الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عاصفة الدماء .. لكن ماذا بعد؟

عصام الياسري

2019 / 10 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


عصام الياسري
بعد سقوط العشرات من الضحايا والمئات من الجرحى وإشتداد مظاهر العنف والمداهمات والاعتقال العشوائي الذي طال آلاف المواطنين أثناء وبعد المظاهرات السلمية التي حدثت في العديد من المدن والمحافظات العراقية ومنها العاصمة بغداد مدينة السلام والثقافة والعلم. هل يصدق العراقيون بعد، حسن نوايا قوم تسلقوا السلطة بعد غزو العراق في العام 2003 وانتزعوا أدواتها في لحظة ظرف غير عادي ومعقد، إجراء اصلاح حقيقي في البلد وهم اللذين ومنذ مجيئهم لم يبقوا الله في معرفتهم ولم يحسنوا ما ينفع. ارتكبوا الخطايا دون ان تثنيهم اي قيم للحد من نسبة الجور وأعمال السوء والخبث والقهر والدماء فيما يستسهلون قول: من يقف ضدنا فهو متآمر!!.

الدستور العراقي يقر بأن "الشعب مصدر السلطات"، والمشرعون يتبجحون بانهم ملتزمون بمبادئه ويطبقونها دون تمييز أو استثناء أو مواربة بحق الجميع!!. واذا ما كان الشعب مصدر السلطات، ونعني "التشريعية والتنفيذية" ولا نستثني "القضائية"، فلماذا لم يع هؤلاء المشرعون استغاثات الشعب على مدى خمسة عشر عاما سوء الاوضاع وتراكمها على جميع المساحات والصعد؟. وان كان الدستور هو مجموعة احكام في العرف المدني، الفيصل، لاحلال السلم الاهلي واعلاء شأن العدل والمساواة وضمان حقوق الناس مهما اختلفت انتماءاتهم!. فمن اعطى منتسي تلك السلطات الحق لشرعنة إستثناءات دستورية خاصة بهم، غير مقبولة ولا تتناسب مع الدخل العام للمواطنين كـ "الرواتب العالية وتنوع الامتيازات المالية والعقارية والمكافئات" الخ؟ فيما يتعرض عامة الشعب لقهر وجوع وردع وعراء وأمراض لا طائل منها. وتحت عباءة ذلكم الدستور الذي "تفسره على هواها" ولا شك بان اكثر مواده قابلة للتفسيرات والتأويلات الفئوية، تجيّر الطبقة المتنفذة واحزاب السلطة القوانين والاموال والممتلكات لصالح مؤسسات مافيوية تمتلكها.. الخطير، أن هذه الطبقة الساقطة سياسيا واخلاقيا وانسانيا قد جعلت من ممارساتها الاستنزافية أمرا طبيعيا. السبب الذي جعلها تستأثر البقاء في السلطة بالقوة على حساب قوت الشعب ودماء الضحايا وبناء البلد.

لقد كان قرار الشباب غير المنضوي الى اي جهة سياسية او حزب، النزول الى الشوارع عفوياً دون مشرفين او ممثلين يتحدثون باسم المتظاهرين. قرارا مثيرا بالمعنى الفلسفي، اتسم وهو "المهم" بالتعبير عن موقف، ثوري المضمون ووطني الهدف، مسؤول وثابت في مرحلة عصيبة تراكمت فيها مطالب الشعب العادلة دون انجاز يذكر. ظل الحراك إلى حد كبير في الايام الأولى بعيدا عن العنف والفوضى. بيد أنه اصطدم بردة فعل سلطوية مضادة تميزت بالعنف المفرط من قبل قوات الشرطة واجهزة الامن والميليشيات المسلحة، استعمل فيها الرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل والقنص عن بُعد. سقط فيها اكثر 150 مواطنا بريئا وأكثر من 6000 جريح ونحو 2500 معتقل يخضعون الى تعذيب شديد، كما تم ملاحقة الصحفيين والاعتداء عليهم. وللتنصل من مسؤوليتها القانونية والسياسية والاخلاقية اتهمت الحكومة العتيدة بمؤسستيها التشريعية والتنفيذية كعادتها المتظاهرين بالخارجين على القانون بالعملاء والمندسين والمتآمرين.

واذ كان الدستور والقانون ظاهريا يكفل حق التظاهر كما يؤكد على حرية المواطن للتعبير عن رأيه متى واينما يشاء. فما الذي استوجب لاصدار الاوامر بتوجيه السلاح الى صدور المتظاهرين العزل؟ وما الهدف الحقيقي من وراء حملات الملاحقة والاعتقال والترهيب؟. وان كانت مؤسسة الدولة تتعامل حقا بحسن النية مع مواطنيها، فلماذا توعز لقواتها الذهبية والميليشيات المسلحة التابعة للاحزاب الحاكمة باستعمال الاقنعة السوداء؟. في الدولة الديمقراطية التي يسودها القانون والعدل والمحاسبة، لا يستطيع اي مسؤول مهما كان منصبه وتحت اي ذريعة كانت، التجاوز "مجتمعيا واخلاقيا" على مبدأ المساواة القانونية والدستورية، وان حدث سيعتبر خرقا اعتباريا لمؤسسىة الدولة وخيانة تتعلق بالشأن العام يعاقب عليها بلا رحمة امام القانون!.

اما في وضع سياسي معقد ونظام حكم طائفي راديكالي كما هو حال العراق، لا يسود فيه العدل والقانون، ويتعرض الانسان للخطر وتنتهك حقوقه وكرامته وتنتشر الفوضى وتسلب ممتلكات الدولة واموالها. لم يبق امام المواطن سوى الخيار الثوري بأي ثمن لمواجهة الظلم وفساد السلطة الذي لا ينتهي.. ونتيجة للصراع الطبقي القائم جدليا بين طرفين متناقضين في المواقف والممارسات والمناهج والرؤى. بين سلطة شللية ـ طائفية شوفينية تنظر لمصالحها الضيقة، الحزبية والشخصية أولاً، ومن هذه الزاويا حصرا. ومعارضة جماهيرية واسعة مسحوقة، همها الاصلاح والعدالة الاجتماعية وتحقيق السلم الاهلي والحفاظ على الوطن وأمنه. انطلقت المظاهرات هذه المرة بشكل مختلف ارتقى الى مستوى الاسطورة الوطنية بعيدا عن الايديولوجيا ومتناغمة موضوعيا مع طبيعة المرحلة غير الاستثنائية التي نتج عنها تمرد السلطة على القانون والمجتمع باكمله بشكل فاق كل التوقعات، وجعل الاصلاح المرتقب من بعد سقوط النظام الديكتاتوري السابق عام 2003 في اتون المجهول والعراق على صفيح ساخن.

ان جزئية مفهوم الدولة والسلطة والموقف منهما في ظرف اشتدت فيه التناقضات بين اطراف الصراع خلال المظاهرات الاخيرة، كان من شأنها ان تفضي الى تحول حقيقي في حياة ومصير الآمة. فالدولة على اساس انها تعني مفهوم "الوطن"، قطعا،ً وجودها وامنها متأصل في جذور ابنائها. أما السلطة التي تتبجح بديمقراطية زائفة غير مكتسبة وتقوم بقمع شعبها وتسلبه قيمه وحقوقه، فمهما اشتد الضيم وطال الزمن سيكون السبيل بالتاكيد هو زوالها.. اذن التظاهرات وان كانت عفويًة، فهي ولاول مرة اقتربت بوضوح من موضوعتين هامتين اعادتا للواجهة نضالات العراقيين لاسقاط الدكتاتوريات: ظاهرة النهج الثوري لتحقيق التغيير، وتجلي الموقف الوطني والاخلاقي لتحمل مسؤولية الاصلاح .

السؤال؛ هل ستحسم الاحزاب والقوى المعارضة موقفها من السلطة دون رجعة وتنحاز للحراك الثوري ومساندته باكثر نضجا واندفاعا؟ أم انها ستبحث في الاروقة المظلمة عن حلول ترقيعية تعيد تموضع الكتل الحاكمة على الساحة السياسية وتضييع الفرصة من جديد؟ والسؤال الاهم؛ هل ستستجيب القوى المتنفذة في السلطة حقا كما وعدت لارادة الشعب وتتحمل المسؤولية الاخلاقية والانسانية دون تحيّن الفرص للانقضاض تحت ادعاءات زائفة على الحراك بقساوة؟.. فلننتظر الى ما تؤول اليه الاحداث والمواقف في قادم الايام ونرى من هو الصادق!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان


.. أثناء زيارته لـ-غازي عنتاب-.. استقبال رئيس ألمانيا بأعلام فل




.. تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254