الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فارس المنابر

عدنان العريدي

2019 / 10 / 15
الادب والفن


من روائع معين بسيسو شاعر الحياة والناس واللغة
إذا كان لقب شاعرٍ مخضرمٍ يطلق على من عاصر حقبتين تاريخيتين مختلفتين، فما بال معين بسيسو الذي عاصر عدة حقب ومراحل مفصلية من التاريخ، إن من لا يرى من الغربال هو الأعور، فتراث معين واضح وضوح الشمس، ولا يمكن تجاوزه أو المرور عنه، فهو مدرسة شاملة تربت عليها أجيال وتتلمذ عليه أساتذة وشعراء .

إذا أردت أن تعلم أن المناهج مغرضة، فاعلم أنها تجاهلت ديوان المسافر، والمعركة، وحينما تمطر الأحجار، ومارد من السنابل، وفلسطين في القلب، والأشجار تموت واقفة...هذه الدواوين التي استقى منها الشعراء قصائدهم، وشكلت وحي غنائياتهم، فشكلت وحي إلهام القصائد والبرامج، وهي أولى دواوين شاعر الثورة معين بسيسو.
فلو عدنا إلى بدايات معين بسيسو وتمعنا في أساليب وطرق بنائه الممتعة النابعة من مدرسة كلاسيكية عقلية فلسفية، نجد بداية قوية تربط ما بين الشكل والجوهر، ما بين ظاهر النص وباطنه، متمتعا بمقدرة صياغة لغوية قل نظيرها صياغة وقوة، بألفاظ ذا طبيعة فونيمية أصيلة التركيب وعالية النبرة، وإسناد حقيقي ومجازي عقلي، وفق تشبيهات وصور عقلية متنوعة، فأسند الغير عاقل للجماد والعاقل لغير العاقل، والغير محسوس للمحسوس ... كما جاء في قصيدة العبد التي لا أدري لماذا لم يحتويها ديوانه الأول المسافر.
زمجر القيد وضج الألم فحشاه باللظى تضرم
راقد في جوف كهف موحش مفزع قد طوقته الظلم
تصرخ الأشباح فيه الردى جاثم مرتقب منتقم

نلاحظ هذه البدايات الجميلة تدلل على طبيعة النشأة القوية والوسط الذي نشأ فيه من خلال التمكن اللغوي والعلاقة الجامعة المعبرة عن التواصل ما بين التراث المستمد من جذور لغوية أصيلة، بحيث ساهم في زيادة تأصيلها، وبدايات كهذه لم تأتي جزافا، أو عفوية بل نتيجة تواصل مع الموروث، هذا التراث الذي قام بتوظيفه لخدمة قضايا محلية وعربية وإنسانية.

نافذة الكهف
---------
وبالعودة لقصائد المسافر والتي كتبت ما بين أربعينيات وستينات القرن العشرين، أي مرحلة ما قبل الاحتلال وما بعده، حيث نجدها جاءت معنونة على شكل تلميحي رمزي أو بلاغة القصر، تسهم في استنطاق المتلقي ليستغرق في أسباب البحث الدلالي للرمز، فالنافذة تشكل عملية إطلالة على الكهف الذي أضيف له النافذة والإضافة أتت مسوغا للبداية بالنكرة الرمزية، لتشكل مثابة نقلة من حالة إلى حالة، لأن النافذة عبارة عن إطلالة على الضوء، ونجد الشاعر جعلها تطل على الكهف الرامز للعديد من نقائض النافذة وطبائعها المطلة على الحياة، وكل هذا أتى من خلال إدراك الشاعر لقيمة العنوان وأهميته للولوج في القصيدة.
فحينما لا يكون للطائر جناح، نجد الطائر نقيضا لطبيعته، ويمكن إدراك ذلك من خلال تخيل لواقعين يعيشهما، واقعه في كبد السماء طليقا متكبرا، وواقعه على الأرض مكسور الجناح ذليلا مهان." في مكان ينهار فيه الجناح وتسوق الزمان فيه الرياح"
حينما تأتي الرياح وتقتلع جناحي طائر تلقيه في مكان العزلة وحيدا يكابد سكرات الموت،وإن لم يكن بميت، تماما مثل أفعى سدد لجسدها طعنات قاتلة وإن لم تمت في حينه تبقى تعاني من الجراح."ويفوح النسيان ألهثه الموت كأفعى قد ألهثتها جراح"
ورغم البعد الرمزي ما بين الأفعى والطير المتناقض والمتداخل معا فالطير قد يخطف الأفعى والأفعى قد تأكل أفراخ الطير وقد تلسعه، إلا أنه لا بد من وجود سبب ما يعلل لمثل هذه الصورة الشعرية لدى الشاعر من خلال الرمزية المتناقضة والمتداخلة في آن، والذي يمكن تعليله من خلال مخاطبة البعد الإنساني لدى الجاني المالك لأسباب القوة، بعكس الطائر المجرد من أسباب القوة، بدليل ذكر عنصر الزمان الذي لن يدوم على حال، فلا القوي يبقى قويا ولا الضعيف يبقى ضعيفا.
هذا الوضع الساكن للكهف الباعث للتكهنات، يشيه وداعة طفل لا يدرك التكهنات بمدى خطورة ما يحيط به أخطار.
"ويخاف السكون منه كطفل علقت فيه الأشباح"
حينما يرى الإنسان نفسه غارقا في الظلم بلا معين مع وجود إمكانيات من يرفع الظلم ويعينه على دفع العدوان عنه وعن بلاده يكون كمن يرى نجما بعيدا لكن مجرد توهم وفي النهاية لا نجني سوى عناء الشباك بلا أسماك.
"كوكب ترصد النهاية عيناه ولا شاطئ ولا ملاح"
ليبقى الليل مسيطرا على واقع نعيشه، فنغرق في ظلام كضرير لا يفيده النور ولو امتشق مصباح.
"ليس فيه من الحياة سوى الليل ضريرا يقوده مصباح"
هذه البلاد التي التقت عليه الإرادات الدولية من كل الاتجاهات فصبت عليه نيرانها.
"وصحار من العواصف تلتف عليها من اللظى أدواح"
هذه البلاد التي أثكلتها الحرب فدمرت قراها وهجرت أهلها وتركتها خربا ومساكن للجن.
"وسماء من الخرائب تجتاح سماء نجومها أرواح"
ويستمر شاعر الثورة في عملية تصويرية تمتد ظلالها وفق قواعد التصوير الفني البديع في صور فنية راقية تكاد تؤرخ لما حل في بلادنا من دمار وخراب نتيجة احتلال فلسطين عام ثمانية وأربعين، من خلال نافذة عاشت المأساة وعاصرت أحداثها، فسطر التاريخ من خلال لوحة فنية، أرخت لما حل في البلاد من خراب وتشريد وتقتيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا