الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بناء حزب الطبقة العاملة المستقل.. مهمة نضالية بعمق طبقي واضح

وديع السرغيني

2019 / 9 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


بالرجوع لأحوال اليسار المغربي ومتابعة أوضاعه المتردية، حيث ما زالت الطبقة العاملة تفتقد لحزبها المستقل، وما زال اليسار المغربي في مجمله يقتات من جميع النظريات اليسارية المختلفة، القريبة إلى هذا الحد أو ذاك من نظرية التغيير الاشتراكية.. ولعل هذا اليسار، بجميع توجيهاته المختلفة ـ الثورية والإصلاحية ـ ممّن تقف معارضة لسياسة الدولة وللنظام القائم.. وقف مشدوها ومنبهرا أمام تصريحات زعماء وقادة حزب "النهج الديمقراطي" عن جدوى التنسيق مع هذه المكونات اليسارية، أو مع بعضها بهدف الانخراط في بناء حزب الطبقة العاملة المستقل في هذه اللحظة بالذات..!
فحبل الكذب قصير كما يقال، بدليل أن هذا الموضوع أسال وما زال، شلالات من المداد، ولمدة طويلة جدا فاقت الأربعين سنة، دون أن يجد توافقا مبدئيا حوله.. بل اتخذت لمصلحته العديد من المبادرات دون أن تصل لنتيجة مُرضية تخدم الطبقة العاملة وتقربها من مهمتها لبناء حزبها المستقل، فكريا وسياسيا وتنظيميا.. وقد ساهمنا إلى جانب العديد من الأقلام المناضلة والمهتمة، بتقديم رأينا المتواضع في هذا الموضوع، حيث وجب التواضع من الرفاق في "النهج" الذين أصابهم العياء من جرّاء دعواتهم واستنجادهم بقارب "الجبهات" كمفتاح سحري لحلّ الأزمة التنظيمية للطبقة العاملة.. والحال أنهم تمادوا في الإنكار والقفز على وجهات النظر الأخرى التي تمتلك تصورا مغايرا لتصور الحزب في هذه النقطة بالذات والمتعلقة ببناء الحزب المنشود، حزب الطبقة العاملة المستقل، من المنظور الماركسي واللينيني.
فمن باب الحياء أي قبل التفاعل والتقدير الديمقراطيين للآراء المخالفة، هو الاعتراف بهذا التباين الذي خضنا حوله صراعات سياسية وفكرية حامية وبدون هوادة، لم يعترف خلالها أحد بالآخر.. وعبر مثل هذه التصريحات الأستاذية والأبوية التي لن تعمل على تجاوز هذا الأشكال، بل ستعمقه على غرار ما فعله يوما ستالين وبعده تروتسكي، بالأممية.. فالأول أغلقها نهائيا والثاني أسس أمميته على المقاس.
ومن باب التذكير والاستئناس نعيد نشر إحدى المقالات، وهي من صلب هذا النقاش والصراع عسى أن تؤخذ ملاحظاتها بعين الاعتبار وألاّ تتعرض للطمس والإقصاء البئيس.. إذ لا تحسم الصراعات بهكذا أسلوب "هو ذا تصورنا واختيارنا ومن لم يعجبه ذلك فليشرب البحر" والحال أن مهمة البناء ليست عملية تقنية محضة أساسها البروباكندا البئيسة والشعارات الفارغة. وما يسري على الحزب يسري كذلك على التحالفات السياسية ومكوناتها.. فلا تستوي المعركة ضد الإمبريالية والصهيونية دون إعلان الحرب على الرأسمالية والرجعية.
فالمرحلة الحالية من نضال شعبنا محتاجة لجبهة ديمقراطية تقدمية معادية للنظام السياسي، الاقتصادي والاجتماعي القائم.. حيث لا ضرورة لانضمام القوى الرجعية والظلامية المعادية "لحقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا".. فالهدف من النضال ومن بناء الحزب والتحالفات، هو التغيير الجذري لأحوال الفقراء والمستضعفين، الاقتصادية والاجتماعية، هو نيل الحرية والديمقراطية والمساواة إذ ليست المهمة في العمق هي "حشد عموم القوى السياسية والمجتمعية المناهضة للمخزن" وفقط، بل إنه الجبن بعينيه بما يعنيه من خيانة للطبقة العاملة ومشروعها المجتمعي الاشتراكي.. لأن الانتماء لليسار منذ انطلاقة حركته النضالية كان مناهضا للرأسمالية ومناضلا من أجل الاشتراكية.. ولم يكن قط مناهضا وفقط "للمخزن" الباريسي أو "للمخزن القيصري".!
فالمعركة كانت ولا زالت، معركة تحررية شاملة وشمولية لها عمقها الطبقي الواضح وإذا كان لا بد من الحشد فيجب حشد القوى البرجوازية الصغيرة والفئات الاجتماعية المضطهدة والمحرومة بما فيها البروليتاريا الرثة، إلى جانب الطبقة العاملة رأس رمح هذا الحشد وقائده الأمين، الشيء الذي يتطلب التركيز وفتح الحوار الجدي مع القوى الديمقراطية والتقدمية التي تمثل إلى هذا الحد أو ذاك، هذا الحشد الطبقي، وترسم الطريق القويم لمعركة التحرير والتحرر.

تحت راية الاشتراكية..
ومن أجل جبهة يسارية جذرية

مقدمة:

بعد الهزّات القوية والمعارك الطبقية العظمى، التي عرفتها المنطقة العربية والمغاربية، قبل أن يمتد لهيبها لأعماق المستنقع الرأسمالي.. وبعد أن اشتد عود الحركة الاحتجاجية المغربية في هذا السياق، حيث رفعت الشبيبة الثورية شعارات الثورة والتغيير الجذري، عبر المطالبة بإسقاط النظام والاستبداد والفساد..الخ في أكثر من مدينة وقرية وشارع وزقاق.. بعد هذا، طفت للسطح من جديد، نقاشات وسط النخبة السياسية اليسارية المغربية، حول الجدوى من هذه الشعارات الجذرية، المتطرفة المغامرة.. لتعويضها بشعارات مضمونة، متـّزنة، معقلنة ورزينة..الخ
شعارات يخاف أهلها على أوضاع البلد من ثورات غير مضمونة، ثورات يمكن أن تؤدي بالبلد للفوضى والخراب والاأمن والااستقرار، كما هو الشأن بالنسبة لثورات تونس وليبيا ومصر وسوريا..الخ حينها سارعت بعض القوى باسم اليسار وتحت راية اليسار، مستعملة لغة جذابة، يسارية على مستوى التحليل، وعلى مستوى وصف الحالة الاجتماعية، لكنها يمينية انتظارية من حيث الحصيلة والنتائج، بهدف زرع الروح في بعض الشعارات الإصلاحية الوسطية من قبيل "الملكية البرلمانية" و"المجلس التأسيسي" و"الدستور الديمقراطي"..الخ
في هذا الصدد، ومن أجل تفعيل وتحقيق هذه الشعارات، لم تتأخر هذه القوى السياسية الإصلاحية عن فتح النقاش وتعميمه بإقامة الورشات والندوات، من أجل هذا الغرض، مقترحة حشد التحالفات وتشكيل الجبهات من قوى اليسار واليمين، المعارض للأوضاع، والمناهض للاستبداد والفساد اللعين، قوى سياسية، نقابية وجمعوية بالإضافة للفعاليات والشخصيات الوطنية..الخ يطمح "الحزب الاشتراكي الموحد" جمعها وتوحيدها في "جبهة انتقالية" مشكلة من قوى اليسار الاشتراكي وقوى اليمين الظلامي الإسلامي، هذا من جهة، في حين يتطلع حزب "النهج الديمقراطي" تحت نفس الرؤية لكن باسم مختلف، رص الصفوف في "جبهة للنضال الشعبي" ضد ما يسميه بالمخزن، في شكل كوكتيل سياسي يوحد هو الآخر بين اليمين واليسار، بين التقدم والرجعية، بين الإصلاح والثورة، بين الأحزاب والتيارات والشخصيات..الخ
مساهمة في هذا النقاش، نود أن نوضح للجميع أن الهدف من عرضنا البسيط هذا، ليس من باب المبارزة النظرية العقيمة، أو النقد من أجل النقد، ولن يكن بالتالي تشجيعها لثقافة الانتظار أو الرفض المبدئي والقطعي لأية دعوة وحدوية لصفوف اليسار وقوى التقدم، من أجل خطوات وبرامج ملموسة.. على العكس، فالمتتبع لجميع النقاشات والمبادارات التي انخرطنا فيها سيتأكد بأننا كنا دائما وحدويين، بل وكنا دائما حريصين على تعزيز الوحدة وتمتينها وتطويرها، بالتأكيد على الوضوح في مجال التصور لهذه الوحدة، وبرنامج هذه الوحدة، مع تقديم الاقتراحات التنظيمية لضبط هذه الوحدة وصيانتها، وتسيير وتوجيه آلياتها..الخ
وبالنظر لطبيعة وحجم الفارق بين المقترحين، كون المقترح الأول "جبهة انتقالية" صادر عن أحد قياديي "الحزب الاشتراكي الموحد" ـ محمد الساسي ـ حيث لا علم لنا بمدى تفاعل حزبه مع هذا المقترح، والحال أن الحزب تخترقه وتتصارعه أجنحة وتيارات عديدة، بما لا يخفى على أحد، يصعب محاسبتها على أي موقف أو أية ممارسة أو تصريح معين.. أما المقترح الثاني، فيمكن، إلى حدّ ما، وصفه بالجدي والمسؤول، لأنه صادر عن مؤتمر رسمي لحزب "النهج الديمقراطي"، بعد أن تم تداوله في أوراق المؤتمر التوجيهية وعلى صحافة الحزب الرسمية بجريدة "النهج الديمقراطي" العدد 159.
إضافة لهذا اتـّسم المقترح، أي مشروع "جبهة النضال الشعبي"، بالوضوح على أكثر من مستوى، بدءا من مكونات الجبهة المفترضين، إلى برنامج الجبهة نفسه.. وبكل تفاصيله.. الشيء الذي سيساعد على إغناء النقاش في صفوف اليسار الاشتراكي التقدمي، وتطوير إمكانياته الميدانية والقاعدية الجماهيرية، ارتباطا بمهام التغيير الجذرية والجوهرية، في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، استجابة لطموح الجماهير الكادحة، المستغلة والمحرومة، من اجل تحقيق مغرب الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية..الخ

في الجانب النظري واستنادا للتجربة اللينينية
ارتباطا بالتجربة العمالية والماركسية اللينينية، سندنا المرجعي الرئيسي والأساسي، وعكس ما قد يتبادر إلى ذهن البعض، فنحن لا نعاند ولا نرفض، كتيار بروليتاري ماركسي لينيني، العمل الوحدوي من حيث المبدأ وما يستتبعه من نضال جبهوي منظم ومسؤول، قد يتخذ منحى إصلاحيا في شروط وظروف ما، ذاتية وموضوعية، محددة.
على المستوى الذاتي إذن، لا أحد من التيارات والفرق والمجموعات المرتبطة بالمشروع العمالي الاشتراكي، ينكر غياب حزب الطبقة العاملة المستقل، في هذه اللحظة، وهو الشرط الذي لا بد من توفيره كما علمتنا ذلك الماركسية، لخوض الصراع من أجل إحداث تغيير حقيقي يخدم مصلحة الكادحين، ويفتح الباب لتطوير هذا الصراع في الاتجاه الذي يقضي نهائيا على الاستبداد والاستغلال والتسلط الطبقية..الخ
أما بالنسبة للمستوى الموضوعي، فلا أحد من هذه الفرق اليسارية يشكك في كون الدعوة للتغيير في هذه اللحظة، دعوة موضوعية نابعة من واقع الازمة العامة التي يتخبط فيها النظام الرأسمالي برمته، والتي لم ولن ينجو من تبعاتها النظام القائم بالمغرب لكونه ذيلا وتابعا للنظام الرأسمالي الإمبريالي، حيث أنتج وتمادى في إنتاج حالات القهر، والتهميش، والحرمان، والاستغلال البشع، والنهب، والقمع.. بشكل يهدد استقرار كيانه وديمومة تسلطه. وهو الوضع الذي تعيشه الغالبية الساحقة من المواطنين المغاربة، مما يعطي الشرعية والمشروعية لجميع الشعارات المطالبة بالتغيير وبإسقاط النظام القائم كمسؤول عن هذه الأوضاع المختلة لصالح البرجوازية وعموم المالكين.

أي تغيير نريد؟

ما نختلف عليه في صفوف قوى اليسار وداخل الحركة الماركسية اللينينية نفسها هو في طبيعة التغيير الذي نريد، فنحن نتصور، كتيار بروليتاري، التغيير بما هو ثورة اجتماعية، وبما هو نقيض ومتعارض مع مختلف التصورات الإصلاحية المراهنة على إصلاح النظام بعزل طرف منه ـ المخزن ـ، دون المساس بأسسه وشكل حكمه الملكي ونظام اقتصاده اللبرالي..الخ
فالثورة في قناعتنا كماركسيين، يجب أن تتوفر لها ومن أجلها، شروط محددة، ودون هذه الشروط يمكن أن تحدث تغييرات متنوعة وعديدة، يمكن أن تحدث سلسلة من التغييرات، التي يمكن أن تمس رأس هرم السلطة دون أن يحدث التغيير الذي ننشده، أي التغيير الذي سيقلب حياة الناس بشكل جذري وعميق، حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية..الخ
وإذا كان لا بد من التذكير بهذه الشروط التي عرضتها التوجيهات اللينينية بالشكل التالي الذي يعرف الثورة من وجهة النظر الماركسية بأنها "هدم بالعنف لبناء فوقي سياسي قديم ولـّى عهده، وأدّى تناقضه مع علاقات الإنتاج الجديد في لحظة معينة، إلى إفلاسه".
1. أن يستحيل على الطبقات السائدة الاحتفاظ بسيادتها دون أي تغيير.
2. أن يتفاقم بؤس الطبقات المضطهدة ويشتد شقاؤها أكثر من المألوف.
3. أن يتعاظم كثيرا، للأسباب المشار إليها آنفا، نشاط الجماهير التي تستسلم للنهب في زمن "السلم"، ولكن نفس الأسباب تدفعها في زمن العاصفة، إلى القيام بنشاط تاريخي مستقل.
دون هذه التغييرات الموضوعية المستقلة، تستحيل الثورة، بوجه عام، ومجموع هذه التغييرات الموضوعية يسمى وضعا ثوريا.
مع ذلك، فالثورة كما بينت التجارب التاريخية، لا تنشئ عن كل وضع ثوري، إنما تنشئ فقط إذا انضم إلى جميع التغييرات الموضوعية المذكورة، تغيير ذاتي، بمعنى قدرة الطبقة الثورية، الطبقة العاملة، على القيام بأعمال ثورية جماهيرية قوية، لحدّ تحطيم الحكم القديم الذي لن "يسقط" أبدا، حتى في فترة الأزمات إذا لم يتم العمل على إسقاطه.
وإلى جانب قناعتنا الثورية، والتي لا بد أن يفتخر بها أي ماركسي لينيني، فنحن مقتنعون أنه في ظروف مثل التي حددناها نظريا، يجوز للقوى السياسية الثورية المغربية، مهما كانت أوضاعها الذاتية، أن تنخرط في النضال الإصلاحي دفاعا على برنامج حد أدنى، سياسية، اقتصادية واجتماعية، دون عقدة ذنب ودون انتظارية حتى استكمال شروط الثورة، مع الحرص "على إخضاع النضال من أجل الإصلاحات بوصفه جزءا من كل للنضال الثوري من أجل الحرية والاشتراكية".
وارتباطا بهذا المبدأ وهذا التصور، يمكن لهذه القوى التي ما زالت جنينية، متعثرة في التشكل والنمو والتطور.. بما هي عبارة عن أنوية وتيارات وفرق ومجموعات، محدودة القاعدة وضعيفة الارتباط بالطبقة العاملة وحلفاءها في الأوساط الشعبية الكادحة.. يمكنها إذن أن تنخرط في تحالفات مع قوى إصلاحية يسارية وتقدمية لبرالية، من أجل برنامج حد أدنى مؤقت ومرحلي، واضح ومضبوط، لا يمس بهويتها الماركسية، ولا يشكك في إستراتيجيتها الثورية الاشتراكية، ولا يغض الطرف عن تناقضها مع البرجوازية.
هذه العملية ليست سهلة طبعا، وهي تقتضي الجرأة إلى جانب التجربة والحنكة السياسية، صحيح أن الماركسية أجازتها في أكثر من ظرف وتجربة، حيث يصعب تعداد المبادرات الوحدوية التي انخرط فيها ماركس وانجلز ولينين على هذا الأساس، ولم تشترط حينها الماركسية سوى الثبات على المبدأ وعدم تقديم التنازلات في مجال النظرية "اعقدوا التحالفات.. ولكن إيّاكم التنازل في النظرية" أي أن التحالفات جائزة مع جميع أصناف التقدميين، بالمعنى الواسع لكلمة التقدمية، في صفوف الحركة الديمقراطية والاشتراكية تحت الشرط الذي لا بد منه لعقد هذه التحالفات وهو "أن تتوفر الإمكانية التامة للماركسيين اللينينيين ليبينوا للطبقة العاملة تناقضها العدائي مع البرجوازية".
فكثيرا ما يدعي هذا الحزب أي "النهج الديمقراطي" بكونه استمرارية وامتداد للحملم ولمنظمة "إلى الأمام" على الخصوص.. حيث يشتعل النقاش، وتتوالى ردود الأفعال، وينتفض العديد من المناضلين من تيارات عدة تنتمي للحملم، تعتبر نفسها هي الأخرى الوريث الشرعي والوحيد للحركة والمنظمة، على اعتبار أن "النهج" تراجع وارتد عن الماركسية اللينينية كسند مرجعي، وتخلي وانحرف عن برنامج "إلى الأمام" الأصلي، برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، مقتفيا الدرب الإصلاحي مثله مثل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية وذيولها من الأحزاب والاتجاهات الصغيرة، والتي طالما انتقدتها وحاربتها منظمة "إلى الأمام" وحلفاءها داخل الحملم بسبب من نهجها الإصلاحي، وتخاذلها وانتظاريتها في الميدان علاقة بنضالات الجماهير الشعبية الكادحة المطالبة دوما بالتغيير. الشيء الذي سنحاول الإحاطة به من خلال مداخلتنا المتواضعة هذه.
فمن الناحية المنهجية كان على الحزب، وعلى جميع من يحدو حدوه، أو يعارضه وينتقده، يعني على الجميع بأن يجري قراءة للوضع في المغرب، قراءة موضوعية ودقيقة ونافذة إلى أقصى حد وجهة وناحية.. اعتمادا على الوقائع الملموسة والعينية في جميع المستويات والمجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما هي علامة عن أزمات لها انعكاساتها البيّنة على أوضاع مختلف الطبقات، الحاكمة والمحكومة، المالكة والمحرومة.. لكي نفهم مسارات النضال الطبقي واتجاهات تطوره، ولكي نقدر مساهمة أي فئة أو طبقة اجتماعية في مجرى الصراع، ونقدر درجة ومدى انخراطها فيه، حتى يمكننا بالتالي وضع اليد على المعيقات والحواجز التي تقف أو تفرمل عملية الوعي داخل الأوساط الجماهيرية المعنية مباشرة بالتغيير والثورة، وعلى رأسها طبعا الطبقة العاملة وأبناؤها في الأوساط الشبيبة والتعليمية.
هذه المنهجية مناقضة طبعا لما عبرت عنه واهتدت به وثيقة الحزب، التي سارعت إلى الإعلان عن مكونات الجبهة ومهام الجبهة وبرنامجها، بشكل إرادي يذكر المرء بالتنسيقات التي تدعو لها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إعدادا لوقفة احتجاجية عن مشكل أو قضية ما تكون فيها الحاجة لحضور "الجميع" من أجل الإدانة والتنديد، بالرغم من الخلافات والاختلافات وسط "الجميع" حول الموقف من القضية وأسباب القضية وحل القضية..الخ إذ لا حاجة للتذكير مرة أخرى أن الماركسيون حاربوا ويحاربون بشدة هذه النظرة التي تحاول وضع مهام نضالية، إن لم نقل صراحة ثورية، في سرير بروكروست، يعني سرير النظرية المجردة التي تعاند من أجل إدخال هذه المهام في قالب النظرية، وإذا لم يسعها القالب تنقص منها، وإذا كان القالب يكبرها، حينذاك نضيف إليها من عندنا ومن خيالنا وأحلامنا..الخ
يدّعي البرنامج بأنه برنامج حد أدنى ديمقراطي مرتبط بمرحلة محددة، دون تحليل ودون قراءة ودون اجتهاد يذكر.. ادعاء اعتمد نفس الصياغة الكلاسيكية المعروفة والمعلومة لدى العديد من القوى السياسية اليسارية، والتي سبق وأن اعتمدتها تعبيرا عن طموحات العديد من الجبهات والائتلافات والتحالفات والتنسيقات.. ليس في الساحة المغربية وحسب، بل في جميع البلدان وعلى مختلف فترات المرحلة الإمبريالية الممتدة منذ بداية القرن العشرين إلى الآن، حيث سيجد المرء نفس التحليلات بتفاوتات بسيطة، ونفس البرنامج تقريبا الذي تتداوله جميع القوى اليسارية الاشتراكية، اعتمادا على نفس التحليل ونفس المنهجية الداعية، لتشكيل جبهة من القوى الوطنية والديمقراطية، التي ترى أن الخروج من الأزمة الثورية يمر بالضرورة عبر تأسيس هذه الجبهة للنضال من أجل تحقيق المرحلة الأولى من الثورة التي ستضع حدّا للسيطرة الإمبريالية وعملائها المحليين المتمثلين في البرجوازية الكمبرادورية والملاكين العقاريين الكبار.. دون زعزعة الرأسمالية كمنط إنتاج وكعلاقات إنتاج، ودون المس بمصالح "البرجوازية الوطنية" التي يفترض فيها أن تكون ضمن الجبهة المناهضة للإمبريالية!!
فهذه النظرة هي التي ساقت المنظمة "إلى الأمام" بداية السبعينات وهدتها لبرنامجها المعروف ببرنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، وهي نفس النظرة التي ورثها "النهج الديمقراطي" بعد أن كيّفها وعدّلها استجابة لأوضاع الشرعية والقانونية والعلنية.. في العمل السياسي، نظرة جبهوية تتسع لكافة "قوى الشعب" ولجميع طبقاته وفئاته الاجتماعية، أي غالبية "الأمة"، إن لم نقل الأمة كلها عدا بعض الأعداء والخونة والعملاء، اعتمادا على التحليل الذي يؤمن بأنه، بالنظر لتظافر وتداخل وتفاعل التناقضين اللذين ينخران المجتمع، التناقض الأساسي المعروف بين العمل والرأسمال، والتناقض بين الإمبريالية وعملائها من جهة وغالبية الأمة أو الشعب من الجهة الأخرى.. فلا مناص من الجبهة الطبقية والنضال الجبهوي لحل التناقض مرحلة بمرحلة.
فهل نكتفي بهذا التحديد والتحليل للمضي قدما في نضالنا من أجل الثورة والتغيير؟ نقول لا، وعلينا أن نبرر هذا الرفض. فلو كانت الأمور بهذه السهولة وهذه المثالية، التي وضعت المتاريس بين أقلية من الأعداء الخونة من جهة، وغالبية الأمة من الجهة الأخرى، دون أن تحدث الثورة أو كرنفال من الثورات في الغالبية الساحقة من بلدان العالم، لكان من واجبنا إعادة الحساب في جميع أمورنا الفكرية والسياسية الميدانية، ولشطبنا من أدمغتنا مقولة "التحليل الملموس لكل وضع ملموس"، وكفرنا بالقوانين العلمية التي آمنت بها الماركسية حول انتقال البلدان الرأسمالية إلى الاشتراكية بنفس الطرق والوسائل، وهو أي الانتقال، الذي لا يمكنه أن يكون متناسقا، متساويا، متشابها.. بالنظر للتفاوت الحاصل في التطور الرأسمالي، هذا التفاوت الذي اعتبرته الماركسية خاصية وميزة من مميزات الرأسمالية نفسها.
فنظريتنا، التي هي قبل أي شيء وكل شيء مرشد للعمل، تلزمنا بتحليل الأوضاع الطبقية بدقة ومسؤولية، ليتبيّن بالملموس من هم أعداء الثورة الطبقيين، ومن هم أنصار الثورة الطبقيين، ومن هم في المقام الثالث الطبقات أو الفئات الوسطية التي يتعيّن على الحزب الثوري حقا، حزب الطبقة العاملة، قائد التحالف الطبقي المعني بالثورة، أن يحسن التعامل معها، باحتضانها في جبهة التحالف التي يجب أن تعبّر على مصالح جميع مكونات الجبهة الطبقية، أو ضمان حيادها بالشكل الذي يحافظ على مكتسباتها.
وغني عن القول والبيان، أن مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية بالتغيير والملتزمة به، لا بد إن هي أرادت تحسين أوضاعها ومستقبلها، أن تلمس مصالحها في جميع الشعارات والبرامج والمطالب التي يقدمها حزب الطبقة العاملة كحد أدنى للجبهة أو التحالف المفترض.

عودة لجبهة النضال الشعبي

نرجع لبرنامج الحد الأدنى المعروض، برنامج جبهة النضال الشعبي، وهو في العمق برنامج جبهة الطبقات الشعبية كما أوضحنا ذلك أعلاه، البرنامج المدعو ببرنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، بعد إعادة التكييف والتعديل، بما تشترطه قواعد اللعبة السياسية، الشرعية والعلنية، التي فرضت على منظمة "إلى الأمام" أو ما تبقى منها، التكييف وإعادة التكييف المستمر، لحدّ التفريط في كل شيء أي بما فيه النظرية الماركسية ومصالح الطبقة العاملة وحلفائها داخل الأوساط الشعبية الكادحة.
وإذا تمعـّنا جيّدا، وبحثنا عن مصالح الطبقة العاملة الملموسة، التي يجب أن تكون أساسا لأية برامج يتقدم بها الماركسيون لحلفائهم، سنجد الكلام فقط عن تحسين الأجور وتطبيق السلم المتحرك للأجور والأسعار، وهي المطالب التي ترفعها جميع الأحزاب والنقابات التقدمية والرجعية، سواء بسواء، بما هي مطالب تعني كل شيء ولا شيء في نفس الوقت، مطالب لا علاقة لها بمشروع التغيير، يمكن استعمالها في جميع اللحظات من الصراع، بما فيها اللحظات الأشد زجرا وارتدادا.. ناهيك عن مصالح الغالبية الساحقة من الفقراء والمعدمين والبطـّالين وساكنة أحزمة البؤس والإملاق، في المدن والقرى..الخ التي عالجها البرنامج المقترح، بنفس الرؤية الإصلاحية، التي قفزت على أصول البؤس وأسباب الفقر والحرمان والتهميش، مقدمة علاجات مسكـّنة للآلام ولآهات الجياع والمشردين، أفيون وفقط، وكأن المشكل في إعلان الحقوق، وفي مراقبة المرتشين، وفي محاربة الزبونية.. وليس في بنية النظام القائم على الطبقية والاستبداد والنهب والاستغلال.. وهي الأسباب الحقيقية المؤدّية، بشكل واعي منظم وممنهج، للحرمان والتهميش والبطالة والتفقير، دفاعا عن مصالح الماسكين بالحكم والسلطة والمال، وليس بسبب سوء الأخلاق، وضعف المراقبة، وتفاوت الأجور، والتملص الضريبي..الخ
وهو الشيء نفسه، الذي سيجده القارئ في إجابة البرنامج عن البادية، حيث لخص البرنامج موقفه بـ"إعادة النظر في مِلكية الأراضي" وكفى الماركسيين وجع الرأس والنقاش حول الثورة الزراعية، أو الإصلاح الزراعي حتى، على الطريقة الناصرية مثلا.. فلا مصادرة ولا تأميم، ولا تنمية بديلة، ولا أي شيء.! بهذا يتم القفز على مصالح أهم الطبقات الاجتماعية، لما تمثله من غالبية ساحقة داخل المجتمع، طبقات وفئات اجتماعية مقهورة ومطحونة، لا يرى فيها البعض سوى خزّان للتضحيات والمعتقلين والشهداء، حطب للثورة، إن كان لا بد من ثورة في نظر هؤلاء, جماهير تصلح للحشد والتجييش والوعود بتغييرات وتحسينات لن تمس من جوهر واقعنا شيئا..الخ
فلن تصلح الماركسية وخبرة الحركة العمالية الاشتراكية لأي شيء، إذا لم نضع نصب أعيننا برامجها وتجاربها السابقة قصد استخلاص الدروس والعبر، وبعيدا عن النقل والاستنساخ، عملا بمنهجية التحليل الملموس لأوضاعنا الملموسة في كل مرحلة وظرف ومجال..الخ
في هذا السياق وأخذا بعين الاعتبار لظروف وشروط العمل السياسي الشرعي والعلني، فلن نزايد على حزب "النهج الديمقراطي" مثلا، بأن نطالبه بإعلان الجمهورية، فمعلوم أن يطالب بإسقاط النظام وإعلان الجمهورية الديمقراطية، وجب عليه إعداد العدّة والعتاد لهذا الشعار، بكل حزم وجدّية، وإلاّ اعتـُدّ من باب الصبيانية العبثية والمراهقة السياسية.. في هذا السياق، ألا يحق لنا ردّا عن هذا الاتجاه الانبطاحي، المطالبة علنا، كتيارات يسارية جذرية، بنظام ديمقراطي، وبالدعوة للقضاء على علاقات الاستغلال وعلى سلطة الاستبداد، ونشر العداء ضد البرجوازية والملاك الكبار، وتجاه الرأسمالية والنظام الإمبريالي برمته، لنعزز ذلك بالشرح والتفصيل في بياناتنا السياسية ومقالاتنا النظرية، وندواتنا السجالية.. اعتمادا على كل أساليب العمل والنضال والخبرة الماركسية اللينينية المقاومة للقمع والمنع..الخ
فالجميع يعلم أن الماركسيين الشيوعيين عبّروا، منذ تشكيلهم وانتظامهم في العصبة بمعية وقيادة ماركس وانجلز، عن برنامجهم وتصورهم للتغيير، بما هو تهديم وإعادة بناء على أسس جديدة، للاستغلال والاضطهاد من طرف الغير.. في هذا الإطار أعلنوا لحظتها، عن اشتراكيتهم وشيوعيتهم دون تحفظ ودون مواربة، كذلك الشأن بالنسبة للاشتراكيين الروس خلال مرحلة البناء على يد بليخانوف وإكسلورد وزازوليتش، ولينين الذي أعلن حينها بأن مهمة الطبقة العاملة لا تقوم في اختلاق المشاريع المجتمعية كما اتفق، ولا في وعظ الرأسماليين وأذنابهم، ونصحهم بتحسين أوضاع العمال، ولا في حبك المؤامرات الإرهابية، بل في "تنظيم نضال البروليتاريا الطبقي، وقيادة هذا النضال الذي هدفه هو ظفر البروليتاريا بالسلطة السياسية وتنظيم المجتمع الاشتراكي".. دعوة مرّ عنها أزيد من قرن من الزمن، عاشت خلالها البشرية ثورات وتغييرات جذرية في حياتها، وكسبت خلالها الطبقة العاملة تجربة غنية، يريد بنا البعض شطبها أو الارتداد عنها لسنوات إضافية أخرى عن هذا القرن.
فهل يمتنع الماركسيون عن صياغة برامج الحد الأدنى المرحلية، خلال الفترات التي يقتضي الأمر ذلك؟ كلاّ طبعا، فالماركسيون آمنوا ولا زالوا يومنون بالتكتيك، بل برعوا في التخطيط، لأكثر من مرة خلال تجاربهم، ولولا هذا لما أشرفوا وقادوا الثورات الناجحة في أكثر من بلد.. ولا يمكن لأحد، حتى أعداء الماركسيين السافرين، أن ينكر كون ثورة أكتوبر 1917 الروسية، نجحت وتوفـّقت بسبب، إلى جانب أسباب وعوامل أخرى، روعة التكتيكات اللينينية المتراكمة منذ ثورة 1905، حيث تفوق لينين عن أساتذته وأقرانه وجميع رفاق الطريق، في صياغة التكتيكات الملائمة لبلاده وشعبه، حينها حارب الانتهازيتين اليمينية واليسارية، بنفس القوة والحزم، الأولى بسبب من تماديها وتشبثها بالتكتيك لحد نسيان الإستراتيجية والتفريط فيها، والثانية التي تقلل من أهمية التكتيكات بإهمالها وتحقيرها لصالح النظرية، حيث تبقى حبيسة الشعارات الثورية الإستراتيجية الكبرى وفقط.
فالمشكل ليس في التكتيك أو برنامج الحد الأدنى المرحلي، المشكل بالنسبة للماركسيين المغاربة الذين تربوا في كنف التجربة السبعينية أو بمنظمة "إلى الأمام" واستمراريتها الشرعية والعلنية، جماعة "النهج الديمقراطي"، أغرقوا الساحة طيلة تجربتهم السياسية بالعديد من البرامج المرحلية والعديد من الإستراتيجيات المرحلية، على طول مدة هذه التجربة التي تجاوزت الأربعين سنة دون أن تحضر فيها إستراتيجية الطبقة العاملة وحلفائها في الأوساط الكادحة، إستراتيجية الثورة الاشتراكية. بهذا ستظل هذه الوجهة نظر معرضة للنقد والهجوم باستمرار، بسبب من تجريبيتها الصريحة من جهة، وبسبب من غياب أي نقد ذاتي يشرح ويبرر المراجعات المتتالية التي أجرتها "المنظمة" و"النهج" عن البرامج المرحلية السابقة.
وبعيدا عن أية أحكام مطلقة، فنحن لا ننكر انه في خضم هذه التجربة، حاولت بعض الأصوات جاهدة، داخل الحركة توجيه النقد لهذا المسار التجريبي والتراجعي، دون أن تنجح في تقويم تجربة الحركة في الاتجاه السديد الذي لا بد له من الأخذ بعين الاعتبار أي تحوّل أو معطى جديد، مهما قلّ شأنه، سياسيا، اقتصاديا أو اجتماعيا، في إطار خططه وبرامجه السياسية، دون عزل التكتيكات عن جوهر القضايا التي قامت الحركة من أجلها.. بمعنى أن كل التكتيكات تحدد لزوما في ضوء الإستراتيجية وخدمة لها، في تعاطي إيجابي مع كل القضايا والمشاكل التي يفرزها الواقع اليومي للجماهير، وحين يقع الاختلال في هذه العلاقة التي تربط التكتيك بالإستراتيجية، كأن يتهافت البعض على كل ما هو آني ومرحلي، وهو ما نسميه بالانتهازية اليمينية، أو كأن يمتنع البعض عن متابعة ومسايرة ومشاركة الجماهير في نضالها اليومي، تحت مبررات أن المطالب وإن تحققت فلن تكون سوى مكتسبات مؤقتة، ولن تغير من واقع الجماهير أي شيء.. إنها الانتهازية اليسارية التي رفضت وما زالت، وأحيانا بشكل مبدئي وحاسم، خط النضال الديمقراطي الجماهيري، وعارضت الانخراط في مؤسسات النضال الجماهيري، متخذة مواقف عدائية للشرعية، والعلنية، والتحالفات والمساومات..الخ
واستنادا على التجربة اللينينية التي تشبثت خلال جميع مراحل تجربتها بالثورة الاشتراكية كإستراتيجية وكبرنامج حد أقصى، لا يمكن العثور على أية إستراتيجية أخرى في هذا السياق، ولم يسبق للبلاشفة أن حصروا تكتيكاتهم في النضالات الديمقراطية الإصلاحية وفقط، على العكس من هذا عرف البلاشفة كيف يخدمون إستراتيجيتهم الاشتراكية الثورية عبر صياغة برنامجهم التكتيكي الذي لم يتنازل في أية لحظة، أو في أية مرحلة، أو صياغة.. عن المهمة الثورية، سواء لحظة ما سمي ببرنامج الحيتان الثلاثة 1. الجمهورية الديمقراطية 2. مصادر أراضي الملاك الكبار 3. تقنين ساعات يوم العمال في ثمانية ساعات.. أو لحظة صياغة برنامج الحد الأدنى المعروف ببرنامج الثورة الديمقراطية البرجوازية، الذي لم يتخلى فيه البلاشفة عن شعار الجمهورية، وعن الثورة المسلحة، وعن ضرورة المشاركة في الحكومة الثورية المؤقتة، وعن القيادة العمالية لهذه الثورة.. وهذا هو الجديد والإبداع الذي لم يفهمه سواء دعاة الحكومة العمالية والثورة الدائمة، أنصار تروتسكي، ودعاة الاكتفاء بالنضال من الأسفل بذريعة أن الثورة برجوازية تلزم الطبقة المرحلة، كما ادّعى الاتجاه الانتهازي داخل الحركة الاشتراكية الروسية المسمّى بالمنشفي، على الطبقة العاملة أن تناضل من تحت، بانتظار تحقيق الجمهورية البرجوازية بدون مشاركة من الطبقة العاملة وحزبها، تحضيرا لثورتها الاشتراكية من خارج الحكومة.
وفق هذه التوضيحات وهذه الرؤية، لن يُسمح لأحد بالتالي، بأن يعطي الدرس للماركسيين اللينينيين في تقديرهم للديمقراطية والنضال الديمقراطي الثوري من أجل نشر الحريات وتوسيع مجالها، ومن أجل تربية الجماهير العمالية بالأساس والجماهير الشعبية عامة، على التنظيم وعلى الاحتجاج، مما سيرفع بالضرورة وعيها السياسي والتنظيمي، ويهيؤها بالتالي أحسن تهيء لمعركة التغيير وافتكاك السلطة لمصلحتها.. فالديمقراطية كانت في ذهنية الماركسيين وتصورهم، في اتصال ديالكتيكي دائم مع الاشتراكية، ولولا التشويه الذي طال الاشتراكيين ـ الديمقراطيين بسبب من السياسات الانتهازية لزعماء وقادة الأممية الثانية، لبقي الشيوعيون مفتخرون بنفس الاسم الذي اتخذوه لنفسهم وحركتهم لمدة، تعريفا بهم وبهويتهم ومقاصدهم التي لا انفصام لعراها، الديمقراطية والاشتراكية.
فلسنا ممن يحقرون ويحتقرون الديمقراطية، هدفنا كان وما زال، توضيح أن الديمقراطية مفهوم طبقي لها ماضي، حاضر ومستقبل، هذا المفهوم الديالكتيكي الذي قدّم بصدده الماركسيون الشروحات الكثيرة لما يرتبط به من مسعى يجب تحقيقه في ظل وبموازاة للديمقراطية البرجوازية اللبرالية كمرحلة أولى، ليتطور المفهوم والمقصد لديمقراطية أعمق وأشمل بتسميتها المخيفة والصريحة، دكتاتورية البروليتاريا، كديمقراطية عمالية جديدة أساسها المجالس الشعبية الواسعة، مجالس العمال، ومجالس الفلاحين الفقراء، ومجالس الساكنة في الأحياء الفقيرة والمهمشة، ومجالس الموظفين الصغار البسطاء، ومجالس الحرفيين، ومجالس التجار الصغار ومجالس الطلبة..الخ
ولم يعد أحد من الماركسيين يجهل هذا الشرح، سوى المبتدئين وقليلي الخبرة والإطلاع عن الأطروحات اللينينية الأساسية التي قاومت التمييع والتضبيب الذي لحق هذا المفهوم, خصوصا من طرف أحد المنظرين الكبار كاوتسكي، الذي كان يعتبره لينين أستاذا له قبل ارتداده عن الماركسية، لمّا اعتبر الديمقراطية مفهوما مطلقا ولمّا نال من طموح الطبقة العاملة المنتصرة في روسيا من أجل تأسيس ديمقراطيتها المجالسية.
فما تعلمناه من الماركسية كنظرية، وكخبرة، وكممارسة مرتبطة أشد الارتباط بالواقع وبصراع الطبقات بمستوياته الثلاثة الفكرية والسياسية والاقتصادية، بأن هناك الديمقراطية البرجوازية اللبرالية التي لا ينكر، ولا يشكك أحد في محاسنها، وبإمكانياتها الهائلة، لتطوير النضال من اجل توسيع مجال الحريات في ظل نمط الإنتاج الرأسمالي وحكم البرجوازية.. لكن الذين يجهلون حقا "معطيات الواقع والتشكيلة الاجتماعية المغربية"والذين أكدّوا أكثر من مرة جهلهم التام لقوانين الماركسية التي أثبت الواقع صحّتها وعلميتها، بعدما أكـّدتها بجلاء خبرة الحركة العمالية ونضالاتها الطبقية، وخبرة الشعوب عامة خلال نضالاتها ضد الاستعمار والإمبريالية.
فالجهلاء وحدهم، هم الذين لا يميزون بين المراحل التي عاشتها الرأسمالية خلال مسار تطورها، الجهلاء وحدهم هم الذين لا يعرفون كيف طوّرت الحركة الاشتراكية-الديمقراطية، جذرنا الشيوعي الأصل، شعاراتها وتكتيكاتها حسب كل مرحلة وكل بلد، الجهلاء وحدهم هم الذين لا يفهمون قانون تطور الرأسمالية غير المتكافئ وبالتالي تفاوت درجة تطوره من بلد إلى بلد، الجهلاء فقط هم الذين يجهلون أنه في لحظة ما، أي حين اجتهدت الأحزاب الماركسية في صياغة برامجها المرحلية التكتيكية، لم يكن حينها النظام الرأسمالي قد وصل لهذا الحد من العولمة التي يسيطر بها الآن على العالم والبشرية جمعاء، ولم تكن الدراسات مستوفية حول هول وشراسة الرأسمال المالي علاقة بالدور الذي سيلعبه في قيادة الرأسمال وتحديد سياسته.
فمن يجهل بهذه المعطيات لا يمكنه فهم طبيعة البرجوازية في بلادنا، ولا يمكنه بالتالي فهم طبيعة نمط الإنتاج السائد بها.. هذه البرجوازية التي ننعتها بالكمبرادورية اعتبارا لتبعيتها وعمالتها الصريحة للإمبريالية، تسهر على إنتاج ما تحتاجه الإمبريالية من مواد غذائية وزراعية وألبسة، ومواد خام ونصف مصنعة، وبعض منتوجات الصناعات الكيماوية والتركيبية..الخ وتستورد ما تنتجه الإمبريالية من مواد عالية التصنيع كالآلات والتقنيات الإلكترونية والرقمية.. مع تقديمها لخدمات وأدوار وتسهيلات أخرى سياحية، ثقافية وعسكرية..الخ
هذه البرجوازية ولدت في أحضان الإمبريالية، وبقيت وستبقى مخلصة لها، ومرتبطة ارتباطا بنيويا بها، وخلال ولادتها هاته لم تنتفض، ولم تتمرد أو تثور ضد القديم الما قبل رأسمالي كنمط إنتاج سائد، بل تكيفت وعززت وجودها بالتحالف مع طبقاته وأشكال وجوده وقيمه وثقافته..الخ متنكـّرة منذ البداية لأي شيء اسمه "الوطن والوطنية".
فالماركسيون وحدهم ودون غيرهم، هم من فهموا وتوصّلوا لقناعة مفادها استحالة الديمقراطية اللبرالية في المغرب كما في جميع البلدان التبعية، المعروفة ببلدان المحيط، الدائر في فلك الإمبريالية بما هو مركز مسيطر مهمين وموجه، لدول وأنظمة بلدان المحيط.. وذلك بسبب من تبعية النظام القائم بالمغرب تبعية بنيوية للإمبريالية، وتبعية البرجوازية الكمبرادورية للرأسمال الإمبريالي، عبر حرصها الشديد على ربط كل مجالات الاقتصاد المحلي، الفلاحي والصناعي والبنكي والخدماتي..الخ بحاجيات السوق الإمبريالية خدمة لمصالح الإمبريالية ومصالح حكوماتها بشكل رئيسي وأساسي، أي بما يضمن لها ويوفر لها الاستقرار السياسي والاقتصادي، مما يجنبها، أي هذه الحكومات، الاضطرابات الاجتماعية والاعصارات الثورية وإضرابات العمال والشغيلة، المرتبطة بأزمات النظام الرأسمالي الدورية.
في كنف هذه البرجوازية، لا يمكن الادعاء بتحقيق ديمقراطية لبرالية، ولا يمكن حل مشاكل وقضايا الجماهير الديمقراطية، إلاّ عبر الثورة ضد هذه البرجوازية ونظامها، هذه الثورة التي لا بد أن تكون سياسية، اجتماعية، اقتصادية وثقافية، وإذا كان لا بد لها من ذلك، فيتطلب الأمر من الجميع، توضيح موقفه من جميع قضايا الثورة، موقفهم من السلطة السياسية القائمة والحاكمة، وتقديم البديل، من حيث طبيعته الطبقية بدرجة أولى، ومن حيث برنامجه وتصوره لحل مشاكل الطبقات المسحوقة.. لا يمكن للماركسيين بأن يكفوا عن كونهم كذلك، أو أن يتوقفوا عن الدعاية للإشتراكية كيفما كانت الأحوال والظروف، هذا لا يعني أنهم سينتظرون تحقيقها الحتمي، لكنهم لن يدعون قط لإقامة نظام رأسمالي باسم التنمية والاستقلال الاقتصادي المتمحور حول الذات.. في بلد أصلا هو رأسمالي تنخر علاقاته الاستغلالية والتمييزية الطبقية، المجتمع بشكل خطير يصعب القطع معها دون القطع الجذري والنوعي مع اقتصاده.
وإذا كانت دعوتنا دائمة للاشتراكية، وبشكل لا يروق للجميع من أصناف وتيارات اليسار، إصلاحيين وثوريين سواء بسواء، فذلك نابع من تصورنا للاشتراكية على اعتبارها مرحلة انتقالية، خليط من الرأسمالية حيث العمل على إضعافها وقتل بقايا تواجدها، بشكل "رحيم"، وبشكل خاص في مواقع الإنتاج الصغير وفي مجالات المِلكية الصغيرة الخاصة.. ومن الشيوعية حيث التأميم والمِلكية الجماعية لثروات ومقدرات الوطن الاقتصاديةن من مصانع ومعامل وضيعات وأراضي ومنشآت ومناجم وأبناك وموانئ ومطارات وغابات وشواطئ وبحار ووديان وعيون..الخ
فمنذ تشكل التيار الاشتراكي العلمي، الشيوعي، بقيادة ماركس وانجلز، لم تتوانى الرجعية عن محاربته على ضوء ما خلـّفته مختلف تيارات واتجاهات الاشتراكية الطوباوية من ثغرات في تصوراتها لحل قضايا الجماهير المتجددة، والتي لم تجد لها من حل مختلف البرجوازيات الصاعدة حينها لسدة الحكم، حيث تبددت الوعود واختفت شعارات الأخوة والعدالة والحرية.. حينها كانت الرجعية، ومن باب الإحراج تطالب الماركسيين بالإجابة وتقديم الحل لجميع المشاكل التي من المفروض أن يؤمنها المجتمع الاشتراكي الموعود.! وكأن لماركس ورفاقه وصفة دقيقة لمجتمع سينتصب فجأة ببشر جديد وستنعدم فيه الطبقات بقرار ثوري، وستحل جنة الشيوعية على الأرض.. إنه نوع من الطوباوية السابقة على عهد ماركس، تلك التي ذهبت لحد تصور بناء الشيوعية على جزيرة لهذا الغرض، بل أكثر من هذا عملت وحاولت تجسيد هذا الحلم فأخفقت.
فليس المشكل إذن، أن نومن بإحلال الاشتراكية اليوم أو غدا أو بعد مائة سنة، المشكل قائم الآن بين من لا يزالوا يومنون بالاشتراكية حقا كحل وحيد ردّا على الاستغلال الرأسمالي، حيث العمل والتحضير الجدي لعيد ثورتها، ولتشييد ملحمتها الديمقراطية.. وبين من يعادونها صراحة أو التفافا، عبر الدعاية والدفاع عن الرأسمالية وتقديس المِلكية الصغيرة والخاصة، باستماتة وادعاء كاذب حول الاستقلال الاقتصادي والوطني "الممكن" في ظل الرأسمالية وفي ظل هيمنة السوق وتنامي الاحتكارات والمضاربات..الخ
كانت اللينينية البلشفية أول من لاحظت عجز البرجوازية عن مواصلة مشروعها الديمقراطي التحرري، وبالتالي فقدانها لتقدميتها ولإمكانية قيادة جماهير الشعب المحرومة والمضطهدة، أساسا العمال والفلاحين، نحو الثورة لتحقيق الجمهورية والديمقراطية البرلمانية، بما هي، أي هذه البرجوازية، برجوازية صاعدة وليست كمبرادورية خديمة لمصالح الإمبريالية والرأسمال الأجنبي أو شيئا من هذا القبيل.. حينها دعت الطبقة العاملة عبر حزبها الثوري ارتكازا على المعطيات الملموسة المحلية والإقليمية، للقيام والانخراط في هذه الثورة البرجوازية الضرورية حينها، لخدمة المشروع البروليتاري الاشتراكي وليس نيابة عن البرجوازية، كان لا بد من إدراج مطالب الفقراء والمحرومين والشغيلة، بما فيها بعض المطالب الأساسية للطبقة العاملة حتى يمكن ويتيسر الربط بين الديمقراطية والاشتراكية.
على هذا المستوى تحقق التفوق اللينيني على المناشفة وعلى جميع ممثلي الانتهازية اليمينية، الذين تشبثوا بدغمائية بئيسة، بأن الديمقراطية البرجوازية تلزم البرجوازية فقط، لتكتفي الطبقة العاملة بالنضال من تحت تحضيرا للثورة الاشتراكية.! فيما ذهب اليسراويون، وبشكل خاص تروتسكي، للترويج لفكرة الثورة الدائمة والحكومة العمالية الخالصة..الخ وكان لا بد، حينها، من الانشقاق على أساس هذا الخلاف، وكان الدور الكبير للزعيم لينين الذي صاغ البرنامج التاكتيكي الشهير الذي صادق عليه مؤتمر الحزب البلشفي، بعد أن اكتفى المناشفة بعقد ندوة أكدوا فيها على تصورهم الانتظاري ذلك.
ويمكن الرجوع لكتاب "خطتان من أجل الاشتراكية-الديمقراطية"، الذي شرح فيه لينين بإسهاب، جوهر الخلاف داخل الحركة الماركسية الاشتراكية، بما فيها الشرح العميق والدقيق لبرنامج الثورة الديمقراطية البرجوازية وأداتها دكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الديمقراطية الثورية، وبما تستلزمه هذه الثورة من تحضير جدي من لدن الطبقة العاملة وحزبها الثوري الماركسي، لقيادتها على أساس تحالف طبقي تقدمي ثوري يواصل جهوده النضالية بعد الاستيلاء على السلطة، لتحقيق أهداف الثورة، من خلال حكومة ثورية مؤقتة تشارك فيها الطبقة العاملة تجسيدا لخط النضال "من فوق ومن تحت"، حسب التعبير اللينيني، تشرف على إنشاء مجلس أو جمعية تأسيسية تسهر على صياغة دستور ديمقراطي يعبر فعلا عن مصالح ومطامح الغالبية الساحقة من الشعب الكادح، المحروم، المضطهد والمسحوق..الخ
لم يكن هذا الاجتهاد مجرد تجديد أو تجريب للتاكتيكات، أو كسر "للدوغمائية" من قلب الماركسية والتمرد على تعاليمها الكلاسيكية الواردة في "البيان الشيوعي"، على العكس من هذا، بيّن لينين بإيداع بأن اجتهادات البلاشفة هي الماركسية نفسها، قلبا وقالبا، الماركسية التي انبنت عليها وبها، تقييمات ماركس وانجلز لتجربة كمونة باريس، الثورية والتاريخية، إذ تبين للجميع دور الفلاحين في الثورات، حيث ما زال قائما حتى داخل البلدان التي أقامت ثوراتها البرجوازية، وحيث كانت الخلاصة بضرورة اجتذاب الفلاحين للثورة، لأنهم أي الفلاحون، إما مع الثورة أو ضدها.. خصوصا أن الثورة ضد الإقطاع وحكم النبلاء، لم تكن كافية لإنصاف الفئات الفلاحية غير المالكة، الفقيرة والمعدمة..الخ

لماذا هذا الإسهاب؟

حاولنا تعميق النقاش في هذه النقطة، لنذكر الرفاق بأهمية التاكتيك في منظورنا، وأهمية التحالفات الطبقية في مرجعيتنا، كي لا يتهمنا أحدا بالجهل أو اليسراوية أو التروتسكية..الخ ولنبين للرفاق جميعا، خصوصا فقهاء اليسار السبعيني، أن هناك تحالفات وتحالفات، هناك تحالفات ظرفية يمكن أن ينخرط فيها الحزب، التيار، مجموعة من المناضلين.. خلال حراكهم اليومي السياسي، النقابي، الاجتماعي الجماهيري، حول مسائل أو مسألة محددة، في شكل مطلب، شعار، طلب إجراء..الخ وهناك في المستوى الآخر، تحالفات سياسية يمكن أن تغطي مرحلة بكاملها، يؤطرها برنامج نضالي تلتزم به قوى سياسية معينة، معروفة في الأوساط السياسية والجماهيرية، بالقدر الذي يلزمها بالمحاسبة على كل خطواتها ومواقفها ومبادراتها.. التي يمكن أن تمس بالتزاماتها هذه، جزئيا أو شموليا.
وخلال محاولاتها الدؤوبة من أجل تطويع وتكييف برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، عملت منظمة "إلى الأمام" منذ تقاييمها الأولى أواخر السبعينات، على طرح برامج مرحلية أدنى من برنامج الاشتراكيين-الديمقراطيين الروس، وهو البرنامج الذي حولته من برنامج مرحلي تكتيكي يجيب على متطلبات وشروط وظروف الحد الأدنى السياسي والطبقي لمكونات وقوى الثورة في مرحلة معينة إلى إستراتيجية ثورية أخفت وعوّضت إستراتيجية الثورة الاشتراكية لعقود.. تحولت فيه الثورة الاشتراكية إلى طموح ممكن تحقيقه دون أي التزام عملي بالعمل على تحقيقه على الأرض.
ويمكن في هذا الصدد الرجوع لمواقف المنظمة إبّان التحضير لعملية إعادة البناء، حينها تأجج الصراع داخل المنظمة وداخل محيطها، وفي الأوساط الشبيبية المتعاطفة مع خطها ومع أطروحتها ومع تجربة الحملم ككل، ليتمكن مجموع المناضلين والمناضلات من الإطلاع على مختلف التاكتيكات والبرامج المرحلية التي اجتهدت في صياغتها الكوادر القيادية للمنظمة..
يمكن كذلك، في هذا الإطار، الإطلاع على مجمل الانتقادات التي وجهتها لها بعض الأصوات المحدودة، داخل المنظمة وخارجها، من جهة اليمين، ومن جهة اليسار، بخلفية التدمير أو بخلفية التقويم.. المهم هو الإطلاع والمقارنة ورصد التحولات في خطاب ومسار المنظمة، كمنظمة أسست لتجربة سياسية وفكرية وتنظيمية ثورية ما زال جميع الثوريين المغاربة من مختلف المشارب، يكنون لها الاحترام والتقدير..الخ
فعلى أي أساس تكمن المحاسبة الآن، لدعاة "جبهة النضال الشعبي"؟ هل لكونهم ماركسيين لينينيين، والحال أنهم تخلوا عن اللينينية صراحة، وحذفوا تعاليمها من مرجعيتهم لصالح إسهامات فلان وعلان..الخ؟ أم لكونهم يدّعون وفقط بكونهم الاستمرارية الخطـّية لهذه المنظمة، وللحركة التي انتمت إليها المنظمة قديما أم ماذا؟

عن الحد الأدنى بمفهومه اللينيني

سنحاول تقديم رأينا، بشكل متواضع، وبمنهجية تتناول في المقام الأول مفهوم الحد الأدنى وعلاقته ببرنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية السبعيني، لمقارنته مع البرنامج الأصل في مستوى أول، لتتم بعدها محاسبته على أرض الواقع استجابة لطموحات الجماهير المنتفضة والمطالبة بتغيير أحوالها واسترجاع كرامتها وحريتها..الخ
واستنادا للتجربة اللينينية التي صاغت لأول مرة برنامجا، اعتبر حينه حدا أدنى لكافة القوى السياسية والطبقية الثورية من أجل إنجاز الثورة الديمقراطية البرجوازية، بما هي استكمال لما عجزت عن إنجازه الطبقة البرجوازية خلال مسيرتها النضالية من أجل التغيير ودمقراطة الدولة والمجتمع، هذا الحد الأدنى الذي لخص وركز مهامه في القضاء على بقايا النظام الإقطاعي، وبناء الجمهورية، ومصادرة أراضي الملاكين الكبار، وتحسين شروط عيش العمال عبر تحديد ساعات العمل في ثمانية.. هذا بالإضافة لتثبيت الديمقراطية البرجوازية ومستلزماتها، أي بما تتطلبه من حكومة ثورية مؤقتة، التي من مهامها السهر على تأسيس المجلس المنوط بصياغة الدستور الديمقراطي الجديد، أي ما يسمى بالجمعية التأسيسية أو المجلس التأسيسي.. في مقابل هذا، ظل البرنامج الأقصى، برنامج الثورة الاشتراكية حاضرا في النقاش والتعبئة داخل الأوساط العمالية وحلفاءها من الفئات والطبقات الشعبية الكادحة والمحرومة، ولم تفصله الأسوار في أية لحظة عن التاكتيك المرحلي المسمى أعلاه ببرنامج الثورة البرجوازية الديمقراطية مع الإشارة بأن لينين والبلاشفة، لم يطالبوا في أية لحظة رفاقهم في الحركة الاشتراكية-الديمقراطية في البلدان الأخرى، باتخاذ نفس البرنامج الذي عبّر بالأساس عن واقع روسيا ومسار الرأسمالية فيها.. إشارة أخرى لها علاقة بنفس المنهجية، منهجية التحليل الملموس لواقع روسيا الملموس، وهي مرتبطة بلحظة استنفاد هذا البرنامج لإمكانياته في مسايرة الصراع الطبقي ومكتسبات الثورة الملموسة، اعتبر لينين كل الذين تسمّروا في أماكنهم مدافعين باستماتة عن برنامج الحد الأدنى وضمنهم ستالين، بأن مكانهم الحقيقي، الذي يليق بهم كمتحجرين، هو المتحف، جنبا إلى جنب الأشياء النادرة الأنتيكة.
فهل يجب على الماركسيين اللينينيين المغاربة المعاداة لهذا البرنامج، وعدم الدعاية له؟ نقول أنه لا مجال للتذكير بموقف الماركسيين الثابت والإيجابي من مسألة التحالفات، والحد الأدنى..الخ ويمكننا إلى حد ما قبول برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية الذي نادت به منظمة "إلى الأمام" بداية السبعينات كبرنامج حد أدنى، إذا ما أدخلت عليه بعض التعديلات الضرورية، وبشكل خاص نقطة "الأرض لمن يحرثها" كصيغة وكمبدأ لا علاقة له بالماركسية، وتعويضها بمبدأ المصادرة والتأميم، وهي نقطة جوهرية في برنامج الثورة وفي مسارها إذا كنا نطمح فعلا إلى "انفتاحها نحو الأفق الاشتراكي"!
وإذا قبلنا جدلا، بفكرة التحول والاستمرارية الخطية من منظمة "إلى الأمام" الثورية إلى حزب "النهج الديمقراطي" الإصلاحي، بالرغم من اقتناعنا التام بأن ما يدور حوله الكلام كاستمرارية، ليست حقيقة سوى استمرارية بعض الأشخاص والفعاليات من حطام وبقايا المنظمة إلى جسم حزب "النهج"، لا أقل ولا أكثر.. فبرنامج "جبهة النضال الشعبي" الذي توخى هو الآخر لعب دور برنامج الحد الأدنى، لا علاقة له بذلك الدور، لا من قريب ولا من بعيد، على اعتباره برنامجا إصلاحيا أولا وقبل كل شيء، برنامج تحول فيه مطلب الثورة، والجمهورية والقضاء على النظام القائم وعلى حكم الطبقات البرجوازية المالكة، البرجوازية الكمبرادورية والملاكين الكبار.. إلى مطلب القضاء على الطابع المخزني للدولة، ولا ندري كيف سيتم هذا القضاء، هل عبر الإصلاح أم عبر الثورة؟! نفس الشيء علاقة بالمطالب الديمقراطية البرجوازية العالقة، أي ما له علاقة بالثورة الزراعية أو الإصلاح الزراعي حتى، حيث تحول مبدأ المصادرة الماركسي اللينيني، والمطلب "الأمامي" الذي هو أدنى منه، مطلب "الأرض لمن يحرثها" إلى مطلب جديد تم التعبير عنه في برنامج "جبهة النضال الشعبي"، بـ"سن سياسة ديمقراطية للمسألة الزراعية عبر إعادة النظر في مِلكية الأراضي".
ضمن هذه الاستمرارية/القطيعة ، اختفت بشكل مقصود وكلـّي، الأسئلة الوجيهة التي قدّمتها "إلى الأمام" للمراجعين والمرتدّين عن الخط والأهداف الثورية للحملم، أواخر السبعينات، أساسا منظمة "23 مارس"، التي أعادت للواجهة شعار دمقرطة الدولة دون تحطيمها ودون القضاء على نظامها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ونادت بالجمعية التأسيسية، قبل أن يصبح مطلبا وحّد وما زال، جميع القوى اليسارية الإصلاحية المتكتلة داخل "تجمع اليسار الديمقراطي" وداخل "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان".. وعلى رأس الأسئلة، انتصب حينها سؤال من سيؤسس الجمعية، وهو سؤال لينيني وجيه قدّمه الرفيق للمناشفة، حيث ربطه بضرورة الثورة وإعلان الجمهورية وإقامة الحكومة الثورية والاشتراك فيها.. وهو ما بات لزاما على جميع الماركسيين المغاربة للإجابة عنه في هذه الظروف بالذات، ظروف الاحتجاجات والانتفاضات، والتمردات الجماهيرية الواسعة، بل يمكن اعتبار أن الانتفاضات والثورات التي عاشتها مؤخرا، المنطقة المغاربية والعربية، حسمت الموقف وأجابت عن السؤال وبدّدت الغموض المحيط به.

كخلاصة أولية مفتوحة للنقاش

خلاصة المقال، هو أن البرنامج المعروض من طرف حزب "النهج الديمقراطي" لا يمكن اعتباره حدّا أدنى بالنسبة لقوى اليسار والتقدم والديمقراطية، لأنه بصراحة تخلى تكتيكيا وإستراتيجيا عن مصالح الطبقة العاملة وحلفاءها في النضال من اجل تغيير حقيقي يقضي على الاستبداد والاستغلال، من جذره وأصله.. خلاصة استندت، بالإضافة لمعطيات الواقع المغربي، على هذا التوجيه اللينيني السديد "فخلافا للفوضويين، يعترف الماركسيون بالنضال من أجل الإصلاحات، أي من أجل تحسينات في أوضاع الكادحين، تترك السلطة كما من قبل في يد الطبقة السائدة. ولكن الماركسيين يخوضون في الوقت نفسه نضالا في منتهى الحزم ضد الإصلاحيين الذين يحدّون، بواسطة الإصلاحات، مباشرة أو بصورة غير مباشرة، من تطلعات الطبقة العاملة ونشاطها" فهل يكفي هكذا توجيه للذين ما زالوا يتذرعون بلينين واللينينية، ولو من باب الإسهام والانتقاد الفكري المحدود؟ "ألا ينبغي أن يدرك الشعب العامل سبب تعاسته، ومع من ينبغي عليه أن يتحد للنضال في سبيل الخلاص من البؤس"؟ تم ما هو المقصود من طرح التاكتيكات وبرنامج الحد الأدنى؟ أليس قصده هو "رفع الفئات شبه البروليتارية وشبه البرجوازية الصغيرة إلى مستوى ثورية البروليتاريا"؟ بدلا من الهبوط والاندحار، وفق نداءات وبرامج تخاف انصراف البرجوازية أو جزء منها، يسميه البعض بالجناح "الوطني" داخل البرجوازية!
فـ"التحولات السياسية باتجاه ديمقراطي حقا، وبالأحرى الثورات السياسية، لا تستطيع أبدا، في أية حال من الأحوال ومهما تكن الظروف، أن تكيّف أو تضعف شعار الثورة الاشتراكية، بل إنها بالعكس، تقرب هذه الثورة أبدا، موسعة أساسها، مجدبة إلى النضال الاشتراكي، فئات جديدة من البرجوازية الصغيرة والجماهير نصف البروليتارية" عكس هذا، يدعو حزب "النهج الديمقراطي" لجبهة الطبقات الشعبية التي لا تعترف بقيادة الطبقة العاملة، ولا بضرورة وجود حزبها المستقل فكريا وسياسيا وتنظيميا عن باقي الكادحين، كما يشترطه ذلك الماركسيون..
فالإدعاء بـ"أن القوى الديمقراطية المكافحة ستشكل نواة الجبهة، الصلبة" ليس كافيا، بفعل عمومية وضبابية هذا الادعاء الذي عجز عن إماطة اللثام عن طبيعة هذه القوى المتحدة ضمن هذا الكوكتيل الجبهوي المقترح، حيث كان من المفروض الإشارة لبرنامج هذه القوى المكافحة، باعتباره يتجاوز سقف الحد الأدنى المعلن.. لأن كلمة المكافحة كلمة عامة ولا تعني أي شيء، إذا كانت الدعوة لـ"جبهة نضال شعبي" ستضم في صفوفها المكافحين وغير المكافحين والديمقراطيين وغير الديمقراطيين..الخ!!
فكيفما كان الحال، وكيفما كانت الشروط ومتطلبات النضال وأشكاله، سرية أو علنية، شرعية أو غير قانونية، حزبية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية جماهيرية وشبه جماهيرية.. لا يمكن للماركسيين قويمي المبادئ أن يغفلوا أهمية العمل اليومي، ولا يمكنهم أن يرفضوا أو يدينوا العمل الوحدوي والتحالفات الضرورية لإنجاحه.. لكن في المقابل، لا يمكن أن نحصر نضالنا في الممكن وفقط، ولا يمكن للماركسيين إخفاء مبادئهم الاشتراكية، وعدائهم للرأسمالية وطبقتها البرجوازية وجميع حلفاءها من المالكين المستغلين للغير.. لا يمكنهم التنكر والازدراء لإستراتيجيتهم الثورية ارتباطا بمصالح الفقراء والجماهير الكادحة المحرومة من أية مِلكية، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال إخفاء ارتباطهم بالطبقة العاملة، حيث تستوجب المبادئ الاشتراكية توضيح مصالحها الخاصة والطبقية، التي تتناقض مع مصالح جميع الطبقات الأخرى المعارضة والمتضررة من وجود النظام ومن غطرسة أسياده الإمبرياليين.
فمن واجب الماركسيين التشديد على اشتراكيتهم، على اعتبارها الحل الوحيد البديل للرأسمالية.. ومن واجبهم التشهير بنظام الاقتصاد الرأسمالي كأصل لجميع الشرور التي تعاني منها ليس الطبقة العاملة وحدها، بل جميع الفقراء والمضطهدين والمهمشين في سائر الأرض والأوطان. وبأن نضال الكادحين ضد الاستبداد، وضد الدولة البوليسية القائمة.. لا يمكن فصله عن نضال جميع الفقراء ضد الملاك وأصحاب المال والأعمال والأبناك والضيعات والأراضي الشاسعة والمناجم وأساطيل الصيد في أعالي البحار وشركات النقل والسياحة والفندقة..الخ
وفي سياق هذه النضالات اليومية، وحين يتوجب على الماركسيين تأطير وتنظيم هذه النضالات وصياغة الشعارات الموجهة لها، هناك ألف طريقة لتدبير العمل، يمكننا اعتمادها دون التنازل عن مبادئنا بشكل مقيت، ودون ازدراء معتقداتنا الفكرية التي نهتدي بها كماركسيين لينينيين اشتراكيين.. ويكفي الرجوع لتجربة اليسار السبعيني للإطلاع على تجربة منظمة "إلى الأمام" نفسها، التي يتشدق البعض بالاهتداء بتجربتها، حينها توفقت المنظمة إلى حدّ ما في الجميع بين السرية والعلنية، ونجحت بالتالي، وفي أكثر من مجال ومناسبة، في صياغة الشعارات الملائمة لكل شكل نضالي ولكل قطاع اجتماعي، دون السقوط في مهادنة النظام أو في مداهنة القوى السياسية البرجوازية المعارضة، ودون السقوط كذلك في معاداة الاشتراكية كفكر وكثورة وكمشروع اجتماعي.. حينها ركـّزت المنظمة على مبدأ النضال من أجل مطالب محددة، مرتبطة بواقع الجماهير الشعبية الكادحة والمحرومة كالعمال والفلاحين الفقراء والبرجوازية الصغيرة التعليمية والطلبة والتلاميذ وصغار التجار والحرفيين والمستخدمين..الخ بأن نادت وطالبت بإقامة حكم ديمقراطي شعبي، وهو ما ميّز خطابها وخطها السياسي، وبالتالي ممارستها العملية في الميادين التي اشتغلت فيها، حيث مارست، وبدون هوادة، الفضح والتشهير لسياسات النظام والتحالف الطبقي الحاكم، وعملت على تنظيم وتأطير الشباب، ورفعت من وعيهم السياسي، ونشرت الفكر الثوري والاشتراكي في الأوساط الشبيبية داخل الثانويات والجامعات، بشكل واسع للحدّ الذي أوصل هذا الفكر لعمق الأحياء الشعبية والعديد من القرى والبوادي النائية..الخ
على النقيض من ذلك، أي منذ المراجعات التي عرفتها الحملم والتي راهنت بشكل كبير على القوى السياسية الإصلاحية، المتمثلة في حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية، لقيادة النضال من أجل التحرر والديمقراطية والاشتراكية.
حينها تراجعت القوى الماركسية، بدءا بمنظمة "23 مارس" ومنظمة "لنخدم الشعب"، وسط السبعينات، وانتهاءا بمنظمة "إلى الأمام" أواخر السبعينات من القرن الماضي.. تراجعت عن خطاباتها ومهامها الثورية والتنظيمية، صراحة بالنسبة للاتجاه الأول وضمنيا بالنسبة للاتجاه الثاني، تحت تبرير ضرورة التركيز على التناقض الرئيسي، وعدم الخلط بين النقابي والسياسي، وبين التاكتيكي والإستراتيجي، وبلزوم هجر الشبيبة التعليمية والاتجاه مباشرة للطبقة العاملة من أجل التجذر والانغراس.. وهي كلها تبريرات، وإن كان بعضها في ظاهره حق أريد به باطل، راهن خلالها المرتدون على قدرة وقوة الاتحاد الاشتراكي لقيادة سفينة المعارضة من أجل إصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية في البلاد، دون المس بثوابت النظام القائم وشكل حكمه، ودون المس بمصالح البرجوازية وحقوقها الثابتة في التملك والنهب وفي استغلال المغاربة أبشع استغلال.. بهذا انطلقت فكرة النضال الديمقراطي بمفهومه الإصلاحي اللبرالي، والنضال الحقوق-إنساني، والنضال التنموي والنسائي..الخ وتوارت في نفس الوقت شعارات الثورة والتغيير الاشتراكي ومعاداة الرأسمالية، واختفى الصراع السياسي والفكري النقدي للاتجاهات الإصلاحية والتوفيقية..الخ
في نظرنا، وارتباطا بما يجري على الأرض محليا وجهويا وعالميا، أي ارتباطا بالأزمة الخانقة التي يعرفها النظام الرأسمالي، والتي لا يمكن حلها عن طريق الإصلاحات، بل إن التجربة السياسية لأعرق الديمقراطيات في أوربا وغيرها، أبانت عن عجز الجميع بما فيها اتجاهات وأحزاب اليسار الراديكالي، عن تدبير تداعيات هذه الأزمة، وإيجاد مخرج ولو مؤقت، لها.. ارتباطا بهذا وبتطور الصراعات الطبقية ومطالب التغيير الجذري ببلادنا، وما رافقته من اختراقات لقوى المعارضة، من طرف قوى غوغائية، رفضوية، رجعية وظلامية.. تعمل بمنهجية على الحفاظ على مصالح الرأسمالية من جهة، مع العصف، من الجهة الأخرى، بمكتسبات تقدمية قيّمة، في مجال الحريات الديمقراطية والمساواة والحداثة والعلمانية..الخ يتعيّن على جميع قوى اليسار الحقيقي، أي اليسار المناهض للرأسمالية، المعارض للسياسات البرجوازية الإمبريالية، قوى الحركة الاشتراكية، التي لا تستحي من إعلان هويتها ومرجعيتها الفكرية، ولا ترتبك أمام تساؤلات الجياع المحرومين والمضطهدين والمهمشين، حول البديل المجتمعي المنتظر.. لتجيبهم صراحة انه المجتمع الاشتراكي، وتشرح لهم بإسهاب، محاسنه دون أن تدافع عن أخطاء تجارب البناء الاشتراكي، ودون أن تعدهم بالجنة المطلقة والمثالية.. بما يعني أن الواجب يتطلب منا الإعداد والتربية والتنظيم، لخوض النضال من أجل تحقيق هذا المجتمع اليوم أو غدا أو بعد غد..الخ يتعين علينا كيسار اشتراكي بفصائله الإصلاحية والثورية، الإعلان عن مبادرات تنسيقية وحدوية، في جميع مواقع النضال، وسط الحركات الشبيبية التلاميذية والطلابية والمعطلة، داخل النقابات العمالية، وداخل مختلف الجمعيات المهنية، وداخل تنسيقيات الأحياء، وداخل مختلف الحركات الاحتجاجية ضد الغلاء، وحركات المناهضة للبطالة والخوصصة والعولمة الرأسمالية، وحركات الرفض للعزلة والتهميش والحرمان..الخ
فحشد المعادين للنظام، يجب أن يكون على هذا الأساس، والانخراط في حركات مناهضة للنظام دون الاستناد على هذه الرؤية والمبادئ، ودون توضيح لخلفية هذه المناهضة، والأهداف التي تسير نحوها، لن يوفـّر سوى حطب شعبي مجاني لنيران، تستفيد منها قوى أكثر رجعية واستبداد من النظام الحالي، القائم في المغرب.
ونحن نرى في هذا السياق، وجوب فتح نقاش فكري سياسي، منظم ومسؤول، بين جميع فرقاء ومكونات اليسار الاشتراكي الجذري، بعيدا عن الإقصاء، وعن الأبوية، وعن التذبذب والجلوس ما بين المنزلتين.. نقاش يعمل على تحليل الوضعية والحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي يعرفها بلدنا، في ظل تفاقم الأزمة العامة للنظام الرأسمالي، والتي لن تؤدي سوى لتفشي البطالة وتعبيد السبل لسياسات التقشف والغلاء، المرتقبة، بما لها من مضاعفات اجتماعية خطيرة.. الشيء الذي يتطلب منا الإعداد الجيّد للنضال ضدها وردعها، وإلاّ فمزبلة التاريخ تنتظرنا..
فالمطلوب إعداد شمولي، تنظيمي وبرنامجي، عملي وحدوي، في شكل جبهة يسارية واضحة المرجعية والأهداف، تطور إمكاناتها وشعاراتها المطلبية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حسب مستوى الوعي الجماهيري داخل الأوساط الطبقية المعنية فعلا بالتغيير الاشتراكي، من عمال، وفقراء المدن والأرياف، شبيبة تعليمية، نساء كادحات..الخ دون عزل، أو تجزيء للقضايا والمشاكل التي تعرفها حركة النضال برمتها.
على هذا الأساس، وبتوجيه من هذه البوصلة، سيكون دخولنا وانخراطنا في أية حركة مجتمعية مناهضة للنظام، وليس لكونه نظاما ملكيا استبداديا وفقط، بل لكونه نظاما اقتصاديا واجتماعيا يحمل في طياته وجوهره، الأسباب الحقيقية للبؤس والتهميش والبطالة والاضطهاد والطبقية واللامساوات.. هذه الأسباب التي لا يمكن القضاء عليها، من وجهة نظرنا الماركسية، إلاّ بالقضاء على هذا النظام بما هو نظام رأسمالي تبعي عميل ومخلص للإمبريالية.
فكما تحتاج الحركة الطلابية لمساهمة اليسار، تحتاجنا حركة الشباب المعطل، وحركة النضال النقابي، وحركة الشباب التقدمي، وحركة مناهضة الغلاء، وحركة الدفاع عن الحريات الديمقراطية..الخ حينها سيسهل على الجميع الإسهام في صياغة البرامج المركزة في القطاعات، وفي مجالات التواجد اليساري، باسم الفئات والطبقات الشعبية التي نتكلم باسمها كيسار.. وهي أحسن، وأفضل، وأجدى من دزينة من البرامج التي تموت بعد دقيقة من إعلانها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إنسحاب وحدات الجيش الإسرائيلي وقصف مكثف لشمال القطاع | الأخب


.. صنّاع الشهرة - تيك توكر تطلب يد عريس ??.. وكيف تجني الأموال




.. إيران تتوعد بمحو إسرائيل وتدرس بدقة سيناريوهات المواجهة


.. بآلاف الجنود.. روسيا تحاول اقتحام منطقة استراتيجية شرق أوكرا




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل.. هل تتطورالاشتباكات إ