الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما رايته من جهل في برنامج البالتوك

محمد برازي
(Mohamed Brazi)

2019 / 9 / 29
التربية والتعليم والبحث العلمي


لقد صار كل يوم يخرج علينا جاهلا من الجهلاء يلتف حوله بعض الاتباع ليتحدث ويجلجل بصوته الرنان وخطبه المنمقة البراقة عبر. واذا.... ما تحدثوا وتناقشوا معه لكى يثبتوا الحق ويوضحوه ويمحو باطلهم ويزيلوه. فما أصعب ان تناقش الجاهل وما أشد من ان تجادل السفيه... فبأى منطق ستتحدث معه ؟؟ وعلى اية اساس ستبدأ وستبنى كلامك ونقاشك معه ؟؟ فهو جاهل يتفوه بما لايعى ولا يدرك فقط جعجعة جوفاء ففيما سيخاطبه العالم ؟؟ الا بهذا يدخلون فى صراع عقيم مع هؤلاء؟؟؟؟؟
لا يكتفى بنشر كلامه وافكاره العفنة واذاعته لها على الملاء بلا حياء ولا خجل بل تصل به الجرءة بل ان شئت قل الوقاحة الى ان يتطاول على الناس و المثقفين منهم واصفا اياهم باقبح الاوصاف ومستهزأ بزيهم وطريقة كلامهم !!!!
ين تكمن المشكلة؟! الجاهل لا يؤذي إلا نفسه! الجاهل لن يضرك كثيراً فهو لا يستطيع حتى أن يبرهن على أقواله، أما نصف المثقف هو أشد خطراً من الجاهل! ونصف المعرفة أشد خطراً من الجهل! فالجاهل قد يحثه جهله على التعلم، أما المتعالم فقد حاز القشور وترك اللب فظن أن العلم هو هذه القشور! فلا هو عالم فينتفع بعلمه ولا هو جاهل في نظر نفسه فيتعلم.
نصف الطبيب هو من قرأ كتابا أو كتابين في الطب فصار يعرف الدواء لكنه لا يعرف قانون الدواء! يخلط الدواء بعضه ببعض فيصيب مريضه بالتسمم أو بالوفاة، ونصف الشيخ هو من قرأ مجلدا أو مجلدين فصار يعرف الحكم لكنه لا يعرف حال المخاطب أو أرض الواقع! فيخلط حالا بحال وأصلا بأصل، حتى أنصاف القراء أنفسهم ممن إذا قرأوا سطرا لم يكملوه أو إذا قرأوا سفرا لم ينهوه أو إذا قرأوا كتابا ظنوا أنهم أحاطوا بمجامع العلم وأتقنوا صنوفه، لكنه في الحقيقة هم كحسو الطير، ينقر هنا مرة وهنا مرة.
وهنا تكمن المشكلة! فنصف المثقف يستطيع خداعك بمصطلحاته التي لا يفقه هو نفسه مضامينها! فتراه يتكلم باصطلاحات العلماء لكنه متخبط في فحواها لا يفهم لها معنى، وغالباً ما نضطر إلى تصديقه لأنه يتكلم بلسان العلماء! أو بالأدق يسرق مصطلحاتهم! فلا نستطيع -كعوام- أن نعرف إن كان حقا عالما أم مخادعاً؟!
الخطر الحقيقي وراء هذا النوع من المثقفين أنه تحول إلى ظاهرة خطيرة (ظاهرة أنصاف المثقفين) والتي أدت بدورها إلى (تدمير المهنة) و (قلة احترام التخصص)، فتجد من قرأ مقالاً في الطب ظن نفسه طبيباً ماهراً !، ومن قرأ مقالاً في الفقه ظن نفسه فقيهاً أصولياً! ومن قرأ مقالاً في السياسة ظن نفسه سياسياً محنكاً! فصار الجميع أطباء والجميع فقهاء والجميع سياسيون!! الجميع يعرف كل شيء عن كل شيء، فلا تكاد تعرض مسألة أو حادثة إلا والجميع يدلي بدلوه! فلا أحد يحترم المهنة ولا أحد يحترم التخصص.
كان الفلاسفةُ والعلماء مدركين لمفهوم المعرفة منذ زمانٍ بعيد، فقد قال كونفوشيوس مثلاً ”المعرفة الحقيقية هي أن تدرك مدى جهلك“، أما برتراند راسل فيقول: ”أحد الأشياء المؤلمة في عصرنا هذا أن الأغبياء تملؤهم الثقة، أما أصحاب المخيلة الخصبة والمعرفة تملؤهم الشكوك والحيرة“، كما كان شكسبير مُلاحظاً لهذا الموضوع، وقال في مسرحية كما تحبها ”الأحمق يظن خطأً أنه حكيم، أما الحكيم فيعرف نفسه بأنه أحمق“. ويقول المتنبي ”ذو العقل يشقى في النعيم بعقله، وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.
يقول تشارلز داروين: ”عادة ما يولّد الجهل الثقة أكثر مما تفعل المعرفة“ وقد اقتبس هذه الجملة تحديداً عالمان في ورقتهم البحثية التي حصلوا بفضلها على جائزة نوبل.
ويُعرّف تأثير دانينج-كروجر بأنه تحيّزٌ معرفيّ يصيب الأشخاص أصحاب القدرات الضعيفة فيتوهمون أنهم متفوقون وأصحابُ قدراتٍ كبيرة ومعرفةٍ حقيقية، كما تمّ الاستنتاج أن الأشخاص أصحاب القدرات العالية يتوهمون أن الناس كلها قادرة على القيام بأيّ فعلٍ، لأنهم قادرون عليه بسهولة.
لكن المشكلة أنّ دانينج قد اكتشف مؤخراً أنّ الخبرة قد تؤدي أيضاً إلى توهم المعرفة، بمعنى أنّ الأشخاص الذين يصفون أنفسهم بالخبراء في مجالٍ معيّن قد يتوهمون أنهم ذوو خبرةٍ في أشياء أخرى أيضاً، حتى وإن كانت هذه الأشياء غير موجودة أساساً.
قام دانينج بتجربة سأل فيها الناس عن اختصاصاتهم ومدى خبرتهم فيها، فوجد أنّ الأشخاص الذين يقولون عن أنفسهم أنهم خبراء، يصفون خبرتهم هذه بمصطلحاتٍ اخترعها الباحثون (أصحاب التجربة) لمجرد أنها قريبة من مصطلحاتٍ شائعة، مثلاً يقول خبيرٌ في البيولوجيا أنه خبيرٌ في الـبيوسكويلاتي وهو مجالٌ غير موجودٍ أصلاً.
في مثالٍ شخصي، دكتورٌ في الهندسة النووية كان مصرّاً أنّ تحديد عمر الحفريات غير متاحٍ لأكثر من 60000 سنة باستخدام الكربون المشع، ولأنه خبيرٌ في الهندسة النووية فقد كتب هذا الكلام بكل ثقة، مع ملاحظة أنه لا يعرف أي شيء عن الأنثروبولوجيا أو عملية تحديد عمر الحفريات، أو حقيقة أنّ هناك نظائر مشعة كثيرة غير الكربون نستخدمها في تحديد عمر عيّناتٍ تصل لمليارات السنين، لكن خبرته في مجالٍ قريبٍ من هذا المجال أوهمته أنه قادرٌ أن يعطي رأياً صحيحاً به، وقد انصدم فعلاً عندما أعطيته مقالاً كاملاً من مجلة نيتشر يشرح طرق تحديد عمر العينات.
لقد تعلمت اليوم أن لا أخاطب الجاهل تعلمت أن الجاهل يحيط نفسه بهالت من التصنع والتمثيل. فالجاهل يقلد ويمثل دور الشخصية الواثقة بنفسها الا أنه متقلقل ومهزوز الثقة بنفسه يتمادى في غباءه يريد أن يثبت أنه الأفضل بتدمير نفسه. أحمق لا يريد أن يستوعب أن القوة بالعلم لا بالصوت والتعاظم والتكبر على الناس.
والصمت خير طريق لحفظ الكرامة فكثرت الكلام من أعظم المصائب فقد خسر صديق بسبب كلمة غير مقصوده وقد تقع في مشكلة بسبب دردشة مع أحدهم وغيرها من آفات الكلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إنسحاب وحدات الجيش الإسرائيلي وقصف مكثف لشمال القطاع | الأخب


.. صنّاع الشهرة - تيك توكر تطلب يد عريس ??.. وكيف تجني الأموال




.. إيران تتوعد بمحو إسرائيل وتدرس بدقة سيناريوهات المواجهة


.. بآلاف الجنود.. روسيا تحاول اقتحام منطقة استراتيجية شرق أوكرا




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل.. هل تتطورالاشتباكات إ