الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طُلاّبُ عمل .. ولسنا مُتسوّلين

ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)

2019 / 10 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


مرحباً بالبيانين الصادرين عن المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف اللذين عرّيا كافة الستر التي تغلّف بها أعداء الشعب العراقي وشخّصا بصراحة مسؤولية الحكومة بالأحداث الدامية التي قوبلت بها تظاهرات أبناء الشعب السلمية المنادية بتأمين الحقوق المشروعة والعادلة . هذان البيانان ، على الرغم من تأخر صدورهما ، إلاّ ان الصراحة والحسم التي أتيا بها قد قطعت الطريق على جميع الجهات ، سواء الحكومية منها أو الكتل السياسية من ورائها ، من البحث عن حجج للتلكّؤ في تنفيذ واجباتها ، إذ حددت المرجعية الدينية مدة أسبوعين فقط مهلة للحكومة أن تنفّذ ما وعدت به .
بغض النظر عن وجهات النظر للدور الذي يجب أن تلعبه المرجعيات الدينية فهذان البيانان يُعتبران إنتصاراً لقوى الشعب التي خرجت في تظاهرات وقدّمت كل تلك التضحيات الغالية ، ويعززان كفة المنتفضين الداعين للتغيير .
لقد تلقّت حكومة عادل عبد المهدي البيانين وكأنهما خارطة طريق للبدء بالإصلاح الذي طال إنتظار الشعب له منذ أن قدّم برنامج عمل حكومته إلى مجلس النواب قبل ما يقارب السنة ، وخرج رئيس الوزراء معلناً أن : بناء على توجيهات المرجعية الدينية ( كذا ) وتلبية للمطالب الشعبية فإن الحكومة قد قررت إتخاذ بعض الخطوات الإصلاحية الآنية ، ووعد بإصلاحات واسعة مستقبلية .
تُرى ما هي الخطوات الآنية التي إتخذتها حكومة الإقتصادي عادل عبد المهدي الذي تصر بعض الجهات بمناداته بالدكتور وهو ليس بدكتور ، والشخص المناسب في المكان المناسب ! إتخذت الحكومة عدة قرارات أهمها : تعيين حاملي الشهادات العليا وتعيين المتعاقدين بوظائف وإعادة المنهية خدماتهم سابقاً وتوزيع قطع أراضٍ سكنية وتوزيع مبالغ نقدية سواء للحاصلين على القطع السكنية أوالعوائل الفقيرة التي لا تملك دخلاً !
لنسمح لأنفسنا ونناقش ما ورد في الخطوات " الإصلاحية " التي إتخذتها الحكومة ونتبيّن هل هي فعلاً إصلاحية أم أنها عملياً تمهيدية لتدمير العراق وتكريس وتعميق الإقتصاد الريعي الذي هو فيه إلى درجات أعمق يصعب الخروج منه ؟
1. غير خاف أن الجهاز الحكومي الحالي يحتوي على ما يقارب الستة ملايين موظفاً ولا جهة تعرف نسبة الموظفين الفضائيين من هذا العدد الهائل ، ولكن المعلوم أيضاً أن نسبة كبيرة من هؤلاء الموظفين ليس لهم أي دور إنتاجي بل أنهم يمثلون بطالة مقنّعة ، فيكفي بيان أن معلّم المدرسة الإبتدائية في بغداد له ستة حصص في الأسبوع بينما المفروض أن تكون له ثمان وعشرون إلى ثلاثين حصة في الأسبوع . فترى ما الذي يمكن إعتباره إصلاحاً في قرارات الحكومة من تعيين موظفين جدد في الجهاز الحكومي يضافون إلى جيش الموظفين الحاليين الذين ليس لهم عمل غير عدّ أيام الشهر وإستلام الراتب ؟ وزارة تعلن إعادة أكثر من أربعين ألفاً من الذين سبق وأنهيت خدماتهم ، ووزارة أخرى تفتح الأبواب على مصراعيها للجمهور لتقديم طلباتهم للتعيين ، فترى هل كانت هناك ، فعلاً شواغر في أجهزة تلك الوزارات دون أن تُملأ في سنوات سابقة وآن أوان تعيينهم بعد قيام التظاهرات وصدور بياني المرجعية الدينية ؟ من المعلوم أن جدول ملاكات الوظائف الحكومية جزء من ميزانية الدولة التي يُفترض إقرارها من مجلس النوّاب ، فكيف يا ترى تتمكن الحكومة التوسّع هكذا وبإفراط في التعيينات ، من جانب واحد ، و بدون إتخاذ السياقات الأصولية في تعديل الميزانية ؟
2. إن الوعد في التوسّع في الجهاز الحكومي وكذا المنح التي قررتها الحكومة سواء للحاصلين على قطع الأراضي السكنية أو العاطلين والعوائل الفقيرة التي لا دخل لها ، إنما يتطلّب صرف أموال نقدية إلى مستحقيها ، في الوقت الذي تعاني خزينة الدولة من عجز في صرف رواتب وأجور الموظفين الموجودين في الخدمة حالياً ، كل ذلك يدفع الحكومة بإتجاه توفير النقد اللازم للإيفاء بإلتزامها بطبع نقود من دون غطاء فعلي ، ويؤدّي إلى إستمرار تآكل الإحتياطي النقدي لدى البنك المركزي ، وبالتالي وبالضرورة إلى إنخفاض قيمة الدينار العراقي أكثر وأكثر وفقده لقدرته الشرائية ، فتتكرر عندنا ذات الإشكالات الإقتصادية التي حدثت في العهد السابق إذ أصبح الدولار الأمريكي يساوي أكثر من ثلاثة آلاف دينار ، وأصبحت رواتب موظفي الحكومة من أطباء وصيادلة وأساتذة جامعة لا تتجاوز سبعة دولارات . هذه الكارثة الإقتصادية في إنتظارنا في حال نفّذت حكومة عادل عبد المهدي ( الإقتصادي الألمعي ) سياسته التي أعلن عنها .
3. توزيع المنح النقدية ورواتب موظفين لا عمل إنتاجي حقيقي لديهم يؤدّي بالتأكيد إلى زيادة الطلب على البضائع الإستهلاكية ، في سوق قد مات فيه الإنتاج المحلّي وأصبحت البضائع المستوردة هي السائدة في السوق ، تجد بدل التمر العراقي الذي كنا نفتخر كوننا بلد التمور، تموراً مستوردة ، وكذا البرتقال والليمون والجوز ووصولاً إلى اللبن ، فتُرى أين تذهب تلك الأموال التي توزّعها الحكومة على الناس ؟ بالتأـكيد أن التاجر سيرفع سعر بضاعته التي إستوردها ويزيد أيضاً في كميات إستيراده فيذهب معظم تلك الأموال إلى الدول التي يتم إستيراد البضائع منها ، ويزداد في ذات الوقت ضعف الإنتاج المحلّي في منافسة البضاعة المستوردة ( هل يعرف القرأء الأعزاء أن سعر الكيلوغرام الواحد من الليمون المستورد هو ألف دينار بينما كلفة إنتاج الكيلو غرام الواحد من الليمون العراقي يزيد على الألفي دينار ويباع في السوق ، لمًن يطلبه ، بستة آلاف دينار؟ ) . لقد أدخل العراق إلى إغراق سوقه بالبضائع المستوردة بسبب السياسات الإقتصادية للحكومات السابقة وجاءت حكومة عادل عبد المهدي لتكمّل على عمل السابقين " چمّل الغرگان غطّة " !
أصبح من واجب جميع العراقيين فضح المخطط الجديد لتعميق أزمة العراق تحت واجهة " الإصلاحات " وتبريرها خلف لافتة الإستجابة لتوجيهات المرجعية الدينية العليا أو المطالب الشعبية ، بينما هي خطوة تمهيدية للتدمير المستقبلي . إننا كعراقيين لسنا متسوّلين لتدفع لنا بعض الدنانير اليوم تخدّر بها نفوس البعض الذي لا يستشرف خبر المستقبل من وراء هذا العمل ، إننا طلاّب عمل ؛ عمل إنتاجي يضعنا في بداية طريق بناء إقتصاد العراق وإنهاضه من كبوته . فعسى أن تستوعب مطالبنا وتوجه عملك إلى :
1. المباشرة بالمشاريع التي تستوعب أكبر عدد ممكن من الأيدي العاملة العراقية العاطلة عن العمل مثل بناء الطرق والجسور وإعادة بناء البنى التحتية مما يدفع العراقيين إلى الحصول على الأجر الذي يستحقونه مقابل عرق جبينهم لا عطاءً منك أو غيرك من الحكومات والتي يعتبرها إذلالاً له وإنتقاصاً لكرامته .
2. التوسع في بناء المدارس لإستيعاب أكبر عدد من المعلمين العاطلين ، والبدء ببناء جيل من أبنائنا الذي حُرموا من المدارس لتحوّلهم إلى مساعدين لعوائلهم لكسب العيش بسبب الفقر في بلد يُعتبر من أغنى بلدان العالم .
3. التوسع في دعم القطاع الزراعي وتشجيع تأسيس الشركات الزراعية ودعمها لتتمكن من إستخدام المكننة الزراعية الحديثة وتوفير البذور ومواد الوقاية ، وإتخاذ الخطوات العملية لتسهيل تسويق منتجاتها سواء في السوق المحلية أو دعمها في التصدير . إن العراق بظروفه المناخية الملائمة يحتاج إلى إجراءات إدارية وقانونية لتسهيل الإستثمار الزراعي والذي يؤدّي بالنتيجة إلى إستيعاب الأيدي العاملة العراقية في هذا المجال .
4. تشجيع القطاع الخاص العراقي والمختلط للإستثمار الصناعي وتشغيل المعامل والمصانع المتوقفة ، ودعم الإنتاج المحلّي ليتمكن من منافسة البضائع المستوردة سواء بفرض الرسوم الكمركية على البضائع المستوردة وكذا بإعفاء إستيراداته من المواد الأولية من تلك الرسوم . إن القطاع الصناعي المحلّي يحقق حلاّ حقيقياً للبطالة المستشرية بين الأيدي العاملة العراقية .
5. وضع ضوابط قانونية لحماية العمل للعراقيين ضد إستخدام الأيدي العاملة الأجنبية ، بما يُحقق التوازن الضروري من تنمية القابليات المهنية لدى العراقيين والإستفادة القصوى من الخبرة العلمية والمهنية للأيدي العاملة الأجنبية .
6. إن توزيع قطع الأراضي السكنية على العراقيين إنما يدعو إلى التوسّع في البناء الأفقي ، وإن كان صاحب قطعة الأرض مسؤولاً عن ما تتطلبه عملية بناء الدار ، إلاّ أن عملية إستيفاء كافة ما يلحق ببناء الدار من بنى تحتية ، مثل توفير الماء والكهرباء ووسائل الإتصال والصرف الصحي والطرق وشبكة مياه إطفاء الحرائق ، تبقى مسؤولية عامة وتقع على كاهل الحكومة . لقد آن الأوان الإقتداء بالدول المتحضرة بالتحوّل إلى شكل السكن العمودي . لقد إبتدع العالم المتحضر السكن العمودي الذي يحوي وحدات سكنية تتوفر فيها المرفقات الضرورية للعائلة من يوم إستلامها للسكن بدون أن تحتاج إلى مكملات ، إلاّ ما كان من إختصاص ذوي الحاجات الخاصة من المعاقين ، والشركات الإستثمارية تكون قد قامت ببناء كامل البنى التحتية ولم تُبق شيئاً يكوّن مسؤولية ثقيلة على الحكومة . إن هذا الأسلوب من الإسكان قد كان حلاّ حقيقياً في الكثير من بلدان العالم ، ولتكن أربيل أحد النماذج ، فبالإضافة إلى حل مشاكل الإسكان التي نعاني منها في العراق فإن بناء هذه الوحدات السكنية وتشغيلها بعد إتمامها يساعد على إستيعاب عدد غير قليل من الأيدي العاملة العراقية .
طريق بناء العراق الواعد واضح وسالك لمًن يريد السير فيه ، فتلك نصيحة نصوحة لعادل عبد المهدي وحكومته :
1. قف عند خطك في توزيع الأموال ، مما يضطرك على طبع دنانير من غير غطاء كما فعل صدّام حسين ، وأنت تعرف ما آلت إليه سياسته عليه وعلى العراق ، فلا تسر بذات الطريق .
2. إن كنت لا زلت تحتفظ بطلب إستقالتك في جيبك ، فهي ورقتك الأخيرة أن تثبت أنك إبن المنتفك الكرام ، فلتكن أهلاً لذلك النسب أو لا تكون . فإن كان الذين نصبوك رئيساً للوزراء طرفان يقرأ أحدهما في أذنك اليمنى " زويّة " بنغمة مقام معين والآخر يقرأ في أذنك اليسرى " زويّة " بنغمة مقام آخر فعليك أن تتاكد ، إن إستمرّيت في خطتك التي أعلنتها فإنك لا تكون بين مطرقة وسندان فقط بل مشروعاً إبتزاز لكثير من الأطراف وتقع في " مثرمة " لا تبقِ منك عرقاً ينبض ، فإذهب إلى مجلس النواب بالورقة الذهبية التي تملكها وإطرح مشروع بناء العراق فيكون لك الفضل إن قبل المجلس بما ستطرح ، والأمل والثقة بأعضاء المجلس متواصلان ، فتفوز فوزاً عظيماً أو في حالة العكس ، لا سمح الله ، فإنك تخرج ناصع الجبين مضيفاً لأبناء الشعب المنتففض سبباً جديداً وحجة أكيدة في ضرورة التغيير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الوساطة القطرية في ملف غزة.. هل أصبحت غير مرحب بها؟ | المسائ


.. إسرائيل تستعد لإرسال قوات إلى مدينة رفح لاجتياحها




.. مصر.. شهادات جامعية للبيع عبر منصات التواصل • فرانس 24


.. بعد 200 يوم من الحرب.. إسرائيل تكثف ضرباتها على غزة وتستعد ل




.. المفوض العام للأونروا: أكثر من 160 من مقار الوكالة بقطاع غزة