الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنكار الحقائق والقفز عليها

ياسين المصري

2019 / 10 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من الأمور التي شغلت ذهني كثيرًا، ظاهرة إنكار العربان والمتأسلمين للحقائق الثابتة علميًّا، خاصة تلك التي تتعارض مع ما يعتقدون أنه ثوابت من الدين بالضرورة!، فيعمدون دائمًا إمَّا إلى لوي أعناق الحقائق كي تتفق مع الأوهام الراسخة في أذهانهم وتقليل التنافر والتضارب بينهما، أو يقفزون عليها في اتجاهات عديدة وبأساليب متعددة، وفي كلا الحالتين يُجهِدون عقولهم ويرهقون أنفسهم في محاولات مستميتة أو مميتة، لتبرير ما لا يمكن تبريره، ممَّا يمكن تسميته ”متلازمة الإنكار Denial syndrome“ الوبائية والتي تبدو وكأنها مستعصية على العلاج!.
إنهم يتجاهلون واقع الحقيقة، وهو أنها لا تحتاج إلى تبرير لأنها هي طبيعة الأشياء. فلكل شيء طبيعته التي تبين حقيقته، الشيء الغير طبيعي لا يمكن أنْ يكون حقيقيًّا، وهم لذلك يتمتعون بعقلية بهلوانية، يحسدون عليها، إذ تمكنِّهم من إنكار الحقائق، ومحاولة تبرير عكسها بقناعة دينية خرافية منقطعة النظير. ولم يتوقفوا عند هذا الحد، بل جعلوا من هذا الإنكار مذهبًا عقائديًّا يصرون عليه ويعملون على ترسيخه.
يقول عالم الاجتماع «كيث كان هاريس» في مقال مطول بصحيفة The Guardian البريطانية بعنوان ”الإنكار: ما يدفع الناس إلى رفض الحقيقة“:
https://www.theguardian.com/news/2018/aug/03/denialism-what-drives-people-to-reject-the-truth
« نحن جميعًا نعيش حالة من الإنكار حتى للأمور التي أثبت العلم أنها بديهية، لبعض الوقت على الأقل، خاصة عندما تتصادم مع ما نعتقد أنه ثوابت.
فجزءٌ من طبيعتنا البشرية، ومن طبيعة العيش في مجتمع مع بشر آخرين، هو إيجاد طرق ذكية للتعبير عن مشاعرنا، ولإخفائها أيضاً، ولكن هناك من جعلوا من إنكار الحقائق العلمية مذهباً يروّجون له دون أن يأبهوا للإيذاء الذين يسببونه للآخرين؛ بل للبشر أجمعين».
ويقول: « في العالم الحديث، فإن الغزو والقتل والسلب والنهب والسبي والاغتصاب لم يعد من الممكن إكسابها شرعية على الملأ. ومع ذلك، لا يزال هناك بشر كثر يرغبون في القيام بنفس الأشياء التي اعتاد البعض مِن قَبلِهم فعلَها، فنحن في جوهرنا لا نزال كائنات لديها رغبات. نريد أن نقتل وأن ندمر وأن ننتزع أشياء الغير وأن نسرق أو نسلب وننهب ونسبي النساء بهدف اغتصابهن. نحن نريد ما يحفظ علينا جهلنا وإيماننا الذي لم يتطرق إليه الشك».
ومع أن هيمنة إنكار الحقائق المتأصلة في الثقافة الإسلاموية قد بدأت تتآكل أمام الحقائق العلمية الحديثة، إلَّا أنَّ المنكرين مازالوا يتخذون خطوات يائسة في محاولة القفز عليها، وتبرير إنكارها، بنفس الأساليب الخرافية الساذجة، مادام هناك من يصدقهم ويقتنع بأقوالهم. نفترض لو أن شخص ما أنكر حقيقة دامغة مثل شروق الشمس من الشرق وغروبها في الغرب، وملأ الدنيا بالصراخ، وبطون الكتب بتبريرات لا منطقية لإثبات غير هذا، المشكلة لن تكون في دوافعه أو مدى تبريراته، وما إذا كان مصابًا بمرض من نوع ما أم لا، ولكنها تكمن في أولئك الذين يصدقونه ويقتنعون بما يقوله، الأمر الذي يجعله يتمادى في هرائه وهذيانه وهلوساته ويتفنن في ابتكارها ويتقن أساليبها، ومن ثم يكون ذلك مدعاة للأخرين أن يحذوا حذوه، ويصبح الهراء والهذيان والهلوسة علمًا مرتبطًا بأكل العيش دون عناء، ليتباري في مضماره كل من يعلم أو لايعلم. ويصبح تبرير ما لا يمكن تبريره نمطًا حياتيًا ومنظومة كاملة تعمل على تحويل الديانة إلى ”لا - علم جماهيري“ يشكِّل التراث الشعبي الاستهلاكي القائم على ادعاءات وتكوينات لغوية ممتعة وسهلة التحصيل يُعتَقَد أن الله ورسوله أعلم بها.
إنها طريقة مملَّة اعتدنا عليها، فأصبحت ثقافة متوارثة، كاستجابة طبيعية لتحدي صعوبة العيش في مجتمعات يتفشَّى فيها الكذب وارتكاب الأخطاء والجرائم ووجود رغبات كامنة وسلوكيات دفينة، تأسِّيًا بالنبي الكريم، وعندما يفصح المرء بها علانية، تخلق مناخاً من الكراهية والشك والعداء. على سبيل المثال، نجد أن أبسط صور معاملة النساء، كالزواج من القاصرات أو هجر الزوجات في المضاجع أو ضربهن بالمسواك أو فرشة الأسنان بحسب شيخ الأزهر … إلخ، تؤدِّي إلى حالات من التوتر الغير منضبط بين الجنسين، كما أن الإصرار على أنَّ مدة الحمل قد تستمر لسنتين أو أربع سنوات فأكثر لأن نبيهم الكريم ظل في رحم أمه أربع سنوات، تحمل على السخرية والشك في الدين بكامله، أمَّا صور إنكار الديانات الأخرى، خاصة اليهودية والمسيحية، فهي ليست مجرد تعدي على مشيئة الله ومحاولة الإطاحة بحقائق تاريخية راسخة فحسب، وإنما هي أيضاً هجومٌ على من يعتنقون تلك الديانات. هذه الصور وغيرها الكثير تساعد في خلق بيئة من التفكك الاجتماعي، وتعمل على انهيار أية محاولة للاتِّساق يقوم بها العلماء والساسة مع الواقع المضطرب، وحماية الأقليات في المجتمع، لصالح شيوع التشكك والفُرقة وتصديق أن الأشياء بما لا يجب أن تكون عليه.
ولأن العربان والمتأسلمين مصابون بداء إنكار الحقائق والقفز عليها، عندما تأتي لهم بحقيقة مخزية من تاريخهم المجيد، وعن حياة نبيهم الكريم وخلفائه الراشدين، لا يجدون ردًّا مقنعًا عليها، وتعوذهم الحجة والمنطق العقلاني في تفنيدها، ويذكرون لك عددا من المخازي لأنبياء آخرين في ديانات أخرى! وعندما تقول لهم أنكم تقاتلون وتقتلون بعضكم بعضًا في بلادكم، وتفعلون نفس الشيء مع من آواكم وحماكم من الفقر والقهر في البلاد التي تلوذون إليها بالفرار، يقولون لك أن الأوروبيين قام بنفس الشيء في وقت ما، ودائمًا ما نجد على ألسنتهم أنَّ الأمريكان أبادوا سكان أمريكا الأصليين من الهنود الحمر… إلخ.
هذا الأمر يذكرني بالطالب البليد في دراسته، وعندما سأله والده عن سبب بلادته في الصف وعدم استذكار لدروسه، رد عليه بأن زملاءه في الصف بلداء أيضًا ولا يستذكرون دروسهم!
وفي حالات الهلع والفزع والهوس والانحطاط لا يتوقف المتأسلم على كافة المستويات عند هذا الحد، بل يتهمك بالكفر أو الإلحاد والعمالة … ويوجه لك كمًّا من الشتائم والسباب ويحرض على قتلك، إن لم يستطع قتلك بنفسه، لأن له في ذلك أيضًا أسوة حسنة في نبيه الكريم، وصحابته الأبرار.
إنَّ تاريخ العربان تمت فبركته على أساس إيجاد وترسيخ ثقافة لإنكار الحقائق المخزية في التاريخ الإسلاموي والسيرة النبوية والقفز عليها، ومن ثم ينخرط المؤرخون والفقهاء ورجال الدين والهواة بحماس شديد في محاولات عبثية لطمسها أو تبريرها من خلال منظومة مكثفة من الهراء والهذيان والهلوسات.
تبدأ هذه المنظومة عادة بعد موت الشخص، وانطلاق الشكوك فيما تركه من أثر. ولأن هذه الشكوك تكبر وتتكاثف من جيل إلى جيل مع زيادة الانحطاط والفساد والعجز المادي والمعنوي، فإن الماضي البعيد والقريب يبدو للشخص العادي وكأنه كان أفضل بكثير من الحاضر، أو أن الحاضر أفضل بكثير من حاضر الآخرين، وأن الانحدار المستمر الذي يعاني منه في ماضيه وحاضره ما هو إلَّا بسبب النوايا الخبيثة والمؤامرات الدنيئة التي تحاك ضده من قبل الكارهين له والحاقدين عليه. إنه إذن الهروب من الواقع والقفز على الحقائق بوعي أو بدون وعي، لأن إنكار الحقيقة أو القفز عليها هو إنكار للواقع المعيَاشَر، والانتقال إلى عالم خرافي متخيَّل، يريح النفس مؤقتًا!
يزعم المتأسلمون بأن ديانتهم جاءت لهدف أصلاح المُجتمع ونشر الخير فيه .. ولكن من المتبع في إصلاح المجتمعات ونشر الخير فيها، أنه عندما يتضح خطأ فرضية ما في العلم الحقيقي، يقبل بها الجميع، ويتم استبعادها، بينما عندما يظهر خطأ فرضية في (علوم) الدين، يلجأ رجال الدين والفقهاء والهواة إلى الترقيعات ولعبة المجازات والبهلوانيات اللفظية. وعندما تقدم لهم حقائق تخالف المعتقدات المتراكمة في أذهانهم، يصرون على عدم تغيير آرائهم وربما يتضاعف تمسُّكهم بها، رغم مخالفتها للحقيقة!، وذلك لأن التعنُّت في الرأي يحملهم على الميل إلى البحث عن تبريرات وتفسيرات تتطابق مع المُسلمات التي يؤمنون بها، وهنا تلعب العواطف دورًا أقوى من المنطق العقلاني.
إن إصلاح أي مجتمع ونشر الخير فيه لا يحدث مع الإصرار الوبائي على تشكيل ثقافة إنكار الحقائق والقفز عليها من أجل لقمة سائغة من العيش الهنيء لفئة المتدينين على حساب الفئات الأخرى في المجتمع، فهذا المرض العضال أدَّى برجال الدين والفقهاء إلى ابتداع ما يُسَمَّى (علوم القرآن والأحاديث) المنسوبة إلى النبي الكريم، وهي في الحقيقة قضايا خلافية بينهم، لم ولن يتمكنوا من حسمها، حتى وإنْ توفرت لديهم النية الحقيقية في حسمها. ولذلك أصبح المتأسلم نفسه يغمض عينيه عن الحقيقة، ويغلق عقله دونها، ويقفز عليها بنفسه. فلا يرى إلَّا ما يراه منهم، ولا يسمع إلَّا ما يقولونه له، ولا يفهم إلَّا ما يروق لفهمه من كلامهم، ويتفق مع هواه من آرائهم!
العلوم المزعومة تتناول القرآن من حيث نزوله وأسبابه وترتيبه، وجمعه وكتابته، وقراءاته وتجويده، وتفسيره، ومعرفة المحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، وإعجازه، وإعرابه ورسمه، والغريب فيه، ولا ندري ما إذا كانت علوم أخرى ستأتي ضمن تلك المحاولات العبثية لطمس أو تبرير حقيقة ما فيه من اضطراب وتناقض وأخطاء لغوية وتاريخية … وغير ذلك!
أمَّا علوم الحديث وهي أحد العلوم التي تفرَّدت بها الأمة المتأسلمة من دون الأمم الأخرى، فتشمل أنواعا متعددة مثل: علوم مصطلح الحديث ويسمى علم أصول الحديث ويدرس موضوع إسناد الحديث وروايته، ومتن الأحاديث، والآثار المروية، وأحكام الحديث الفقهية، وشرح الحديث، وفهم مدارك السنة النبوية، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وكل منها يشمل أفرع علمية متعددة، فعلم مصطلح الحديث وحده يبحث الأصول والقواعد التي يُعرف بها أحوال السند والمتن من حيث القبول والرد ، ومعرفة المرفوع ، والموقوف ، والمقطوع والصحيح ، والضعيف ، والشاذ ، والمنكر ، والموضوع ، والمسند ، والمتصل ، والمعلق ، والمتفق ، والمفترق ، والمؤتلف ، والمختلف ، والمتشابه ، والمهمل ، والمبهم ، والوفيات ، وعلم الجرح ، والتعديل ، والعلل ، وغير ذلك!
ومع عدم استفادة المتأسلمين العاديين بهذه العلوم جميعها، وليس لديهم أدنى اهتمام بها إطلاقًا، فقد خلقت لديهم ”بلبلة“ ذهنية واضطرابات فكرية، مما جعلهم يعاودون السؤال فيها وفي غيرها مرارًا وتكرارًا، ولا يجدون إجابة شافية عنها. فهي لم تكن موجودة في أيام النبي وخلفائه (الراشدين)، وبدأ الفقهاء ورجال الدين في اختلاقها مع بداية الانتقادات وكشف الحقائق المخزية للديانة الإسلاموية في وقت مبكر واعتبارها ”هرطقة مسيحية“ من قِبَل المسيحيين بحسب القديس يوحنا الدمشقي (676 - 749) المولود في دمشق وعاصر البدايات الأولى للإسلاموية خلال حكم الدولة الأموية. فقد تكلم في الفصل 101 من كتاب ”الهراطقة“ عن ”هرطقة الإسماعيليين“ ويقصد بهم المتأسلمين، حيث لم يكن إسم ”الإسلام“ قد أطلق على الديانة آنذاك، وذكر بأن الراهب النسطوري بحيرى قام بمساعدة محمد في كتابة القرآن، واتهمه أيضا باقتباس بعضٍ من كتابات ورقة بن نوفل الذي كان قساً نسطورياً، يترجم بعض الأناجيل المحرَّفة إلى لغة العربان.
سبق ذلك نصوص بيزنطية في عصر محمد (632م) تصفية بالنبي الكذاب وتستنكر عليه أنْ يأتي كنبي مدجج بالسيف، ويريق الدماء.
وفي أثناء فترة النفوذ الإسلاموي في إسبانيا ظهرت كتابات كنسية تصوِّر نبي الإسلاموية محمد بأنه مسكون بالشيطان، وأنه ضد المسيح، بل أن الراهب الألماني وأستاذ اللاهوت، ومُطلق عصر الإصلاح في أوروبا مارتن لوثر (1483-1564) قال نصّا ”إن محمد هو الشيطان وهو أول أبناء إبليس“، وذكر ما جاء في كُتِب السيرة من إنه كان مصابا بمرض الصرع وكانت الأصوات التي يسمعها كأنها وحي جزءا من مرضه. ورأى أن الأتراك المتأسلمين (العثمانيين) الذين كانوا يهددون فيينا في ذلك الوقت، بأنهم آفة أرسلت لمعاقبة المسيحيين من قبل الله، وأنهم إحدى الويلات التي تحدث عنها سفر الرؤيا، ومع ذلك، لم يدعُ إلى قتالهم، فكتب يقول: « دعوا الترك، يؤمنون ويعيشون كما يشاؤون » المرجع:
https://web.archive.org/web/20160304203800/http://www.ccel.org/ccel/schaff/hcc4.i.iii.x.html
وبناء عليه تم استحداث علوم الدين هذه وفبركتها تباعًا في الجامعات والمعاهد الإسلاموية كرد فعل لما ينشره الباحثون والمؤرخون الجادون من حقائق مخزية عن الديانة وتاريخا، فأصبحت المهمة الأساسية لرجال الدين والفقهاء والهواة الإسلامويين هي المنافسة في ساحة ”درء الشبهات“ بهدف الإمساك بأعناق المؤمنين بهم حتى لا يتسرب الشك إلى نفوسهم، لأنه إذا تسرب الشك إلى النفوس المؤمنة تبور تجارتهم وتكسد بضاعتهم، ويقل ثراءهم.
في العصر الحديث أصبحت الانتقادات وكشف تلك الحقائق يأتي من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك البلدان الإسلاموية نفسها، وشملت أشكالًا من النقد الأخلاقي للدين ومصداقية القرآن والأحاديث النبوية، إلى جانب سلوكيات محمد وأصحابه، كما ركزت على أثر الشريعة الإسلاموية كدافع للإجرام وانتهاك حقوق الإنسان وسوء معاملة النساء والأقليات الدينية والعرقية وغيرها في البلاد المتأسلمة.
وفي خضم تبريرات رجال الدين المحترفين والهواة لما لا يمكن تبريره، أحدثوا ”لعبكة“ فكرية مدعومة بباب الفتاوى والأحاديث الشاذة الممهورة بخاتم النبوة، والمفتوح على مصرعيه لكل من يعرف كيف يلج إليها في غفلة العقول وانهيار النفوس.
رجال السياسة والحكام من ناحيتهم يدركون جيِّدًا أهمية هذه ”اللعبكة“ الفكرية التي يتبناها رجال الدين، وجدواها في إحداث البلبلة المطلوبة لدي شعوبهم وتخدير عقولهم واضطراب أفكارهم، وجعلهم يقفزون بدورهم على الحقائق السياسية والتاريخية كما يقفزون بالمثل على الحقائق الدينية، إنها عملية ممنهجة لترسيخ الأوهام والخرافات في أذهان المواطنين، وإلهائهم عن التصدي للقضايا الجوهرية في حياتهم، مادام تاريخهم السياسي والديني كله بطولات وانتصارات وأبطالًا وزعماء خالدين وأمراء مؤمنين وائمة أفاضل وعلماء أجلاء معصومين.
قد تبدو هذه أمورًا طبيعية، فكل تاجر لابد وان يمارس تجارته، ويحاول تجميل بضاعته وإخفاء ما فيها من عيوب، ولكن لماذا يقفز المتأسلم العادي فوق الحقائق، إمَّا بالنكران أو بالتبريرات اللامنطقية؟ إنه يفعل ذلك لأن عينيه مغلقتان بغبار الخيبة والإحباط وفقدان الرجاء إلى حدّ يمنعه من رؤية الحقيقة.
عزيزي القارئ، خذ مقالًا في هذا الحوار المتمدن أو في موقع آخر من المقالات التي تتعامل مع الشأن الديني وأثره على المجتمعات المتأسلمة، وتحاول معالجة ما به من تخلف وانحطاط يشهده العالم أجمع، واقرأ تعليقات المتأسلمين عليه، ماذا تجد؟
تجد القفز على الحقائق واضحًا وينحصر إمَّا في الشتائم والسباب والاتهامات كالتكفير أو العمالة، والتهديد بالقتل، أو القفز بعيدًا نحو الغرب الصليبي الكافر الذي لا عمل له في الحياة سوى السعي الحثيث إلى تدمير ديانتنا السمحاء وتدميرنا معها!
ومن الأمور الشاذة أن المتأسلمين يطالبون الناس بالتوقف عن نقد دينهم وعدم نقد الحقائق المخزية في كتبهم! ويتجاهلون أن قرآنهم ينتقد ويذم الاديان الاخرى، وان نبيهم فعل ذلك ايضاً وبدأ بنقد دين وآلهة قريش، ويزعم أنْ دينه هو الدين الحق وما عداه هي أديان الباطل، وقام بملاحقة أتباع الديانات الأخرى وقطع دابرهم من شبه جزيرة العربان!
لا أحد يدري لماذا حلالٌ عليهم ما هو حرامٌ على غيرهم..!
أليس من السخافة أن ينتقد نبي الأسلمة وأتباعه المتأسلمون الأديان الأخرى، ويستنكرون على الآخرين نقد دينهم ونقد ما هو موجود في كتب تراثهم من أفعال مخزية وأعمال إجرامية وأفكار دينية مدمِّرة؟؟
قرآنهم لا ينتقد الديانات الأخرى فحسب، بل ويسيء إليها أيضًا، ويحث أتباعه على مهاجمة من يعتنقونها وقتلهم وسلب ونهب ممتلكاتهم وسبي نسائهم واغتصابهن، وشتان مابين النقد والإساءة. الناقد الصادق يتجه نقده إلى صاحب العمل كي يطوره ويرقى به دون أن يدمره، فلا يكون هدفه إسقاط العمل أو تدمير الآخرين أو إبراز ذاته من خلال نقده. فكيف يكون هناك شيء مهم مثل الدين يؤثر فينا ويهدد حياتنا بكل هذه الأخطار ولا ننتقده. بالعكس يجب أن يتعرض الدين وبالذات الإسلاموي لكل أنواع الأنتقادات والتمحيص وكشف الغريب فيه أكثر من أي شيء أخر.
إنَّ سلطة الدين على عقول المتأسلمين لا يمكن إنكارها، وإنَّه في بعض جوانبه يدعوهم لعمل الخير، ولكنه بالمثل يْحفزهم في الكثير من جوانبه لإرتكاب الشرور العظيمه والجرائم الكبرى.
عـلى العربان والمتأسلمين إدراك أنَّ ديانتهم لم تصل بعد الى تطوير منظومتها الأخلاقيه بما يتناسب مع تطور الثقافة البشرية، فهي اليوم تجبر العالم كله على الدخول في حرب معها لأنها تعادي كل الناس وكل الأشياء، ولا ترحم الصغير ولا الكبير ولا المرأه ولا حتى المسلم من شرورها.
من العبث الشديد بكرامة الإنسان وتحقير ذاته والاستهانة بقدراته العقلية أنْ نجعله يعيش بعِلْمَيْن متناقضين، أحدهما حقيقي والآخر خرافي. فإن أردنا تحسين مجتمعاتنا وتطويرها للإفضل علينا أن نتوقف أولًا عن إنكار الحقائق العلمية الثابتة أو محاولة القفز عليها ونتخلص من السلبيات ونشجع على الإيجابيات الموجودة في حياتنا، إذ لا مفر من إنتقاد مصدر السلوكيات الخاطئة حتى وإن كان الإيمان الديني نفسه، فكل ما نؤمن به مهم جداً لغيرنا لأنه يؤثر عليهم، إذ لا يستطيع إنسان عاقل أن يقف مكتوف اليدين ويقول إنَّنا أحرار بما نؤمن، ذلك صحيح لو كان الآخرون سيسلمون هم وأولادهم ومجتمعاتهم من التأثر بما نفعله في المجتمعات التي يشاركوننا أو نشاركهم فيها.
إن اعتراف المتأسلمين بالحقائق يسمحُ لهم بالتحرّر من ذاتيّتِهم المزيفة، ومن قوالب التفكير المتكلسة التي تقوم على أمثلة الماضي، التي ينسحبُون إليها كملجأ عندما يعجَزُون عن وضع علاقة سوية بينهم وبين تصوّراتهم للعالم من حولهم. وأذكر في هذا السياق قول أبو يوسف الكندي منذ القرن التاسع (873 - 805) بأن علينا أن لا نشعر بالخجل من الاعتراف بالحق وتبنيه، بغض النظر عن أصله، حتى لو وصلَنا من أجناس وشعوب بعيدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بوصة و نصف
هانى شاكر ( 2019 / 10 / 9 - 18:55 )

بوصة و نصف
______

ورد فى المقال : (( يلجأ رجال الدين والفقهاء والهواة إلى الترقيعات ولعبة المجازات والبهلوانيات اللفظية ))

ولا تحتاج استاذنا الى الذهاب بعيدا لكى تجد دَشْ ملك من ملوك التبرير ...

بوصة و نصف فقط هى الفاصل بين مقالك و مقال الدكتور أحمد صبحى منصور ....

دى مصيبة سودة يا جدعان

....

اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah