الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقوق أطفال العراق ، بين ديباجات الاتفاقيات الدولية ، والواقع المعاش .

حامد حمودي عباس

2019 / 9 / 17
حقوق الاطفال والشبيبة


حددت المادة الاولى من اتفاقية حقوق الطفل ، المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم ٤٤/٢٥ بتاريخ ٢٠ تشرين الثاني/نوفمبر ١٩٨٩ ، بانه ( انسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه ) . . وهو بهذا التوصيف كيان قاصر عن اتخاذ أي قرار يتيح له تحديد موقفه من متطلبات حياته وبتفاصيلها الدقيقة .
وبناء عليه ، فانه وبموجب المادة ( 19 ) من الاتفاقية المذكورة ، يتمتع بالحماية المفروضة على الدول الموقعة على نص الاتفاقية ( من كافة أشكال العنف أو الضرر ، أو الإساءة البدنية أو العقلية ، والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة والاستغلال ) .
وباعتبار ان العراق هو من الدول الموافقة على كافة بنود الاتفاقية ، ما عدا تحفظه على نص الفقرة ( أولا ) من المادة ( 14 ) والمتعلقة بحرية الطفل باختيار دينه ، على اعتبار ان الشريعة الاسلامية لا تجيز ذلك .. فانه ، وحسب مقتضيات ما ورد في ديباجة ونصوص كافة الفقرات الواردة بعدها ، يعتبر ملزماً ، من الناحية الاخلاقية على الاقل ، بمراعاة الحدود الدنيا لما تستحقه الطفولة من رعاية واهتمام .
اذن .. ما هو واقع ما يعيشه اليوم اطفال العراق ؟ ..
انني ومن منطلق المعايشة الميدانية اليومية ، حيث لا تخضع تلك المعايشة لغير دوافع الانصاف في كافة ركائزها لبناء تحليل محايد ، يضع في اولويات اهدافه مصلحة الطفل العراقي ، بعيدا عن عوامل التأثر بالانتماء الحزبي أو القبلي أو أية مرجعية فكرية اخرى غير ما توحي به معالم الحركة الاجتماعية العامة .. ارى بان الطفولة في العراق ، تتعرض الى الكثير من مظاهر الحيف والتجني ، يكون السبب الرئيسي لها ، دائما ، هو العجز الرسمي عن بناء دولة مؤسسات متقدمة ، تضع في الحسبان وضع الخطط اللازمة لرعاية الامومة والطفولة ، بعيدا عن التكرار الممل لأفكار لا تحمل في ثناياها غير وصولية مقيتة ، الهدف منها هو التسلق على ألام الفقراء لبلوغ اهداف سلطوية عابرة .
ومن تلك الافكار المطروحة بهذا الاتجاه ، ومنذ زمن ليس بالقصير ، هي المتعلقة باعداد تقارير يدعي اصحابها بانها معتمدة على مسوح ميدانية حقيقية ، في حين ليس فيها غير ارقام ذات سمات بائسة ، لا تغني ولا تسمن ، ويبقى الهدف النهائي منها هو تسجيل نشاطات يتيمة لا يعتد بها غير اصحابها .
ان من أهم مظاهر ما يتعرض له الالاف من اطفال العراق من تعسف موغل في السوء ، ومنذ فترة تمتد الى عدة عقود ، هو تركهم في العراء وبعهدة ممتهني التسول، بهدف استدراج عطف الغير للحصول على هبات مالية بسيطة ، ستشكل مع مرور الوقت موارد ضخمة لمافيات منظمة تشرف على ادارة هذه الجريمة البشعة .. ومن يشاء التوجه لمتابعة هذه الظاهرة عن قرب ، سوف يتلمس مدى ما يتعرض له اطفال قد لا تتعدى اعمارهم سن الرضاعة ، وهم يواجهون وبشكل مباشر قساوة تقلبات المناخ من حر وبرد ، تحتضنهم نساء يكن في الغالب ، ممن لا تربطهن بالطفل الضحية أية صلة رحم .. وليس من المؤسف فقط ، بل ومن المخزي ان تكون هذه المظاهر الدالة على سادية غريبه تنزع الى تسليط اقسى انواع العذاب على اجساد وارواح اطفال قصر ، تجري في الهواء الطلق ، وعند تقاطعات الشوارع العامة ، وتحت مرأى ومسمع الاجهزة الرسمية المسؤولة عن سلامة بناء المجتمع .
ومن الظواهر المؤسفة الاخرى ، ذات التاثير الكبير على كينونة الطفل العراقي ، هي عمالته ، والتي عبرت عنها جمعية الامل العراقية ضمن دراستها الموسومة بعنوان ( التقييم السريع لآسوء أشكال عمالة الاطفال في العراق ) ، والتي تم اعدادها خلال شهر كانون الاول من عام 2015 من قبل نخبة واسعة الطيف من الكوادر العلمية العراقية ذات العلاقة ، حيث ذهبت الجمعية المذكورة في دراستها تلك الى ان ( المسـح العنقـودي المتعـدد المؤشـرات الـذي أجرتـه منظمـة الامم المتحـدة للطفولـة فـي العـام 2011 يشير إلـى انخـراط مـا يقـارب الــ 6 بالمئـة مـن الأطفال الذيـن تتـراوح أعمارهـم بيـن الخامسـة والرابعـة عشـرة ) في عمالة يمكن تصنيفها على انها من العمالة الخطرة .. وتعترف الدراسة ذاتها بان الرقم الحقيقي قد يكون اعلى من ذلك بكثير ، لو اخذ بنظر الاعتبار ما تفعله معالم الفقر وانعدام الامن وغياب حالات الاستقرار ..
لقد اصبح من السهل جدا مواجهة حالات يبدو فيها اطفال دون سن المراهقة ، وهم يمارسون اعمالاً غاية في الصعوبة والتعقيد ، كما هو الحال في معامل الطابوق ومواقع جمع مادة الملح وتلك الموجودة في الاحياء الصناعية الخاصة بتصليح السيارات ، ناهيكم عن عملهم كأجراء في المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم ، وتحت مسؤولية ارباب عمل لا تعني لهم الطفولة أي معنى مقابل التفكير بالطرق المبتكرة لتحقيق أعلى نسب من الارباح .
ومن المؤلم بمكان ، هو أن أي نشاط مدني أو رسمي يهدف الى وضع حلول ترقى الى اهمية هذه الظاهرة الخطيرة ، سيواجه في الغالب عدم توفر الامكانيات لرعاية هذا الكم الهائل من الاطفال العاملين خارج حيز كينونيتهم الطبيعية ، مما يدعو للخوف على مصيرهم لو قامت اجهزة الشرطة مثلاً بمتابعتهم وارغام ارباب عملهم على التخلي عنهم ( باعتبار أن ذلك سيكون ايسر اجراء لحفظ ماء الوجه ) ، ليكون وضعهم الجديد اكثر سوءاً لانقطاع مصادر رزق عوائلهم الفقيرة دون توفر البديل .
ومن الطبيعي ان يكون التسرب من التعليم الابتدائي ، نتيجة حتمية لهذا الواقع المزري .. حيث يشير التقرير الصادر عن الجهاز المركزي للاحصاء التابع لوزارة التخطيط ، والمعروض على صفحات صوت العراق بتاريخ 29-1-2019 نقلا عن موقع ( NRT ) الاكتروني والذي بؤشر بان ( عدد تاركي المدارس الابتدائية تجاوز 131 ألف تلميذ وتلميذة خلال عام واحد في جميع محافظات العراق، عدا إقليم كردستان، وشكلت الإناث 47,5 في المئة من نسبة المتسربين، على الرغم من تمسك البنات المعهود بمقاعد الدراسة، خلافا للذكور الراغبين في الإفلات من الالتزام بالقوانين المدرسية ) .
ويعلم الجميع ، ما تشكله هذه الارقام الصادمة والآخذة بالتزايد ، بالنسبة لظاهرة التسرب من التعليم وفي مراحله الاولى ، من تهديد خطير تظهر نتائجه وبكل تأكيد على مستقبل المجتمع .. حيث تبدو طلائع هذا التأثير واضحة وبشكل جلي ، في اعداد المتهمين بجنح جرمية من الاطفال ممن هم في سن تقترب من مرحلة المراهقة .
ولا يفوت أي متتبع لطبيعة ما يواجهه الاطفال في العراق من ظروف قاهرة ، تدفع بالملايين منهم صوب حياة ليس فيها من ضمانات تؤمن لهم سلامة العيش بأمان ، دون ان يلتفت نحو الكم الهائل من حالات الطلاق نسبة الى حالات الزواج .. فان كانت اولى افرازات عقد الزواج السليم هو الاستعداد لبناء اسرة متكاملة يكون الاطفال فيها من اهم دعائم مسيرتها حتى النهاية ، في ذات الوقت تظهر احتمالات ان تنهدم تلك المؤسسة الاجتماعية المقدسة بفعل حضور أفة الطلاق وعند أية لحظة ، وذلك تأسيساً على عدم توفر الشروط الملائمة للكثير من عقود الزواج أصلاً .. وفي مقدمة تلك الشروط هو ان يكون العرسان في سن يهيئ لهم حسن الاختيار ، وان يكونوا متفهمين لما هم مقدمين عليه من فعل يضع عليهم مسؤليات جسام ، اذ ليس من السهل التفريط به وكما هو بائن لكل متفحص لمجريات النشاط اليومي لمحاكم الاحوال الشخصية في عموم البلااد ..
فقد بينت احصائية اصدرها مجلس القضاء الاعلى خلال عام 2018 ، بان عدد حالات الزواج في شهر تشرين الاول فقط من العام المذكور بلغت في عموم العراق 10866 حالة ، مقابل 4130 حالة تصديق لطلاق خارجي ، في حين بلغت حالات التفريق بحكم قضائي 1611 حالة .
وبامكاننا ان نتمثل حقيقة العدد الرديف من الاطفال ضحايا حالات التفريق بين الازواج خلال شهر واحد ، سواء تلك التي جرت خارج المحكمة ، او ما صدر بها حكم قضائي .
صبايا لم يجتزن سن العشرين بكثير ، يقفن ضمن طوابير استلام ما خصصت لهن المحاكم من سداد لمؤخر الصداق بعد حدوث الطلاق ، وقد يصاحبهن طفل او طفلة ، لا تدرك عقولهم ماهية ان تنتظر امهاتهم ضمن ذلك الطابور .. والحصيلة غالبا ما تكون هي انتاج رهط كبير من الابناء المشردين .
كل تلك الظواهر تحدث مجتمعة ، دون ان يكون لمؤسسات الدولة الرسمية ، ولا منظمات المجتمع المدني القدرة على التحرك صوب الحل ، ان لم تنطلق الخطط الواعدة لاصلاح الوضع الاقتصادي للبلاد ، وانتشال شريحة الاسر المعدمة من واقعها المعيشي المتدني ، وتوفير الضمانات الاكيدة لتحقيق رعاية اجتماعية عادلة ، تضمن للاطفال عموما ان تتحقق مصالحهم وفق ما اقرته المواثيق الدولية ، وان يتم وبشكل عاجل ، استنفار اللجان الاكاديمية المتخصصة ، وبمساهمة كفاءات تربوية وتعليمية وصحية لوضع خارطة طريق جادة لانقاذ الطفولة المهددة بشتى انواع المخاطر ، لو تركت شؤونها سائبة دون ترشيد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا