الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإستيلاب في الإسلام

حميد لشهب

2019 / 9 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


يعتبر الدين، أي دين، من المقومات الأساسية لهوية أية أمة، وأي شعب وأية جماعة بشرية. وإذا كان الدين الإسلامي، على الرغم من انقسامات فرقه الداخلية وتشعبه إلى العديد من الملل والنحل، هو ركيزة هوية الأمة المسلمة، فإن ما يُلاحظ في الآونة الأخيرة هو أن هذا الدين سائر في التجويف من الداخل على يد بعض المسلمين، وقد يتنبأ المرء بأنه سيصبح في العقود القادمة ديكورا عقائديا واجتماعيا ليس إلا. فهل نحن في طريق ما قيل منذ اللحظات الأولى للإسلام: “ظهر الإسلام غريبا وسينتهي غريبا”؟
بَعْدَ الحركات المتطرفة، التي تدعي بهتانا وزورا انتمائها للإسلام، اصطفت جهات رسمية “مسلمة” في طابور “المقاتلين” ضد الدين. ولا يختلف هذا القتال عن “قتال” المتطرفين في شيئ، لأنه مؤسس على نفس الركائز، وهي ركائز فرضتها الهيمنة الإمبريالية الخارجية، وعملت على تطبيقها منذ سقوط آخر معاقل المسلمين في الأندلس. بعدما وظفت الإمبريالية العالمية الحركات الجهادية، ليس فقط لقضاء مآربها في العالم المسلم، بل وأيضا لنسف الإسلام من الداخل؛ وبعدما تهيأت الظروف الملائمة لها، ها هي تضغط بكل الوسائل على “الحكام” المسلمين “للتخلي” العلني عن الإسلام، في مقولات مثل “فصل الدين والدولة”، وكأن هذا الفصل قائم في الدول الغربية ذاتها، وما مثال الولايات المتحدة الأمريكية إلا شاهد إثبات على ذلك، حيث يتربع الدين على دستورها وقاتل بعض رؤسائها المسلمين باسم الدين وباسم الله، تحت شعارات مثل “محاربة الشيطان”. يطالعنا يوميا تقريبا مسؤولون عرب (“ولي عهد” السعودية ورئيس الحكومة المغربية الحالي مثلا) برسائل واضحة فيما يخص الدين، ويتشمم المتلقي الفطن رائحة الغدر بالمسلمين مرة أخرى. فعجب العجاب هو أن السعودية توهم العالم، مناجية راعيتها أمريكا، بأنها “تُنظف” دينها من الداخل، قاضية بذلك على الجماعات المتطرفة. ومن عجب العجاب أن يقف رئيس الحكومة المغربي الحالي (الإبن الشرعي البار لحزب إسلامي) أمام شاشات العالم ويُعلن بكل “حزم” ضرورة الفصل بين الدين والسياسة، متناسيا الدستور المغربي الذي “يحرم” ذلك وموقف الملكية الرافض للعلمانية، وهو موقف متجسد في مواقف الحسن الثاني في زمانه -يخول للملك وحده دستوريا في المغرب بالجمع بين صلاحيات دينية وأخرى سياسية-. هناك إذن، عن الجانب المغربي أيضا سلطة أعلى من سلطة دستور الدولة، يحتمي العثماني تحت مظلتها وهو يعلن للعلن بأن المغرب إذا أراد التقدم، فعليه التخلي عن الدين. فهل يأكل العثماني إذن الشوك عوض شخص آخر؟
قد نشهد فيما هو آت من الأيام اصطفاف قادة “مسلمين” آخرين في صف السعودية والمغرب للمساهمة في نسف مقومات الدولة في بلدانهم من كل الرواسب الدينية التي علقت بها. فقد تهيأت الظروف لذلك، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وأصبح الدين غريبا في الدول المسلمة نفسها، لأن حكامها لم يعملوا أبدا على المساهمة في وعي الناس بدينهم، بقد ما ساهموا في تشويه الإسلام في عقول ونفوس شعوبهم. ويتجلى هذا الأمر في كون الغالبية العظمى من أبناء وبنات الشعوب العربية لا تعرف الأسس الخمسة للإسلام. وليست هذه مبالغة، فقد قدمت قناة مغربية مرة برنامجا في هذا الإطار، واستجوبت أبناء وبنات الشعب، وكان عدد من لا يعرف هذه الأسس الخمسة ملفت للنظر. ونفس الجهل يطول معرفتهم بالقرآن، لا يحفظون أبسط السور، التي يستعملها المرء يوميا في الصلاة مثلا. ويعبر هذا الجهل عن الحالة التي وصلت إليها الأمة المسلمة، بل عن المسارب والمسالك الخفية التي ساهم فيها الحاكم المسلم في الدول العربية بالخصوص ليجهل المواطن كل شيئ عن دينه، ويُصبح بذلك عرضة لكل المخاطر الإستلابية، سواء أكانت داخلية (الحركات المتطرفة وأولياء الأمر أنفسهم) أو العدو الإمبريالي. ومن استراتيجيات عمل الإستيلاب، أي إدخال الفرد أو الجماعة إلى وضع يجهل فيه نفسه، هو نسفه من كل المقومات، بما في ذلك الدينية؛ إلى درجة أن الجهل بالدين قد اختلط بالسخرية منه أو الدفاع عنه بطريقة عمياء. وكلا الموقفين، السخرية أو الدفاع، يقومان على “اقتناع” راسخ بالموقف.
من بين المنظرين العالميين لدور الدين في تحرير الإنسان من الإستيلاب، هناك المحلل النفسي وعالم الإجتماع النفسي الألماني إيريك فروم، الذي كان يعتبر الحرية كقيمة إنسانية مهمة وضرورية. طبقا لفروم، هناك «الحرية من» وهناك «الحرية إلى». تهتم الأولى بالتحرر من روابط الإستعباد والقهر، وقد تتحقق دون الإهتمام بـ ”الحرية إلى”. ولهذا السبب بالضبط قد تتحول هذه الحرية إلى ضدها، لأن فعل التحرر وحده لا يكفي نفسيا لبناء شخصية جديدة، بقدر ما يحدث العكس ويسقط الإنسان في عبودية أكبر من الأولى، كما حدث للمسلمين في الكثير من مراحل تاريخيهم، وبالخصوص تاريخ تبعيتهم للغرب. يتضح بعد استقراء تاريخ خضوع العرب المسلمين للغرب، بأنهم وحتى وإن كانوا قد “تحرروا” نسبيا من الهيمنة السياسية الغربية، فإنهم لم يجرؤوا على طرق باب الحرية، لأن خوفهم من فقدان السلطة على يد شعوبهم، كانت تُرميهم كل مرة في أحضان المستعمر من جديد. منا هنا، كان فروم يرى بأن الدين يوفر الإمكانية المناسبة “للتحرر من” إلى “التحرر إلى”، لأنه قادر على توفير أنماط عيش غير قهرية، إذا ما مورس طبقا لاقتناع كون الإنسان متدين بطبعه، بل في حاجة ماسة إلى التدين الإيجابي. ويسوق فروم في هذا الإطار مثال مفهوم “الله”، الذي كان في العهد القديم انتقالا من “الحرية من” إلى “الحرية إلى”. فمن تصور لإله غيور، فتاك، محارب عند اليهود الأوائل، إلى تصور إله رحيم، عادل، لا يعاقب من أجل العقاب، بل إذا حدث هذا الأخير، فبسبب نقض العهد من طرف الإنسان.
إن الدعوة الرسمية في الدول العربية ذات الأغلبية المسلمة “للتخلي عن الدين” تحت مسميات مختلفة، هو خدمة لمصالح غير مصالح المسلمين، بل هو عمل إجرامي محض في حق الشعوب المسلمة، التي لم يبق لها أي شيئ يُذكر في الحياة من غير دينها. أنا لست ضد العلمانية مبدئيا، بل ضد علمانية تُفرض رويدا رويدا، كما فُرضت أمور عدة أخرى كالديمقراطية وحقوق الإنسان. لم تتحقق “العلمانية” في الغرب، ولا “الديمقراطية” برغبة من الحكام، بل فرضتها الشعوب عندما أصبحت شعوبا بالفعل، تعي جوهر دينها وجوهر السياسة وجوهر الدولة الدينية الطوطاليرية، التي كانت مجسدة في الكنيسة. وهذا تاريخ ليس تاريخنا وثورة ليست ثورتنا، فلماذا يريد حكامنا فرضها علينا؟ فالتمييز الحقيقي الذي يجب أن يحدث في العالم العربي المسلم هو التمييز بين الساسة الذين يخدمون مصالح شعوبهم وبين الساسة الذين يقودونهم كقطعان خراف للإرتواء من بحار الإستيلاب الغربي والرعي في صحاريه القاحلة. ففعل التحرر الذي نحن في حاجة إليه في العالم المسلم، هو تحررنا من خوفنا من بطش حكامنا بنا، بغية التحرر إلى فضاءات أرحب، نعيش فيها كرامتنا وإنسانيتنا وحقنا في الحياة، دون إملاءات غربية. ولعل هذا هو جوهر التمييز بين السياسة الممارسة حاليا عندنا والسياسة التي ننتظرها، أي تلك التي تبني هويتنا على مقومات مختلفة كثيرة، ومنها الدين. إن التحرر هو التحرر من استلاب الغرب وسلب حكامنا لحريتنا، إلى تحرر فكري وعقائدي وثقافي، نساهم في تكوينه بأيدينا ومقالعنا ومعاولنا وفكرنا، ولا نرضى باستقباله واستهلاكه السلبي وحسب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دين البدو
محسن المالكي ( 2019 / 9 / 29 - 16:58 )
مع الاسف انني اهدرت بعض الوقت لقراءة مقال تافه يمجد بدين البدو ويريد ان يحافظ عليه لاننا لا نملك غيره


2 - مقال فساده اكثر من نفعه
محمد البدري ( 2019 / 9 / 29 - 21:46 )
الدين الاسلامي ليس من ركائز اي مجتمع في الشرق الاوسط عدي جزيرة البدو العرب، ولمن لديه رؤية علمية واجتماعية سيدرك فورا ان هذا الدين ليس سوي مجمل عادات واعراف البداوة في صحراء العرب، غزو ونهب وسرقة وسبي تحت مسمي جهاد، فالمنطقة كلها فسدت بسبب الجهاد الذي هو من عادات البدو من غزو لبعضهم البعض.
الاسلام فرض بقوة السلاح فكيف يكون من ركائز احد؟ واي محاولة لانقاذه هو خيانة للانسانية.

اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا