الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاخوان والملالي -سطور من تاريخ الثورة الاسلامية في ايران-

ربيع نعيم مهدي

2019 / 9 / 20
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


(1)
منذ ان نجح الملالي في إعلان جمهوريتهم في ايران والحديث لا يزال يشغل مساحة واسعة من الجدل بين الكتاب والباحثين حول العلاقات التي تربط ملالي ايران بتنظيم الاخوان المسلمين، فالتنظيم كان في مقدمة المهنئين للخميني بعد نجاح الثورة، إذ حلقت أجنحة الاخوان في أجواء طهرن لبحث سبل التعاون، الذي أثمر عن اصدار "أبو الأعلى المودودي" لفتوى توجب تأييد ثورة الملالي والتعاون معهم في جميع المجالات.
ويقال ان مفاوضي الاخوان عرضوا على الخميني "بيعة مشروطة"، تقضي بتقديم البيعة له كخليفة للمسلمين مقابل الاعتراف بأن الخلاف على الإمامة في زمن الصحابة كان مجرد مسألة سياسية ولا علاقة لها بالعقائد، لكن الخميني حسم الأمر واعلن عن موقفه من خلال الدستور الإيراني الذي قرر أن المذهب الرسمي للدولة هو المذهب الاثنا عشري.
وبغض النظر عن صحة ما قيل، فان الخبر يرسم صورة واضحة لطريقة تفكير الطرفين، والتي تتسم بالدهاء والبرجماتية في التعاطي مع الاحداث التي تعترض مساراتهم السياسية.
(2)
في الحقيقة، ان العلاقة بين الاخوان والملالي لم تولد من رحم الثورة الايرانية، بل ان لها جذور عميقة تمتد لعقود من الزمن، كان أول محطاتها في اربعينيات القرن الماضي وفي الأزهر تحديداً، إذ تم أنشأ "دار التقريب بين المذاهب الإسلامية"، والتي تعد من تبعات الزواج الذي جمع الشاه "محمد رضا" من الأميرة المصرية "فوزية"، حيث أصدر شيخ الأزهر والقيادي في حركة الإخوان الشيخ "محمود شلتوت" فتوى قال فيها إن “مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنّة”.
وقد تزامن اصدار هذه الفتوى مع زياراتٍ ولقاءاتٍ جمعت "محمد تقي القمي" و "ابو القاسم الكاشاني" بـمؤسس جماعة الاخوان "حسن البنا"، كان الهدف منها الترتيب لعقد مؤتمر دولي للوحدة الإسلامية، والذي لم يبصر النور بسبب مقتل البنا في شباط 1949، لكن العلاقة بين الاخوان والملالي حافظت على ديمومتها في الخمسينيات، إذ جمعت اللقاءات وجوه جديدة لكنها مؤثرة في حركية العمل السياسي، فمن ابرز هذه الشخصيات "سيد قطب" و"مجتبى مير لوحي".
(3)
تركت هذه الشخصيات أثرها الكبير على مسار العلاقات بين الاخوان والملالي، فالتنظيرات التي أسست لمفهوم الحاكمية وإقامة الدولة الإسلامية باعتبارها ضرورة، حملتها كتب "سيد قطب" الى مدن ايران ومراكزها الدينية، لتساهم في تعزيز مفاهيم "الخميني" عن ولاية الفقيه والحكومة الإسلامية، والتي تدعي تتبنيها للتشريعات السماوية كقوانين لا تقبل النقض أو التغيير.
ان التأثير الذي حققته كتب الاخوان على الملالي لا يمكن عزله عن الدور الذي لعبه "مجتبى مير لوحي" المعروف بـ"نواب صفوي" في الترويج لفكر الاخوان في الاوساط الايرانية، فمن خلال الدعوة الى الوحدة الإسلامية لمحاربة الغرب استطاع "صفوي" ان يكسب تأييد طلبة المدارس الدينية في حوزة "قم"، وهذا ما يؤكده "منتظري" في مذكراته، بل ويشير ايضاً الى ان "الخميني" كان داعماً لـ"صفوي" بالرغم من انتقاد المرجعيات الدينية للأخير بسبب ممارساته الراديكالية في العمل السياسي وكفاحه المسلح ضد الشاه، والذي تمثل في اغتيال عددٍ من كبار المسؤولين الإيرانيين.
ان "صفوي" الذي اسس منظمة "فدائيو الاسلام" المتشددة، سافر الى القاهرة في سنة 1954 والتقى بـ "سيد قطب"، وكان على صلات وثيقة بقادة الاخوان في مصر، وبعد تنفيذ حكم الاعدام بحق "صفوي" في عام 1956 استنكر تنظيم الاخوان حكم الاعدام، ونعاه واصفاً إياه بالشهيد العزيز.
وبالرغم من اعدام "سيد قطب" في وقت لاحق، إلا ان المشروع الذي عمل الرجلان على اكماله لم يعرف النهاية، فكتب الاخوان حققت أثرها وساهمت بشكل كبير في صياغة خطابات الملالي عن مشروعهم الاسلامي في الحكم، فيما تحول الرجال المتأثرين بأفكار "نواب صفوي" الى قادة في حركة "الخميني" للوصول الى السلطة، وأقرب مثال على ذلك هو المرشد الحالي لإيران "علي خامنئي".
(4)
ان الاسس المشتركة للفريقين منحت الاخوان والملالي مساحة كافية للمناورة وتجاوز الخلافات المذهبية بينهما، حيث ان المصالح السياسية غالباً ما كانت المحرك الاساس للطرفين، فكلاهما يسعى الى نشر معتقداته للسيطرة وتوسيع النفوذ من خلال خلط الدين بالسياسة، واقحام الاسلام في دائرة الصراع الدولي، ففي أحد كتبه يضع "سيد قطب" الاسلام في نقطة المواجهة، إذ يقول: "أما الصراع الحقيقي العميق فهو بين الإسلام والكتلتين الغربية والشرقية معاً"، وهذا يتطابق مع رؤية "الخميني" حيث يقول: "ان الصراع الحقيقي في المستقبل لن يكون بين الرأسمالية والشيوعية، ولكنه سيكون بين المادية المتمثلة في الأرض وبين الإسلام". وقد لا يكون هذا التطابق في وجهات النظر غريباً، لكنه سيثير الكثير من علامات الاستفهام إذا علمنا ان في خمسينيات القرن الماضي كان الرئيس الامريكي السابق آيزنهاور يشدد على ضرورة ان تكون الحروب المستقبلية بإسم المقدس!!.
يُضافُ الى ما تقدم فان الاخوان والملالي يمتلكان ادراكاً للواقع السياسي الذي يتعاملان معه، ففي سبعينيات القرن الماضي كان الملالي على قناعة بأن القوى الغربية لن تعارض وجودهم على رأس السلطة في إيران ما داموا في معسكر يحارب الشيوعية، بعكس الاخوان الذين بالرغم من تحالفهم الغير معلن مع الغرب إلا انهم لم يستطيعوا اقناع صانعي السياسة الدولية بالسماح لهم في تولي مقاليد الحكم، واقصد هنا في القرن الماضي تحديداً.
(5)
منذ ان بدأ الاخوان والملالي بممارسة النشاط السياسي وهم يعملون على نشر تصوراتهم عن الدين باعتباره فكر ثوري يصلح لكل زمان، وهذا ما وفّر لهم كمية هائلة من الشعارات الصالحة للاستخدام في الترويج لمشروعهم السياسي، الذي يهدف الى إقامة دولة إسلامية تسود فيها الشريعة كنظام حكم شامل للمجتمع، لكن الشعارات لا تكفي في واقع يشغل فيه دعاة اليسار والقومية مساحة واسعة، لذلك سعى الفريقان الى تبني خطاب يدّعي تجاوز حدود القومية، وفي ذات الوقت يرفع رايات العداء لما يُسمى بالمشروع الأمريكي الصهيوني الذي يتآمر لتحقيق سيادة اليهود على العالم.
في الحقيقة ان الشعارات التي رفعتها أذرع الاخوان والملالي استطاعت ان تحقق الكثير من الاهداف، والتي كان من اهمها كبح جماح اليسار إن تعذر القضاء عليه، وهذا ما يثبته الواقع، فبحسب أدبيات الاخوان نجد ان الشيوعية تتصدر قائمة الاخطار التي يجب التعامل معها، وهي ذات المخاطر التي تم احتوائها من قبل الملالي في ايران بعد نجاح الثورة.
(6)
واذا نظرنا الى احداث الثورة التي نجحت في اسقاط نظام الشاه عام 1979 نجد ان لتنظيم الاخوان المسلمين دوراً لا يُستهان به في تدعيم وجود الملالي على رأس السلطة، إذ ساهم فرع الاخوان في بلاد فارس "جماعة الدعوة والإصلاح" في قتال ما يُعرف باتباع الثورة المضادة، في موقفٍ يتناغم مع موقف التنظيم الذي سبق وان بحث قادته مع "الخميني" سبل التعاون في عدة لقاءات كان أولها قبل الثورة وفي فرنسا بترتيب "أبو الحسن بني صدر"، أما البقية فكانت طهران حاضنة لها.
ان الهدف المُعلن من اللقاءات التي جمعت الاخوان بالخميني هو تنمية العلاقات بين الطرفين، لكن الحقيقة شيء آخر، فالخميني كان يخطط لتوسيع نفوذ الملالي في المنطقة من خلال استثمار العلاقة مع التنظيم، وهذا ما يُثبته واقع ما بعد الثورة، إما الاخوان فكانت لهم أهداف أخرى، قد يكون أهما كسب المزيد من المساعدات التي قدمتها ايران بعد امساك الملالي بدفة الحكم.
وبالرغم من تحقيق الطرفين للكثير من المنافع والمكاسب المتبادلة، إلا ان هناك طرف ثالث استطاع ان يستثمر إمساك الملالي للسلطة وصعود نجم الاخوان في ساحات العمل السياسي، وان يحقق انتصارات ومكاسب رخيصة الثمن في المواجهة مع المعسكر الاشتراكي، وهذا الطرف هو الغرب ذاته الذي يُعادي نظام الملالي وتنظيم الاخوان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا