الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاحتجاجات ضد الفساد والبطالة في العراق كاستفتاء

فالح الحمراني

2019 / 10 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


الاحتجاجات ضد الفساد والبطالة في العراق كاستفتاء
لقد تغير الاصطفاف الاجتماعي والسياسي، وعليه ينبغي وضع أسس جديدة للعملية السياسية

الشعوب تستفتي على مؤسستها الحاكمة وللتعبير عن رَأْيَهُا وتطلعاتهاِ بطرق متعددة، بما في ذلك عن طريق الاحتجاج والمظاهرات، واجرى الشعب العراقي في مطلع تشرين الأول استفتاءً جديدا على المؤسسة الحاكمة منذ 2003في العراق بكل فروعها، وقال كلمة حسم فيها: لا لمؤسسات الحكم القائمة، وجسدها بالاحتجاجات التي اندلعت مؤخرا في بغداد وفي العديد من المدن الشيعية! واكتسبت زخما فاجئ السلطات والأحزاب السياسية، وغدت من دون جدل برهانا ساطعا، على ان الشعب العراقي بكل شرائحه ومكوناته، صوَتَ ضد طبيعة العملية السياسية القائمة التي باتت تصب باتجاه غير وطني، وقال ضد تقسيم المجتمع الى طوائف وعشائر وبطانات، ضد المحاصصة في توزيع النفوذ والمناصب، وخيرات البلد، وحصرها بيد فئة محددة، صوت ضد المحسوبية والمنسوبية المقيتة، ضد تهميش الجماهير وهضم حقوقها، واقر فشل المؤسسة الحاكمة في أداء مهامها. ضد استشراء الفساد الحكومي والتباطؤ في محاربته، فالجميع متورطين.
ان هذا الاستفتاء الواسع، كفيل في الدول الديمقراطية حقا، ان يؤدي الى إقالة المؤسسة الحاكمة ومن يقف وراء تشكيلها، وإعادة النظر في طبيعة العملية السياسية، كي تأخذ بنظر الاعتبار التحولات والتغيرات التي شهدتها البلاد منذ 2003، ان الوعي الاجتماعي تغير جوهريا تقدم على المؤسسة الحاكمة، بفعل الواقع السياسي والاقتصادي الجديد، ولم يعد يقبل بالنتائج الأولية التي افرزها الاحتلال الأمريكي، وما ترتب عليها من نظام سياسي برهن في الممارسة على انه لم يعد مناسبا للعراق، فقد نهضت أهداف وتطلعات جديدة أمام البلاد، ينبغي ان لا تستمر العملية السياسية بعد الآن بمثابة ردة فعل على ممارسات النظام الديكتاتوري المقبور، ولا استخدام أساليبه في القمع والتهميش والاستئثار بخيرات البلد، ينبغي تجاوزه والانتقال الى بناء دولة عصرية بحق. دولة العدالة والديمقراطية، دولة المواطنة التي تقوم على القانون.
ان أي تغيير إيجابي في العراق غير ممكن من دون إجراء تعديلات هيكلية في الأسس القائمة للعملية السياسية، التي تشكلت لوضع سياسي آخر، وضع مرحلي وانتقالي، تحت ظل الاحتلال، وتشكلت باندفاع، وعلى عجلة، تحت ضغط الظروف، وبمشاركة أجنبية واسعة. لقد تغير الاصطفاف الاجتماعي والسياسي، وعليه ينبغي وضع أسس جديدة للعملية السياسية، تأخذ بالاعتبار تلك المتغيرات.
و لا يجب ان تخلد مؤسسات الحكم الى الراحة بعد تهدئة الأوضاع، مادام إنها لم تجد الحلول الناجعة والصحيحة، ولم تسمع بانتباه واهتمام الى صوت الناخب الذي انتخبها، فهو ما زال يمتلك الحق بسحب الثقة عنها، وهو عمليا سحبها عنها. لكنها وظفت قوى الأمن لحمايتها من الغضب، وورطت الجندي العراقي بقتل أخيه العراقي الأعزل، الشهداء لم يذهبوا هذه المرة على يد مسلحي داعش!.
لنتذكر، ان الشعوب لن تصمت على انتهاك حقوقها، في العيش بأمان وبكرامة في بلدها. وينبغي ان لا تتناسى المؤسسة الحاكمة ان اعتمادها أساليب الأنظمة السابقة بالقمع ونشر الرعب والتخويف لن يطيل من عمرها، وما زالت في ذاكرة الشعب العراقي مذابح جسر الشهداء، وسحق الانتفاضة الشعبانية المجيدة، بالدبات والطائرات وتدمير مدن، وكوارث النجف وحلبجة، وان تلك المذابح لم تضمن البقاء الأبدي للأنظمة التي مارستها.
ومن دون شك ان التجاء المؤسسة الحاكمة للقوة المفرطة في مواجهة احتجاجات سلمية وتوجيه البنادق لصدور شباب عزل، مسلحون فقط بحناجرهم التي طالبت بحقوقهم المشروعة، يوشي بخوفها من تحولها الى ثورات شعبية عارمة ذات زخم واسع، كما حدث مؤخرا في الجزائر والسودان، وما ترتب عليها من إحداث تغيرات هيكلية في الأنظمة الحاكمة. فالمؤسسة الحاكمة في العراق تدرك ان الآلاف التي شاركت في الاحتجاجات، هي الشريحة النشطة اجتماعيا التي تمثل مختلف الطبقات، وان هناك الملايين التي تدعمها وتشاطرها الموقف، وقد تنضم لها في أي مرحلة، لذلك راحت الأصوات الرسمية، بعد إراقة الدماء، تتحدث بلغة لينة، مثل ان أصواتكم مسموعة ومطالبكم حقة. وطرحت مشاريع تجميلية ومؤقتة لا غير.
ان الوضع المترتب بحاجة لحلول جذرية. فوفقًا للبنك الدولي ، تتمتع البلاد بمستوى عالٍ من بطالة الشباب: تبلغ حوالي 25٪. كما يحتل العراق المرتبة 12 بين أكثر الدول فسادًا في العالم ، وفقًا لمنظمة الشفافية الدولية. اعتبارًا من تشرين الأول 2017 ، يعيش 35٪ من السكان العراقيين تحت خط الفقر ، وهذا في الواقع أمر متناقض مع قدرات العراق: فمن حيث احتياطيات النفط، يحتل العراق المرتبة الثالثة! في العالم بعد المملكة العربية السعودية وإيران: ويمثل العراق أقل قليلاً من 10 ٪ من جميع احتياطيات النفط المؤكدة في العالم.
وفي موسكو غطت العديد من وسائل الإعلام سير الاحتجاجات، كما تناولتها المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في إحاطتها الأسبوعية بالتعليق، نوهت فيها الى أنه "تم تسجيل هجمات على منشآت حكومية، الأمر الذي أثار اشتباكات بين المتظاهرين، ورجال حفظ النظام"، ورصدا للأحداث عرض تقرير لمعهد الشرق الاوسط في موسكو، رسم فيها للقارئ الروسي صورة للتطورات الاحتجاجات ورصد خلفياتها، معيدا فيها الأذهان الى ان الاحتجاجات المناهضة للحكومة اندلعت في آن واحد في عدة محافظات في العراق احتجاجًا على سوء الأحوال المعيشية والبطالة والفساد. ومبرزا مطالب المتظاهرين في بغداد وكربلاء والبصرة والديوانية والناصرية، باستقالة الحكومة. وفي إشارته الى استخدام المفرطة قال : تصاعدت المظاهرات السلمية في وقت لاحق إلى اشتباكات مع ضباط الشرطة الذين استخدموا خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين. حتى حاول المتظاهرون الدخول إلى "المنطقة الخضراء" للعاصمة العراقية ، حيث توجد السفارات الأجنبية والهيئات الحكومية. وأضاف "عندما خرج الوضع عن السيطرة، بدأت قوات الأمن في استخدام الأسلحة النارية. وأفيد أن ثلاثة أشخاص قد قتلوا وجرح 200 نتيجة مواجهة الاحتجاجات السلمية بالقوة المفرطة". وفي ليلة 1 إلى 2 تشرين الأول ، نشرت السلطات وحدات الجيش في شوارع مدينة الناصرية، وتم إرسال تعزيزات الشرطة والمركبات المدرعة إلى وسط بغداد. وفقًا للمعلومات الواردة ، يواصل المحتجون البقاء عند الاقتراب من ميدان التحرير في وسط بغداد أثناء الليل ، والذين يحاولون الوصول إلى ساحة التحرير ، لكنهم يواجهون مقاومة شرسة من قبل الشرطة ، الذين أخذوها إلى حلقة محكمة من العربات المدرعة ووضعوا قوات أمن إضافية هناك. كما يتم إغلاق العديد من الشوارع المركزية في المدينة.
وخرج المتظاهرون ، وكثير منهم من طلاب الجامعات، إلى الشوارع احتجاجا على ما أسموه "فسادًا صارخًا للحكومة وعجزها عن توفير ظروف معيشية لائقة وخلق فرص عمل للعراقيين". وقال أحد المحتجين لرويترز "ما لدينا ليس هو الحكومة، إنها مجرد مجموعة من الأحزاب والجماعات المتمردة التي دمرت العراق".
وذكر أن الاحتجاجات المماثلة وقعت في العام الماضي في العراق، ولكن بعد ذلك بدأت في الجنوب (حيث يعيش عدد كبير من الشيعة) ، والسبب هو سوء الأحوال المعيشية، وانقطاع التيار الكهربائي المستمر ونقص المياه النظيفة. كما جرت مظاهرات ضد الفساد والرشوة والبطالة في منتصف تموز الماضي، ومع ذلك، كلهم كانوا أقل طموحًا مما يحدث الآن، وأشار مراقبون سياسيون إلى أن الشعب سئم من عجز الحكومة عن تلبية مطالبهم. علاوة على ذلك ، كما قالت ، "هذه المرة لا يتعلق الأمر بالكهرباء فقط ؛ جذور المشكلة أعمق بكثير. وخلص تقرير معهد الشرق بالإشارة الى أن الوضع الوقت الحالي، ما زال متوتراً، "لأن بغداد الرسمية تخاف من الإحتجاجات الجديدة للمتظاهرين".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا