الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديوان *لسنا شعراء.. إنّه الحُبّ*

وليد الأسطل

2019 / 9 / 27
الادب والفن


ديوان*لسنا شعراء.. إنّه الحُبّ* متوفّر حاليّاً في معرض عَمّان الدولي للكتاب 2019 منذ البارحة 26 أيلول إلى غاية 4 تشرين الثاني 2019.


صدر عن دار أزمنة للطباعة و النشر و التوزيع فى الأردن ديوان جديد للشاعر الفلسطينى الشاب وليد الأسطل، و هو ديوانه الثانى الصادر عن هذه الدار فى هذا العام (2019)، والديوان بعنوان «لسنا شعراء …إنه الحب» ويضم أربعين قصيدة.

ووليد الأسطل ذو تجربة شعرية إنسانية فريدة وثقافة غزيرة متنوعة قلّ أن نعثر عليها عند شاب فى مثل سنه، وهو الذى ولد فى الشتات بعيدا عن بلده فلسطين وعن مدينته الباسلة خان يونس، أنهكته الدروب وضيعته المنافى، فانساح فى بلاد الغرب متنقلا بين عواصمه، ناهلا من ثقافته معطيا للحياة كل ما يملك.

فى ديوانه هذا يعبّر عن الحب باعتباره حلولا فى الآخر فيقول «حلولية أنت/ تسكنينى/ وتسكنين كل الأشياء». حين غيّب القدر حبيبته دون سابق إنذار، أضحى الحب عنده ماضيا يسكن روحه ويسافر معه أينما حل وارتحل، وصار ألما يرتديه «أنا أحبها يا ألم/ وأنت عار/ هيا ارتدينى/ فأنت الحب/ والحب ألم». كما أضحى البحث عن حب حقيقى آخر حلما صعب المنال، فصورة المرأة الكاملة والزمن المعطاء لا يجدهما فى واقعه بعد فقده الأليم لمحبوبته، وكثيرا ما تحلّق به أحلامه إلى عنان السماء، وكثيرا ما تهوى به إلى الأرض، فيجد الحياة سرابا خادعا، والزمن أياما مكرورة متشابهة كحبات المسبحة، يقول فى قصيدته حدث ذات صباح خريفى «أتحسس جهة قلبى خائفا/ يا حب لا يوجد فى صدرى ما تبحث عنه/ يغازلنى البكاء فأصدَّه.. يتبعنى إلى البيت/ أقسى الهزائم هى الهزائم فى الحب».

ويستطرد مخاطبا نفسه فيقول «تشعر بعدها بالضياع/ كأَنّ الحب مَن كان يعولُك/ أى حظٍ عاثرٍ هذا؟! غربةٌ، وحدةٌ، وهزيمـةٌ فى الحب». الصراع الدائر فى وجدان الشاعر وعالمه ينعكس على رؤيته للزمن والحب والحياة، فأحيانا نجده صافيا حالما، وأحيانا نجده وجوديا عدميا، بل عبثيا لا يختلف كثيرا عن فرانس كافكا الذى عانى اغترابا اجتماعيا وقلقا شديدا، أو عن البير كامو وصموئيل بيكيت أو شوبنهاور، الذين رأوا العدم وجها آخر للوجود.

كل النساء بعد حبيبته الأولى سراب، وكل تجربة جديدة خاضها ليست إلا ألَمًا، يقول «حب راشيل أغلق باب الحب/ عصم قلبى من كل قيد/ قيد القيود هو/ والحب قيد لا يفك/ إلا بقيد/ أنا ما أحببت من أحببت من نساء/ أنا أحببت بعضا من راشيل/ فى من أحببت من نساء».

فى قصيدته الأولى أول الديوان يقر بأنه يكتب لأنه حزين، يقول وليد: «أبكى وأبكى وأبكى؛ فأجدنى كففت عن حبها!/ هل مات حبها فبكيت أم ترانى ذرفته حين بكيت؟!».

فى داخل الشاعر معاناة هى أشبه بجراح مفترسة فى غابة يدخلها لكى يصطاد منها جرحا كبيرا ليخيطه، ليتوقف بعض النزيف الذى بداخله ولو لبعض الوقت، يقول وليد: «تُفتح جراحى كلما ألقى الكتابة/ تتسع وتتسع/ تصير دغلا /أدخله/ وأصطاد شيئا للكتابة /أغادره/ ويعود جراحا/ فأخيط جراحى بالكتابة».

فقدان الشاعر للمرأة التى أحبها جعله يعتقد أننا لا نولد لنسعد ونعيش، وإنما نولد لنشقى ونموت، فالموت موجود فى كل الاشياء، بل هو جزء لا يتجزأ منها، يقول الشاعر مخاطبا الموت: «أراك فى ما علمتُ/ وما جهلت/ فى كل حزن يكيدنى/ إذا فرحت/ فى كل سعادة/ يبكى الشقاء جهلها/ يبكى زمانا/ كان فيه مثلها/ كم ذا أخذت/ وما أعدت/ كم ذا أكلت/ وما شبعت!/ لماذا تزور دون إذن؟/ لماذا لا تبقى مكانك؟/ هل فيك ما يكملنا؟/ لعل فينا ما ينقصك؟/ فترَفَّقْ بنا/ فنحن قطوفك حين تقدم من غيابك/ نحن ضيوفك/ نقيم إلى يوم القيامة فى رحابك». من هنا اعتبر الشاعر الولادة حكما مسبّقا بالموت، وأن الحرب لا تقتل أحدا وإنما هى الطريق إلى الموت، يقول وليد الأسطل: «بكت وقالت/ مات ولدى.. قتلته الحرب/ قلت:/ لا تقتل الحرب أحدا، الحرب درس يشرحه لنا الموت/ طريق وكل الطرق تفضى إلى الموت/ أنت قاتلة ابنك، الولادة حُكم بالموت».

و برغم الحزن الساكن فى الديوان والتمرد على الأشياء إلا أن نصوصه بالغة العذوبة والشفافية عظيمة الجمال، تشعرك أنك تتجول فى حديقة أزهار تريح ألوانها البصر ويفوح عطرها فى كل مكان، ولغة الديوان كأنما وهبها الحب لقلمه كما قال «يحاول الحب وهبى للزواج.. أسترحمه فيهبنى للحبر/ هو ذاك.. لغيرى الزوجة والولد/ ولى محبرة ملأى ولو بدمعى/ يا حب أزح ضباب مشاعرى كى تسطع لغتى ويتضح لى درب القصيدة/ هب لغتى ما لم تهبنِه الحياة.. هبها عصا موسى وهبها للحياة». القارئ للديوان يجد سحر لغته كامنا فى التنوع والثراء فى معجمه وتراكيبه، وفى حضور مميز للمحسّنات البلاغية البيانية القائمة على استخدام منضبط لعلاقة المشابهة وعلاقة المجاورة القائمة على المجاز العقلى والمجاز المرسل، وأيضا الاستعارة والكناية وهو ما أعطى الديوان صورا حسية مدهشة وموسيقى ودلالات واضحة وقوية. تأمّل وصفه لحبيبته وزوجته الراحلة راشيل:«ما عادت راشيل تتوارى فى الأمس/ راشيل قريبة منى.. حد اللمس/ شقراء تستضىء بها الشمس/ ألمسها فأهوى فى الأمس».

كما برع الشاعر حين اختتم كل قصيدة ببيت هو أقرب إلى المثل أو الحكمة أو خلاصة رسالة القصيدة التى تلقى بالقارئ فى بئر الدهشة، انظر مثلا قوله فى خاتمة قصيدته الأولى «فأخيط جراحى بالكتابة» وفى ختام قصيدة ثانية «بعض الأحلام نساء» وفى ثالثة «الولادة حكم بالموت» وفى رابعة «الحب يُمنَحُ دون طلب» وفى خامسة «تغيب السماء فتقذف السماء أنجما ويقذف البحر فى السماء زبدا..تحبل السماء..تلد بدرا» وفى سادسة «لم يبحث السعداء عن السعادة فوجدوها/ وجدت السعادةُ من فهموها». وهكذا فى معظم قصائد الديوان.

وأخيرا فإن الديوان باعتباره وحدة بنائية معبرة جدير بالقراءة وبالنقد، ولما فيه أيضا من جماليات لغوية وصور حسية مدهشة، رسمها وليد الأسطل حين غرس ريشته (فى قلب قلبه فى شرايينه) وباح بأسرار قلبه لينفذ إلى قلوبنا ويهز مشاعرنا ويعطينا كل هذه المساحة من الجمال، وكل هذه المعانى.

يقول فيكتور هيجو: «إن الشعر ليس فى قوالب المعانى وإنما هو فى المعانى نفسها فالشعر هو الأمر الباطنى لكل شىء فى الوجود». شكرا وليد أنك أهديتنى هذا الديوان فلقد عشت فى رحابه زمنا ممتعا واسترحت فى واحته الغنــّاء الوارفة الظلال من صخب الحياة وتكاليفها المكرورة المملة، وحلّقت مع أحلامك الجميلة في السماء، شكرا وليد مرة أخرى وإلى الأمام دائما، وننتظر منك المزيد.

كاتب المقال: عبد العزيز الكحلوت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و