الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة قيس سعيد .

فريد العليبي

2019 / 9 / 21
مواضيع وابحاث سياسية



أخيرا حطت حملة الانتخابات الرئاسية في دورتها الأولي أوزارها ، و من صناديق الاقتراع خرج قيس سعيد مُتوجا ، كان حجم المقاطعة كبيرا هذه المرة مثلما كان متوقعا ، حتى أن من صوتوا له لا تزيد نسبتهم عن عُشر المسجلين ، ولم تخف بعثة الاتحاد الأوربي قلقها من معاقبة الأحزاب التقليدية ، ووجدت الديمقراطية التونسية نفسها أمام مأزقها فالذي صعد بموجبها هو أصلا ضد الدستور الذي يُعد أساسها .
وسرعان ما انطلق السباق ، حتى قبل انتظار نتائج الدورة الثانية للتموقع السياسي بإظهار الولاء للفائز المحتمل ، وتذكر بعضهم علاقتهم به ، وتقاطعهم مع أفكاره وبرنامجه وشعار حملته : الشعب يريد وسوف يحقق ما يريد ، في محاولة لاختراق صفوفه ، بما في ذلك الإسلام السياسي الذي ذبحت عصفوره النادر نتائج الانتخابات وأشعلت في بيته الحرائق، بل إن من قال خلال المناظرتين أنه سيوظف الدستور لتعزيز صلاحيات الرئيس واستغلال البند المتعلق بالأمن القومي تراجع ليقول إن تلك الصلاحيات محدودة لتقييد حركته .
وعاد النقاش مجددا حول أصدقاء الثورة وأعدائها وتأكيد أن مرحلة ثانية من الانتفاضة التونسية قد انطلقت من صندوق الاقتراع على غير العادة ، وارتسمت الأسئلة بغتة على شفاه المنظومة السياسية السائدة من أين جاء هذا الرجل ؟ وهل إن الثورة ستسكن قصر قرطاج ؟ وما إن كانت هناك انتفاضة ستنطلق هذه المرة من ذلك القصر نفسه ؟
و بدأت عملية شحذ السكاكين مبكرا ، بالتشكيك فيه ، بالقول إنه يميني محافظ ، خادم للإسلام السياسي في شكله الأكثر تطرفا ، وأنه فاشل علميا وحالم ، سيجد نفسه في الأخير هائما على وجهه في الصحراء و أنه سيهزم لا محالة، اذا لم يستثمر ذلك النقاش وتلك الحالة بسرعة في اتجاه خلق قطب شعبي حقيقي حوله ، ويخرج من عزلته ، خاصة والبلاد على أبواب انتخابات تشريعية ، قد تأتي بما لا يتمناه فمأساته اعتقاده أن تغيير الدستور كفيل بحل المشكلة السياسية وأن بالإمكان إصلاح الدولة بالدولة نفسها.
وأعجب البعض بما حصل ، فالشعب التونسي يختصر المسافات ، و ما أدركته فرنسا مثلا بعد قرنين من ثورتها ، عبر ستراتها الصفراء وقبلها انتفاضة ماي 68 ،أدركته تونس في
أقل من عشر سنوات ، فالديمقراطية التمثيلية جوفاء ، وقد حان وقت تعويضها بالديمقراطية المباشرة وذلك لا يعود الى عبقرية يتفرد بها التونسيون وإنما استخلاصهم الدروس الأوربية ، دون نسيان تأثير الحالتين السودانية والجزائرية ، من جهة التخلص من سلطة النظام ،بينما سلطة بن على بوزرائها وبارونات مالها واعلامها لا تزال هي الحاكمة .
يقول سعيد إن عصر الأحزاب قد انتهى ، وإن عصر الجمهور قد بدأ ، وأن الدولة لا دين لها ، وأن الوحى لم ينزل في مون بليزير وانما في غار حراء ، و أن من أضاف الى الدولة صفة الإسلام كان قصده مقاومة الشيوعية ، وبريطانيا كانت وراء ذلك ، وهو ما حصل لأول مرة في مصر ومن يريد أن يفطر أو يصوم بينه وبين الله ، وأن بإمكان التونسية الزواج بمن تريد ،بما فهم منه علمانيته ولكن مناهضته للمساواة بين النساء والرجال في الميراث تتناقض مع ذلك ، كما قال أنه مع السيادة الوطنية ورفض تدخل أحد في شؤون تونس والتعويل على الذات أو الموت مرفوعي الرؤوس بما فُهم منه وطنيته ، وأنه ضد المؤسسات جميعها ، حتى أنه لن يسكن قصر قرطاج وسيكتفي بأداء وظيفته ويعود في كل يوم الى بيته بما فهم منه زهده ، أما ديمقراطيته الجديدة فتكمن في عدم قبوله تمويل حملته الانتخابية واعراضه عن التحالف مع أي حزب ، بل إنه لن يصوت حتى لنفسه ، وإذا ما ذهب الى الصندوق فإنه سيضع بطاقة بيضاء ، وأنه لا يطلب التصويت له فهو مع تأسيس فكر سياسي جديد رافض لكل المعايير السائدة وأنه سيقلب الدستور رأسا على عقب لكي تكون فيه المؤسسات مبنية على المحلي لا على المركزي ، وأنه سيُلغي حتى الانتخابات التشريعية لتعويضها بانتخابات محلية ،حتى تكون الديمقراطية مباشرة وتعود السلطة الى الشعب نفسه ، فالديمقراطية النيابية كما الأحزاب أفل نجمها وأنه لم يعد بعد الآن مجال لبيع الأوهام فالشعب هو صاحب السيادة وهو من يناقش ويقرر وينفذ ويحاسب ، ومن لا يعجبه من المُنتخبين له الحق في عزله بسرعة فائقة ، وأن العالم كله سيدخل هذه المرحلة الجديدة من التاريخ ، بما يذكر بكلمات العقيد الليبي الذي كان يقول مثله أنه ليس رئيسا وأنه يمارس السياسة والقيادة اضطرارا لا اختيارا فقيس سعيد مترشح غصبا عنه ، موظفا الآية القرآنية : كتب عليكم القتال وهو كره لكم ، وأن طموحه الأصلي علمي بحت كما العقيد أيضا الذي كان يتلهى بكتابة القصص وتدوين أفكاره في كتابه الأخضر ، وهو فضلا عن ذلك مثله في معاناته وآلامه فإذا كان العقيد راعي غنم فإن سعيد لم يمتلك سيارة وكان يستقل الحافلة وأوراق امتحانات الطلبة بين يديه وبدا في صورة وهو قابع أمام خيمة .
تعبر ظاهرة قيس سعيد عن لحظة من لحظات سيرورة الانتفاضة التونسية فمهامها التي لم تنجز واقعيا تُنجز الآن خياليا في ذهن شعب لم يجد بعد طريق خلاصه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو العسكرية شمال محافظة بابل ج


.. وسائل إعلام عراقية: انفجار قوي يهزّ قاعدة كالسو في بابل وسط




.. رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل: قصف مواقع الحشد كان


.. انفجار ضخم بقاعدة عسكرية تابعة للحشد الشعبي في العراق




.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي