الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخت روحي- .. قصص تراوح بين واقع بائس وخيال

طارق سعيد أحمد

2019 / 10 / 14
الادب والفن


رغم توالي إنتاجه الروائي في السنوات الأخيرة إلا أن الكاتب المصري عمار علي حسن لم ينس فن القصة القصيرة، الذي به استهل بدايته الأدبية حين أصدر مجموعته القصصية الأولى "عرب العطيات" قبل واحد وعشرين عاما. فمؤخرا صدرت مجموعته السابعة "أخت روحي" عن "الدار المصرية اللبنانية"، والتي تفاوت حظها بين قراء استقبلوها بصدر منشرح، ووسط ثقافي يضيق على الكاتب لمواقفه السياسية، حتى أن ندوات عن المجموعة تعذر تنظيمها لضغوط تعرضت لها الجهات التي رغبت في هذا التنظيم.
وقد يعتقد من يعرف هذا أن القصص ذات طابع سياسي، ولذا فهناك من يخشى مناقشتها، لكن مطالعة القصص الأربعة عشر التي تتكون منها المجموعة تؤكد أنها ليست كذلك أبدا، وأن تعذر تنظيم الندوات ربما يعود إلى المواقف السياسية للكاتب نفسه بعيدا عن نصوصه الأدبية تلك التي تنزع إلى رومانسية ظاهرة.
فتلك النزعة تسيطر على كل القصص وهي تفتش في ركام واقع بائس، وفي نفوس أشخاص مقهورين، جعلتهم قسوة الحياة أكثر هشاشة، لكنها لم تأت على كثير من المشاعر الإنسانية التي تسري في نفوسهم وقلوبهم، وكذلك في صور وخيالات تأخذ بعض القصص إلى عوالم "الواقعية السحرية" الرحيبة.
وربما تدلنا عناوين القصص على هذا الاتجاه، حيث جاءت على النحو التالي: "الجميزة" و"أخت روحي" و"مواء البنات" و"صورتها في الماء" و"إشارات النهاية" و"مقهى علاء الدين" و"سباق خاسر" و"مكان آخر" و"جمرة تخرج من الماء" و"ليل وجوع" و"ضحكنا في جنازته" و"شيء في البحر" و"موظف عام" و"الممنوع".
وعبر أكثر من مائة وخمسين صفحة من القطع المتوسط، تطرج هذه المجموعة لنا قصصا تدور أحداثها في مكانين مختلفين هما: الريف والمدينة، واللذين طالما دارت فيهما قصص وروايات الكاتب السابقة، وإن كان أبطال القصص ينتمون عموما إلى صنف واحد من البشر، بغض النظر عن اختلاف البيئة الاجتماعية، وهم أولئك الذين يحفرون تحت جدار سميك كي يحسنوا شروط حياة قاسية متداعية.
فالكاتب يصف حياة الريف فى ومضات ومواقف يمكن أن نطالعها على سبيل المثال فى قصتى "الجميزة"، وفى قصة «ضحكنا فى جنازته". ففي القصتين تطالعنا ملامح الريف المصرى عبر الليالى المقمرة وشاطئ النهر والماء الجارى وتحت شجر الكافور والأرض المحصودة والطرف الآخر من الجسر، وهى الملامح التى أبدع المؤلف فى وصفها بقوة بلاغية وبسلالة السرد، كما تطالعنا الوجود الصفراء الذابلة للفقراء والمحتاجين الذي أضنتهم حياة قاسية، لاسيما بطلتا قصة "الممنوع" وهما البنتان الريفيتان اللتان حبسهما أبوهما الغاشم في البيت سنوات، كأنهما محظيتان، حتى لا يراهما أحد من شباب القرية.
في هذه المساحة المكانية تمزج المجموعة بين الواقع البائس والخيال الجامح، لتصنع عالما يتحرك فيه مقهورون وخائفون، وأيضا حالمون ومغامرون، لتعزز بهذا المسار الذي مضت فيه روايات وقصص الكاتب في السنوات الأخيرة وهو "الواقعية السحرية" أو "الواقعية الروحانية" كما يطلق عليها البعض، أو حتى "الواقعية الفجة" التي تجسدت بشكل أكثر في مجموعته الأولى "عرب العطيات" وكذلك روايته "باب رزق" التي تدور أحداثها في حي عشوائي بالقاهرة.
واللافت للانتباه أن قصص المجموعة تتفاوت بين تلك المكثفة، التي تتهادى في مشهد أو موقف أو حالة أو لحظة أو لقطة أو دفقة واحدة، وهذه المطولة التي تضغط في سطورها ما يمكن إن طال أن يشكل رواية كاملة، لكن الكاتب ضغطها ممتثلا في الوقت نفسه لخصائص فن القصة القصيرة.
ويفتتح الكاتب قصته الرئيسية "أخت روحى"، التى تحكى عن علاقة الأخ بأخته، يفتتحها بالقول: "ماتت أختى وداد، وجدوا جثتها متعفنة فى شقتنا القديمة البسيطة، التى لا تزورها الشمس، ويلثم الهواء نوافذها الضيقة من بعيد، ثم يهرب، كما هرب الناس من حول الجثة، واضعين أكفهم على أنوفهم. أنا لم أهرب، ولم أضع يدى على أنفى، بل اقتربت منها، وملت عليها فى هدوء، وسحبت شهيقًا طويلًا، وشممت أطيب رائحة. رأيتها، وهى ساكنة فى سلام، ترفع يديها، مرفرفة كيمامة شبعى، تهدل فى فرح، محلقة بعيدًا فى جوف سماء صافية".
وتعد قصة "أخت روحي" بمثابة أيقونة العمل الجديد لتستحق أن تكون عنوان المجموعة القصصية إذ تحمل شحنة عاطفية لافتة في السرد العربي عن علاقة من هذا القبيل.
تبدأ القصة في شقة وداد التي عثر الجيران على جثتها متعفنة بعد أيام من وفاتها وحيدة، وحين يصل الأخ تتداعى الذكريات، بدءاً من أيام طفولتهما في بيت الأب ووفاة أمهما ثم قدوم زوجة الأب.
ويتذكر الأخ كل ما عانته وداد من عذاب على يد زوجة الأب والذي اكتمل بتزويج الفتاة الصغيرة من رجل أذاقها الشقاء والألم، فما كان منها إلا أن انتفضت وتمردت بعد أن نضجت بين ليلة وضحاها فحصلت على الطلاق وآثرت العيش وحيدة حتى آخر العمر.
ورغم تسليط الضوء على ما تعانيه المرأة من بؤس وقهر في المجتمع يكشف المؤلف عن جانب آخر من القهر الاجتماعي تمارسه الجماعة على الفرد، إذ يعلم الأب كل ما يجري لابنته لكنه يعجز عن التدخل أو تطليق الزوجة خوفاً من مجتمع، فلا يعرف مقياساً للرجولة.
وعلى الوتر الرومانسي نفسه المدموغ في الواقعية يمكن أن نطالع قصة "مواء البنات"، لكن العلاقة هذه المرة بين الإنسان والحيوان، هذا الأب و"القطيطات" الصغيرة، التى تركها للشارع، ولكنه عاد يعض أصابع الندم على ذلك، يصف ذلك المؤلف قائلا: "عاد ويداه فارغتان، عيناه تحت قدميه، وأسفلت الشوارع يكاد يعيده إلى الخلف. كان خزيان وحزينا كأى أب ترك بناته على قارعة الطريق، ومضى". أما عن العلاقة بين الإنسان والنبات، فيمكن أن نقرأه فى قصة "الجميزة"، حيث يتحدث راوى القصة عن شجرة الجميزة فى قريته وذكرياته معها.
وهناك قصة أخرى جديرة بالالتفات في المجموعة القصصية جاءت بعنوان "موظف عام" تتحدث عن القهر والصبر وتجسد المعنى الحرفي لمقولة "الموت كمداً"، حيث تدور القصة حول موظف شريف يحلم بواقع أفضل ويحاول التصدي للفساد والإهمال في المطحن الذي يعمل فيه لكنه لا يلقى سوى التنكيل والعقاب من مديريه، فيصاب تدريجياً بالسكري، ثم الضغط ثم الفشل الكلوي، ورغم ذلك يأبى أن يعتذر أو يتزلف لأحد من أجل أن يستعيد مكانته في العمل.

وفي لحظة يأس يعبر الموظف عما يجول بخاطره قائلاً "كنت أقاوم حيرة شديدة تضعني على حافة الخبل حين أمعن التفكير في حالي، فأنا الذي أقاوم الفساد وسوء الإدارة أعيش في كمد، وتسكن الأمراض جسدي، بينما اللصوص المتعاقبون الذين حاصروني يهزون الأرض من فرط العافية، وتجلجل ضحكاتهم في أركان المكاتب الفارهة".
لكن المؤلف ينتصر لصاحب الضمير الحي في نهاية المطاف في مواجهة أعباء الحياة الشخصية وضغوط العمل، فهو وإن لم يستطع دحر الفساد واجتثاثه قد نجح في الحفاظ على مبادئه ولم يتزحزح عنها حتى إحالته للتقاعد.
وأود أن أشير في الختام إلى إخلاص الكاتب لهذا الفن البديع، وهي مسألة يدل عليها قوله في أحد الحوارات الصحفية: "في وقت كان فيه كثيرون يتحدثون عن زمن الرواية لم أترك كتابة القصة القصيرة، بل كتبت القصة القصيرة جدا والأقصوصة، جنبا إلى جنب مع ما أصدرته من روايات، فالقصة كانت هي أول سرد أبدعته، وفيها كان التجريب والتعلم والتجويد، وجاء الانتقال الطبيعي من كتابة الشعر، مثلما كنت أفعل أيام الجامعة، إلى كتابة الراوية، ومع هذا لا تزال للقصة مكانتها عندي، كما هي حال كثيرين، وفي زمن الإيجاز السريع الذي صنعته مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، ستعود القصة للانتعاش من جديد".
وقد عرفت من الكاتب أنه بصدد إصدار كتاب صاغه بشكل قصصي عن الأشياء التي كان يستعملها الريفيون في زمن مضى واندثرت أو انقرضت أو تراجع استخدامها حاليا، كما أشرف على الانتهاء من مجموعة قصصية أخرى، سينشرها لاحقا، على التوازي مع رواية ستنشر العام المقبل، ما يدل على إصراره على أن يجعل القصص والروايات يتوازى حضورهما في مشروعه الأدبي الذي يكتمل على مهل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اللحظات الأخيرة قبل وفاة الفنان صلاح السعدني من أمام منزله..


.. وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما




.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى