الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النوايا الحسنة و السلطة المطلقة: كارثية شواهد التغيير

أمنية حامد

2019 / 9 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


برغم مبادرات التغيير المكثفة و المتلاحقة في بلداننا علي مدار السنوات القليلة الماضية، يبدو و كأننا ننتقل من تدهور لآخر، و بأن مواطننا يهوي في بئر ليس له آخر.
يفسر البعض تدني الأوضاع- برغم جهود التغيير- بأنها مسألة وقت قبل جني الثمار، وعليه نجد مبادرات تنادي شرائح الشعب بالتحلي بالصبر. بينما يفسر فريق آخر المشهد الحالي بأن التغييرات المتبعة هي بطبيعتها انتقائية، ستفيد بعض الشرائح على حساب شرائح أخرى، فنجدنا إزاء مبادرات تنادي بإرساء آليات لتعويض الشرائح المتضررة.
و أخيرا، و ما بين درجة أو أخرى من تلك التفسيرات يقف فريق آخر مدشناً لأي أحاديث عن تدهورات، و كأنها إدعاءات لأعداء الوطن.
دعنا نتجاهل الفريق الثالث، فلا جدوى من نكران الواضح، كذلك دعنا ننطلق فى حديثنا بأفتراض حسن نوايا التغيير، أيضا إدراكاً بأن العديد من سلطات بلداننا الحالية ورثت نظم معقدة و اوضاع متدهورة.

سنتناول فى مقالنا ثلاث خلفيات لأوضاع بلداننا و طبيعة مبادرات التغيير، و التى - فى اعتقادنا- تفسر مشاهد التدهور رغما عن جهود التغيير.

أولا: خصوصية بلداننا
————————
ربما يكون الوصف الأشمل لأوضاع نظم بلداننا هو أنها نظم غير ديمقراطية، نظم الحاكم الأوحد. و التي يحلو للبعض التعقيب علي هذا الوصف، بأطروحات عن خوارق براعة و كاريزمية و فاعلية و قدرة الحاكم. وهى أطروحات فى رأينا تجمع ما بين الطرافة و الداعبة (و ما غير ذلك).
و لنعد للحديث عن طبيعة نظمنا، و التي لا تنحصر خصوصيتها في غياب الديمقراطية، بل في ترجمه غياب الديمقراطية في هيئة ضعف/إضعاف حاد للإطار المؤسسي، ليكون الضعف المؤسسي سمه أساسية لنظم بعض دولنا مفرقةً إياها عن النظم الأخري غير الديمقراطية.

فيبدو أن التغيير ينبع من رأس السلطة، و بأن أى تغيير يشترط رغبة سياسية لحمل هذا التغيير قدُماً رغماً عن الإطار المؤسسي (أخد الطريق السريع fast-track). حتي في بعض دولنا و التي تميز تاريخها بإزدهار لكيانات مؤسسية، نجد أن مبادرات التغيير تعمد إلى اقصاء تلك المؤسسات، والعمل خارج إطارها.
يتلازم ذلك مع استفحال تواجد مراكز القوى (مثل قطاع الأعمال، جينرالات، أفراد البلاط الملكي، و أصحاب المصالح الأخرى)، والتي تجد فى ممارسات تفادي الإطار المؤسسي تربة خصبة لدفع مصالحها قدُماً، و التي عادة ما تكون علي حساب المصلحة العامة. يكتمل ثلاثي تلك الخصوصية بتفشي الفساد، سواء في مراكز القوى، أو بعض أعمدة السلطة، أو فى الإطار المؤسسى.

ثانية: تبعات تلك الخصوصية علي بيئة التغيير
———————————————-
لتلك الخصوصية تأثيرها الحاسم علي مبادرات التغيير. فنجد إنحصار منبع التغيير فى رأس السلطة و الإرادة السياسية لدولة الفرد الواحد (والذي يبدو جليا في المشاهد من مناشدات بعض مواطنينا لشخص الرئيس عبر وسائل التواصل الاجتماعي لحل مشاكلهم). و أن كان المنبع هو الرأس فيصاحب مبادرات التغيير جهود من أطراف عدة لمحاولة التأثير في مجري التغيير و مساره، و التي غالبا ما تتسم بطغيان وقع ضغوط اصحاب المصالح الخاصة من قبل مراكز القوى (سابقة الذكر) مع ضعف أو غياب وقع القوي الأخري الراعية لحقوق المواطن.

و ما بين المنبع و محاولي التأثير، يتسم المناخ التغييري بصفتيين أساسيتين:
عدم التماثل أو التوافق المعلوماتي (Asymmetric Information).
التعقيد و الغموض.

تتبلور الصفة الأولي في وقوع مبادرات التغيير عُرضه لعدم التوافق أو التماثل المعلوماتي بين أطراف التغيير. و عليه فعادة ما يقع أحد الأطراف ضحية للطرف الأخر ذي المعلومات الأدق و الأشمل، خاصة عندما تتعارض نوايا و أهداف الأطراف المشاركة في التغيير. فهل ادعاءات تدني كفاءة الشركات العامة أو مؤسسات الدولة (البحثية والرقابية…إلخ) هو فعلا السبب الرئيسي لهدم تلك المؤسسات؟ أم أن المصلحة لعبت دوراً رئيسيا عبر تشوية حقيقة أداء تلك المؤسسات لتكوين فجوة معلوماتية أفادت بعض أقطاب أصحاب المصالح (من شركات خاصة، و أفراد بعينهم) على حساب مواطن الشارع، الذي وُضعت تلك المؤسسات لحماية مصالحه.

و ان كان مواطن الشارع يناشد رئيس السلطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لحل مشاكله الخاصة، نجد أيضا محاولات من بعض مفكري و رموز الوطن بمناشدة نفس الرئيس لتوفير مساحة حوار معه آملين بعرض الحقائق عليه كالسبيل الوحيد و الأمل الباقى من إيقاف عجلة التغيير الهادمة.

و ان عملت الصفة الأولى لمحاباة مصالح أحد الأطراف على حساب الآخر، فان الصفة الثانية لبيئة التغيير تعيق عمل كل الأطراف المشاركة. حيث تتسم البيئة بالتعقيد و الغموض و ذلك لعدم تقنين كثير من مسارات التفاعل و التشابك في الإطار المؤسسي. المحصلة هى معضله استشراف آثار و تبعات مبادرات التغيير و ما لذلك من أثر سلبى من جدوى أي محاولة جادة للتخطيط.

ثالثا: استراتيجيات التغيير العقيمة
———————————-
إضافه لما سبق نجد سلطاتنا تتبع عدد من الاستراتيجيات التى تفاقم من الآثار السلبية لخصوصية بلداننا و تبعاتها، بل إن تلك الاستراتيجيات عادة ما تصيب محاولات التغيير (وحسن نواياها) فى مقتل.
استراتيجية إسكات الجانب النقدي: يصاحب ضعف الإطار المؤسسي وتفاقم وقع مراكز القوى جهود تسيس لعديد من الأصوات الفردية والمؤسسية من إعلام وصحافة و رموز الفكر و الفن.
بجانب خطورة تمجيد السلطة غير المشروط بحسن الأداء (أو بمعايير واقعية) فان اتباع تلك الاستراتيجية يؤدي للقضاء على الإطار النقدى البناء والذي يمكن للسلطة التعويل علية لتعديل المسار، خاصة ما إن هدفت تلك المحاولات من تحجيم و إسكات الأصوات النقدية للمختصين في المجالات المختلفة و/أو لأفراد من الهيئات التشريعية و القضائية.


استراتيجية الاعتماد على الهدم و إعادة البناء: نجد العديد من مبادرات التغيير تعتمد علي هدم كامل للعديد من المؤسسات و إحلالها بمؤسسات أخري. مصدر القلق هنا هو ليس فقط التساؤل لصالح من ) خاصة في ظل ما عرضناه أعلاه)، بل إدراك ان لسهولة الهدم سعر باهظ يتمثل في صعوبة إعادة البناء، خاصة في ظل ضبابية البيئة المحيطة. لقد تكيفت عديد من مؤسسات الدولة الحالية علي أوضاع البيئة المعقدة و استطاعت عبر عقود من التفاعل مع تلك البيئة من ضرب جذورها عميقا في تلك التربة صعبة الاختراق. كذلك لا يغيب عن الأذهان أن تلك المؤسسات بُنيت على أكتاف العديد من رموزنا الوطنية الفكرية و الصناعية، ممن عملوا لتلبية حاجات أوطانهم في مراحل تاريخية مهمة (فكانت الهيئات البنكية، و البحثية و الرقابية و الصناعية بمثابة الأذرع المختلفة للدولة لحماية المواطن..). فنجد الجهود المشاهدة أقرب لكونها جهود تعمد إلي التخلى عن أعمدة الدولة بدعوى عدم ربحيتها أو فسادها، دون أي جهد للعمل علي إصلاحها (إذا ما صحت تلك الدعاوى).

استراتيجية التغيير المنعزل/الغير متوازن: ربما المعضلة الأخرى الحرجة لمبادرات التغيير هى الاعتماد على استراتيجيات منعزلة و غياب إطار منظومي متكامل للتغيير، و ما لذلك من آثار سلبية بعيدة الأمد. علي سبيل المثال نجد محاولات مكثفة لبعض سلطات بلداننا لتقوية الذراع الضريبي للدولة دون مصاحبة ذلك لإصلاح الإنفاق الحكومي. فيبدو الوضع أقرب "لخرم" جيب المواطن دون تحسين وضعه.

و مابين معضلة مبادرات التغيير و الاستراتيجيات العقيمة، نجد انغماس البعض فى ممارسات أقل ما يقال عنها أنها ممارسات غير اخلاقية و مغرضة. للمواطن حق شرعي في وطنه، و في حفظ كرامته، و تأمين حياة كريمة له. فمحاولات و نداءات إعلاء شأنه هي ليست من باب التفضل عليه أو الزكاة. كذلك مغالطة هذا المواطن و تحميله عبء تدني الحال و مناداته بالعمل غير المنقطع كالسبيل الوحيد لنشل نفسه من براثن الفقر المدقع هى ضرب من الضلالة.

.و للختام، سُؤل المفكر و الفيلسوف البريطاني برتراند راسل، و هو على مشارف العقد الثامن من عمره "ماذا تعلمته.. وماذا تعتقد أنك لن تتعلمه كفيلسوف؟".
فأجاب " هناك بعض الأشياء التي لا أعتقد اننى سأتعلمها و التى لا أتمنى أن أتعلمها مطلقاً، لا أتمنى أن أتعلم كيف أُغير آمالي فى العالم، و لكني على استعداد لتعلم تغيير نظرتي لوضع العالم، و عما سيحدث فيه، ولكن ليس عن آمالي فيه و التى أتمنى أن تظل كما هى.."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة