الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انسان مع وقف التنفيذ ..رواية -2-

خالد الصلعي

2019 / 10 / 1
الادب والفن



متلازمة توريت حسب ما يثبته العلم ، هو مرض وراثي ، يرثه الانسان عن أبويه أو احد أجداده . لكن هنا في بني مكادة يكتسبونه مع توالد الأيام . ينمو يتطور ، ثم يصبح حالة ملازمة للشخص . الشخص نفسه لا ينتبه الى نفسه ، واذا ما حاول احد من أفراد عائلته أن يسعفه أو يساعده ، فانه يطوف به المشعوذين . اما الأطباء في مثل هذه الأمراض فهم مجرد بالوعة مالية مهمتها كتابة روشيتة بأدوية لا علاقة لها بالمرض .
حين كنا صغارا وتلاميذا ، وطلبة ، كنا ندرس التاريخ لنستفيد منه ، وندرس الأدب لنتعلم منه ، وندرس الدين ليزداد ايماننا ، وندرس العلوم الانسانية لتتفتح مداركنا . كل هذه الأشياء أصبحت مجرد هراء وزبد . لم نتعلم شيئا ، ولم نستفد شيئا ، لم نتطور الا نحو الانحدار ، تقهقرنا ، تراجعنا ، ازددنا تخلفا وجهلا .
نحن المتعلمون صرنا أكثر جهلا ممن لم يجلسوا يوما على كرسي الدراسة .
خرج بطلنا ليلا بعد ان أحس بضيق شديد وقلق كبير وهو يبحث عن فيلم يثير رغبته في تتبعه ، لكن القنوات العالمية جميعها تتفق فيما بينها أحيانا لبث افلام هزيلة وهشة وضعيفة . ربما لارغام المشاهد على التكيف مع التفاهة رغما عنه ، وهذا أمر طبيعي جدا . والا كيف نفسر تفاهة العالم كله اليوم ؟.
لتتحكم في الأشياء عليك ان تكتسب عقل شيطان . تزين للناس شخصك وعروضك وكلامك ، ثم تجتذبهم نحوك بحسن مظهرك وجمال سلوكك ، وبعد ذلك تأسرهم في شباكك ، ثم تصنع فيهم ما شئت .
واذا كنت ذكيا ، فانك تقودهم نحو جرف هار او حافة عميقة ، وتدفعهم بكل لطف نحو حتفهم الأكيد . يسقطون الواحد تلو الآخر دون أن يصدروا صرخة واحدة .
خرج بطلنا ليلا ، لينفس عن نفسه فالفضاءات المفتوحة تساعد خلايا الدماغ على الاستراحة قليلا ، وتنقل توتراته الداخلية الى الفضاء الخارجي ، ترميها كما يرمي احد منا نفاياته في صندوق القمامة .
لكنهم هنا تعلموا أن يرموا أزبالهم عند الباب ، ومنهم من يضعها أمام باب من أبواب الجيران ، ومنهم من ينثرها في الشارع كيفما اتفق .
جلس عند زاوية القيسارية التي برمجت في تصميم التهيئة قبل ثلاثين سنة لتكون مسجدا . لكن خدام الدولة احتالوا عليها وحولوها الى قيسارية واقتسموا عوائدها المالية بينهم . معظمهم رحل عن هذه الدنيا . ولم يأخذ معه غير الخزي والعار ، ولم يخلف غير ذرية شبيهة بالسرطان .
هو الآن ، بطلنا يجلس في الزاوية المقابلة لقيسارية الأزهر ، التي تم الاستيلاء عليها هي أيضا وتحويلها من منطقة خضراء الى دينصور اسمنتي ، بيع باكثر من ست مليارات لأحد المتاجرين في الحشيش . والفضيحة انه اشتراها وهو قابع بالسجن يقضي مدة سجنه .
الساعة الآن تشير الى الثانية صباحا. الشارع فارغ . على جدار قيسارية الأزهر ، يفترش مستعملو المخدرات الصلبة الأرض . الآن هم في حل من استعمال تلك الازارات والقماشات الطويلة حجبا لمنظرهم وهم يتناولون موادهم السامة جماعة ، وكأنهم في حفلة جماعية قذرة .
هم الآن يغلون مادتهم على رقعة صغيرة من الألمنيوم بكل حرية . شاب لا يتجاوز عمره العشرين قادم من الطريق المتفرعة عن شارع مولاي سليمان من الناحية الشمالية ، يحمل على كتفه قندورة متسخة ، ينتعل في رجله اليسرى بلغة ، والرجل اليمنى حافية ، يدندن لحنه المفضل ، أو نغمة استهوتها نفسه ،وهو يتقدم نحوهم ، أطل عليهم وضحك ، ثم انتقل الى صاحب الكشك المثبت عند ظهر قيسارية الأزهر ، يقتني رقعة ألمنيوم ، وسيجارتين رخيصتين . وينحسب نحو وجهته وهو يتابع دندنته .
في هذه اللحظات ظهر عبد العزيز . زفر بطلنا زفرة متحسرة . قال للبطريق ، شاب تم طرده قبل ثلاث سنوات من اسبانيا بعد تورطه في تجارة الممنوعات : " يبدو أن عبد العزيز قد عاودته النوبة . مسكين درس معي في السنة الرابعة ثانوي ".
عبد العزيز قادم وهو يلعن ويسب ويشتم ، يلوح بيديه يمينا ويسارا ، يتوعد اللاشيئ ، أو شيئا متوغلا في لاوعيه ، ثم يبصق بقوة في الهواء .
مر على مجموعة متعاطي المخدرات الصلبة الراقدون على حافة جدار قيسارية الأزهر ، وهتف فيهم :
" شموا ، شموا جيدا ، استنشقوا بكل قوتكم . يضحك ضحكته العالية ويواصل هتافه ، لا تتوقفوا ، الخير متوفر ، المال موجود ، وأرض الله واسعة ، شموا " .
يتوجه نحو بطلنا :
"أهلا ، أهلا ، ههههههههههههههههههه "ضحكة لا يفارقها عبد العزيز .
" هل تتذكر أيام الدراسة ، ههههههه . كان الأستاذ يطلب مني دجاجة دون مقابل ، كل يوم ، مثله مثل ذلك الضابط الذي جاء عندي ذات يوم وطلب مني عشرين دجاجة لمناسبة ستقيمها أخته " ، فلطمته في وجهه . ثم جاء بخمسة عشر رجل شرطة للقبض علي . لكن أبي منح رئيسهم ألف درهم وعادوا كالجرذان الى عملهم دون ان تمس مني شعرة .
ثم يضحك بصوت عال ، يعب في جوفه نصف سيجارة تقريبا بطريقة مشبعة بالعنف ، وكأنه يعب تلوث العالم الذي يحيط بنا .
حتى العقب المصنوع من الغاز ، يدخنه . شفتاه غصن متغضن يابس .
ينهض وهو يضحك ، الآن سأذهب الى " حي النصارى " . النصارى واليهود هم أصدقائي ، أما أنتم أيها المسلمون فلا رحمة ولا شفقة فيكم ، كلكم مشعوذون . ثم يسأل أين سيارتي ؟ أين أموالي ؟ أين دكاكين أبي ؟؟ .
يضحك ويتوجه نحو حي النصرى الذي لم يبق منه الا اسمه بعد أن هدمته السلطات سنة 1998 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع