الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رأس المال: د- الشكل النقدي(*)

كارل ماركس
(Karl Marx)

2019 / 9 / 8
مواضيع وابحاث سياسية



20 ياردة قماش =

معطف واحد =

10 باونات من الشاي =

40 باون من البن = أونصتين من الذهب

كوارتر من القمح =

1/2 طن من الحديد =

س من السلعة (آ)

إن الانتقال من الشكل (آ) إلى الشكل (ب)، ومن (ب) إلى الشكل (ج)، يقترن بحدوث تبدلات جوهرية. وبعكس ذلك، لا يوجد فرق بين الشكل (ج) والشكل (د) باستثناء أن الذهب في هذا الأخير، يتخذ شكل المُعادِل العام عوضاً عن القماش. ويمثل الذهب في الشكل (د) ما يمثله القماش في الشكل (ج): التعادل العام. إن التقدم الذي احرزناه ينحصر في أن طابع التبادل المباشر والعام – أو بتعبير آخر : شكل المال العام- قد ارتبط في النهاية، بفعل العُرف الاجتماعي، مع الشكل الطبيعي الخاص لسلعة الذهب.
ولا يقف الذهب، الآن، إزاء جميع السلع الأخرى بمثابة نقد إلا لأنه كان يقف إزاءها في السابق كسلعة، فقد كان الذهب، شأن كل السلع الأخرى، يؤدي وظيفة المُعادِل، إما بصيغة مُعادل منفرد في عمليات تبادل معزولة، أو بصيغة مُعادِل خاص سوية مع غيره من المعادلات السلعية، وأخذ يؤدي بالتدريج، وبمديات متفاوتة، دور مُعادِل عام. وما إن احتكر الذهب هذا المركز في التعبير عن القيمة داخل عالم السلع، حتى أصبح سلعة نقدية، وابتداء من تلك اللحظة، أي بعد أن غدا الذهب السلعة النقدية، تميّز الشكل (د) عن الشكل (ج)، وتحول شكل القيمة العام إلى الشكل النقدي.
إن التعبير البسيط، النسبي عن قيمه سلعة مفردة، كالقماش، بواسطة سلعة أخرى تؤدي وظيفة نقد، مثل الذهب، ليس سوى الشكل السعري لتلك السلعة. وعليه يكون الشكل السعري، للقماش: 20 ياردة قماش = أونصتين من الذهب. وإذا جرى سك أونصتي الذهب على شكل نقود فإن 20 ياردة قماش = جنيهين استرلينيين.
إن الصعوبة في مفهوم الشكل النقدي تنحصر في الإدراك الواضح لشكل التعادل العام، وبالتالي لشكل القيمة العام (الشكل ج) بعامة. وقد استخلصنا هذا الأخير (ج) من شكل القيمة الموسّع (الشكل ب) الذي يتألف من عنصر أساسي هو الشكل (آ) المتمثل في المعادلة: 20 ياردة قماش = معطفاً واحداً أو س سلعة آ= ص سلعة ب. وبناء على ذلك فإن شكل السلعة البسيط هو جنين الشكل النقدي.

رابعاً ـ الطابع الصنمي (الفيتيشي) للسلعة وسره
تبدو السلعة للوهلة الأولى، شيئاً مبتذلاً جداً يُفهم من ذاته. أما تحليل السلعة فيبين أنها، في واقع الأمر، شيء غريب جداً زاخر بالأحابيل الميتافيزيقية والحذلقات اللاهوتية، والحق، ليس ثمة في السلعة من شيء غامض، بقدر ما هي قيمة استعمالية، سواء نظرنا إليها من ناحية قدرتها على تلبية حاجات بشرية بفضل ما تمتلكه من خصائص، أم من ناحية كون هذه الخصائص هي نتاج عمل بشري. ومن الواضح وضوح النهار، أن الإنسان، بنشاطه، يغيّر شكل المادة التي توفرها الطبيعة على نحو يجعلها نافعة له. فشكل الخشب، على سبيل المثال، يتغير حين نصنع منه منضدة. مع ذلك تظل المنضدة ذلك الخشب العادي، الذي يقع يومياً تحت الحواس. ولكن ما إن تبرز المنضدة كسلعة، حتى تستحيل إلى شيء حسّي عصي على الإدراك. فهي لا تكتفي بوضع أرجلها على الأرض، بل تقف على رأسها إن جاز التعبير، إزاء السلع الأخرى، ويبدأ رأسها الخشبي بإطلاق افكار غريبة تفوق في الغرابة “رقص المناضد”(1) من تلقاء ذاتها.
إذن لا ينبثق الطابع الصوفي للسلعة عن قيمتها الاستعمالية، كما لا ينشأ أبداً عن مضمون العوامل المحددة للقيمة. فأولاً، مهما كانت عليه صنوف العمل النافع أو النشاطات الإنتاجية من تنوع، فثمة حقيقة فيزيولوجية تشير إلى أن هذه الأعمال والنشاطات هي قبل كل شيء وظائف للجسم العضوي البشري، وإن كل وظيفة كهذه، مهما كان محتواها أو شكلها، هي في الجوهر، إنفاق لدماغ الإنسان وأعصابه وعضلاته، وحواسه إلخ. ثانياً، أما بشأن ما يؤلف الأساس في تحديد كمية القيمة، نعني مدة هذا الإنفاق، أو كمية العمل، فمن الواضح تماماً أن هناك فرقاً حياً بين كمية العمل ونوعيته، فقد استأئر وقت العمل اللازم لإنتاج وسائل العيش، بالضرورة، باهتمام البشر في كل الأحوال الاجتماعية، وإن يكن بدرجات متفاوتة تبعاً لمختلف مراحل التطور(2).
وأخيراً ما إن يأخذ الناس بالعمل من أجل بعضهم بعضاً، بأية صورة، حتى يكتسب عملهم شكلاً اجتماعياً.
إذن من أين ينبثق الطابع اللغزي الذي يتلبس نتاج العمل حالما يتخذ هذا شكل سلعة؟ واضح أنه ينبثق من هذا الشكل عينه. إن المساواة بين كل صنوف العمل البشري تتمثل في أن منتوجات هذا العمل تتخذ شكلاً شيئياً من قيمة متشيئة، متماثلة؛ أما قياس إنفاق قوة العمل البشري بمدة ذلك الإنفاق، فيأخذ شكل كمية قيمة منتوجات العمل، وأخيراً فإن العلاقة المتبادلة بين المنتجين، التي يؤكد عملهم طابعه الاجتماعي في إطارها، تأخذ شكل علاقات اجتماعية بين المنتوجات.
إذن فإن غموض شكل السلعة يرجع ببساطة إلى أن الطابع الاجتماعي لعمل البشر الكائن فيها يظهر لهم كطابع شيئي يميّز منتوج ذلك العمل أو يظهر كخصائص اجتماعية طبيعية لتلك الأشياء، ولأن العلاقة القائمة بين المنتجين والمجموع الكلي لأعمالهم يظهر لهم علاقة اجتماعية، تقع خارجهم، بين الأشياء. وبفعل هذا الإبدال (Quidproquo) بالذات تصبح منتوجات العمل سلعاً، تصبح اشياء حسية وعصية على الادراك في آن، أشياء اجتماعية. وعلى النحو ذاته لا نبصر الضوء القادم من جسم شيء ما كتحريض ذاتي للعصب البصري بل كشكل موضوعي لشيء يقع خارج العين نفسها. بيد أن الضوء، في فعل الرؤية، يسقط فعلياً من شيء، من الجسم الخارجي إلى شيء آخر، أي العين، إنها علاقة طبيعية بين شيئين طبيعيين(**). أما مع السلع فالأمر يختلف، فوجود منتوجات العمل بشكل سلع، وعلاقة القيمة بين هذه المنتوجات التي تجعل منها سلعاً، لا صلة لها البتّه بالطبيعة الجسمية (الفيزيائية للسلعة أو بما ينشأ عنها من علاقات بين اشياء. فهي، هنا، ليست سوى علاقة اجتماعية محدّدة بين البشر تتخذ، في نظرهم، شكلاً خيالياً بصورة علاقة بين الأشياء، وابتغاء التوصل إلى شبيه بهذه الظاهرة، بتعين أن نلجأ إلى النواحي المغلفة بالضباب من عالم الأديان. ففي هذا العالم تظهر منتوجات الدماغ البشري بهيئة كائنات مستقلة تتمتع بالحياة وتدخل في علاقات مع بعضها بعضاً ومع الجنس البشري. وهكذا أيضاً شأن منتوجات يد الإنسان في عالم السلع. هذا ما أسميه الصنمية (الفيتيشية) التي تلتصق بمنتوجات العمل منذ أن يتم إنتاجها كسلع، وهي لذلك صنمية لا تنفصل عن هذا النمط من الإنتاج، أي الإنتاج السلعي.
إن الطابع الصنمي لعالم السلع ينبثق، كما أظهر تحليلنا أعلاه، من الطابع الاجتماعي المتميز للعمل الذي ينتج سلعاً.
وبوجه عام لا تصبح الأشياء النائمة سلعاً إلا لأنها منتوجات أعمال خاصة يزاولها أفراد مستقلون بعضهم عن بعض. ويؤلف المقدار المركب لهذه الأعمال الخاصة إجمالي العمل الاجتماعي، ولما كان المنتجون لا يقيمون صلات اجتماعية في ما بينهم إلا عند تبادل منتوجات عملهم، فإن الطابع الاجتماعي المتميز الذي يسم العمل الخاص لكل واحد منهم لا يظهر للعيان إلا في فعل التبادل. بتعبير آخر، إن العمل الخاص لا يؤكد نفسه كجزء من إجمالي العمل الاجتماعي إلا بواسطة العلاقات التي يقيمها التبادل بين المنتوجات بصورة مباشرة، ومن خلالها بين المنتجين بصورة غير مباشرة. وعليه فإن العلاقات الاجتماعية التي تربط بين مختلف الأعمال الخاصة تظهر، لهؤلاء المنتجين، لا كعلاقة اجتماعية مباشرة بين الأفراد العاملين، بل تبدو، بما هي عليه حقاً، علاقات دينية بين الأشخاص وعلاقات اجتماعية بين الأشياء. إن منتوجات العمل لا تكتسب، تقيم مُشيئة، شكلاً اجتماعياً موحداً متميزاً عن أشكال وجودها المتباينة حسياً كأشياء استعمالية إلا عن طريق التبادل. وإن هذا التقسيم لمنتوج العمل إلى شيء نافع وشيء – قيمة، لا يرتدي أهمية عملية إلا حين يأخذ التبادل أبعاداً واسعة بحيث يتم إنتاج الأشياء النافعة لغرض التبادل، وبالتالي لا بد من أن يُؤخذ طابع قيمة هذه الأشياء سلفاً بعين الاعتبار خلال مرحلة إنتاجها بالذات. وابتداء من هذه اللحظة يتخذ العمل الخاص للفرد المنتج طابعاً اجتماعياً مزدوجاً بالفعل. فمن جهة، يتعين عليه، بصفته نوعاً محدداً من العمل النافع، أن يُشبع حاجة اجتماعية معينة، فيحتل بذلك موقعه كجزء لا يتجزأ من مجموع العمل، كفرع من التقسيم الاجتماعي للعمل المنبثق عفوياً. ومن جهة أخرى، لا يمكن له أن يُشبع الحاجات المتعددة للفرد المنتج نفسه إلا حين تكون قابلية تبادل مختلف أنواع العمل الخام النافع بعضها ببعض قد تأسست، واصبح العمل الخاص النافع لأي مُنتج يقف على قدم المساواة مع عمل الآخرين. ولا تتحقق المساواة بين أنواع العمل المختلفة اختلافاً كلياً (toto coelo) إلا بعد تجريدها من تباينها الفعلي، أي بعد اختزالها إلى القاسم المشترك المتمثل في كونها إنفاقاً لقوة عمل بشري أو كونها عملاً بشرياً مجرداً(***). إن الطابع الاجتماعي المزدوج للأعمال الخاصة لا ينعكس في أدمغة المنتجين الخاصين، إلا بهذين الشكلين اللذين تطبعهما به الممارسة اليومية في تبادل المنتوجات: وعلى هذا الشكل فإن الطابع الاجتماعي النافع لأعمال المنتجين الخاصة يظهر بمثابة شرط يقضي بألا يكون هذا العمل نافعاً وحسب بل أن يكون نافعاً للآخرين؛ أما الطابع الاجتماعي للمساواة بين مختلف أنواع العمل فيظهر في شكل امتلاك هذه الأشياء المتباينة مادياً، أي منتوجات العمل، القيمة، بصورة إجماعية.
وعليه حين يضع الناس منتوجات عملهم في علاقة بعضها مع بعض كقيم، فليس معني ذلك أنهم يعتبرون هذه الأشياء أوعية شيئية تحتوي على عمل بشري متجانس، بل العكس تماماً. فحين يضعون منتوجاتهم المختلفة على قدم المساواة كقيم، عن طريق التبادل، فإنهم بهذا الفعل نفسه، يضعون مختلف أنواع العمل المبذولة فيها على قدم المساواة بصفتها عملاً بشرياً، إنهم لا يعون ذلك لكنهم يفعلونه(3). فالقيمة، إذن، لا تتبختر بيافطة تصف ماهيتها، بالأحرى، إن القيمة ذاتها، هي التي تُحوّل كل منتوج عمل إلى لغز هيروغليفي اجتماعي، وبمضي الوقت، يحاول الإنسان فك الرموز الهيروغليفية كي ينفذ إلى سرّ إنتاج اجتماعي من صنع يديه، شأن اللغة. إن الاكتشاف العلمي اللاحق، بأن منتوجات العمل، من حيث هي قيم، ليست أكثر من تعبيرات شيئية عن العمل البشري المُنفَق في إنتاجها، يسجل، حقاً، بداية حقبة في تاريخ تطور الجنس البشري، ولكن هذا الاكتشاف لا يزيل المظهر الشيئي الذي يتلبّسه الطابع الاجتماعي للعمل. ففي هذا الشكل الخاص من الإنتاج الذي نعالجه هنا، نقصد الإنتاج السلعي، هناك حقيقة تتمثل في أن الطابع الاجتماعي المحدد للعمل الخاص المستقل يقوم على تساوي جميع أنواع هذا العمل باعتبارها عملاً بشرياً، وإن هذا الطابع يتخذ، في منتوج العمل، شكل قيمة. بيد أن هذه الحقيقة تبدو في نظر المنتجين، رغم الاكتشاف العلمي المشار إليه آنفاً، واقعية ونهائية مثل حقيقة أن الغلاف الجوي ظل في شكله المادي الفيزيائي، حتى بعد أن اكتشف العلم العناصر المكونة للهواء.
وأول ما يهم المنتجين القائمين بالتبادل معرفته، عملياً، هو هذا: كم من المنتوج الآخر سيتلقون لقاء منتوجهم؟ بأية نسب يجري تبادل المنتوجات؟ وما إن تصل هذه النسب، بفعل العُرف، إلى نوع من الاستقرار حتى تبدو وكأنها ناجمة عن طبيعة منتوجات العمل ذاتها، بحيث أن تساوي طن واحد من الحديد مع أونصتين من الذهب، من حيث القيمة، يبدو طبيعياً كتساوي باون من الذهب مع باون من الحديد من حيث الوزن رغم اختلاف خواصهما الفيزيائية والكيميائية. إن طابع القيمة، الذي يُسبغ على المنتوجات، لا يكتب الثبات إلا بفعل تفاعل هذه المنتجات في ما بينها كمقادير من القيمة. وتتغير هذه المقادير دون انقطاع بصورة مستقلة عن إرادة وبصيرة وتصرفات القائمين بالتبادل. إن سلوكهم الاجتماعي، يتبدى لهم في شكل حركة أشياء تتحكم بهم بدلاً من أن ينحكموا بها. وينبغي أن يتطور الإنتاج السلعي تطوراً كاملاً قبل أن تنبثق، من الخبرة المتراكمة وحدها، الحقيقة العلمية القائلة بان مختلف أنواع العمل الخاص، والمنفذة بصورة مستقلة، والمترابطة من كل الجوانب، والنامية عفوية إلى فروع من التقسيم الاجتماعي للعمل، إنما يجري اختزالها باستمرار إلى نسب كمية مقبولة اجتماعياً، وسبب هذا الاختزال أن وقت العمل الضروري اجتماعياً لإنتاج هذه المنتوجات يفرض نفسه عليها عنوة، كقانون طبيعي ناظم، وسط علاقات تبادل عرضية ومتقلبة أبداً، مثلما يفرض قانون الجاذبية نفسه حين ينهدم منزل على رؤوسنا(4). لذا فإن تحديد مقدار القيمة بوقت العمل سر يختبىء وراء حركة التقلبات الظاهرة في القيمة النسبية للسلع. وعلى حين أن كشف هذا السر يزيل المظاهر العرضية عن تحديد مقدار قيم منتوجات العمل، فإنه لا يغير، بأي حال، الشكل الشيئي لتحديد مقدار القيمة.
إن تأمّل الإنسان في أشكال الحياة البشرية، وبالتالي تحليله العلمي لهذه الأشكال، يأخذان مجرى معاكساً تماماً لتسلسل تطورها الفعلي، فهو يبدأ، متأخراً بعد الواقعة (post festum)، بنتائج عملية التطور الجاهزة أمامه. فالأشكال التي تطبع منتوجات العمل بطابع السلع، والتي تؤلف شرطاً ضرورياً لتداولها، قد اكتسبت أصلاً نفس الثبات الذي يميز الأشكال الطبيعية الواضحة للحياة الاجتماعية قبل أن يسعى المرء لإدراك محتواها، وليس لفهم طابعها التاريخي الذي يُعد بنظره ثابتاً. وهكذا فإن تحليل أسعار السلع هو وحده الذي أدى إلى تحديد مقدار القيمة، والتعبير المشترك عن جميع السلع بالنقد هو وحده الذي أدى إلى تأسيس طابعها كقيمة. غير أن هذا الشكل النقدي، الذي أصبح نهائياً في عالم السلع، هو الذي يخفي في الأشياء الطابع الاجتماعي للعمل الفردي الخاص والعلاقات الاجتماعية بين المنتجين الخواص بدل أن يكشفها. فعندما أقول إن المعطف أو الحذاء، وهلمجرا، يدخلان في علاقة مع القماش باعتباره التجسيد العام للعمل البشري المجرد فإن غرابة هذا التعبير تبرز للعيان. مع ذلك، حين يقوم منتجو المعاطف والأحذية وسواها بمقارنة هذه المواد بالقماش، أو، وهذا نفس الشيء، بالذهب والفضة بوصفهما مُعادِلاً عاماً، فإنهم يعبرون عن العلاقة بين عملهم الفردي الخاص ومجموع عمل المجتمع بالشكل الغريب أعلاه نفسه.
إن مقولات الاقتصاد البورجوازي تتألف من صيغ كهذه. فهي صيغ فكرية، أي موضوعية، يسري مفعولها اجتماعياً حين تعبر عن العلاقات الإنتاجية السائدة في نمط من الإنتاج الاجتماعي محدد تاريخياً هو الإنتاج السلعي. ولذلك ما إن نأتي إلى أشكال أخرى من الإنتاج، حتى تنجلي كل صوفية العالم السلعي ويتلاشى كل السحر وكل الأشباح التي تغلف منتوجات العمل القائم على أساس الإنتاج السلعي.
وبما أن الاقتصاد السياسي مغرم بحكايات روبنسن كروزو(5)، فدعونا نلقي عليه نظرة وهو في جزيرته. ومهما يكن عليه تواضع روبنسن كروزر، فإن لديه حاجات قليلة يتعين تلبيتها، ويتوجب لذلك أن يؤدي قليلاً من العمل النافع باشكال مختلفة، كأن يصنع الأدوات والأثاث ويدجن الماعز (اللاما)، ويصطاد السمك ويقنص الطيور، ولا شأن لنا طبعاً بصلاته وما شاكلها، إذ إن روبنسن يجد فيها مصدر متعة ويعتبرها فعالية للترويح عن النفس، ورغم تنوع وظائفه الإنتاجية فإنه يعرف أن أعماله كلها ليست إلا نشاطات مختلفة لروبنسن الواحد ذاته، ولا تحتوي بالتالي غير أنماط مختلفة من العمل البشري. وترغمه الضرورة نفسها على توزيع وقته بدقة على مختلف أنواع الوظائف. أما كون هذا العمل يشغل في نشاطه العام، حيّزاً أكبر مما يشغله عمل آخر، فالأمر يتوقف على تفاوت حجم الصعوبات التي يتعين التغلب عليها لبلوغ النتيجة النافعة المتوخاة. وسرعان ما يتعلم صاحبنا روبنسن ذلك من التجربة، وبما أنه قد أنقذ من السفينة، ساعة ودفتراً وريشة وحبراً، فإنه ينكبّ، كبريطاني أصيل المولد، على مسك دفتر لحساباته. ويتضمن سجل محفوظاته قائمة بالأشياء النافعة التي بحوزته، ومختلف العمليات الضرورية لإنتاجها، وأخيراً متوسط وقت العمل الذي يكلفه إنتاج كميات معينة منها. إن كل العلاقات القائمة بين روبنسن والأشياء التي تؤلف الثروة التي صنعها بيديه، هي هنا من البساطة والشفافية بحيث يمكن، حتى للسيد فيرت (Wirth)(****)، أن يفهمها دون مشقة. مع ذلك فإن هذه العلاقات تتضمن كل ما هو أساسي لتحديد القيمة.
دعونا ننتقل من جزيرة روبنسن المغمورة بالضياء إلى القرون الوسطى الأوروبية الغارقة في الظلام. فعوضاً عن الإنسان المستقل، نجد هنا أن جميع الناس تابعون، الأقنان والاقطاعيون، الاتباع والسادة، العامة والاكليروس. إن التبعية الشخصية، هنا، تميّز العلاقات الاجتماعية للإنتاج المادي مثلما تميّز بقية ميادين الحياة المنظمة على أساس ذلك الإنتاج. ولما كانت هذه التبعية الشخصية بالذات هي التي تؤلف أساس المجتمع، فليس ثمة ما يحتم أن تتخذ أنواع العمل والمنتجات، مظهراً وهمياً يختلف عن واقعها الحقيقي. لذا نجدها في تعاملات المجتمع تأخذ شكل خدمات عينية ومدفوعات عينية. وعليه فإن الشكل الطبيعي للعمل يؤلف، هنا، في خصوصيته، الشكل الاجتماعي المباشر لهذا العمل، وليس كما في المجتمع القائم على الإنتاج السلعي حيث العمل في عموميته هو الذي يؤلف الشكل الاجتماعي المباشر، إن عمل السخرة الإلزامي يُقاس، قياساً جيداً، بالوقت شأن العمل المنتج للسلع، لكن كل فن يعرف تمام المعرفة(*****) أنه يُنفق في خدمة سيده كمية معينة من قوة عمله الشخصية. والعُشر الذي يتعين تقديمه للكاهن هو شيء أوضح من بركات هذا الأخير. إذن، مهما يكن رأينا بالأقنعة التي يرتديها مختلف الشخوص في هذا المجتمع، فإن العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، في مجرى مزاولتهم للعمل، تظهر في كل حال كعلاقات شخصية متبادلة ولا تكتسي رداء علاقات اجتماعية بين أشياء، أي بين منتوجات العمل.
وإذا ما سعينا لمثال عن العمل المشترك أو العمل الجماعي المباشر، فلا حاجة بنا للرجوع إلى شكله الذي تطور عفوياً في مطلع تاريخ كل الشعوب المتمدنة(6). فلدينا مثال قريب من الصناعات البطريركية (الأبوية) الريفية عند الأسرة الفلاحية التي تنتج القمح والماشية والغزول والقماش والثياب لسد حاجاتها المنزلية وتمثل هذه الأشياء المختلفة، عند الأسرة، منتوجات متعددة لعملها العائلي، لا سلعاً يجري تبادلها بين أفراد هذه الأسرة، إن الأعمال المختلفة، كالزراعة وتربية الماشية، والغزل، والحياكة وصنع الثياب، التي تولد هذه المنتوجات المتنوعة، هي، في شكلها الطبيعي، وظائف اجتماعية مباشرة؛ لأن وظائف الأسرة، شأن المجتمع الذي يرتكز على إنتاج السلع، تقوم على نظام تقسيم للعمل خاص بها تطور بصورة عفوية . فتقسيم العمل داخل الأسرة وتنظيم مدته لكل فرد، يتوقفان على فوارق السن والجنس مثلما يتوقفان على الظروف الطبيعية التي تتغير بتغير الفصول. إن قياس إنفاق قوة العمل الذي يبذله كل فرد بزمن هذا العمل يظهر، بحكم طبيعته، كمحدّد اجتماعي للعمل، في حين أن قوى العمل الفردية لا تنشط، بحكم طبيعتها، إلا كأجزاء لقوة عمل الأسرة.
دعونا نتصور أخيراً، على سبيل التغيير، اتحاد جماعة من الأحرار يزاولون العمل بوسائل إنتاج مشتركة وينفقون، بوعي مسبق، قوى عملهم الفردية العديدة بوصفها قوة عمل اجتماعية واحدة، إن كل التحديدات الخاصة بعمل روبنسن كروزو تتكرر هنا مع فارق واحد هو انها اجتماعية وليست فردية . لقد كانت كل منتوجات كروزو، نتاج عمله الشخصي وحده، لذلك كانت اشياء استعمالية ذات منفعة مباشرة له. أما المنتوج الكلّي للجماعة المتحدة فإنه منتوج اجتماعي. إن قسماً من هذا المنتوج يُستخدم مجدداً كوسيلة إنتاج. لذا يظل اجتماعياً. في حين أن الجزء الآخر يستهلكه أعضاء المتّحد كوسائل عيش. ولا بد إذن من توزيع هذا الجزء الأخير عليهم. ويتباين نمط التوزيع تبعاً لنمط التركيب العضوي، الاجتماعي للإنتاج، ودرجة التطور التاريخي للمنتجين. ولنفترض، إبتغاء وضع الأمور على غرار الإنتاج السلعي، أن حصة كل فرد منتج من وسائل العيش تتحدد بوقت العمل الذي بذله. في هذه الحالة يلعب وقت العمل دوراً مزدوجاً. فتجزئة العمل وفقاً لخطة اجتماعية معيّنة تُحافظ على التناسب الملائم بين مختلف وظائف العمل التي ينبغي أداؤها، ومختلف أنواع الحاجات الجماعية التي تنبغي تلبيتها. ومن جهة أخرى، يقوم وقت العمل مقام مقياس لتحديد مساهمة المنتجين الفردية في العمل الجماعي، وبالتالي تعيين نصيبهم في ذلك الجزء من المنتوج الجماعي المخصص للاستهلاك الفردي. إن العلاقات الاجتماعية بين المنتجين الأفراد من ناحية أعمالهم ومنتجات هذه الأعمال، تكون هنا شفّافة بسيطة ومُدركة على نحو تام، في الإنتاج كما في التوزيع أيضاً.
]إن العالم الديني ليس إلا انعكاساً للعالم الواقعي[(******). وإن مجتمع منتجي السلع، حيث يدخل المنتجون، في علاقات إنتاج اجتماعية عامة مع بعضهم من خلال معاملة منتوجاتهم على أنها سلع وبالتالي قيم، وحيث يختزلون أعمالهم الفردية الخاصة، إزاء بعضها البعض، بهذا الشكل الشيئي، إلى عمل بشري متجانس – إن مجتمعاً كهذا بجد أنسب أشكال الدين في المسيحية وعبادتها للإنسان المجرد وخصوصاً في تطورها البورجوازي أي البروتستانتية والمذهب الربوبي، إلخ. أما في النمط الآسيوي، ونمط الإنتاج القديم، وغيرهما، فنجد أن تحول المنتوجات إلى سلع وبالتالي وجود البشر كمنتجي سلع، إنما يلعب دوراً ثانوياً، لكنه يزداد في الأهمية كلما سار المجتمع المشاعي نحو الانحلال. أما الأنواع التجارية، بالمعنى الدقيق للتسمية، فلم تظهر في العالم القديم إلا في فترات فاصلة، مثل آلهة أبيقور في الأنترومونديا(*7)، أو مثل اليهود في مسام المجتمع البولوني. والواقع أن هذه الكائنات العضوية الإنتاجية القديمة بسيطة وشفافة تماماً إن قورنت بالمجتمع البورجوازي. غير أنها كانت قائمة إما على عدم نضج تطور الإنسان الفرد الذي لم يقطع بعد الحبل السري للروابط الطبيعية القرابية مع بني جنسه، أو أنها تقوم على علاقات السيادة والاستعباد المباشرة، ولا يمكن لها أن تنبثق أو تستمر في الوجود إلا حين يكون تطور القوى الإنتاجية للعمل في مرحلة متدنية، وحين تكون العلاقات الاجتماعية بين إنسان وآخر، وبين الإنسان والطبيعة، في عملية الإنتاج المادي للحياة، ضيقة بالمثل. وينعكس الضيق الفعلي لهذه العلاقات، مثالياً، في العبادة القديمة للطبيعة، كما ينعكس في الأديان الشعبية، وعلى أي حال فإن الانعكاس الديني للعالم الواقعي لا يزول نهائياً إلا حين تظهر العلاقات العملية في الحياة اليومية للإنسان بصورة علاقات معقولة وشفافة تماماً مع أقرانه من البشر ومع الطبيعة. إن مظاهر صيرورة حياة المجتمع، أي عملية الإنتاج المادي، أن تنزع البرقع الصوفي الذي يحجبها إلا يوم تُعامل كإنتاج يقوم به أناس متشاركون تشاركاً اجتماعياً حرّاً، وينظمونه بصورة واعية وفقاً لخطة مقررة، بيد أن هذا يقتضي أن تتوافر للمجتمع أرضية مادية معينة أو مجموعة شروط مادية لوجوده هي بدورها نتاج عملية تطور تاريخية عفوية، طويلة، مفعمة بالعذاب.
حقاً إن الاقتصاد السياسي، قد حلل، وإن يكن بصورة ناقصة(7)، القيمة ومقدار القيمة، واكتشف المحتوى الخبيء في هذين الشكلين. إلا أنه لم يتساءل، قط، لماذا يأخذ هذا المحتوى ذلك الشكل، أو لماذا يتمثل العمل بقيمة منتوجه، ولماذا يتمثل قياس العمل بزمن في مقدار قيمة المنتوج(8). لقد تم على هذه الصيغ بحروف بارزة لا لبس فيها، تفصح أنها تنتمي إلى تشكيلة اجتماعية تهيمن فيها عملية الإنتاج على الإنسان بدل أن يهيمن هو عليها، بيد أن هذه الصيغ تبدو لوعي البورجوازي ضرورة بديهية فرضتها الطبيعة مثلما فرضت العمل المنتج ذاته. من هنا ينظر الاقتصادي البورجوازي إلى أشكال الكيانات العضوية للإنتاج الاجتماعي التي سبقت الشكل البورجوازي، بالطريقة نفسها التي كان آباء الكنيسة ينظرون بها إلى الأديان التي سبقت المسيحية(9).
ويتجلى مدى الضلال الذي وقع فيه بعض الاقتصاديين جراء الصنمية في عالم السلع والمظهر المتشيىء الذي تتزيّا به التحديدات الاجتماعية للعمل، ينجلي، من بين مظاهر عديدة، في الخصومة الطويلة المملة حول دور الطبيعة في خلق القيمة التبادلية، ولما كانت القيمة التبادلية طريقة اجتماعية معيّنة للتعبير عن مقدار العمل الذي أنفق في شيء ما، فلا يعود للطبيعة دخل في القيمة التبادلية، مثلما لا دخل لها بتثبيت سعر صرف النقود.
إن نمط الإنتاج الذي يتخذ فيه المنتوج شكل سلعة، أو ينتج فيه مباشرة لغرض التبادل، هو أكثر الأشكال عمومية وبدائية لنمط الإنتاج البورجوازي. لذلك يعلن هذا الشكل عن ظهوره في مرحلة مبكرة من التاريخ، ولكن ليس بالسعة والتعقيد المميزة لأيامنا هذه. لذلك يسهل، نسبياً، النفاذ إلى الطابع الصنمي للسلعة. ولكن ما إن نواجه أشكالاً حسية أكثر تعقيداً حتى يتلاشى سيماء البساطة هذه، فمن أين، إذن، تنشأ أوهام النظام النقدي؟ إن الذهب والفضة، بالنسبة إليه، حين يقومان بدور النقد، لا يمثلان علاقة اجتماعية بين المنتجين بل يمثلان أشياء طبيعية تتمتع بخصائص اجتماعية غريبة. ولكن الا نرى أن صنمية الاقتصاد الحديث، الذي ينظر بازدراء وترفّع إلى النظام النقدي، تبرز واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار عندما يعالج رأس المال(8*)؟ وكم مضى على علم الاقتصاد منذ أن بدد وهم الفيزيوقراطيين القائل بأن الريع العقاري ينبع من الأرض وليس من المجتمع؟
ولكي لا نستبق الأمور، سنكتفي بمثال آخر يتعلق بالشكل السلعي، لو كان بوسع السلع أن تنطق لقالت: قد تكون قيمنا الاستعمالية شيئاً يهم الناس. ولكنها لا تخصنا كأشياء. وما يخضنا كأشياء هي قيمنا، وعلاقات تداولنا كأشياء ـ سلع تثبت ذلك.
ولسنا، في نظر بعضا إلى بعض، سوى قيم تبادلية. اسمعوا الآن كيف تتحدث هذه السلع بلسان الاقتصادي:
“إن القيمة (يقصد القيمة التبادلية) هي خاصية الأشياء، والثروة (يقصد: القيمة الاستعمالية) خاصية الإنسان. وبهذا المعنى فإن القيمة تنطوي، بالضرورة، على التبادل، أما الثروة فلا. “إن الثروة (القيمة الاستعمالية) هي خاصية الإنسان، والقيمة خاصية السلع، فثمة إنسان غني وجماعة غنية، أما اللؤلؤة والماسة فلهما قيمة… إن اللؤلؤة والماسية لهما قيمة بوصفهما لولوة أو ماسة.
حتى الآن لم يكتشف أي كيميائي، قيمة تبادلية في لؤلوة أو ماسة. أما المكتشفون الاقتصاديون لهذا العنصر الكيميائي، الذين يدعون لأنفسهم نصيباً خاصاً من موهبة التمحيص، فيجدون أن القيمة الاستعمالية للأشياء ملك لهذه الأشياء بمعزل عن خصائصها الشيئية، في حين أن قيمتها، من جهة أخرى، تؤلف جزءاً منها كأشياء. وما يرسخ هذا الاعتقاد في أذهانهم هو هذا الوضع الغريب الذي يتيح للقيمة الاستعمالية للأشياء أن تتحقق من غير تبادل وذلك عبر العلاقة المباشرة بين الأشياء والإنسان، أما القيمة، من جهة أخرى، فلا تتحقق إلا عن طريق التبادل، أي عبر عملية اجتماعية. تُرى من منا لا يتذكر، هنا، صاحبنا الطيب دوغبري يبلغ جاره سيكول قائلا(*9).
“أن تكون رجلاً حسن الطلعة فتلك هبة الحظ، أما معرفة القراءة والكتابة فتأتي من الطبيعة(10).



__________________________

(*) – في الطبعة الفرنسية: ]الشكل النقدي او المالي[ (La forme argent) – وقد ورد هامش إيضاحي في الطبعة الفرنسية هذا نصه: تنطوي الترجمة الدقيقة للكلمتين الألمانيتين (Geld) و(Geldform) (النقد والشكل النقدي) على شيء من الصعوبة. فكلمة الشكل المالي تنطبق على جميع السلع عدا المعادن الثمينة. ولا يعود بوسعنا القول بالشكل المالي للمال، أو أن الذهب يتحول إلى مال أو فضة، دون تشويش القاريء. أما تعبير الشكل النقدي فيثير تشويشاً آخر ناجماً عن أن استخدام كلمة نقد (monnaie) في اللغة الفرنسية يعني غالباً قطعاً معدنية من النقد، وعليه نستعمل تعبيري الشكل النقدي والشكل المالي دائماً بالمعنى ذاته، ويخلو النصان الإنكليزي والألماني من هذه الازدواجية، ]ن. ع] (1) – يُذكر أن المناضد والخزفيات في الصين شرعت ترقص حين خُيّل ـ أن بقية العالم كله يقف ساكناً، وذلك في سبيل تشجيع الآخرين (Pour encourager les autres). ]بعد اندحار ثورة 1848/ 1849، سادت اوروبا رجعية سياسية سوداء، وكانت الأوساط الأرستقراطية والبورجوازية في أوروبا، يومها مولعة بالروحانيات، وبخاصة “رقص المناضد” ( table-turning )، أما في الصين فقد تصاعدت حركة عارمة للتحرر من الإقطاع، بخاصة في أوساط الفلاحين. وقد سميت تلك الحركة بثورة تايبنغ، ]ن. برلين[، واضح أن رقص المناضد، أو تحريك المناضد، هنا، يجري خلال حفلات استحضار الأرواح، هذه الحفلات التي انتشرت في الأوساط الأرستقراطية في أوروبا. وهذا هو وجه الغرابة الذي يشير إليه النص. أما في الصين، فكانت المناضد تتحرك وتنقلب كناية عن الغليان الثوري. ]ن. ع[.

(2) – حاشية للطبعة الثانية كانت وحدة قياس الحقل تتمثل عند الجرمانيين القدماء في رقعة حصاد يوم واحد، ومن هنا جاءت تسميتها عمل يوم أو حوض يوم Tagwcrk او Tagwanne، أو Jurnale أو ferra jurnalis أو Jornalis أو diurnalis عمل رجل، جهد رجل، حصاد رجل.

(غ. ل. فون ماورر، مدخل لتاريخ قوانين الأرض، ميونيخ، 1854، ص 129 وما يليها).
(**) حرفياً: علاقة فيزيائية بين شيئين فيزيائيين. ]ن. ع[.
(***) في الطبعة الفرنسية أضيفت هذه العبارة: والتبادل وحده هو الذي يقوم بهذا الاختزال حين يضع منتوجات أكثر الأعمال اختلافاً إزاء بعضها بعضاً في منزلة متساوية. ]ن. ع[.

(3) – حاشية للطبعة الثانية: لذلك حين يقول غالياني: القيمة علاقة بين شخصين فقد كان عليه أن يضيف: علاقة بين شخصين تختبيء في غلاف علاقة بين الأشياء (غالياني، حول النقد، ص 221، المجلد الثالث من مجموعة كوستودي المعنونة المؤلفون الكلاسيكيون الإيطاليون في الاقتصاد السياسي ، القسم الحديث، ميلانو، 1803

(4) ماذا تقول في قانون لا يتحقق إلا بثورات دورية؟ إنه ببساطة، ليس اكثر من قانون طبيعي يقوم على عدم وعي أولئك الخاضعين لها، (فريدريك إنجلز، خطوط أولية في نقد الاقتصاد القومي، نشر في الحوليات الألمانية – الفرنسية التي حررها أرنولد روج وكارل ماركس، باريس، 1844).

(5) حاشية للطبعة الثانية: حتى لريكاردو قصصه عن روبنسن: «إنه يجعل صياد الحيوانات البدائي، وصياد السمك البدائي مالكي سلع يتبادلان لحم الطريدة والسمك بنسبة وقت العمل المتشيء في هاتين القيمتين التبادليتين. ويقترف ريكاردو، في هذا الموضع، مغالطة تاريخية، حين يجعل هذين الرجلين يطبقان، في احتساب ادوات عملهما، الجداول السنوية السارية في بورصة لندن عام 1817. ويبدو أن متوازيات أضلاع السيد أوين (!) هي شكل المجتمع الوحيد الذي يعرفه ريكاردر خارج المجتمع البورجوازي”. (كارل ماركس، مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي، ص 38- 39)

](!) – أشار ريكاردو إلى متوازيات أضلاع السيد أوين في كتابه حول حماية الزراعة On Protection to Agriculture، الطبعة الرابعة، لندن، 1822، ص 21. لقد حاول أوين، ضمن خططه الطوباوية لاصلاح المجتمع، أن يبرهن أن أنسب شكل للأحياء السكنية هو المستطيل او المرئع. ن. برلين[.
(****) اقتصادي ألماني نشأت عنده خصومة مع ماركس، وقد ساند فيرت السيد سيدلي تايلور وهر عميد من جامعة كمبريدج، النص الألماني يورد اسم فيرت، والنص الإنكليزي بذكر اسم سيدلي تايلور.

انظر مقدمة الطبعة الرابعة حول موضوع الخلاف. ]ن. ع]

(*****) تليها في النص الفرنسي عبارة: (دون الرجوع إلى آدم سميث). ]ن. ع[
(6) – حاشية للطبعة الثانية: من الفرضيات المسبقة السخيفة التي تنتشر هذه الأيام أن الملكية المُشاعة في شكلها البدائي شكل سلافي خاص أو حتى شكل روسي حصراً والواقع أن بالوسع إثبات أن الشكل البدائي كان موجوداً لدى الرومان والجرمان والسلتيين، بل إننا نجد، حتى يومنا هذا، نماذج عديدة منه في الهند، رغم انها قد تكون أنقاضاً. إن دراسة اشمل أشكال الملكية المُشاعة البدائية الأسيوية، وبالأخص الهندية، سوف تبيّن كيف أن مختلف اشكال هذه الملكية المشاعة قد انحلت بأشكال متباينة أيضاً. وهكذا يُمكننا، على سبيل المثال، إرجاع مختلف الأنماط الأصلية للملكية الخاصة الرومانية والجرمانية إلى مختلف أشكال الملكية المُشاعة الهندية، (كارل ماركس، مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي، ص 10).
(******) – العبارة لا ترد في النص الألماني وتقتصر على النص الإنكليزي الذي أشرف عليه إنجلز . ]ن. ع[.

(7*) الهة أبيقور: كان الفيلسوف الإغريقي أبيقور يعتقد أن الآلهة تعيش في الأنترمونديا، أي في الفضاء القائم بين العوالم، وأنها لا تؤثر في تطور الكون أو في حياة الإنسان أي تأثير. ]ن. برلين[.
(7) – إن نواقص تحليل ريكاردو لمقدار القيمة ـ وهو بالمناسبة أحسن التحليلات – ستنجلي في المجلدين الثالث والرابع من هذا المؤلف ولعل أضعف نقطة عند المدرسة الكلاسيكية للاقتصاد السياسي، فيما يتعلق بالقيمة عموماً، أنها لم تميز بوضوح وبوعي كامل، بين العمل الذي يظهر في قيمة المنتوج، والعمل نفسه حين يظهر في القيمة الاستعمالية لذلك المنتوج. وبالطبع فإنها تقوم بهذا التمييز من الناحية العملية، طالما أن هذه المدرسة تعالج العمل من زاوية كمية تارة، ومن زاوية نوعية تارة أخرى، ولكن ليس لديها أدنى فكرة أن الاختلاف بين صنوف شتى من العمل، حين يُنظر إليه على أنه اختلاف كمي محض، إنما يعني ضمنياً أن صنوف العمل منه متماثلة أو متوحدة نوعياً، وانها بالتالي تختزل إلى عمل بشري مجرد. ويعلن ريكاردو، على سبيل المثال، اتفاقه مع فرضية ديستوت دو تراسي القائلة: لما كان مؤكداً أن قدراتنا الجدية والروحية هي ثروتنا الأصلية الوحيدة، فإن استخدام هذه القدرات في صنف معين من العمل هو كنزنا الأصيل الوحيد، ومن هذا الاستخدام وحده إنما تنبثق كل تلك الأشياء التي نسميها ثروات … ومن المؤكد أيضاً أن هذه الأشياء جميعاً لا تمثل سوى العمل الذي خلقها، وإذا كانت تتمنع بقيمة ما، أو حتى بقيمتين متمايزتين، فإنها لا يمكن أن تستمدها إلا من (قيمة) العمل الذي تمخضت عنها. ريكاردو، مبادىء الاقتصاد السياسي.

نكتفي، هنا، بالإشارة إلى أن ريكاردو يضيف لكلمات ديستوت دو تراسي معنى أعمق مما نحمل، فما يقوله هذا الأخير حقاً هو أن كل الأشياء التي تؤلف الثروة “تمثّل العمل الذي يخلقها”، هذا من جهة، ولكنه يقول من جهة أخرى إن هذه الأشياء تكتسب قيمتين متمايزتين، (قيمة استعمالية وقيمة تبادلية) من قيمة العمل. وهكذا يسقط في الخطأ الشائع لممثلي الاقتصاد المبتذل الذين يفترضون قيمة سلعة أولى (العمل في هذه الحالة) من أجل أن يحددوا قيم بقية السلع. لكن ريكاردو يقرأ فيه كما لو أنه يقول إن الحل (وليس قيمة العمل) يتجسد في القيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية على حد سواء. بل إن ريكاردو نفسه لا يعير كبير اهتمام للطابع المزدوج للعمل الذي يتجسد بشكل مزدوج، في حين أنه يكرس كامل فصله المعنون “القيمة والثروة”، وخصائصها المميزة Value and Riches,their Distinctive properties لفحص ترّهات ج . ب. ساي على نحو تفصيلي. وفي الختام تعتريه الدهشة حين يجد أن ديستوت يتفق معه باعتبار العمل منبع القيمة، من جهة، مثلما يتفق مع ج. ب. ساي حول مفهوم القيمة من جهة أخرى. [انظر: ديستوت دو تراسي، عناصر الأيديولوجيا، المجلدان 4 و 5، باريس، 1826، ص 35 و 36]، ]ن. برلين[.

(8) – من أبرز الإخفاقات الأساسية للاقتصاد السياسي الكلاسيكي انه لم يفلح قط، من خلال تحليله للسلعة، وبوجه خاص تحليل قيمتها، في اكتشاف شكل القيمة الذي يجعل هذه القيمة قيمة

تبادلية. حتى آدم سميث وريكاردو، وهما أفضل ممثلي هذه المدرسة، يعالجان شكل القيمة كشيء غير ذي أهمية، ولا علاقة له بالطبيعة الداخلية للسلعة، ولا يرجع ذلك إلى أن اهتمامهما ينصبّ كلياً على تحليل مقدار القيمة، فالسبب أعمق بكثير. ذلك أن شكل القيمة الذي يتخذه منتوج العمل ليس الشكل الأكثر تجريداً وحسب، بل هو ايضاً الشكل الأشمل في ظل نمط الإنتاج البورجوازي، وبطبعه كنمط اجتماعي متميز من الإنتاج، ويسبغ عليه طابعاً تاريخياً خاصاً، وإذا اقترفنا خطأ اعتباره شكلاً طبيعياً أزلياً للإنتاج الاجتماعي، أغفلنا بالضرورة الجانب الخاص لشكل القيمة، وأغفلنا بالتالي الشكل السلعي، ثم مرحلته الأكثر تطوراً، أي الشكل النقدي، والشكل الرأسمالي، إلخ. ونتيجة لذلك نجد أن الاقتصاديين الذين يتلقون تماماً حول قياس مقدار القيمة بوقت العمل، يحملون أكثر الأفكار تضارباً وغرابة حول النقد، هذا الشكل الأكثر كمالاً للمُعادِل العام. ونرى ذلك، على نحو صارخ، في معالجتهم للشؤون المصرفية حيث لا يعود بوسع التعريفات المبتذلة للنقد أن تصمد أمام التحليل. وقد أفضى ذلك إلى إحياء وتجديد النظام المركنتلي (غانيل وشركاه) الذي لا يرى في القيمة أكثر من شكل اجتماعي، أو بالأحرى مظهراً أجوف لهذا الشكل. وأقول هنا، مرة واحدة وإلى الأبد، إنني أعني بالاقتصاد السياسي الكلاسيكي كل اقتصاد قام منذ ايام وليم بيتي ببحث الترابطات الباطنية لعلاقات الإنتاج الفعلية في المجتمع البورجوازي، كمدرسة تتميز عن وتتعارض مع الاقتصاد المبتذل الذي يعالج الترابطات الظاهرية ولا يكف عن اجترار المواد التي صاغها الاقتصاد العلمي، والتماس تفسيرات سطحية لأبرز الظاهرات فظاظة، إن جاز القول، من أجل الاستعمال البورجوازي اليومي، وما عدا ذلك بقتصر على أن يصوغ بطريقة متحذلقة، الأفكار البالية التي تحملها شخوص الإنتاج البورجوازية القانعة بنفسها عن عالمها الخاص، وهو عندها أفضل العوالم الممكنة، معلناً إياها حقائق أزلية.

(9) – “للاقتصاديين طريقة غريبة في تناول الأمور. فالمؤسسات في نظرهم نوعان، مؤسسات اصطناعية ومؤسسات طبيعية. ويرون أن مؤسسات الحقبة الاقطاعية اصطناعية، أما مؤسسات الحقبة البرجوازية طبيعية، شأنهم في ذلك شأن اللاهوتيين الذين يرون أن هناك نوعين من الأديان، فكل دين غير دينهم من اختراع البشر، أما دينهم، هم، فمن صنع الله – وهكذا قبل الآن كان ثمة تاريخ ولكن، بعد اليوم، لم يعد له وجودا”. (كارل ماركس، بؤس الفلسفة، رداً على فلسفة البؤس للسيد برودون، 1847، ص 113). لعل المثير للضحك حقاً هو السيد باستيا الذي يتخيل أن الإغريق والرومان القدامى كانوا يعيشون على النهب وحده، ولكن عندما تعيش شعوب على النهب لقرون، فلا بد أن يكون هنالك، دوماً، شيء بمتناول اليد كي ينهب، ولا بد من تجديد إنتاج الأشياء المسروقة دون انقطاع. هكذا يبدو أنه يوجد، حتي لدى الإغريق والرومان، عملية إنتاج من نوع ما، أي نظام اقتصادي يؤلف القاعدة المادية لعالمهم مثلما يؤلف الاقتصاد البورجوازي القاعدة المادية للعالم المعاصر، أم لعل باستيا يقصد أن نمط الإنتاج المرتكز على العبودية يقوم على نظام من النهب؟. في هذه الحالة يلج باستيا أرضاً محفوفة بالمخاطر، فإذا كان مفكر عملاق مثل ارسطو مخطئاً، في تقويم عمل العبيد، فلماذا يكون اقتصادي قزم مش باستيا مسبباً في تقويم العمل الماجور؟ – وأغتنم هذه الفرصة لأرد بإيجاز على اعتراض اوردته صحيفة المانية تصدر في أميركا، بصدد كتابي مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي، 1859. ترى الصحيفة أن وجهة نظري القائلة بان كل نمط خاص من الإنتاج، والعلاقات الاجتماعية التي تتطابق معه، أي باختصار البنية الاقتصادية للمجتمع، هي القاعدة الحقيقية التي تنهض عليها البنية الفوقية الحقوقية والسياسية، وتقابلها أشكال اجتماعية محددة من الوعي”، وان “نمط الإنتاج بحدد الطابع الاجتماعي والسياسي والفكري للحياة بوجه عام”، ترى الصحيفة أن وجهة النظر هذه تصح تماماً على زماننا الذي تعمه المصالح المادية، ولكنها لا تقع على العصور الوسطى حيث كانت الكاثوليكية مسيطرة، ولا على روما وأثينا حيث كانت السياسية مهيمنة. لعل أول ما يثير استغراب المرء حقاً أن يرى البعض يتوهم أن هذه العبارات البالية عن العصور الوسطى والعالم القديم مجهولة عند الآخرين. ومن الجلي تماماً أنه لا العصور الوسطى كانت تقتات على الكاثوليكية ولا العالم القديم على السياسة. بالعكس، فأسلوب الحصول على اسباب العيش هو الذي يفسر لماذا لعبت السياسة هنا، والكاثوليكية هناك، الدور الرئيس. وفضلاً عن ذلك فإن أدنى معرفة بتاريخ الجمهورية الرومانية، على سبيل المثال، تكفي لأن يدرك المرء أن تاريخها السري هو تاريخ الملكية العقارية. ومن جهة أخرى، فقد دفع دون كيخوته (دون كيشوت)، منذ أمد بعيد، ثمن تصوره الخاطيء بأن الفروسية الجوالة تتلاءم مع جميع الأشكال الاقتصادية للمجتمع.

(8*) – في النص الفرنسي يرد ما يلي: “اليس اول بند من بنود مذهبه يقوم على أن الأشياء، مثل أدوات العمل، هي رأسمال بطبيعتها، واننا نرتكب بحقها جريمة خرق الطبيعة إذا سعينا لتجريدها من هذا الطابع الاجتماعي البحت؟ وأخيراً الم يتصور الفيزيوقراطيون، الذين يتفوقون عليهم في كثير من الأمور، أن الريع العقاري ليس جزية تؤخذ عنوة، وإنما هدية تقدمها الطبيعة لمالكي الأرض”.
]إن النص الفرنسي يخلو من فقرات كثيرة في هذا المقطع وغيره وقد آثرنا الإضافة لزيادة الإيضاح. ن.ع[.
(*9) – من مسرحية شكسبير، كثير من الضجة للاشيء، الفصل الثالث، المشهد الثالث. ]ن. برلين]۔

(10) – إن مؤلف “ملاحظات”، وكذلك س. بايلي يتهمان ريكاردو بتحويل القيمة التبادلية من شيء نسبي إلى شيء مطلق. والعكس هو الواقع تماماً. فقد فسر العلاقة الظاهرة بين الأشياء، كالماس واللؤلؤ، العلاقة التي تظهر هذه الأشياء من خلالها كقيم تبادلية، وكشف العلاقة الحقيقية المختبئة خلف المظاهر، ونقصد بالتحديد علاقة الأشياء بعضها ببعض كمجرد تعبيرات عن العمل البشري.
وإذا كان اتباع ريكاردو يردون على بايلي بفظاظة، لا بأسلوب مقنع بأي حال، فذلك يرجع إلى
فشلهم في أن يعثروا، في مؤلفات ريكاردو، على أي مفتح يهديهم إلى العلاقة الخفية الموجودة
بين القيمة وشكلها أي: القيمة التبادلية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئاسيات موريتانيا: ما هي حظوظ الرئيس في الفوز بولاية ثانية؟


.. ليبيا: خطوة إلى الوراء بعد اجتماع تونس الثلاثي المغاربي؟




.. تونس: ما دواعي قرار منع تغطية قضية أمن الدولة؟


.. بيرام الداه اعبيد: ترشّح الغزواني لرئاسيات موريتانيا -ترشّح




.. بعد هدوء استمر لأيام.. الحوثيون يعودون لاستهداف خطوط الملاحة