الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللعبة الماكرة: إطلاقات أيار

خسرو حميد عثمان
كاتب

(Khasrow Hamid Othman)

2019 / 10 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


بسبب ظروف السفر انقطعت عن الكتابة خلال الفترة الماضية ولكنني استغليت هذه الفرصة في مشاهدة بعض الفيديوهات في اليو تيوب، منها مقابلات مع عزيز محمد و كريم احمد باللغتين الكوردية والعربية لأطلع من خلالهما فيما إذا كان لديهم تفسير وفهم حقيقين، بخلاف حملاتهم الديماغوغية التى قفلت أفكارهم وأفكار دراويشهم، بعد أن وصلوا الى المحطة الأخيرة لحياتهم، بيوت عامرة هنا وهنا رواتب تقاعدية مجزية....، بعد كل هذه السنين، للأسباب التي دعت شخصاً مثل حميد عثمان لنشر "إطلاقات أيار- البرنامج الآني" في أيار 1955 باسمه الصريح و هل كان ذلك بدوافع نرجسية بحتة، كما رددوا على مدار عقود، أو كانت محاولة فكرية و سياسية ثورية و جريئة جادة لإرساء منهج جديد، ذات طابع عراقي بحت للحركة الشيوعية، على ضوء:
التجارب الثرية التي مرّ بها في سراديب التعذيب الظالمة للتحقيقات الجنائية التى كانت فيها تُجبر المعتقل المسلوب منه مجمل الحقوق التي كانت القوانين تكفلها للمواطن والسجين السياسي العراقي قسراً للإعتراف على حقائق ووقائع كانت معروفة لدى دوائر التحقيقات الجنائية ومكشوفة لهم مسبقاً إما :
أ-عن طريق تقارير العملاء المدربين المسربين الى مفاصل مهمة وحساسة للحزب الشيوعي العراقي( يشير حنا بطاطو كثيرًا الى تقارير عميل الشرطة الملقب ب "الكردي" في كتابه عن العراق على سبيل المثال ) حيث كان الخبراء الأمنيين الإنگليز متواجدون في جميع مدن العراق الكبيرة لهذه المهمة( سكوت في أربيل مثلاً)، يعيشون بين الناس ومثلهم ويختلطون بهم للقيام بانتقاء مثل هذه العناصر وتدريبهم بصورة سرية ليتغلغلوا في صفوف الحزب الشيوعي بدأً من الترشيح ليصلوا إلى المراتب القيادية (رفيق جالاك على سبيل المثال لا الحصر).
أو ب- نتيجة عدم صمود بعض الشيوعيين بوجه الشراسة والقسوة المفرطتان التي كانت تُمارس بإجسادهم العارية ليدلوا بإعترافاتهم. كان من النادر إمكان صمود كوادر حزبية لم تتجذر عندهم الروح و السليقة الثوريتان للدرجة التي تحول الجسم وألامه وعذاباته الى مصادر لإغناء روحه و تعميق أفكاره و الثبات على صموده ، بحيث لا تضيف الألم الجسدي التي كانت تحصل نتيجة التعذيب البدني شيئًا ُيذكر بالنسبة الى الألام التي كان الثوري يعاني منها أصلا، في مثل هذه المواقف كلما تزداد همجية الخصم تزداد كراهية الثوري للنظام القائم و صموده ببسالة في كشف أو إقرار بما هو مكشوف أساساً في أقسى الظروف، معركة من أجل الحفاظ على الكرامة الشخصية قبل كل شىء. مثل هذا الصمود والمقاومة يجعل من بعض من منتسبي الخصم في حال إنفصام ومراجعة عميقة للذات. لقد إطلع حميد عثمان عن طريق مناضل حقيقي من منتسب للتحقيقات الجنائية، بجسده المنفصم عن روحه وعقله (چاسب)* في غرف التعذيب على معظم ما جرى وحدث في هذه الزنزانات الرهيبة ليستنتج بأن المعركة مع الخصم تتلخص في مسألة حشر الشيوعيين الحقيقيين وراء القضبان بعد سلب كرامتهم من أجل تدجينهم، عن طريق إجبارهم على كشف المكشوف عنوة والإعتراف على رفاقهم وحتى على أقرب الناس إليهم - ماجاء في إفادة موسى سليمان الطالب في الصف الرابع من كلية الهندسة عمره 22 سنة ص 770 من موسوعة التحقيقات الجنائية على سبيل المثال وليس الحصر .
كانت هذه العوامل من بين أخريات أوصل حميد عثمان إلى إستنتاج بأن النمط الذي كان متبعًا من قبل تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي وهمٌ وخداع للذات، التفاني من أجل الإحتفاظ بسرية التنظيمات والمعلومات التي لم تكن خافية لدى الدوائر الأمنية العراقية أو غائبة عن بنك معلوماتها، حولته الدوائر المختصة الى لعبة ماكرة تخدمها لتحويل الحزب الشيوعي العراقي الى "ثقب أسود" في نظر الآخرين بهدف تخويفهم من "خطر الشيوعية" وتعطيها المبررات والحجج للتنكيل بكل من يرفع صوته من التقدميين ضد الظلم بحجة الوصول الى "أسرار هدامة" والتي لم تكن سراً لدى الدوائر الأمنية على الإطلاق.
فكانت " إطلاقات أيار-البرنامج الأني" محاولة أولى لعكس هذه اللعبة الماكرة بدأ حميد عثمان بتطبقها على نفسه كخطوة أولى، ولكن الخصم كان يقضاً وواعياً لمخاطر سحب البساط من تحت قدمي الأجهزة الأمنية وإسقاط سلاح التعذيب من أيديها على كنه النظام القائم أنذاك، عرف كيف يحرك إحتياطاته لوأد هذه التجربة الجريئة من الداخل خلال أيام......
*للمزيد من المعلومات عن "چاسب" فيما يلي مقاطع مقتبسة من "مذكرات بهاء الدين نوري" الموجودة على الشبكة العنكبوتية ( ص 178- 189):
(كان الظلام قد حل على بغداد حين فتح باب زنزانتي ودخل شرطيان بملابسهما الرسمية وقالا أنهما أمرا بالنوم ليلًا في نفس الغرفة. كان أحدهما -سعيد- رجلاً كهلاً متوسط القامة وممتلئ الجسم، تدل ملامحه الظاهرية على أنه رجل لا أبالي وغبي ولم يصبح شرطياً إلا لكي يعيش. وكان الثاني- كاسب أو چاسب- شاباً طويل القامة رشيقها باسم الوجه وبسيطاً بساطة فلاح عراقي لم تفسده بعد الأخلاق البرجوازية. ولم يصدف أن يحاول سعيد التحدث إلي، بعكس كاسب، الذي كان يبحث عن أي مناسبة لتبادلنا الحديث. وفي مساء اليوم التالي جاءني كاسب قبل زميله بساعة كاملة. كان واضحاً أنه يبحث عن فرصة للتحدث إليّ. ذكر لي أنه ابن فلاح من ريف العمارة ويعيش مع أهله في إحدى الصرائف،.... وقال أنه شهد في هذه الدائرة الكثير من المرارة والتعذيب وأنه رأى من بين الشيوعيين من لم يصمد ولم يبيض الوجه، بل انهار، واعترف على زملائه...كما رأى آخرين صمدوا رغم قساوة التعذيب. وأشاد بصورة خاصة بحميد عثمان الذي اعتقل في حزيران 1949 وصمد صمود الأبطال.....
وسألني : مالذي تحتاج لأجلبه لك مساء الغد؟
- فقد أحتاج جريدة يا كاسب!
- هذا خطر كبير. إذا علموا بذلك حكموا علي بالسجن سنتين.
- إذن لا داعي ولست بحاجة إلى أي شيء، مع شكري وتقديري. عندما أتى في مساء اليوم التالي أخرج من جيبه الجريدة وموزة وبرتقالة وعبثا حاولت إقناعه باستلام ثمنها. فقد رفض استلام النقود مني بشكل قاطع. وكرر ذلك في الأيام التالية بصورة مجانية رغم شحة دخله. وكان نفسه أول من تحدث إلي حول توقيف كامل السامرائي. كان كامل عضو لجنة بغداد الحزبية .........سألت صديقي الشرطي كاسب: ماذا لديك من المعلومات عن زملائي الموقوفين الثلاثة؟ هل يعذبون ؟ هل اعترف أي منهم؟
- (كاسب): أنا لم أر مباشرة أيا منهم ولا أستطيع ذلك. ولكني سمعت أنهم يضربون ويعذبون ولم أسمع باعتراف أي منهم. كلهم صامدون. لو كانوا معترفين لسمع الجميع هنا كما هي العادة الجارية هنا.)
أو د أن آكرر ما جاء في نهاية الحلقة التمهيدية بأن:

(كل ماتَرد في هذه الحلقات نابعة من منبتِ خيالِ شخص لم يكن له دور مباشر او غير مباشر في العمل السياسي، الحزبي او العسكري؛ لشخصٍ قضى جُلّ حياته العملية في الدوائر الخدمية-بين الناس العاديين والعمال أو مع المكائن والأجهزة والمعدات الإنتاجية؛ حياة خالية من ما يفتخر به الكثيرين( ارث نضالي). 

"كشكول"قد يكون تَشكيل ناتج لتفاعل عدد من العوامل منها: التأمل والملاحظة المباشرة، القراءة عن الكولونيالية وما بعدها، قراءة متأنية لعدد من الدراسات منها كتاب حنا بطاطو الموسوم "العراق" بإجزاءها الثلاثة، اوكتابات ذات طابع حزبي، أعراض داء "النرجسية الجماعية" غالبة على قسم منها بوضوح، قراءة ماتيسر لمذكرات من كانوا يوماً ما وراء القضبان، في وديان او على سفوح جبال كوردستان وفي صحاري اليمن وحتى الذين كانوا رقماً او بيدقً على لوحة شطرنج .

خيالٌ اغناها الأحاديث الشيقة ل (عزيز صالح يوسف، جدو في خلف السدة- مام عزيز في بيتنا) المواطن الشقلاوي المضحي و المَعْين للتفاؤل الذي رغم قضاء سنوات من حياته وراء أسوار خلف السدة في بغداد، نتيجة وشاية كيدية، من دون ان يُدرج حتى اسمه في سجل السجناء، وحيثيات إطلاق سراحه بعد ان قابله رئيس الوزراء(عبدالرحمن البزاز) للاستفسار عن سبب طلبه لاسقاط الجنسية العراقية عنه وإبعاده الى بلد خالٍ من العرب والمسلمين. 
و الاطلاع على معظم ما كتبه حميد عثمان خلال الفترة من تموز 1968- شباط 1970، قبل ان يجف الحبر، نُشر جزءٌ يسير منها على شكل مقالات صحفية في جريدة الثورة البغدادية في حينها، باسم سليم سلطان. وأخيرا و ليس آخراً نُتفاً من تحليلاته لأحداث عاصرها في العلن او وراءالكواليس)
ستكون الحلقة القادمة بعنوان: (اللعبة الماكرة: مدى أهلية كريم أحمد الداود ليكون شاهداً أميناً على التأريخ )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة