الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة فاتَ أوانها !

يحيى علوان

2019 / 10 / 1
الادب والفن


بهجةُ أبيها ، وبهجتنا مَضَت في " درب الصد ما رَدّْ " !
دخَلَتْ نفَقَ الغيابِ ، مُثقَلَة بغصّة .. لم تَرَ بِكرَها الطاعِن في "العقوق " منذ أربعينَ حولاً ..
....................
سيحمل هو الآخرَ جُرح غَصّة ، حتى يلحَقَ بها .. كونه لم يَرَها ، يقبّلُ جبينها ويديها ،
يسألها المغفرَةَ لطول الغياب ..
فالمكتب(1) لا يعرف الحنين ،
ولا يصرفُ بطاقةً لإطفاءِ حُرقةَ الحنين ..!
* * *
حاولَ ترتيب فوضى طاولته الغارقة بالورقيات ،
عثَرَ على رسالةٍ كانَ كَتَبها لأمه ولم يرسلها ،
راح يقرأها متهدجاً ، بشفتين مُرتجفتين :

يُمَّه (2) تعبتُ من الغربة والترحال ،
تَعِبتُ من صَدَأ الزمان ،
تَعبتُ من نشَرات الأخبار وتوقعاتِ الطقس المُتقلِّب ،
تَعبتُ من المجاملات ، وإحتساب مصروف البيت لما بعد منتصف الشهر ،
تَعبتُ من النقّ والتقريع لشِحَّةِ ذات اليد ..!
تَعبتُ من التفكيرِ بما بعدَ السطرِ ، الذي أُنهيه ،
تَعِبتُ ، تعبتُ .. من التعبِ نفسه !!
* * *
حكيتُ لك عن نفسي ، جاء الآنَ دوركِ ...
يُمّه إحكِ لي عن عمركِ قبل ولادتي ،
هل كنتِ تُحبينني آنذاك ، كما أحببتني العمرَ كلّه ؟
وهل ما زِلتِ تُحبينني حيث أنت هناك في " وادي السلام "(3)؟!
إحكِ لي ، هل كانَ والدي يحبني ؟!
ولماذا كان غليظاً .. عادلاً في غِلظته مع الجميع !
حتى معك .. ؟!
أم تراه كان يعتبر الودَّ واللطافةَ ما يُضعفُ هيبة الأب؟!
بالله عليكِ ، إحكِ لي عن شقاوات الطفولة ، وكيدِ الجيران ،
شظايا بسمات صفراءَ ، مُشفَّرّة ..
يُمَّه إحكِ لي عن شقاواتي ، يوم نَهَرتني وصَفعتِني لأنني كنتُ أتلصَّصُ
على سطحِ بيت أم شاكر، مُلّه سليمة، تُحمِّمُ بناتها بطستٍ تحت شمسٍ مأسورة بفنتتهنَّ ..
وإحكِ لي عن أيّامِ العيد ، يوم كنا نلبسُ ثياباً لم تكنْ قد تعرّفَتْ على أجسادنا بعد !
كنّا نخرج مع الناس فيما يُشبه التظاهرةَ ، نحو البساتين ، نقضي النهارَ ونعود عند الغروب ،
تعبانين ، كأن أرواحنا إغتسلَت من صدأِ الأيام ..
.........................
أتدرينَ ، يا جُمّار مُهجتي ، حين تقومين فجراً للصلاة والدعاء ،
يَنهضُ بِكرُكِ ، يتسلَّقُ هودجَ الحرفِ ليلحقَ بقافلة المستور من المعاني ،
يلحسُ أثَرَ كل نسمةٍ ، بحثاً عنْ سُمّارِ هواءٍ نَديٍّ .. حينَ يَبردُ الجمرُ،
وتقشَعرُّ الأبدانُ .. حتى يتَفَتَّت السكونُ ، تصحو الشوارعُ وتتسارعُ الخطى ..
تُعلنُ ولادةَ صبحٍ جديد ، تنزعُ فيه الناسُ الوقتَ المشنوقَ ، مُتمرجحاً بعقاربِ الساعات !

إلزمي الدار ولا تخرجي ، فقد تكون في إنتظارك مُفخّخةٌ ، في أي منعطفٍ أو شارعٍ ..
أريدكِ أنْ تظلّي على قيد الحياة فلديَّ الكثير مما لم أقله لك ...
دمت بخير وسلام
إبنك


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مكتب الشؤون الإجتماعية المختص بشؤون العوائل وإعانتها ، دفعاً ومنعا لتدحرجها إلى هاوية الفقر المُحدّد قانونياً !
(2) يُمّه بضم الياء كما في الدارجة العراقية ، أو بفتحها( يَمَّه) كما في فلسطين والأردن وبلاد الشام ، هو تصحيف لـ( يا أمّاه).
(3) أكبر مقبرة في العراق ، تقع في النجف وتمتد في الصحراء ، جهة السعودية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/