الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انسان مع وقف التنفيذ ..رواية....7

خالد الصلعي

2019 / 10 / 15
الادب والفن


انسان مع وقف التنفيذ ....رواية......7..
********************************
نفجرفي وجههما بصوت عال لفت اليه كل من يتواجد في محيط المكان :
-ابتعدو عني ، لا يقرب أحد منكما الى هذا المكان ، والا فاني سأذبحه ، الله يلعن الدين ديماكم .
يلوح بكلتا يديه وهو يتوعدهما ، يداه منقوشتان بضربات السكين وشفرة الحلاقة من المعصم الى الكتف ، وكأنه كان يحرثهما لبذر كراهيته تجاه نفسه وأسرته ووجوده ووطنه . تقول احدى الدراسات النفسية أن هؤلاء الذين يشوهون يديهم ، ومنهم من يتجرأ على تشويه وجهه من أجبن الناس . فحين يعدزون عن تفريغ غضبهم وحقدهم وكرههم ضد الآخرين يؤذون أنفسهم .
وكأنه يمتلك ملهى فاخرا ، راح يلعن ويسب ويشتم دون اكتراث للمارة ، نساء ورجالا . حتى أصحاب اللحى لا يتجرأون عليه ، هؤلاء الذين يدعون حراسة الدين وينصبون أنفسهم حماته الأشداء . الأطفال يرمقونه كبطل الحي الذي لا يقهر . فها هو يرطن بكلمات يمنع عليهم التفوه بها ولو همسا . لكن حميدو يجعلها تجلجل في عنان الفضاء كلحن خالد .
يبررون الأمر أنهم يانفون ويربأون بأنفسهم ان يدنسوا يدهم في مثل هذه القذارة الانسانية . شباب الحي الأرعن المفتول العضلات يخاف ان يقترب منه ويصل الأمر الى سجنه . هؤلاء المدمنين أحرار يصنعون ما يشاؤون ، يسبون ، يتشاجرون ، يلفظون بكلمات نابية ، دون أن يردعهم أحد .
لا أحد يستطيع الاقتراب منهم . الجميع يفكر بنفس الطريقة " لو ضربته وأحدثت له عاهة ، فان السلطة ستسجنني بدعوى حقه في ممارسة حياته كيف شاء " .
الجميع يؤول هروبه حسب نفس المبرر ،وحسب النسق الأمني والاجتماعي الذي ينخر في صميم المجتمع الذي تجمد عند درجة المشاهدة والمتابعة دون أي ردة فعل . اللهم انحراف متعدد الأوجه والوجهات .
ثم انفجر ثانية في من كان لا يزال تحت غطاء القماش :
-هيا حتى انتم اخرجوا من هنا ، ليذهب كل الى حاله ، ولاد البق.
السيارات تعبر شارع مولاي سليمان المكتظ بالناس . والأطفال يلعبون في باحة النافورة التي لم تشتغل الا أياما معدودات . نساء ورجال يجلسون فوق الأدراج المحيطة بالنافورة ، يوجهون وجوههم نحو مصدر الصوت المجلجل .
خرج من تحت القماش أربعوة ذكور وشابتين ، وهم في أرذل حالة ، حمل أحدهم حقيبة ضخمة ووضعها على كتفه وغادر ، بينما بقي الثلاثة يجمعون أمتعتهم التي ركلها حميدو فتبعثرت في المكان . أما الشابتان فقد اتكأتا على حائط مبنى الخزينة العامة الذي تم اغلاقه من قبل السلطات ، بعدما اتخذوه وكرا لهم منذ سنوات . فارتات السلطة نقل مكاتب الادراة الى جهة الحي الجديد قبالة كاسابارطا ، وأغلقت تلك الفتحات التي تفصل بين سقف المبنى والأرض .
التفت الى احداهما وقال لها " عليك ان تحضري بورصتين ، لاتؤاخذيني على انفعالي فأنا حين أغضب لا أعرف حتى امي وأبي " . ثم التفت الى الأخرى " حتى انت احضري اثنتين ".خفضتا عينيهما وانصرفتا الى حال سبيلهما .
هو يظن أنه يملك كل الحق في احتلال جزء بسيط من شريط قيسارية الأزهر .
حميدو ابن المنطقة ، يعرف أكثر من أي رجل سلطة جاء من خريبكة أو وجدة او بني ملال كيف كان المكان قبل اربعين سنة .
هو الآن يبلغ من العمر ست وأربعين سنة . ولطالما عدا هنا ،ومر من أمام بائع الأحذية والصنادل البلاستيكية الرخيصة . وبجانبه كان عمي علي ، حلاق الحي الظريف ، يتلوه سي عبدالقادر الذي كان يبيع الخبز ، وخاصة الكومير الاسباني المنفوخة عند الوسط ، واللكومير الطالياني اللذيذ . الى جانبه بائع الخضر عمي أحمد .
لا أحد من رجال السطة الذين وزعوا دكاكين سوق بني مكادة وطاولاته على أطفال الحي وحثالته وعملائه ، وخصصوا بعضها لنفسهم يعرف تاريخ المنطقة .
لحميدو الحق في امتلاك رقعة من هذه المنطقة بعدما تركوه يواجه مصيره المهلك لوحده .
ما عجزت عنه السلطة بكي الوعي وتحريف الثقافة وتشويه التعليم ، تستطيعه بواسطة نشر المخدرات مهما كانت قاتلة ومؤذية .
أي حدث اجتماعي يؤثر بطريقة أو بأخرى في الجماعة . فحتى لو توهمت انك في منأى عن آثار أي ظاهرة سلبية ، فانك لن تنجو منها في النهاية ولو عبر عقود او أجيال .
علم الجينات المعاصر يثبت علميا أن جيناتنا تتغير عبر الموقف والحالة النفسية والبيئة العامة . وكأن مقولة الانسان ابن بيئته أصبحت مشخصة علميا وبأثباتات مخبرية تشرح جيناتنا وهرموناتنا وعالمهما الرهيب .
قد يداخل أي أحد شك في أن هذه الفتاة التي تجلس بمحاذاة حميدو مدمنة مخدرات . بنت لا يتجاوز سنها السادسة عشر ، لا تزل غضة ، طرية ، بشرتها ندية كبشرة أي فتاة في الثانوي . تلبس سروال دجين جد ضيق ، وسترة بيضاء ، ذات شعر خفيف يتدلى على كتفيها ، عينان صغيرتان كعيني فتاة بابنية أو صينية .
كيف عصفت بها ريح الادمان الى حميدو . لا أحد يعلم . المهم أنها الآن جالسة امامه ملتصقة به ، يحفهما جمع من شباب انقضى زمنه وعهده . لا يبالي بجمالها أحد . لا أحد يكترث اليها . بطلنا يتحسر على ضياعها في هذه السن . ويفكر لو كان بيده أن ياخذها الى مسكنه كي يضاجعها وينقذها من وضعها البئيس .
استلت من جيب سروالها الضيق كيسا بلاستيكيا من الحجم الصغير ثم علبة سيليسيون وقطرتها في الكيس البلاستيكي .
ثم اخذت تأخذ نفسا طويلا ، تستنشق بكل قوتها محتوى الكيس البلاستكي وكأنها تخاف أن يفلت مه شيئا . ثم ترميه من أنفها .
كيف لأنف جميل ، فتي ، غض ان يتعامل ويمرر من جيوبه تلك الرائحة النتنة .
الآخرون يشربون عبر مغلف قلم الكتابة مادتهم المغلية على الصفحة الألمنيومية .
شركة الألمنيويم تتوهم ان منتوجها رائج بين سكان المدينة ، ولا تدرك أن معظم زبائنها هم أمثال هؤلاء من مدمني الهيروين والكوكايين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما