الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انكسار المقاومة وتوحّش الواقع في رواية «القوس والفراشة»

مروان عبد الرزاق
كاتب

(Marwan)

2019 / 9 / 10
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


«القوس والفراشة» رواية محمد الأشعري، التي حازت جائزة البوكر عام 2011، بالمشاركة مع رواية «طوق الحمام» للروائية السعودية رجاء عالم.
تدور أحداث الرواية حول ثلاثة مستويات أو أجيال. في البداية نجد حجر «الزاوية» وهو الجيل الأول في الرواية وهو «محمد المرسيوي» الذي يأتي من ألمانيا بعد عشرين عاماً من الغربة، إلى مدينة «زرهون» ليبني وطنه الأم. وهو مليونير عمل على تغيير المنطقة، مع زوجته «بوتيما» المعروفة بحبها للمنطقة، وتفاعلها كي تقدم لها ما تحتاجه. فاشترى محطة الوقود الكهربائية، ودار القايد، ومنزل قطيرة، والعديد من المنازل. وحقول الزيتون ومعصرة الزيتون، ومعمل الخروب، وأنشأ فندق الزيتون في الهضبة، تزينه فسيفساء على الطريقة الرومانية تمثل جد الفرسيوي، وسط حوريات العين، بالإضافة إلى «باخوس» إله الخمر الشاب الذي تربع في ساحة الاستقبال، حيث تربعت «ديوتيما» على عرش الاستقبال، مع السماح بالمشروبات الروحية، التي جذبت ضباط الجيش وغيرهم من أعيان المجتمع. وكانت ديوتيما ترعى المشاريع لمعالجة النفايات، ومحاربة الأوبئة، معالجة مياه الينابيع، والمحافظة على الكروم. لكن بأمر من الوالي تم إغلاق «الكانتينا»، أي الفندق، حيث بدأ النحس بسنوات الجفاف، واضطر المرسيوي أن يبيع كل شيء، وتم اعتقاله بسبب سرقة الباخوس، الذي اعترف ليوسف بأنه هو الذي سرقه وأودعه في إحدى ساحات الجوامع، وانتحار زوجته بإطلاق النار على نفسها وهم في رحلة ربيعية زاهرة، بسبب أنها «لم تكسب ولو ذرة واحدة من المودة الإنسانية، ولم يقدم لها أي إنسان شرارة محبة أو عرفان أو تقدير»، على الجهود التي بذلتها في تحسين أمور المنطقة. وتزوج في ما بعد الموظفة الجميلة العاملة في البريد. وبعد أن فقد بصره نتيجة التعذيب في السجن، حصل على رخصة كدليل سياحي للأجانب كونه الأكثر معرفة بالمنطقة وتاريخها، الذي طور نظرية أن الهجــرة دودة تأكل الروح.

ويستمر محمد الفرسيوي الذي يتكلم اللغة الألمانية بلهجة أمازيغية، يشرح للسياح الأجانب، رؤيته الفسيفسائية لمدينة رومانية على البحر المتوسط، ومقابرها، والحمام الإدريسي للوضوء.

ويستمر محمد الفرسيوي الذي يتكلم اللغة الألمانية بلهجة أمازيغية، يشرح للسياح الأجانب، رؤيته الفسيفسائية لمدينة رومانية على البحر المتوسط، ومقابرها، والحمام الإدريسي للوضوء، ومقر الحاكم ومنزل فينوس وإله الخمر باخوس وأعمال هرقل والجبل والغيوم الزاهية، وأخيراً عن انتهاء دولة الأمازيغ، بدون أي إضافات جديدة. ويسترجع يوسف كتاب «المراثي»، وباسم «هانس رودر»، وهو شعر أصيل لمحمد الفرسيوي، يصف فيه حالته في الغربة وآماله وأحلامه مع زوجته الرائعة التي أحبته وعشقته حتى مخ العظم. والجيل الثاني، يبدأ مع الابن وهو «يوسف الفرسيوي»- وهو الراوي- الذي أصابته الفاجعة في مقدمة الرواية باستشهاد ولده ياسين في أفغانستان مع طالبان، مع القاعدة، برسالة وضعها مجهول، «أبشر أبا ياسين، لقد أكرمك الله بشهادة ابنك». مع ثلة من أصدقائه، اليساريين والمنتفعين من الجيل الثالث، أصحاب العولمة المتوحشة. ونتيجة الفاجعة فقد حاسة الشم بعد صاعقة ياسين، وأصبح يشم الأجساد وفق أشكالها المادية، والروح تحلق في الفضاء وينغمس الاثنان فيها. ويحلم مع زوجته التي صادرت الدولة جميع أراضيها، بأن تبني حضانة للأطفال على «المزبلة» التي تم تخصيصها كمكب للنفايات، وأن يُبنى «قوس قزح ضخماً يجمع الضفتين»، «قوس من الفولاذ مصبوغ بالأزرق، كأنه خيط ماء يلعب فوق المحيط». لكن كل المحاولات فشلت وتم استبداله بمشروع سكني على هضبة «المزبلة». ويفقد زوجته بالطلاق بعد رفضه إنجاب طفل ثان بدلاً من «الشهيد»، حيث يحاور ياسين الذي يقول له «لا أحد يعوضني». وهو يساري اختار اليسار الوسط بعد سجنه وتعذيبه، واستمر يحلم بحبيبته الجديدة «ليلى»، التي كان وجهها مضاءً بابتسامة داخلية تشع النور، ويمارس الجنس معها بشبق، ورعشات دافئة من جسدها الأبيض الذي كان يغلي بالشهوة والحب. بدون أن يقول لها أحبك. فالحب ليس بالكلمات فقط إنما بالجسد الذي يعطي للكلمات المعنى. وخلال الرواية كلها لا ينفصل يوسف عن ابنه وهو من الجيل الثالث، الذي فقده في أفغانستان، فهو دائماً على حوار معه. فتجاه القوس يقول له ياسين «هل تظنه سينقذ الجماهير الشعبية الكادحة»، ويرد يوسف، «نعم سينقذها من التعود على إعدام الخيال».
والجيل الثالث، الذي ينضم إلى ياسين ممثل الإرهابيين، مجموعة «الغربان» وهم مجموعة من الشباب الذين «يغنون ويرقصون ويحبون البلاد على طريقتهم»، و»إبراهيم الخياطي» الذي يُتهم بالمثلية ويتم اعتقاله بتهمة قتل عصام، و»أحمد مجد» وهو يساري، لكنه انخرط في جو السلطة، كي لا يضيع حصته من الليبرالية الجديدة، حيث أقام بناءً جديداً، سماه الفراشة، وهو عبارة عن مكاتب للأثرياء الجدد، وهو رمز للعولمة المتوحشة التي اجتاحت الوطن، في حين يوسف ينتقدها باعتبارها قائمة على الفساد والمضاربات العقارية. وفي زيارة لأحد المكاتب وجدوا باخوس الشاب، لكن الشرطة كانت متآمرة مع السارق الجديد.
فالإرهابيون السود، مع العولمة الجديدة هم الباقون على الأرض، أما الباقون فقد رحلوا إلى أوروبا وغيرها. وظل يوسف يبحث عن أحوال ياسين وكيف قتل؛ إلخ.
واستمر يلاحق شخصاً لا يعرفه إلى أن اكتشف أنه عصام الإرهابي الجديد «خلف اللحية الكثة والنظرة الحادة وجه عصام، مرعوباً، كما لم يكن أبداً في حياته، قبل أن تأخذنا غيمة بيضاء باردة في دويها الهائل!». وبذلك كانت النهاية المأساوية ليوسف، وللرواية التي قتلت الحلم اليساري بحزام متفجر حمله الجيل الجديد.
ومن الوجهة الأدبية، والاجتماعية والسياسية لابدّ من بعض الملاحظات.
الأشعري شاعر معروف في المغرب، حاول مثل غيره من الروائيين الجدد، الانتقال إلى الرواية التي يمكن من خلالها التعبير عن مجموعة من المسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية، لكنه حافظ على نفسه كشاعر في الرواية، حيث مزج بين لغة النثر الحكائية الإخبارية، ولغة الشعر التصويرية الإيحائية، للوصول إلى لذة النص وجماليته. وبالتالي الشعرية في الرواية واضحة للغاية في السرد الروائي. والشعرية هنا مفهوم نسبي، لا يتعلق بالقافية أو العروض كما هو شائع، إنما يتعلق بطبيعة الألفاظ والسرد الروائي الجميل أو القبيح. وهي رواية بسيطة في كلماتها واستعاراتها، بحيث يجعل القارئ يقترب من الرواية، وذلك «بتحويل الرواية عبر الشعرية التي يلجأ إليها، إلى ماهية الجنس الأدبي الذي ينتمي إليه» بتعبير جورج لوكاش. ومن أهم اللغة الشعرية التي تتجلى في الصور الفنية المبنية على المجاز والاستعارات وعلى الدلالات الحسية. ونرى ذلك بتقنية لفظية تجعل الصور المستخدمة أكثر جمالاً وروعة». وذلك في شعرية الفضاء والأمكنة، وشعرية لغة الحواس، والتلقائية في رسم الشخصيات، والبعد عن الخطابية، بحيث يمكن الإحساس بأن محمد المرسيوي كأنه يتكلم أمام القارئ، وكذلك «بهدف دعوة المتلقي إلى التأمل في معنى الحياة، وكنه الأشياء من أجل المصالحة مع الذات، والمصالحة مع الفشل والتاريخ لمقاومة الهزيمة»، كما يعرضها يوسف في الرواية، وكذلك في شخصية يوسف وهذياناته، وإبراهيم، وأحمد مجد، وليلى وفاطمة.

عندما يتحدث الروائي بمنهجيته، وأسئلته الخاصة والعامة عن السياسة في روايته، إما أن يكون مبدعاً، أو يكون منحازاً للشعب، أو للسلطة.

عنوان الرواية أول ما يلفت انتباه القارئ، وتبدأ هواجسه وتقديراته حول دور العنوان وأهميته، حيث نجد «القوس» بقوته وقدرته على القتل، و»الفراشة» بألوانها الزاهية التي تعبث بالمكان وتجعله جميلاً. «فالقوس يرمز إلى الجمال الذي حلم به ياسين عندما فكر في زرع نبتة خضراء» بتعبير الأشعري، و»الفراشة هشّة لأنها بُنيت بأموال الفساد والمضاربة العقارية». بينما الفراشة هي التي انتصرت في الواقع، وهي ليست هشّة كما عبر عنها الروائي، إنما هي رمز قوي للعولمة الجديدة التي اجتاحت المغرب وغيرها، بدون أن يقدم الروائي أي تفاصيل مهمة حول الانتقال إلى الجيل الثالث، الذي مازال مسيطراً حتى الآن. وكان «أحمد مجد» هو «النموذج المثالي للارتحال الهادئ، والانتقال الفكري الأنيق من الماركسية – اللينينية نحو الليبرالية المتوحشة» التي وجدت مكانها بعد الانفتاح والمصالحة. والذي انتصر هو هذا النموذج مع الخلايا الإرهابية السوداء. وبالتالي تبدو «حورية الخمليشي» محقة في حديثها «بأن عنوان الرواية يخلق لدى القارئ غموضاً معيناً لأن العلاقة بين الكلمتين غير واضحة، ومبهمة». والجمع الشكلي بين المتناقضات لا يجعل العنوان شعرياً، كما هو الحال عند؛ الكبير الداديسي، ومحمد بوعزة في قراءتهم للرواية.
إن موت «ياسين» المفاجئ في البداية يجعله «المحارب الوحيد الذي أنجبته السلالة، ولكنه ضاع بدون أسطورة ولا أمجاد». والتي كانت كالصاعقة في قلب يوسف الأب، الذي أصابه الهذيان، وفقد حاسة الشمّ، وأصبح برؤية واحدة مكسورة بالخراب الكامل. وتحول إلى نقيض «جــــان باتســـت غرونوي» الذي كان يشم كل الروائح، كما تمثلت في رواية «العطر» لباتريك زوسكيند. لكن وجود «ياسين» في الذاكرة دائماً موجود، «فقد تحول إلى كائن يلازمني»، يستحضره الأب ويحاوره في شتى المجالات، حتى وفاته حيث كان يلاحق الإرهابي الأخير. لكن الرواية «لا تتوخّى أطروحة فكرانية عن منشأ الإرهاب، بقدر ما تتجلى في أعطاب الذوات والتواريخ والانتماءات»، بتعبير إبراهيم أزروال. هل الإرهاب ناتج عن المواقف الجذرية التي كان يقفهــــا الأب وغيره، كما أشارت تهمة زوجته نبيهة إليــــه، أم بسبب البنية العشوائية والفاسدة التي كان يعيشها الجيل الجديد، والذي نراه يلجأ إلى الموسيقى والطـــرب على طريقة جماعة «الغربان»، أم بسبب سفره لفرنسا بلد العلمانية، ودور الخلايا الإسلامية النائمة هناك؟ وبالتالي لم يقدم الروائي أي أطروحة حول الفاجعة الأكبر في الرواية.
عندما يتحدث الروائي بمنهجيته، وأسئلته الخاصة والعامة عن السياسة في روايته، إما أن يكون مبدعاً، أو يكون منحازاً للشعب، أو للسلطة. ومع أن الروائي يوسف هو صوت لليسار المغربي الذي انتقل إلى اليسار الوسط، وحافظ على نفسه ككاتب عمود في صحيفة يسارية، إلا أنه لم يقدم لنا الحقل السياسي الذي يعيشه، وكذلك الأحداث التي أدّت به للانتقال إلى كاتب عمود عن المضاربات العقارية. أين موقف اليسار من الانزلاق نحو الجيل الثالث العولمي، والموقف من سيادة السياسة على الثقافة، وسيادة النظام وأجهزته القمعية، إلخ. ويبدو أن موقفه السياسي الرمادي تجاه النظام، وبعد أن أصبح وزيراً هو الذي كان عائقاً أمام هذه التكملة المهمة. إذ تبقى الثقافة متعثرة إن لم تنمُ في فضاء الحرية، وتبقى متعثرة طالما محكومة بالسياسة، بكافة أشكالها، خاصة الاستبدادية.
وفي السرد التراجيدي للقصص الكثيرة، ينقلنا من مأساة إلى أخرى، حيث الصدمة الأولى مع قتل ياسين مع الإرهابيين، ثم انكسار الجد وتحوله إلى أعمى كمرشد سياحي، وانتحار الجدة وانفراط عقد العشيرة، وتحول السكان إلى أفراد، وطلاق «بهية» زوجة يوسف لأنه رفض أن ينجبوا ولداً ثانياً بديلاً عن ياسين، وتزوجها بكل طيبة خاطر صديقه أحمد، ثم تُصاب بالسرطان، وإبراهيم الذي يتحول إلى مثلي مع أبناء زوجته الجديدة، والذي يُساق إلى المحكمة بتهمة القتل، والانكسار اليساري، و»عبدة الشيطان»، والمضاربات العقارية والفساد والسيطرة على أراضي السكان، وأخيراً استشهاد يوسف في عمل إرهابي. هذه الخسارات جميعها هي «أفظع من الهزيمة أمام الحياة»، أمام حالة السواد التي يعيشها السكان. مما يجعلنا القول: بأن التأمل في الرواية يجعلها سوداوية، رغم رفض الروائي لهذا الوصف. إذا استثنينا الشيء المشرق في الرواية وهو وجود الأنثى، وسعي الروائي لكي «يستعيد الحميمية المفقودة عبر الحب والصداقة»، وكتابة قصائد الحب الجميلة، ويعيش أجمل اللحظات الجنسية مع ليلى، حيث يتجلى الذوق والجمال، رغم اختلافه معها في كثير من أمور الحياة، ومع فاطمة الفتاة الصديقة حيث يعيش معها همسات الحب والصداقة الروحية اللاجنسية. وعندما يشم قميص ياسين بشدة، ويسترجع حاسة الشم، يذهب إلى الإرهابي ليموت بدون أي رصيد.
ويذكرنا محمد برادة بحديث عبد الله العروي بقوله إن «العبور من الحب إلى التاريخ هو الوصول إلى سنِّ النضج، أما الانتكاس من التاريخ إلى الحب فهو الصدّ عن الإخفاق الاجتماعي، ينعزل المرء فيعود إلى حياته الشخصية، وبالتالي إلى الحب» وهذا ينطبق على شخصية الراوي، يوسف الفرسيوي.
من: القدس العربي، ١٨ اغسطس-٢٠١٩








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة على النشرة الخاصة حول المراسم الرسمية لإيقاد شعلة أولمب


.. إسرائيل تتعهد بالرد على الهجوم الإيراني غير المسبوق وسط دعوا




.. بتشريعين منفصلين.. مباحثات أميركية لمساعدة أوكرانيا وإسرائيل


.. لماذا لا يغير هشام ماجد من مظهره الخارجي في أعمالة الفنية؟#ك




.. خارجية الأردن تستدعي السفير الإيراني للاحتجاج على تصريحات تش