الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ينجو السودان من مخاطر المرحلة الانتقالية

فارس إيغو

2019 / 9 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


إن تعيين رئيس الوزراء حكومة الانتقال السيد عبد الله حمدوك في الواحد والعشرين من أغسطس الاخير على رأس حكومة مدنية مطعمة بعدد من العسكريين في وزارات الدفاع والداخلية تالياً لتشكيل المجلس السيادي الانتقالي يشير الى إنخفاض حدة الصراع بين الجيش والأجهزة الأمنية والمعارضة المدنية والحراك الشعبي المنتفض منذ منتصف ديسمبر 2018.
إنها بداية النهاية لمرحلة نظام الرئيس المخلوع عمر حسن البشير الذي أطاح به الجيش السوداني في الحادي عشر ممن أبريل الأخير، وتشكيل المجلس العسكري الانتقالي، وكذلك بداية المرحلة الانتقالية التي ستكون مدتها ثلاث سنوات وستفضي الى الانتخابات الوطنية.
لقد حصل تحالف الحرية والتغيير على خمسة مقاعد في المجلس السيادي الانتقالي وخمسة مقاعد للمجلس العسكري الانتقالي الذي تم حله بمجرد تشكيل المجلس السيادي، ومقعد بالاختيار المشترك بين الطرفين وقد أعطي للسيدة رجاء نيقولا عبد المسيح من الطائفة المسيحية في خطوة تحصل للمرة الأولى على المستوى العربي أن يعطى منصب سيادي مهم الى إمرأة أولاً، وثانياً الى ممثلة للأقلية المسيحية في السودان (وتتشارك في هذا المنصب مع السيدة أسماء موسى السعيد).
إن على حكومة الخبراء التي يرأسها عبد الله حمدوك أولويات نقل البلاد أمنياً واقتصادياً نحو ضفة الأمان، وذلك في إحلال السلام في أطراف السودان الملتهبة منذ سنوات والتي ساهمت سياسات النظام السابق في تأجيجها، وكذلك بداية مرحلة جديدة من التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وصولاً الى الاقتراع العام وتسليم السلطة الى حكومة منتخبة شرعياً.
لكن، لكي تنجو هذه الحكومة من مطبات الوضع الاقتصادي الصعب للسودان يلزمها المساندة المالية من الثنائي السعودي الإماراتي واللذين لا يخفيان معارضتهما لكل تحول ديموقراطي في العالم العربي.
يعتمد السودان اقتصادياً بشكل أساسي على الثروة النفطية، وكذلك الذهب، ولكن أيضاً على الثروات الزراعية والرعوية، ولكن هذه القطاعات الحيوية للاقتصاد السوداني في حاجة أولاً للتطوير، وثانياً لإبعاد سيطرة الجيش والأجهزة الأمنية التي تستأثر بنسبة كبيرة من موارد هذه القطاعات كما هو الأمر في الحالة المصرية، وبالتالي فإنه من دون إيجاد حل يفك الاشتباك الاقتصادي والمالي بين الحكومة المدنية والجيش والأجهزة الأمنية لا يمكن للحكومة الانتقالية التي يرأسها الخبير الاقتصادي والمالي الدولي عبد الله حمدوك من القيام بالإصلاحات الضرورية لوضع الاقتصاد السوداني على السكة السليمة.
ومنذ الآن، فإن الحركات العسكرية التي ترفع السلاح في وجه الحكومة المركزية والمتجمعة في إطار الجبهة الثورية السودانية أعلنت رفضها مبادئ الإعلان الدستوري لعدم تضمنه لنتائج اجتماعات أديس أبابا، كذلك هناك الحزب الشيوعي السوداني القوي على الساحة السياسية السودانية والذي يشير في كل بياناته الأخيرة ـ وبصورة غريبة ـ الى أن ما جرى ويجري منذ إزاحة البشير هو تكريس واعتراف بنظامه من دون شخصه.
العقبة الأخرى أمام حكومة حمدوك والمجلس السيادي الانتقالي هو التوصل الى السلام في دارفور وفي جبال النوبة وجنوبي النيل الأزرق والتي لم تبحث في الإعلان الدستوري الذي من المفروض أن يكون قد وضع الإطار الناظم للعملية الانتقالية.
العقبة الأخيرة في وجه السلطة الانتقالية الجديدة هي إشكالية المناطق الطرفية والمهمشة من البلاد، وخاصة أن النخب الحاكمة والمهيمنة في العاصمة الخرطوم منذ استقلال السودان الى اليوم هي النخب الناطقة باللغة العربية.
ويشير بعض المراقبين المتشائمين بالنسبة الى الوضع السوداني الى أنه من الصعب أن يتم احترام بنود الاتفاق بين المدنيين والعسكريين، وبالخصوص لأنه تم تحقيقه في لحظة من المواجهة بين المدنيين والعسكريين وثمرة للتحرك الفعال من طرف الاتحاد الافريقي الذي لعب دوراً كبيراً وبالخصوص اثيوبيا، وكذلك التدخل الأمريكي، والتأييد المعنوي من طرف الاتحاد الأوروبي. أما التحالف الخليجي فكان في الفترة التي سبقت تشكيل المجلس الانتقالي في حالة ضعف واهتزاز قد تستمر لعدة أشهر مما يسمح بتخفيض الضغط على حليفاؤه العسكريين المشاركين في السلطة الانتقالية، أما الصين فقد تبنت موقفاً انتظارياً وهي التي ربطت نفسها باتفاقات ومصالح كبيرة مع الجيش السوداني، وخصوصاً في الملف البترولي ومشاريعها الافريقية الكبرى.
إن إصرار الجيش السوداني والأجهزة الأمنية على إطالة الفترة الانتقالية يشير لدى المتشائمين الى محاولة تأخير الانتخابات وسحب الاحتقان من الشارع السوداني لمزيد من ابتزاز المعارضة المدنية، ولكن الرأي الأرجح هو الى عدم التسرع والوقوع في التجربة المدنية المأساوية السابقة التي أعقبت الإطاحة بالرئيس السابق جعفر النميري. يبدو أن المتشائمين فيما يخص الوضع السوداني يبنون تصورهم على اعتبار القوات المسلحة السودانية كتلة واحدة صماء سياسياً، ويغفلون الصراع السياسي القائم بين الجيل القديم أو الحرس القديم الذي رافق معظم التجربة الدكتاتورية السابقة والجيل الجديد من الضباط، والأرجح أن ما حدث في السودان وفاجأ الكثيرين هم توافق تاريخي عريض لم يشمل فقط القوى السياسية المدنية بل شمل أيضاً مختلف الاجنحة داخل الجيش والقوى الأمنية، بين جناح متزمت يريد الاحتفاظ بدور سياسي يلعبه العسكريون والامنيون في النظام الجديد، وبين تيار آخر يريد تسليم السلطة الكامل للمدنيين وتحييد الجيش بعد الانتخابات، وقد شهدنا تجارب كثيرة في المنطقة تماثل الحالة السودانية وأشهرها التجربة التركية والباكستانية والمصرية، وأظن بأن الحكمة واللغة التوافقية والإدارة السلمية للحراك التي تميزت بها المعارضة المدنية في السودان والسياق الدولي والإقليمي هي التي دفعت الى تقوية الجناح الديموقراطي في الأوساط العسكرية والأمنية في السودان، وهو ما يمكن أن يكون الحل المتوقع للحالة المصرية بعد المظاهرات التي حدثت في الشارع المصري في الأسبوع الماضي والتي يمكن أن تعقبها تحركات أخرى أقوى وأشد تدفع بالجيش المصري الى التحرك وفرض حل مشابه للحل السوداني.
وبالمحصلة، تكون الموجة الديموقراطية الثانية قد شملت السودان والجزائر ومصر ودفعت تماماً شبح عودة الاستبداد بصور وأشكال متعددة، ومنها الشكل الكاريكاتوري البارز في الحالة المصرية.
إن موجة الإنتفاضات الثانية التي بدأت في ديسمبر 2018 أثبتت فشل الرهان على خطة الاحتواء التي إتبعتها كثير من الأنظمة الاستبدادية في المنطقة، أي الاستمرار في سياسات الهروب من الاستحقاقات الديموقراطية والتوافقية مع المعارضات والحراكات في الشارع لغاية إضعاف هذه الحراكات الشعبية ومن ثم الإنقضاض على كل شكل من أشكال المعارضة السياسية الحزبية أو المعارضة التي يمكن أن تبرز في الشارع من دون تأطير حزبي.
تسلسل زمني للحالة الثورية السودانية
بداية الحراك الشعبي في الشارع منتصف ديسمبر 2018.
الإطاحة بالرئيس عمر البشير في 11 أبريل 2019.
الاتفاق بالمبادئ الأولية بين المعارضة المدنية والمجلس العسكري الانتقالي في 7 يوليو 2019.
إعلان شكيل المجلس السيادي السوداني في 20 أغسطس 2019.
تأدية اليمين الدستورية وتعيين الرئيس في 21 آب 2019.
حل المجلس العسكري الانتقالي في 21 أغسطس 2019.
تعيين رئيس الوزراء السيد عبد الله حمدوك وتأديته اليمين الدستورية أمام المجلس السيادي في 21 أغسطس2019.
تشكيل الحكومة السودانية الجديدة في 24 أغسطس 2019، وتشمل 18 وزير بينهم أربع نساء أبرزهم وزيرة الخارجية أسماء محمد عبد الله، لتكون أول امرأة سودانية تقود الدبلوماسية، وثالث امرأة عربية بعد الموريتانيتين الناها بنت مكناس، وفاطمة فال بنت أصوينع.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار