الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحمير الناطقة في التراث الديني

رماز هاني كوسه

2019 / 9 / 10
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في المرويات الإسلامية يطالعنا حديثين عن حمار متكلم . و هذا الحمار هو عفير أو يعفور و قد كلم النبي شخصيا .
احدى الروايات ترد لدى الشيعة في كتاب (الكافي 1/184 كتاب الحجة : باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله) و نصه ما يلي (عن أمير المؤمنين علي أنه قال : إن أول شيء من الدواب توفي : هو عفير حمار رسول الله توفي ساعة قبضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قطع خطامه ثم مر يركض حتى أتى بئر بني خطمة بقباء فرمى بنفسه فيها فكانت قبره . قال : إن ذلك الحمار كلّم رسول الله فقال : بأبي أنت وأمي ، إن أبي حدثني عن أبيه عن جده عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال : يخرج من صُلب هذا الحمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم . قال عفير : فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار) . و الرواية الأخرى ترد لدى السنة في كتاب (تاريخ مدينة دمشق .... ابن عساكر ... ج4 ص232) و نصه ما يلي ("عن أبي منظور: لما فتح اللهُ على نبيهِ خيبرَ؛ أصابهُ من سهمهِ أربعةُ أزواج نعال، وأربعةُ أزاوج خفاف، وعشرُ أواقي ذهبٍ وفضةٍ، وحمارٌ أسودٌ. قال: فكلم النبي الحمارَ، فقال له: ما اسمُك؟ قال: يزيدُ بنُ شهابٍ، أخرج اللهُ من نسلِ جدي ستينَ حماراً، كلهم لم يركبهم إلا نبي، ولم يبق من نسلِ جدي غيري، ولا من الأنبياءِ غيرُك، أتوقعك أن تركبني) . موجز الروايتين ان هذا الحمار هو من سلالة من الحمير التي كانت تحمل الأنبياء .
طبعا الروايتين ضعيفتين و لا قيمة واقعية لهما .لكن لنتعرف من اين أتت الروايتان للموروث الإسلامي .
يمكن رؤية جذور هذه الرواية في سفر العدد الاصحاح الثاني و العشرين حيث يكون بلعام راكبا أتانه ( أنثى الحمار)فيظهر ملاك الرب قاطعا الطريق أمامهم . الاتان ترى الملاك و تغير طريقها . يحاول بلعام اعادتها بالقوة فتحدثه الاتان هنا و تتكلم .
(فلما أبصرت الأتان ملاك الرب، ربضت تحت بلعام. فحمي غضب بلعام وضرب الأتان بالقضيب
ففتح الرب فم الأتان ، فقالت لبلعام: ماذا صنعت بك حتى ضربتني الآن ثلاث دفعات
فقال بلعام للأتان: لأنك ازدريت بي. لو كان في يدي سيف لكنت الآن قد قتلتك
فقالت الأتان لبلعام : ألست أنا أتانك التي ركبت عليها منذ وجودك إلى هذا اليوم ؟ هل تعودت أن أفعل بك هكذا ؟ فقال: لا)
تعود القصة للظهور بعد قرون في كتاب أعمال توما المنحول . في رحلة توما التبشيرية إلى الهند يقابل حمارا متكلما يصف نفسه بأنه ابن تلك الأتان التي كانت تحمل بلعام في العهد القديم . هنا نلاحظ التشابه مع الرواية الإسلامية ..... بسلالة الحمير التي اعتادت حمل الأنبياء و الرسل .
و كما نعلم فان دخول يسوع إلى أورشليم كان على ظهر حمار أيضا كما يخبرنا العهد الجديد في انجيل متى :
"ولما قربوا من أورشليم وجاءوا إلى بيت فاجي عند جبل الزيتون،حينئذ أرسل يسوع تلميذين. قائلًا لهما:اذهبا إلى القرية التي أمامكما،فللوقت تجدان أتانًا مربوطة وجحشًا معها،فحلاّهما وأتياني بهما.وإن قال لكما أحد شيئًا، فقولا:الرب محتاج إليهما،فللوقت يرسلهما" [1-3]..
الدخول على ظهر الحمار هو استمرارية لفكرة المخلص اليهودية (المسيا) الذي سيأتي راكبا على أتان . و يظهر ذلك في قصة عودة اليهود من السبي بقيادة زربابل المنحدر من نسل داوود حيث كان زربابل عائدا الى اورشليم راكبا على اتان . من هنا يمكن فهم الاحتفاء بالحمار الذي تقوم به احدى الطوائف اليهودية المتشددة حين تقوم بتزيين حمار و رفعه و الاحتفال به وفي تأكيد لفكرة قدوم المخلص راكبا على حمار .
و هنا يأتي الدور على الموروث الإسلامي ليظهر لنا حمارا من سلالة الحمير التي رافقت الأنبياء و المبشرين في الحديثين المشار اليهم أعلاه . يتكرر الموضوع في روايات متعددة في الموروث الإسلامي منها رواية ركوب الإمام علي لبغلة النبي المسماة (دلدل ) و استعمالها في تنقلاته .... أو في توجه الإمام علي من المدينة الى مكة بليلة واحدة على بغلة النبي في قصة الجملين ضلال و وبال . البغلة دلدل أرسلت كهدية من المقوقس الى النبي كما يرد في السير و يبدو في ذلك إشارة لموضوع الحمير التي ركبها الأنبياء في اليهودية و المسيحية و استمرارية لمفهومه .
الرواية بأكملها وصلت للمرويات الإسلامية من الموروث الابراهيمي اليهودي و المسيحي .و سبب التركيز على كون الحيوان هو حمار أو أتان و ليس حصانا أو جملا مثلا هو للإشارة إلى شخصية الراعي و مرحلة حياة الرعي للبشرية . الراعي يرافقه حماره أثناء رعيه و سوقه الغنم الى المراعي الخصبة التي تفيد قطعانه . و الأنبياء هم رعاة للبشر الضالين و يهدونهم الى الطريق الصحيح بعد ضلالهم . و من هنا يمكن ربط تواجد الحمار تحديدا كوسيلة تنقل للأنبياء في الابراهيميات . مفهوم الراعي هو استذكار لمرحلة قديمة من تشكل المجتمعات البشرية و هي مرحلة الرعي و التنقل التي تسبق الاستقرار و الزراعة . و هو ما يتفق مع كون القبائل الإسرائيلية كانت قبائل رعوية قبل استقرارها في الهضاب الفلسطينية و هو ما نراه واضحا في مرويات التوراة عن إبراهيم و ترحاله مع قطعانه . فوجود الحمار بالرواية هدفه الإشارة لفكرة الراعي للبشر الذي يقودهم للطريق الصحيح . من هنا نرى إشارات انجيلية مختلفة بان المسيح ارسل الى خراف إسرائيل الضالة (انجيل متى ) .... و من هنا تأتي الفكرة عن كون الأنبياء عملوا بالرعي ببداية حياتهم في إشارة ضمنية لكونهم رعاة للبشرية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في


.. التوتر يطال عددا من الجامعات الأمريكية على خلفية التضامن مع




.. لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريبات للبحرية


.. اليوم 200 من حرب غزة.. حصيلة القتلى ترتفع وقصف يطال مناطق مت




.. سوناك يعتزم تقديم أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا| #الظهي