ومشحون، ينذر بزوابع قد تعصف بالأخضر واليابس، ذلك أن المطالب الإجتماعية استنفذت قيمتها، وبعضها قوبل بالتخوين والإعتقالات التعسفية وغيرها، وأدرك المغاربة باستحالتها، خاصة مع رجعية مؤسسة المخزن التي باتت تفرض نوع من الرقابة على حرية الرأي والتعبير، ومصادرة القرار ومركزته، والجهوية المتقدمة لم تؤدي إلا لتوسيع سلطة الولات والعمال من خلال ممارسة الوصاية على النخب المنتخبة.. فإذا كان بمقدور المخزن أن يقوم باعتقال الصحفيين دون وجه حق، وبلا حسيب ولا رقيب فقط لأنهم قاموا بواجبهم المهني والوطني التنويري مثل "بوعشرين" و"المهداوي" وغيرهم، فكيف المآل لمواطن ضعيف لاحولة ولا قوة له؟
إن هذه المؤسسات هي التي تعمل اليوم على قتل كل المكتسبات التي حققها المغاربة، فقانون الساعة مثلا، لا يتعارض وفقط مع الثوابث الوطنية، إذ لم يتم فيه مراعاة موقف المغاربة الذين رفضوه جملة وتفصيلا، وإنما مع الطبيعة السيكولوجية للإنسان المغربي!!
وأخيرًا يمكن القول إن الإحتقان الإجتماعي لا يمكن احتواؤه إلا من خلال إصلاح سياسي حقيقي، يستجيب لمتطلبات وتطلعات المواطنين، الذين يشعرون أنهم أهينوا في كرامتهم، وباتوا يعيشون المعاناة على مختلف المستويات، ولم يعد لهم من مخرج سوى عقد الأمل على وطن بديل، أو بالأحرى بلوغ الضفة الأخرى "الأرض الموعودة".. وفي نظرنا ينبغي للقوى السياسية أن تعيد مراجعة ذاتها لأن كل تأخير هو بمثابة تراكم بزيد الأوضاع خطورة، وقد نصبح أمام واقع لا تحمد عقباه، خاصة وأن هناك تيار جارف يختمر في كل المجتمعات العربية، ولذلك نقول إن بناء الحصون وشراء الولاءات ونهج سياسة الإفراغ والتعاقد ليس حلا، ولن تكون حلا في ظل التحديات الداخلية والخارجية الراهنة.
فالمغاربة يريدون دولة مؤسسات، دولة الحق والقانون، دولة يدرك فيها السياسي والإداري ماله وما عليه ويلزم حدوده، لأنه يمارس مهنة يؤطرها القانون، لا سلطة تؤطرها القوة اللامشروعة والعضالات المفتولة، فقد بات على "المعششين" أن يدركوا أن بقاء الوضع على حاله ينبئ بانفجار الأوضاع لما لاتحمد عقباه. فالإصلاح المنشود يجب أن يكون من الشعب ولصالحه قبل أن تقذف المتغيرات بالبلاد لقدر الله إلى مستنقع الفوضى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة القميص بين المغرب والجزائر


.. شمال غزة إلى واجهة الحرب مجددا مع بدء عمليات إخلاء جديدة




.. غضب في تل أبيب من تسريب واشنطن بأن إسرائيل تقف وراء ضربة أصف


.. نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي: بعد 200 يوم إسرائيل فشلت




.. قوات الاحتلال تتعمد منع مرابطين من دخول الأقصى