الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مراعاة الآخرين و المراهقين

محمد برازي
(Mohamed Brazi)

2019 / 10 / 1
التربية والتعليم والبحث العلمي


لا شيئا بتحزب أو بعجب، بل بتواضع، حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم. لا تنظروا كل واحد إلى ما هو لنفسه، بل كل واحد إلى ما هو لآخرين أيضا. فيلبي
سلوك التنابز وسلوك إغاظة الآخرين موجودان منذ أن ُوجدت المدارس ومنذ أن و ِجد الأطفال. إلا أنهما قد أخذا مسلكا جديدا ودنيئا عند وصول الرسائل الفورية وشبكة الإنترنت.
فنرى أن ظاهرة التنمر ّ 1الإلكتروني قد صارت واحدة من أشر الأسلحة في أيدي الشباب المراهقين اليوم؛ وقد قال لي العديد من ضباط شرطة حماية المدارس أن هذا النوع من الاعتداء هو أسوأ بكثي من الأنواع التي شهدوها في السابق. فهو قد يكون مميتا جدا لأنه يعمل لوحده وفي هدوء وخلسة، ويقوم بتدمي نفسية الولد بعمق.
والتنمر ليس مجرد مشكلة اجتماعية فحسب بل صحية أيضا. فقد صار معروفا الآن أن ضحاياه من الأولاد الذين جرى بحقهم ممارسة هذا الاعتداء أصبحوا يعانون من مرض يسمى «اضطراب ما بعد الصدمة» ويعانون من الكوابيس في النوم ومن فرط التغذية أو من قلّة التغذية فضلا عن معدلات متزايدة من حالات الانتحار ّ لاسيما بين المراهقات، لأن التنمر يزرع الخوف واليأس في نفوس الضحايا. هذا وأن تأثي ُّ ات ظاهرة التنمر عند هذا العمر التكويني قد تستمر مدى الحياة؛ فهي ليست مجرد مرحلة انتقالية غي مؤذية أثناء نمو الولد ولا هي حالة لابد من حدوثها ولا مفر منها.
أما التنمر على مراهقين من أصحاب الشذوذ الجنسي – أو على من يظنهم الناس أنهم من أصحاب الشذوذ الجنسي – فهو مشكلة أيضا. لأنه لا يحق لنا أن نسيء معاملة أي شخص أو التقليل من شأنه لمجرد أنه يختلف عنا بغض النظر عن رأينا بأسلوب حياته. وفي الحقيقة والواقع، وبحسب ما حذرنا منه والدي، فإن «قتل الروح» هو جريمة بمثابة جريمة القتل الجسدية. والولد الذي جرى بحقه مثل هذه التصرفات السيئة وتظهر عليه أعراض الإصابة بكل وضوح (أو يحاول إخفائها) فهو بالتحديد ذاك الولد الذي هو بأمس الحاجة إلى محبتنا وتشجيعنا الإيجابي. فلو قدمنا له ما يحتاجه من وقت لنقضيه معه وجهد لنبذله لأجله، لحصلنا دائما على أرضية مشتركة وعلى طريقة لإقامة علاقة طيبة معه.
أما موضوع الحقد على ناس من أصول عرقية مختلفة أو ذوي لون بشرة مختلف أو أصحاب عادات وتقاليد مختلفة فلا يختلف بتاتا عن موضوعنا السابق. وهو موضوع يُكتسب بالتربية أيضا ويتوقف على نوعيتها؛ فلو كان الأمر متروكا للأولاد لرأينا بعضهم يلعب مع بعض غي واعيين بفروق لون بشرتهم. وعندما يكبرون سوف يبدؤون طبعا بملاحظة هذه الفروق، ومع ذلك لن يكون وعيهم آنذاك مصدر أذى أو حقد أبدا. غي أن العنصرية لا تتواجد سوى عند الأولاد ّ الذين خر ّ بهم البالغون من حولهم وخربوا وعيهم بالذات ووعيهم بالآخرين وعملوا على إفساد أفكارهم بسموم العنصرية.
ومتى ما ظهر أي شكل من أشكال العنصرية، فيجب أن ننقذ أولادنا وننشلهم (وننشل أنفسنا أيضا نحن الكبار) من حماقة الأفكار البشرية عن فروق اللون والعادات والتقاليد والطبقية. والأهم من ذلك، ينبغي أن ننشد محبة الله الذي خلقنا مع كل هذه الفروق، ونب ّين لأولادنا بالكلام والأفعال بأننا ملتزمون بالجهاد في سبيل العدل والإخاء بين جميع الناس من رجال ونساء على وجه الأرض.
من السهل إلى حد ما تربية أولاد لمجرد أن يصبحوا مهذبين وذوي خلُق حسن، إلا أن الأمر يزداد صعوبة عندما نحاول غرس فيهم حساسية مرهفة صادقة لوجهات نظر الآخرين ولاحتياجاتهم وآلامهم، لأن المراعاة الحقيقية للآخرين أكبر من مجرد امتلاك سلوك مهذب. إنها تعني محبة أخينا الإنسان مثل نفسنا. وتعني رؤية ما هو موهوب من الله لدى الشخص الآخر. أي بكلمة أخرى، الخروج عن نطاق أنفسنا والتفكي بغينا من الناس.
وهناك العديد من الطرق البسيطة لتشجيع الأولاد على هذا النحو ولتنمية روح العطاء في داخلهم. فيمكنهم شراء زهور لأحد أجدادهم على سبيل المثال، أو خبز بعض أنواع المعجنات أو الكعك لمناسبة عيد ميلاد أحد الأصدقاء، أو زيارة جار يعيش وحيدا. فعندما يتعلمون أن ينظروا إلى خارج نطاق عالمهم الصغي، سوف يكتشفون عندئذ السرور الكامن في تفريح الآخرين.
ويذكرنا الروائي الروسي الشهي دوستويفسكي في روايته «الإخوة كارامازوف » بأن الحساسية لدى الأطفال مرهفة للغاية بحيث أننا نؤثر عليهم ونصوغ سلوكهم دون حتى أن ندري بذلك – كما يذكرنا بأن أحسن درس نعلمهم إياه هو من خلال المثال الصالح الذي نقدمه لهم:
في كل يوم وفي كل ساعة... تأكد من أن تكون شخصيتك لائقة وطيبة. فقد تمر بطفل صغي ّ ، وأنت شر ّ اني وتتلفظ بكلمات قبيحة وقلبك مليء بالنقمة؛ وربما لم تنتبه أنت إلى ذلك الطفل، لكنه رآك، وقد تبقى شخصيتك غي الطيبة ّ والمخزية في قلبه الأعزل. فربما تكون قد زرعت بذرة الشر فيه من دون أن تدري، ويمكن لتلك البذرة أن تنمو فيه... كل ذلك لأنك لم تُ ِ رب في نفسك محبة عاملة، ومحبة معطاءة ّ تتكرم بحرارة وبسرعة.
كذلك عظ الأحداث أن يكونوا متعقلين، مقدما نفسك في كل شيء قدوة للأعمال الحسنة، ومقدما في التعليم نقاوة، ووقارا، وإخلاصا. تيطس
في ظل هذا العالم الذي يبدو أنه يزداد فسادا يوما بعد يوم فقد يبدو توجيه أولادنا خلال السنوات الصعبة لمرحلة المراهقة عملية شاقة جدا وحمل ثقيل يصعب تنفيذه. غير أننا لو أسسنا علاقة من الصدق والثقة مع أولادنا منذ سن مبكرة، لحصلنا على أرضية صلبة ننطلق منها، وسيكون من المستحيل على أولادنا أن يعاكسوا ما نرشدهم به.
يجتاز العديد من الأطفال مرحلة الطفولة بسهولة، ولا تظهر جوانبهم السلبية إلا عندما يصلون سن المراهقة، لكن الآباء الذين ّ يؤجلون بذل أية جهود تربوية لغاية حصول خلاف في البيت لن يجنون سوى طاعة سطحية –فلا يجنون احترام الأولاد اللازم لحل بعض المشاكل مثل الكذب والنجاسة الجنسية والاستهزاء والسرقة. من البديهي أن بعض الشباب سوف يمرون بفترات صعبة من النمو أكثر من غيهم، لذلك يجب علينا أن نحرص على أن لا نكون قساة القلوب تجاههم ولا نتسرع في إدانتهم. إلا أننا يجب علينا من ناحية أخرى أن لا نتس ّتر على الخطايا لاسيما الخطايا الجنسية حتى لو كان صدرنا رحب. لأن التجارب الجنسية قادرة على أن تخلف وراءها جروحا في نفوس الشباب لمدى الحياة، وسنضرهم عندما نعذرهم على ارتكابهم لهذه الخطايا عندما نبررها على أنها مجرد «طيش شباب». فبالعكس، فيجب على هؤلاء الشباب بالذات من الذين اقترفوا الإثم في المجال الجنسي أن يجري إرشادهم إلى التوبة
وإلى الاهتداء.
ولا يمكن تحقيق ذلك عن طريق أسلوب العقوبة القاسية – ولا عن طريق الإقناع أو النقاش المنطقي. وإنما يجب علينا أن نحمي ونغذي ما تبقى من أي شعلة ضميية عندهم، حتى لو كانت صغية. وكان والدي يؤكد دائما على أنه لو تبع الشخص ضميه لما استطاع الاستمرار بالعيش دون أن يرضي ضميه وذلك بتقويم حياته. وكان يشبّه ضمي الإنسان بأنبياء العهد القديم. فعندما كان شعب إسرائيل يضلّ طريق الصلاح، كان أنبياءه يقومون ويدعونه إلى العودة إلى الله. فعندما يكذب المراهق أو يسرق أو يتعاطى مخدرات أو يسكر أو يزني، يقول له ضميه آنذاك: «إن هذا عمل باطل؛ ويجب أن تُعاقب الآن». فيطالبه ضميه بالتحرك لأن الله يطالب بالتحرك. فالضمي هو الدليل الهادي للإنسان – مثل دفّة المركب – فيجب علينا تعليم أولادنا أن الضمي ليس عدوهم بل أفضل صديق لهم. أن غرس ضمي ّ حي كهذا ليس أمرا قليل الأهمية. فيجب أن نهيئ قلوب أولادنا لتكون أرضا خصبة لكلمة الله. أما الوعظ الكلامي فلا يصنع تربة خصبة؛ إنه يق ّسي القلب. ومع ذلك فبوسع جميع المراهقين أن يستوعبوا بأنهم مخلوقون على صورة الله. ولو رأوا ذلك كتعهد والتزام – وكدعوة إلهية وكمهمة وكمسؤولية – لاستطاعوا أن ينموا لديهم سلوك التأديب الذاتي الذي سوف يستفادون منه في جميع مجالات الحياة. فالذين يتعلمون على احترام أجسادهم باعتبارها هيكلا مقدسا لسكنى الروح القدس سوف يكونون أكثر تسلحا لمقاومة إغواء الكحول والمخدرات والجنس.
وسوف يفشل أولادنا مع ذلك في بعض المرات مثلما نحن أيضا ِ نفشل. ويجب أن نتذكر عندئذ أن الله لم ينته بعد من عمله معهم ِ ولم يقطع أمله منهم مثلما لم ينته الله بعد من عمله معنا ولم يقطع أمله منا لحد الآن.
وأنا شخصيا قد لاقيت صعوبة عندما كنت في سن المراهقة، وذلك بسبب السفرات الطويلة التي كان غالبا ما يقوم بها والداي، لكن الشيء الذي كان يشجعني ويعزيني هو أنني كنت أتذكر قصص ّ يسوع المسيح التي كان والداي يقصانها علي عندما كنت صغيا. ّ ومن ثم ربيت أنا وزوجتي لاحقا خمسه أولاد لنا مروا أيضا بالسنين الصعبة لسن المراهقة، لكن الذي شجعنا على المثابرة ومحاولة تقديم طفولة جيدة لهم كانت ذكرياتنا الشخصية عن طفولتنا الإيجابية.
كلنا نعلم بأننا نريد أن نورث الجيل الجديد قيمنا ومبادئنا، لكننا غالبا ما نفشل في إدراك الحقيقة وهي أن الشيء الذي سيحمله أولادنا معهم هو أعمالنا وليس كلامنا – وأن الشيء الوحيد الجدير ّ بتوريثه إلى أولادنا هو إيمان حي عامل.
والقسيس بلومهارت الألماني الذي كان زمانه في القرن التاسع عشر أكثر تديّنا من زماننا الحاضر، كان مع ذلك يوبخ الأهالي الذين يهرعون في أخذ أولادهم إلى الكنيسة، فكان يقول: «لو عاش المسيح في كتبكم المقدسة فقط، لا في قلوبكم، لفشلت كل جهودكم الرامية إلى تقديمه لأولادكم»
يمكن حلّ الكثي من النزاعات في البيوت لو تمكن الآباء من تحرير أولادهم من قبضتهم الحديدية وتركهم بسلام وأيضا عدم القلق الزائد عليهم، وعدم تسليط ضغوط عليهم من خلال رسم خطط لمستقبلهم. وكانت والدتي التي كانت تعمل كمعلمة، معتادة على أن تقول لأولياء الأمور، «إن أسوأ ما تقترفونه بحق أولادكم هو أن تكبّلوهم بكم. فاتركوهم في حال سبيلهم»
أن مثل هذه النصيحة يصعب العمل بها عندما يسيء أولادنا التصرف – وعندما يتمردون ويُديرون ظهورهم لكل ما علمناهم إياه، لكننا عند هذه الحالة بالذات يجب علينا أن نصلي بدلا من أن نتكلم، ويجب علينا تسليم نفوسهم إلى رعاية الله. ويجب أن نحرص كأهالي على أن لا نضع أكداسا من اللوم على أنفسنا، أو أن نصبح مستائين أو مكتئبين ويائسين. فعوضا عن ذلك، يجب أن نؤمن بالله. فقد عاش القديس أوغسطينوس حياة الخطيئة عندما كان شابا، لكن لم تكف أمه مونيكا عن الصلاة من أجله حتى اِنهار أخيا وتاب. وصار لاحقا من أحد ركائز الكنيسة، وقد ألهم عدد لا يحصى من الناس في بحثهم عن الله على مدى قرون طويلة.
أما الذين يميلون إلى رفض جيل كامل على اعتباره جيلا فاسقا أو منحرفا ويغسلون أيديهم منه فينبغي عليهم أن يتوقفوا عن فعل ذلك وينظروا إلى أنفسهم: لأن الذي نكره الإقرار به هو أن أولادنا يعكسون تصرفاتنا دائما مثل المرآة. فنرى الآباء في هذه الأيام يتحسرون ويتأسفون ويقلّبون أكُفّهم على الرسائل الإلكترونية النصية التي يرسلها أولادهم وكذلك على الرسائل الإلكترونية الجنسية، لكننا نرى أن الآباء أنفسهم يصرفون ساعات في استعمال الهواتف الذكية وتراهم يصابون بالذعر من جراء شتى أنواع المطبوعات الجنسية الصرفة التي يتفرج عليها أبناءهم وبناتهم في حين نرى من ناحية أخرى أن الآباء أنفسهم يتركون المجلات الإباحية مبعثرة في أرجاء المنزل فياها جميع الأولاد فلا يوجد أدنى شك في أنه من حقنا كآباء – بل من الواجب علينا – أن نضع قواعدا لكل هذه الأمور، لكن في الوقت نفسه، يجب أن نكون خير قدوة لهم أيضا.
أن من دواعي الشرف والامتياز توجيه الشباب إلى يسوع المسيح وأن نب ّين لهم مدى روعة عالم الله بالرغم من الفحشاء والفساد والظلام الذي يملأ عصرنا. وكلام القديس يعقوب الرسول يعزينا ويشجعنا في حياتنا، إذ يقول: فليعلم أن من رد خاطئا عن ضلال طريقه، يخلص نفسا من الموت، ويستر كثرة من الخطايا. يعقوب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الخبز يعيد بارقة الأمل الى سكان غزة | الأخبار


.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يضع دول المنطقة أمام تحديات سياس




.. العاهل الأردني: الأردن لن يكون ساحة معركة لأي جهة وأمنه فوق


.. هل على الدول الخليجية الانحياز في المواجهة بين إيران وإسرائي




.. شهداء وجرحى جراء قصف قوات الاحتلال سوق مخيم المغازي وسط قطاع