الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمعات استهلاكية و العيب فيكم

هاله ابوليل

2019 / 10 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لماذا علي أن أجيب على هذا السؤال ؟

ناقش أسباب عزوف الشباب في المجتمعات العربية عن الالتحاق بالمهن ذات الطابع العملي والتطبيقي ونظرتهم الدونية نحوها (ثقافة العيب) واقترح بعض الحلول التي يمكن من خلالها التغلب على هذه المشكلة؟
الإجابة :
ان التنشئة الأسرية وانتشار مظاهر البذخ وتقليد المسلسلات التركية وغير التركية ,أوجد فجوة بين ما نعيشه واقعيا وبين ما نبتغيه أن يكون .
الكل ,للأسف , ومن اجل المباهاة والإستعراض بات يستقرض من اجل شراء جهاز هاتف آيفون ,وكأن هذا الجهاز الجامد سيجعله يكبر في عيون الناس وكان وجود الناس ,هو سبب وجوده في الحياة , وربما هذا الجهاز سيجعله يحصل على لقب متحضر مع أنه قد يكون فاشل دراسيا و لم يكمل تعليمه
بل والسيدة التي تجلس بالبيت , صارت تستعرض وجود الجلاية امام ضيوفها من اجل المباهاة رغم انها لا تستخدمها إلآ في العزائم في رمضان من أجل اشعار الآخرين أنها سيدة مرفهة , رغم أن قلبها يتوقف في كل مرة ترتفع فيها فاتورة الكهرباء وهذا الإستعراض فقط من اجل أن تكبر في عين جارتها أو سلفتها(زوجة أخ الزوج بالذات ).
وبات الجميع يفاخر بما يملك ولم يقف الحد عند ذلك بل صار مقرونا بالحسد والعين الشريرة التي خربت الجلاية بعد ان طرقتها عين الجارة
,وبتنا ندور بالدوائر المتخلفة الشبيه بهذه القصص , وما اكثرها
وبدلا من أن نتفاخر بعدد الصفحات التي طويناها كل مساء من كتاب الشهر
صرنا نتفاخر بالصور التي نضعها في مواقع التواصل الاجتماعي لتظهر اين شربنا قهوتنا واين امضينا امسيتنا.
بل صرنا نتقمص ادوار التفاخر والتعالي , ونحن لا نملك شيء.
فقط من اجل أن نعوض مشاعر النقص التي نشعر بها داخليا وتفضحنا تصرفاتنا التي نقوم بها بلا قصد لتفضح مركبات النقص التي نعاني منها
فسيدة لا عمل لها ولا مهنة لها سوى انها ربة بيت تمضي فيه جل وقتها ( 24 ساعة في بيتها ) ولا تعاني من اوجاع الكتف أو اليد أو الوقوف
ما حاجتها لجلاية ! سوى إنها مريضة بالنقص و التقليد الأعمى وتنتابها مشاعر الغيرة من الآخرين - الذين يشاطرونها نفس مركبات النقص ونفس الأعراض الاجتماعية المريضة .
واشياء كثيرة يمكن سردها تشير بأصابع الإتهام الى ارواحنا المريضة - التي صارت تبحث عن شفاءها بعيدا عن ذاتها
غابت مظاهر الزهد والتقشف في حياتنا حيث صرنا نركض وراء الماركات و الأسماء اللامعة لعلها تجعلنا نمتلىء بعيون ذواتنا من كل مشاعر النقص التي تعترينا
وكأننا بإمتلاك الأجهزة سنشفى وترتاح ارواحنا المتعبة
حتى بعد أن تحصلنا عليها , هل اكتملت سعادتنا
هل رتقت ارواحنا المشوهة ,هل بتنا اكثر كمالا واكثرانسجاما !
ولكن قبل الخوض بما في الذات من امراض دعونا نجيب عن السؤال السابق المطروح ممزوجا بتداعيات حياتنا ما بين ماضينا السابق والحاضر اللاحق
لعلنا نلتقط خيط الوصول لما وصلنا له
أولا : لنتفق انها ليست ثقافة ,فمن المعيب ان يكون هناك ثقافة تسمى بثقافة العيب.
ربما لو كانت تسمى ظاهرة العيب لكان اقل وقعا على الأذن ولا يمكن بحال تسميتها ثقافة لأنها ليست من اساسيات وشروط الثقافة المجتمعية التي من شروطها انها انتاج وتشاركية وخدمات تبادلية فهي نتاج تنظيم روح ومشاركة وتفاعل بجو صحي
كما عرفها " جيمس سبرادلي" ضمن هذا التعريف "أنّ ثقافة المجتمع تتألف من كلّ ما يجب على الإنسان أن يعتقده أو يعرفه، بحيث يكون بطريقة يتقبلها أعضاء المجتمع"،

بمعنى انها ليست مادية وليست سلوكيات , بل عملية تنظيم لكل الأشياء المادية.

وما دمنا في هذه الظاهرة نسلك طريقه مختلفة من المعتقدات التي لا يتقبلها اعضاء المجتمع ,
اذن انتفت عنها صفة الثقافة وصارت ظاهرة طارئة امتدت لتصبح واقعا حياتيا ..

لقد جاءت ظاهرة العيب من فقدان تراثنا ومكتسباتنا وعاداتنا وتقاليدنا مما يسمى بالإنتاجية التي باتت تشير الى الفقر وضيق اليد أكثر منها الى سلوك بشري عادي, فامتلاك المال ليس مدعاة للتفاخر,
فالوزراء في اوروبا يستقلون المترو والمواصلات العادية بدون سيارات دفع رباعي ورئيس هولندا يذهب لوزارته راكبا البسكليت (العجلة الهوائية) وزعيمة المانيا ميركل تعيش في شقتها المتواضعة ولم تبنى قصورا مثل قصور الحكام العرب مثل السيسي الذي بنى 11 قصرا بعد ست سنوات من الحكم ,بل و يصرح , انه سيبني المزيد .
فأمراض العظمة والزهو تجتاح حكامنا عندما يجلسون على كرسي العرش .
فهل هؤلاء -الرؤساء الأجانب مثل ينقصهم المال !
اما عربيا وتحديدا في الماضي , كانت السيدة – ربة البيت تجهز العجين المخمر قبل النوم لتستيقظ صباحا لخبزه ,
فتنتشر رائحته الخرافية على مسيرة بيوت ساخنا ومنفوخا وطريا وشهيا ( اشتقتوله , اليس كذلك)
ولكن بعد ان ظهرت الافران في الأسواق , دب الكسل في نساء الحارات ولم يعدن يخمرن العجين ولا يصنعن الخبز .

فصار الكسل ,سمة شعوبنا و مع استيراد الأفران الكهربائية الجاهزة والكثير من الاجهزة التي سهلت الحياة ولكنها لم توفر السعادة المبتغاة
فالنساء مازلن يشكين ويبكين ويلطمن في كل مناسبة عن زيادة اعباء العمل الذي لا ينتهي.

فما الذي حدث ؟

تاريخيا ,يمكن القول أن المجتمعات تغيرت ادوارها نتيجة ظهور الثورة الصناعية في اوروبا واكتشاف القطارات مع ظهور آبار النفط - التي ابتلينا فيها كعرب حيث اصبحنا مسيرين اكثر مما كنا فيه واصبحنا أكثر تبعية واكثر هوانا واكثر دونية.
حيث جاء المستعمر لسرقة النفط وسرقة حضارتنا التي نامت على آخر بطولات لها رصدتها الكتب التاريخية ورضيت بالمقسوم.

كان ينبغي لظهور النفط ان يجعلنا اكثر استقلالية واكثر حضورا في المشهد العالمي ولكننا للأسف سقطنا في وحل الكسل والتبعية , وبتنا نستورد لا نصدر,
واسترخينا فيما شركات استخراج النفط تسرقه بأبخس الأثمان وتصدره لنا بأعلى الاسعار , ونحن نشتري وننام ,وننعم بالراحة والدلال , حتى تغيرت كثير من سلوكياتنا المنتجة وصرنا نعتقد ان ذلك هو التطور والتحضر والتمدن.
وصار فعليا ينطبق علينا قول نزار" لقد لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية ".
فعلى مستوى ثوب الزفاف وتكلفته الباهظة في دول الخليج ,تقول عارضة ازياء اجنبية :" إننا نقيم عروضنا لبيع منتجاتنا لدول الخليج , نحن لا نقدمه لنساءنا , فالنساء هنا عمليات , ليس لديهم اهتمام كبير لتلك المظاهر ولا تروق لهن كثيرا هذه الأمور التافهة ,يذهبن للزواج للكنيسة في بنطلون الجينز
ولكن هناك ( وتقصد دول الخليج ) نساء يعانين من مركبات نقص ,تجعلهن يدفعن الالاف من اجل قماشة وترتر وشيفون.
هناك المال والغباء المجنون !
وهو فعلا غباء مجنون ,اليس كذلك !
فبعد ظهور البترول "الذهب الأسود " الذي جعل حياة بعض رعاة الأبل والمواشي وزواريب الهوش تتقزم وتختفي ويعلو بدلا منها ابراج زجاجية باتت تتطاول في البنيان , فصارت بلاد الرعي والفلاحة تستهلك اكثر مما تنتج وصارت تستورد ولا تورد الا التمر وبول البعير حاشاكم .وهذا هو حال الأمة في هذا الزمان
وفي الحقيقة كما قال علي الوردي ليس بالإمكان ابدع مما كان.

فثقافة العيب ارتبطت بتغيرات المجتمع الاستهلاكية ومحاولة الغرب جعل بلادنا العربية بلادا استهلاكية لترويج منتجاتها وتصدير كل ما يعزز حياة الترف والترفيه والمباهاة بدلا من جعلها شعوب منتجة
وذلك عن طريق ما تعرضه الأفلام من بذخ وثراء في القصور وحياة الملوك.
وبات الجميع يحلم بتلك الحياة المرفهة حتى لو استقرض من البنوك - التي باتت تقنع الناس انها اسلامية عن طريق الالتفاف والتحايل ,وهي بنوك اكثر من ربوية من البنوك الاخرى التي لا تدعي انها اسلامية .

ولكن من يهتم !

وهكذا وقع الناس في شرك الاقتراض وفي اقفاص الربا من اجل الحصول على المكانة التي يعتقد انه يحصلها من عيون الناس المعجبة بما وصل اليه.

اختلفت الصنائع وتبدلت المهن وتغيّرت مسمياتها , فصار محل الخياطة , دار ازياء وصار الطوبرجي متعهد بناء والزبال عامل وطن , وكل ذلك من اجل تحلية اسماء المهن الدونية وجعلها مقبولة في المجتمعات ولكن على مين !

فمجتمعاتنا تلاحق من اخطأ – مرة واحدة في حياته " ليموت بها الآلآف المرات في حياته ويتم اهانته وشتمه وملاحقته بها حتى يموت ما دام فقيرا وان كان غنيا فينسى ولا احد يتذكر اخطاءه فعندما يأت خاطب لإبنتك ويقول انه عامل وطن
ستقول له حتما :لن ازوج ابنتي لزبال اليس كذلك !
إلا من رحم ربي

,صحيح ان بعض الدول بدأت ترفع من رواتب بعض المهن المتدنية مثل اليابان التي جعلت وظيفة الزبال تكاد تساوي راتب الوزير وصحيح انه تم رفع رواتب الممرضات في الاردن لتساوي راتب الدكتور وكل ذلك من اجل رفع نسبة الالتحاق بتلك المهن ولكن ليس من اجل تغيير الدور المنوط بها كخدمة اجتماعية سامية ونبيلة (فسامية ونبيلة للأسف ,هذول بنات اختك كما يتمسخر العامة عليهم على الأغلب . فنحن في مجتمعات تطبل وتغني للغني , الكل يرقص له ويغني لصلعته في حين الفقراء لا يدخلون الجنة ابدا وخطأ الغني مغفور ,وخطا الفقير يحمله فوق ظهره حتى يموت.
فالزبال بنادى بالزبال , حتى لو عمل بهذه المهنة لمدة شهر واحد , فسيظل يحمل لقبه هذا حتى الممات .

يقول الشاعر الأرجنتيني الزاهد نوعا ما " خورخي بورخيس "عن صحفي مغمور جاءه لبيته المتواضع وعمل معه مقابلة اسمه " ماريو فارغاس اوسا " والذي لم يخفي تعجبه من بساطة بيت الشاعر الأعمى -الذي عمت اخباره العالم كله

فسأله "لما لايزال يعيش في هذا البيت !
ولماذا لا ينتقل لبيت اجمل

فرد بورخيس عليه قائلا فيما بعد في معرض تهكمه عن هذا الصحفي المغمور

:" لقد علمت الآن من يكون

انه احمق البيرو

وفعلا هي حماقة كبرى , حيث ان الاحمق حصل على جائزة نوبل للأدب وكان يحتفل(بالمليون دولار) بتجهيز مكتب ملوكي له

فيما كان ذلك الشاعر الأعمى ما زال في بيته المتواضع

تعكس مراياه ظل زوجته وذكراها
في الحقيقة , نجدنا وفي ظل كل تلك الممارسات علينا أن نعترف
إننا العيب نفسه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله ينفذ هجوما جويا -بمسيّرات انقضاضية- على شمال إسرائي


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يغلقون جسرا في سان فرانسيسكو




.. الرئيس الانتقالي في تشاد محمد إدريس ديبي: -لن أتولى أكثر من


.. رصدته كاميرا بث مباشر.. مراهق يهاجم أسقفًا وكاهنًا ويطعنهما




.. ارتفاع ضحايا السيول في سلطنة عمان إلى 18 شخصا