الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التسلط آفة وحشية

محمد أبوالفضل

2019 / 9 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


يتلقى المدير اتصالا طارئا على هاتفه الشخصى يتغير به لون وجهه ويمتعض يتمتم بكلمات غير مسموعة ، لقد كان ذلك الوزير على الجهة الأخرى يسمعه كلمات توبيخيه على التأخير فى إنجاز أحدى المشروعات المنوط به أنجازه ، ويبلغه قراره بإعفائه من المهمة نهائيا
ومن ثم أغلق المدير هاتفه وألقى به امامه على الممتب ونادي من فوره موظف القسم المختص وصرخ في وجهه، وصب عليه غضبه ثم أخبره بقرار فصله من العمل.
رجع الموظف المفصول إلى بيته حانقا تتراقص شياطين الأنس والجن أمامه وفوق رأسه وعلى كتفيه يدخل شقته ويفتعل شجارا مع زوجته ويشتمها ويسبها موجها لها شتى تهم التقصير فى واجباتها نحوه ونحو بيته وأولاده ثم يعلمها بقرار حبسها داخل البيت ومنعها من أشكال الحياة منفرده
فتدخل الأم غرفة ولديها فيشتعل صراخها فيهما ويطرد توبيخها وتضربهما بأنفعال بما تقع عليه يدها.
يخرج الابن المراهق إلى الشوارع هربا يجلس على حافة الطريق يدخن السجائر محشوه بمخدر الحشيش ويراقب الغادي والرائح فتمر من أمامه فتاة شابة تتلوى فى مشيتها يقفز فورا من مكانه ويلاحقها ملقيا على سمعها شتى عبارات تخدش الحياء ويتحرش بها
 أما أخوه الأصغر ذاك الطفل الشرس العدوانى فيخرج إلى الشارع ويرى أمامه قطة صغيرة بيضاء يلحقها ثم يمسكها من ذيلها ويلوح بها فى الهواء كما يلوح راعي البقر بالحبل ثم يرميها بعنف في صندوق القمامة
تلك المشاهد اليومية من حياتنا لا نفتأ نشاهدها وإن أردنا توصيفها جيدا وتصنيفها فسيكون من الخطأ الفادح وضعها تحت خانة "تصرفات فردية" وردود لأفعال سطحية بل فى الحقيقة يقبع خلفها علم كامل مكمل في علوم الأجتماع يعنى بسيكولوجية الإنسان المظلوم المقهور المقموع الإنسان الذي صار مادة لسلطة الآخرين وتسلطاتهم.
هي إذن فى الواقع منظومة كاملة من ردود الأفعال النفسية التي يتعرض لها ويتأثر بها أفراد المجتمع نتيجة لخضوعهم لسلطة تتحكم في رغباتهم وحاجاتهم الشخصية وتفرض عليهم نفوذها وسيطرتها الكاملة فتتغير بسببها ووفقها نظرتهم إلى أنفسهم ومن حولهم والمحيط الذي يحيط بهم ويعيشون فيه
وتتجلى تلك الممارسات والتى يطلق عليها البعض بالفردية كردود أفعال لما يسمى عقدة النقص فالإنسان الذي يخضع للأقوى منه يشعر بأنه في ضعف يلازمه دوما وأنه بلا كرامة عديم المعنى وفاشل حتى في الحصول على أبسط الحقوق التى كفلها له القانون والدستورحتى فى التعبير عن ذاته، فيتولد في داخله ضغط نفسي رهيب يصرفه في إحدى حالين: الأول إنكفاء وتقوقعا على الذات والثانى إنفجارا على شكل عنف يصدره إلى الخارج ضد الأخرين ويترجم إلى ممارسات عدة كممارسة السلطة على الأضعف وأستخدام العنف اللفظى والأستعداد الدائم لأختلاق المناوشات والخطابات اللفظيه الحادة ودائم التوتر، والأمثلة على ذلك وافرة نراها كل ثانيه فى واقعنا المرير فقد يكون خلاف بسيط بسبب لعب أطفال أو على إشارة مرور سببا في جريمة قتل أما إذا لم يجد ذلك المستضعف من هو أضعف منه حالا فيبدأ بممارسة طغيانه على الحيوانات والممتلكات العامه وكل ما حوله ولا يقاوم تسلطه
فإستخدام الإنسان المظلوم المقهور المقموع للعنف في حق غيره والأخرين من حوله هو طريقة يسلكها دون وعي ولا شعور لإثبات ذاته وسعى لا شعوري منه نحو إيجاد معنى له بعد أن سلب منه معنى وجوده فتدفعه رغبته الجامحه بالشعور بالقوة والأحتياج لكيانات مرئيه لممارسة الطغيان على من هو أضعف منه حالا وذلك هو جواب السؤال القائم أبدا .. كيف يجروء من تعرض للظلم بأن يظلم؟
فلا بد لنا يا سادة أن ندرك ونعى جيدا ذلك التفاعل النفسي فينا حتى نصبح مجتمعات "أرحم وأقوم" ترحم الضعيف فى ضعفه وألا نسمح للطغيان الواقع علينا بأن يحولنا إلى شياطين وطواغيت صغيرة تمارس سلطتها على الأضعف منها فنجر إلى دوائر العنف لا تبقي ولا تذر التى تأكل الأخضر واليابس ومن البديهي والطبيعى أن يكون زوال هذه ممهور بزوال الظلم نفسه لكن الوعي والتثقف هو السد الذي سيمنعنا من الأنفجار والأنحدار إلى تلك الهوه حتى ذلك الحين وأحذروا فلن يزيدنا الأنجرار لتلك الممارسات سوى فتكا في إنسانيتنا ونخرا في عظام تعاضد مجتمعاتنا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة