الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
إشكالية تعريف الفلسفة
احمد زكرد
2019 / 10 / 5الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هناك بعض الأسئلة لكل منها إجابات كثيرة، و في الفلسفة توجد سلسلة من الإجابات المختلفة عن سؤال ما الفلسفة؟ وباختيارنا للإجابة صحيحة فإن حل مشكل تعريف الفلسفة يكون قد حل باختيار للإجابة الصحيحة ، فكيف يعرف الإنسان أنه كان قد اختار اختيارا صحيحا ؟
لكن في الفلسفة لا يمكن و صف هذه الإجابة بأنها صحيحة و لا بأنها خاطئة، و المسألة أن كل إجابة عن سؤال معين هي فوق كل شيء إعادة صياغة سؤال جديد، أو بلغة كارل ياسبيرز :" إن الأسئلة في الفلسفة أهم من الأجوبة ، و كل جواب يتحول بدوره إلى سؤال." ؛ بهذا المعنى فسيرورة الإجابة عن ما الفلسفة ؟ لا تنتهي، فمثلا ارسطو عندما عرف الفلسفة فهو بالأحرى أعطى تعريف لفلسفته هو. من هنا قد نفهم تعريف جيل دولوز و صديقه جاتاري للفلسفة بقولهما : "أن الفلسفة اختراع ، صنع ، إبداع للمفاهيم ( التصورات) "؛ بمعنى أن الفلسفة هي دائما في لحظة انفلات دائم ما نفتأ نعطيها تعريف حتى نجدها في مكان آخر تحتاج لتعريف آخر ... او قد نحتاج لسرير بروكست .
هذا ما يجعل أمر تعريف الفلسفة تعريفا جامعا مانعا مشكلة، وليس أمرا متيّسرا. بقول مارتن هايدجر :" أن هناك معانٍ للفلسفة بعدد الرؤوس التي تتفلسف ."
هل الفلسفة موضوع للتعريف أم حقل للممارسة؟
نعرف ونعترف أن كل تعريف للفلسفة مشروط بفلسفة صاحبه، فإذا كان لكل فيلسوف رؤيته الخاصة حول "مفاهيم" ،فإن ذلك حتما سيؤثر على تصوره الفلسفي. وعندما قلنا كل تعريف مشروط بفلسفة صاحبه فإننا نقصد بذلك ما ذهب إليه الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر بقوله :" عندما نسأل ما الفلسفة؟ فالهدف هو أن ندخل في الفلسفة وأن نقيم فيها أي أن نتفلسف."
بمعنى أن التساؤل عن الفلسفة يتضمن بالضرورة نشاطا فلسفيا تأمليا لا يحوم حول الفلسفة قصد تحديدها بل يقحم الفكر في خضم الممارسة التأملية ؛ ومن تم فكل تعريف للفلسفة هو بمثابة المرآة التي تعكس فلسفة صاحبه ، فكل فيلسوف مهموم بإشكالات حاضره بهذا المعنى تكون الفلسفة "بنت بيئتها" تترجم عصها بظروفه وشروطه ومعطياته ، بتعبير كارل ماركس :" ان كل فلسفة هي الخلاصة الروحية لعصرها " لذا وإذا أردنا أن نعطي تعريف للفلسفة و لو جزافا فعلينا أن نتقصى مفهوم الفلسفة عبر التاريخ ، " فالفلسفة ما هي إلا تاريخ الفلسفة " بتعبير هيجل .
في عملية التقصي هاته نجد أنفسنا أمام لحظة البداية مع الفيلسوف الإغريقي فيتاغورس حيث يعتبر أول فيلسوف أعطى تعريف لفلسفته حين قال: " الفلسفة هي محبة الحكمة لذاتها:" وهذا التعبير كان لحظة حاسمة في تاريخ الفلسفة، حيث سيعتبر فيتاغورس نفسه "محبا للحكمة" وذلك تواضعا أمام عظمة الألهة يقول: " من الغرور أن يدعي الإنسان لنفسه الحكمة، واسم الحكيم لا يليق بإنسان قط بل يليق بالآلهة وكفى الإنسان شرفا أن يكون محبا للحكمة وساعيا وراءها"
ومن هذا الأمر اشتق اسم فلسفة أو philosophia التي تتكون من قسمين. فيلوس Philos وتعني المحبة ،وصوفيا Sophia وتعني الحكمة ، أي محبة الحكمة ، ويكون الفيلسوف Philosophos هو محب الحكمة.
بعد هذا سأعطي لمحة بانوراميه حول بعض التعاريف لفلسفة بعض الفلاسفة، فقد حصر سقراط الفلسفة في دراسة الحكمة و ذهب الى أن الحياة التي لا يتم فحصها غير جديرة بأن يحياها الإنسان . لكن سيتسع معنى الفلسفة مع افلاطون وارسطو بحيث أصبحت الفلسفة دراسة للكون و كل مناحي الحياة الإنسانية. يري أفلاطون أن الفلسفة عنده هي علم الحقائق المطلقة الكامنة وراء ظواهر الأشياء، ذلك لأن حقيقة العالم عنده ليس كما نعتقد، فما نراه بأعيننا حسب هذا الفيلسوف لا يمثل الحقيقة، وإنما هو مجرد ظلال وصورة مشوهة عن عالم حقيقي مثالي يمكن إدراكه بالعقل وليس بالحواس مثل ذلك في اسطورة الكهف ليوضح هذا التباين بين العالم المحسوسات وهو عالم زائف وعالم المعقولات (المثل) وهو عالم حقيقي. في حين يرى تلميذه أرسطو أن الفلسفة عنده هي علم المبادئ والعلل الأولى للوجود، أوهي علم الوجود بما هو موجود. ذلك لأنه كان يفكر في الأسباب التي تقف وراء الظواهر، وتبين له أن هذه العلل تنقسم إلى أربعة أسباب وهي العلة المادية والعلة الصورية والعلة الفاعلة والعلة الغائية.
أما في العصر الحديث وكنتيجة للانقلاب على تراث القرون الوسطى، الذي بدأ في عصر النهضة وتوسع أكثر في عصر الحداثة ، فإن الفلسفة عادت لما كانت عليه من قبل، وأصبح التفكير العقلي هو الدعامة التي تستند عليها المعرفة البشرية، إذ ان ديكارت يشبه الفلسفة بشجرة جذورها الميتافيزيقا وجذعها علم الطبيعة وأغصانها الكبرى المتفرعة من هذا العلم هي: الطب والميكانيك والأخلاق. فعلاقة الفلسفة بالعلم إذن علاقة جدلية إذ أن تطور أحدهما يؤدي بالضرورة إلى تطور الآخر والعكس بالعكس. وفي هذا السياق يقول هيجل: " إن الفلسفة تظهر في مساء اليوم الذي تظهر في فجره العلوم." لكن لا يمكن ان نعرف الفلسفة من خلال العلم ، بقول برتراند راسل : "العلم هو ما نعرف و الفلسفة هي ما لا نعرف."
وكرد فعل على الغلو في الأخذ بالعقل والاعتماد عليه بشكل مطلق في العصر الحديث، ظهرت اتجاهات كثيرة في الفلسفة المعاصرة تنادي بضرورة الحد من الثقة المفرطة في العقل، بعد أن تأكد لهم أن العقل معرض للخطأ وأنه يتأثر بالعواطف والعقائد، بل ظهرت أراء سلبته كل قدرة على قيادة البشر ، وأصبح بدوره مُسير من طرف قوى اخرى مثلا البراجماتية التي يرى أحد أعلامها وليام جيمس : أن هدف الفلسفة هو تحقيق منفعة عملية ؛ أي أنها ليست بحثا في مشكلات نظرية و قضايا تأملية ، بل هي تفكير على نحو يحقق للإنسان النجاح في حياته العملية . و كذلك ذهب كارل ماركس إلى القول بأن الفلاسفة قد دأبوا على تفسير العالم بطرق شتى و لكن مهمة الفيلسوف في اعتقاده هي العمل علي تغير العالم وتعديل النظم القائمة و تخليص الإنسان من الظلم و طغيان الخرافة . يقول : "لم يعمل الفلاسفة حتى الآن سوى على تفسير العالم بطرق مختلفة. لكن الهدف هو تغييره".
كما ظهرت إلى جانب الفلسفة البراجماتية و الماركسية مذاهب أخرى كالتحليلية و الوضعية المنطقية و الوجودية ... و كانت جميعها تسعى إلى تعريف الفلسفة تعريفا خاصا ، فكانت الفلسفة الوجودية مثلا تستهدف انقاذ الفرد من براثين الجماعة وسيطرة التاريخ ...
أمام هذا التميز و التمايز في تعاريف الفلسفة، يقودنا الى استنتاج أن مسألة تعريف الفلسفة تبقى موضع النقاش بين الفلاسفة ، أو بمعنى آخر فتعريف الفلسفة يفترض إقامة فلسفة .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. لماذا لا تريد روسيا تصديق أن تنظيم داعش يقف وراء هجوم موسكو؟
.. هيئة البث الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي سيدخل لبنان بعد الان
.. المسؤولة الأممية فرانشيسكا ألبانيزي ترد على تشكيك صحفي في تق
.. الإعلام الحكومي بغزة: الاحتلال اعتقل جميع الأطباء والممرضين
.. متظاهرون يتجمعون خارج حفل لجميع التبرعات لحملة بايدن للمطالب