الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرجل الذي يكذب1968(الن روب غرييه):الفن عندما يكون قابعا في الزمن

بلال سمير الصدّر

2019 / 9 / 7
الادب والفن


الرجل الذي يكذب1968(الن روب غرييه):الفن عندما يكون قابعا في الزمن
الن روب غرييه,اسم لامع في سماء الفن الفرنسي،وهو من رواد الموجة الجديدة المحدثين الذين تنصلوا من كتابة النص بشكله التقليدي،وابتدعو اساليب اخرى للسرد تتعلق بالصورة محاولا الوصول الى معادلة متوازنة بين النص والصورة من حيث ان الصورة-والمقصود فيها السينما طبعا-اصبحت ذات رواج واسع وقبول اكثر من النص المقروء على انه كان يؤمن ان لكل فن ما يميزه ومن المستحيل تحويل النص(الروائي) الصورة تحمل جميع ابعاد النص.
بالاضافة الى كون غرييه مخرجا على انه لم يحقق ذات الشهرة التي حققها اقطاب الموجة الجديدة مثل غودار او تروفو او رينيه،وربما كان حظه من الشهرة اوسع من خلال كتابة الرواية خاصة رواية الغيره،وبغض النظر عن الشهرة أو طبيعة الشهرة التي حققها غرييه،الا انه دائما يذكر عنذ ذكر(العام المضي في مارينباد) بوصفه كاتب هذا النص السينمائي المشكل وغير التقليدي،والذي حققه طبعا كفيلم المخرج الن رينيه.
مبدأيا فيلم (الرجل الذي يكذب) هو من كتابة واخراج الن روب غرييه/ومن حيث النص وليس المعالجة،يبدو مشابها جدا للعام الماضي في مارينباد،ويبقى الحكم للقارئ عند معالجتنا لفيلم الرجل الذي يكذب،على أننا وبكل موضوعية إن وضعنا كلاهما فيس حيز المقارنة،نجد أن مارينباد يقف عملاقا بجانب الرجل الذي يكذب،وهو الذي يجعلنا نشك في بداية المقال أن كانت شهرة غرييه كانت مبنية على كتابة النص أم على الاخراج على اننا نقف في جانب الخيار الأول من هذه الثنائية.
قلنا ان هناك تشابه كبير بين النص في مارينباد والرجل الذي يكذب،وموضوع العام الماضي في مارينباد كما نعرف هو الذاكرة...الذاكرة
نحن نختصر فنا كاملا بكلمة واحدة...الذاكرة
ولكن كعادة الافلام الكبيرة،فنحن لانستطيع ان نختصرها بكلمة واحدة من الممكن ان تكون ذاكرة؟!
نختصر عالم سينمائي ابداعي مشكل ومتكامل بكلمة واحدة هي الذاكرة،وذلك لأن كلمة ذاكرة هي محور وجودي لفهم قصة متضاربة في الشكل والترتيب ويطلق عليها النقاد-متفقين تقريبا-اسم سوريالي،على ان هذا الاسم الأخير(سوريالي) يعتبر ايضا مثل كلمة الذاكرة بالضبط،محور الاختصار والفهم،عندما نطرح سؤالا على شاكلة:
بماذا نستطيع ان نصف فيلم ربما يدور في محور الدماغ فقط؟!
ربما انه فيلم سوريالي أو فيلم عن الذاكرة
على العموم،كنا قد كتبنا سابقا عن فيلم(العام الماضي في مارينباد)،وحاولنا تقريب المحور الى اقرب درجة،لنتخلص من الوصف الاختصاري.
العام الماضي في مارينباد أو الرجل الذي يكذب هي افلام عن علاقة الصورة في موضوع الصورة،وبشكل آخر هي عن العلاقة بين السينما والرواية والاشكال الاخرى من الفنون كالسوريالية،فالسوريالية تختصر الاثنين معا،فهي تختصر الواقع وتبرزه في نفس الوقت وكأنه مقتبس من عالم آخر أو واقع آخر.
فما هو الخيالي وما هو الواقعي...الخيالي هو الفن عندما يكون قابعا في الزمن
قلنا ولاضير من الاعادة،ان فيلم الرجل الذي يكذب يمتلك نفس التماثل النصي مع العام المضي في مارينباد،وان اختلفت الحبكة،فكلاهما جريء في السرد وفي الشكل الفني ويحلقان تماما خارج الواقع،على ان الحبكة تبدو فيه- اقصد فيلم الرجل الذي يكذب-مجرد وسيلة للتعبير عن ابراز هادف للسوريالية،وعندما نقول (ابراز هادف) تفقد التلقائية معناها على ان هناك شيء آخر،فمن الممكن ان يكون الرجل الذي يكذب مجرد لقطات من الممكن ان تأخذ كل واحدة منها على حدا...
تروي الصيدلانية قصة مضللة للجنود لتهريب جان من خلال سرداب في صيدليتها قد حضر خصيصا من أجل هذه المهمة...
تتوقف اللقطة عند كل حركة تومأ بها لأنه لامجال للحوار ولاللكلام أبدا في هذه اللقطة،ومن ثم تتجمع هذه اللقطات لتشكل قصة مقتضبة مفهومة تماما بلغة الاشارة،وبلغة تجميع الصورة(المونتاج)،وبالتالي ممكن ان يكون الفيلم عن فن الرواية بالصورة...وكيف تحتمل صورة بسيطة العديد من المعاني ..شيء من المقارنة بين السينما والنص.
ومرة أخرى،فمن الممكن ان يكون الرجل الذي يكذب مجرد لقطات من الممكن ان نأخذ كل واحدة منها على حده،وهذه اللقطات لا تعبر عن حبكة مفهومة ولكن هناك بينهما ارتباط واضح،قتكون هذه العلاقات وفقا لهذه الآلية في التعبير ووفقا لهذا الارتباط شيء خفي تماما فنلتمس خيطا آخر في الفيلم،فيكون عن الصورة من حيث المدى الواسع للإدراك (الصورة غير التقليدية) واختلاف الرؤية أو وجهة الرؤية بين شخص وآخر،وبالتالي سيكون فيلم الرجل الذي يكذب فيلم مفتوح الاحتمالات سوى من احتمال واضح واحد كان قد أوضحه العنوان واوضحه المخرج ايضا بأن هناك رجل يكذب،ولايشك المشاهد قيد انمله بأن الرجل الذي يكذب هو (بوريس)،ولكن لماذا يكذب:كل شيء خاضع للأحتمالات.
تعريف الصورة غير التقليدية:هي صورة واضحة مفهومة ولكنها لاتأخذ مكانها الصحيح في الفيلم.
لندخل في موضوع الفيلم،ومن أرد الاستزادة عن الن روب غرييه فليراجع الانترنت
يبدأ الفيلم على مشهد قتل الخائن(الممثل...جين لويس ترينتيجنانت)
هناك مجموعة كبيرة من الجنود تلاحق فردا واحدا...لماذا يستخدمون هذه الكمية الكبيرة من الرصاص والقنابل والنتيجة التي وصلت اليها هذه المطاردة هي موت الرجل(بوريس)،على ان بوريس يقوم من موته ليروي لنا الحكاية،ولكن ليس عن طريق السرد التقليدي،ولكن على شكل الذاكرة العمدية،لأن روايته تهدف الى تجميل الواقع مع التلاعب بالأحداث تضفي على الخائن صفة البراءة وصفة البطولة المنفردة الى درجة الاستعراضية.
اختفاء الجنود فجأة يجعلنا نشعر بأنه في عالم آخر،ولكن ليس عالم برزخي على سبيل المثال،ولكنه عالم معلق بالوهم،أي عالم جواني من داخل ثنايا العقل،وهنا ندخل في حيز تساؤلي آخر:كيف يصيغ العقل الصورة..؟
ضمن هذه المقدمة،وان افترضنا ان الفيلم اصبح محوره الدماغ،أي عالم الوهم وليس عالم الحلم،نطرح السؤال بشكل آخر:الخيال...كي يصيغ الواقع؟!
اي ان ارجعنا الفيلم الى داخل الحيز السوريالي الذي يعتمد بشكل كبير على فك الرمز والتلميح والاشارة،عندها سيدخل الفيلم في حيز القابلية والقبول والمشاهدة،اكثر من افتراضنا ان الفيلم يدور على ارض واقعية خارج مدار الذهن.
إذا هو فيلم عن كيف يصيغ الوهم الواقع سواء في الحاضر أو الماضي،واللاوعي سيتحرك وسيعطي ضرورة الدفاع،فيلجأ المرء الى الكذب للتبرير والدفاع عن نفسه...
هو ينظر الى الحياة الآن بشكل مختلف...هو ينظر الى الاشجار ولكن الصحيح كما يبدو،هو ان الاشجار هي من تنظر اليه...
اسمي جان...جان روبان وسأحكي لكم قصتي،أو على ا|لأقل هذا ما سأحاول فعله
بدأ الأمر هكذا في غابة كبيرة...كان ثمة طريق لانستطيع التيقن من وجوده
قبله،كان ثمة جدول ماء،حجر في المجرى،أغصان في المجرى
على هيئة التداخل والقطع،تدخل صورة امرأة الى هذا الهاجس الداخلي ومن ثم تعود الى الأختفاء
هذه الشخصيات واقعية،كانت في حيز الواقع ذات مرة،فالوهم يحدد ويرتكز على الواقع ليضيف الى عالمه شخصيات محدودة(شخصيات محدودة فقط)،فهذه المرأة قادمة بالتأكيد لتدخل مجرى الحدث المتدفق...
وبعد يكتمل المشهد مع ظهور ثلاث نساء يلعبن لعبة القطه العامية
ثلاث نساء تذكرني بالمجموعة القصصية الجميلة لروبرت موزيل
قد تكون لعبة القطه العامية كناية عن البحث عن الحقيقة في عالم بين العوالم،وعن لغز موت جان روبان،وبعد يكمل:أو...صحيح...اسمي هو بوريس والتسمية ليست ضرورية ولكنهم عادة ينادوني جان واحيانا الاوكراني
ولم اعرف السبب أبدا...
ولكنه يكذب..أو يتذكر لأنه سيذكر لاحقا أن الاوكراني هو اسمه الحركي
تتداخل تسمية جان بوريس،بجيث ان الهدف هو رواية قصة جان من قبل بوريس،بطريقة ان يصبح بوريس هو نفسه جان،والعكس يحدث في آخر لقطة في الفيلم،بحيث يجعل غروبييه الخيار مفتوحا إذا اراد الوهم رواية القصة بطريقة معكوسة أي ان يصبح جان هو بوريس.
لازالت تلك النساء الثلاث يلعبن تلك اللعبة...القرية مقفرة تقريبا والمنزل الذي يعيشون فيه واسع كالقصر مدمر تقريبا وفوضوي بدون اي درجة تقريبية..
منزل مليء بالكتب وباللوحات على شكل البورتريه وصورة كبيرة معلقة لجان روبان الحقيقي:
يقول بوريس:جان كان رفيقي وحليفي في السلاح
ونحن نرى ان الحرب أو المقاومة الفرنسية للغازي النازي هي مجرد افتراض أو محرك لتمرير القصة...هذه القصة بحاجة الى حجة وحجتها هي الحرب...
اقتحام خالي من المؤثرات الصوتية لثلاث نساء يلعبن لعبة البحث عن الحقيقة،والتقشف في الكلام والموسيقى التصويرية خدم الفيلم بحيث ادخلنا الى عالم سوريالي طور التكوين مقنع اكثر.
أول كلمة:من تكون...؟َ
يدعي أن جان كان صديقه الى درجة التوحد...
الآن هو يعيد صياغة الواقع كما يريده هو...اي خيانة الواقع نفسه من خلال عالم آخر خارج هذا الواقع بالأساس،ومن خلال الرواية يبرز الكذب كمحرك واضح،ودلائل كثيرة تكشفها تلك النساء عن كذبه ولكنه يلجأ الى التبرير والتحوير.
ماريا الخادمه لاتعرف اي شيء عن جان،بل حضرت مع مغادرته بينما والد جان متربص ينظر بارتياب الى هذا الذي يدعي صداقة ولده،مع شخصية أخرى تبدو ذات اثر واضح في القصة الحقيقية خارج نص بوريس...
لقبه (المضيف) يظهر كالشبح المتلصص ويعيش في كنيسة مهجورة لاغير
بوريس يروي لماريا قصة عن كيفية تهريبه لجان من السجن-وتتكرر هذه القصص بالشكل نفسه-وعندما ينتهي من روايته يظهر في الخلفية صوت تصفيق وتحية حارة وهو يقف على الطاولة يحيي الجمهور،وهذا قابع في الوعي الداخلي للشخصية المركزية(تمجيد الذات) أو الهروب من فعل الخيانة المقترف من خلال رواية قصة ذات منحى بطولي...
غروييه لايدع أي مجال للشك في ان هذا الرجل يكذب
ثم يعيد تحوير القصة باظهار ان جان روبان ليس سوى خائن،وليس بطلا كما هو مدعى أو متعارف عليه،وهو يقتبس شخصيات قصصه من وجوه شخصيات الحانه بحيث لم نعد نعرف ان كانت هذه الوجوه لها علاقة ابالقصة حقيقة أم مجرد اقتباس.
هناك عدد كبير من الأزمنة داخل الفيلم:
الزمن الحاضر:مقدمة الفيلم واطلاق النار على بوريس
الزمن القابع بين الأزمنة:حكاية الفيلم نفسه
الزمن الوهم:وهو الاهم،وهو التداخل بين الذاكرة والوهم ومحركات اللاوعي،وهو زمن يعمل في الزمن القابع بين الأزمنة وهو ما نسميه عادة بتحوير القصة.....
على ان هناك زمن سوريالي خالص له علاقة بالزمن الوهم إلا أن له معطياته الخاصة..
ايحاء المثلث الجنسي والمشهد السوريالي:
هناك ايحاء بان النساء الثلاث يرتبطن بعلاقة جنسية من نوع معين،وهذا اشارة الى التوحد ومن ثم هناك اشارة الى علاقة غرامية سادومازوشية بين بوريس والنساء الثلاث ايضا
المشهد السوريالي:
يتمحور الواقع الى زمن فني...النساء الثلاث يلعبن لعبة تمثيل مشهد اعدام يعود ربما الى القرون الوسطى (اعدام المهرقطين) أو ربما الى زمن الأسطورة.
هل يشير المشهد السوريالي الى ضرورة اعدام الواشي،خاصة ان القتيلة بالسيف هي ماريا التي تمثل شخصية حقيقية في الزمن المروي من قبل بوريس ماتت خنقا في سريرها...
اذا سيكون المشهد تمثيل سوريالي لواقع حقيقي ولكنه مختزل
.ما معنى العلاقة الجنسية...وما معنى المثلث الجنسي,خاصة أن هذا المثلث مرتبط ببوريس؟؟؟
هل هي وحدة لعالم الوهم...هل هو مجرد تأمل أو اشارة...خلق واختراع...أم مجرد وهم؟!
ويبقى السؤال الأبرز في الفيلم:هل كان جان روبن موجود حقا؟
في الحقيقة جان روبن ليس الا عقدة ذنب بالنسبة لبوريس،ودوافع للأنتقام بسبب غيرة من بطولته،وامتلاك بوريس لنسائه الثلاث(الزوجة والأخت والخادمة) بالطريقة المذكورة آنفا ليس الا حالة جوانية خادعة لتحقيق شيء من الانتقام...ولكن هل كان جان روبن موجود حقا؟!
هذا السؤال ربما قد يجيب عليه جان نفسه بعد ظهوره في آخر لقطة في الفيلم وقتله لبوريس...ومن ثم يبدأ بالرواية هو الآخر...
بلال سمير الصدّر
30/08/2019








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و