الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجلس الاعلى للثقافة في العراق/ الاسئلة والنوايا

علي حسن الفواز

2006 / 5 / 20
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يبدو ان أجندة الثقافة العراقية ستكون امام اغواءات كثيرة باعثة على المغامرة ،وباعثة على انتاج الكثير من الاسئلة الداعية والمحرضة على الحديث عن ممكنات الحلول !! وهذه الاجندة تواجه اليوم تجاذبات وجدالات بين ماهو حكومي مكين وبين ماهو مدني يمارس حقوقه (الميتاديمقراطية) في محاولة اعتاق الجسد الثقافي من ربقة الماضي السياسي/الحكومي والعسكرتاري وتاريخ مهيمناته القامعة .. ولاشك ان كلا الجاذبين ! سيكونان أمام اشكالات معقدة ومناخات لم تزل غامرة بالعتمة والغموض وقياسات احكام القيمة !! وليس الحديث عن الديمقراطية وشجونها ولوازمها واستحقاقاتها الاّ جزءا من الرغبة في البحث عن تعويضات تنقذ المواطن والمكان والثقافة من خرابات العهود القديمة التي نقلتنا من استعمار قديم الى مهيمنات الاستبداد ومنها الى استعمار حداثوي !!! فضلا ان هذا الحديث ولكي يكون مهنيا وموضوعيا فانه يقترن طبعا بالحديث عن السعي لتنفيذ برامج ومشاريع في اطار السعي الى تأسيس المجتمع الثقافي المدني الطارد لاشباح المحاربين الصغار والمنقذ التطهيري من تراكمات ما علق بثيابنا ويومياتنا ومؤسساتنا من غبار العربات والذي وصل الى اقصى حدود أسرتنا!!!!
الحالمون بهذا المشروع كثر والحمد لله ،،ولكن ما طرحته مؤسسة المدى خلال اسبوع الثقافة العراقية الذي نظمته في مدينة اربيل كردستنان العراق يتجاوز حدود الحلم الى اثارة الاسئلة حول مشروعية هذا المشروع وضرورته في اعادة هيكلة العمل المؤسسي الثقافي وبرمجة شؤونه وشجونه خارج يوميات العشوائية التي كانت ومازالت للاسف تحكم الكثير من سياقات هذا العمل ، ،،ولكن يبدو لي من القراءة الاولى ورغم جدية الموضوع وحرص القيمين على انجاز اوراق هذا الكيان الجديد كمشروع للثقافة الوطنية ،،انه يمثل مشروعا للنخبة الثقافية غير المعيارية !!والمحسوبة بقياسات معينة وبمواصافات خاصة وغير المعنية مباشرة بحرائق الطبقات التحتانية !! والتي تعيش وضعا ثقافويا خاصا له نخبه وملفاته ومريدوه !!! فكيف لنا ان نصنع مشروعا ثقافيا عاما يقترح صلاحا وبناء واعادة ثقة المواطن بوجوده وتحسين اداءه الاتصالي والمعرفي ؟ ولمن سنسوق خطابه ؟ وماهي مواده الاولية واوارقه البحثية ؟ وماهي مصادر ادامته وتنميته ؟ وهل يكفي ان نضع سين وصاد من الاسماء ذات الكارزمات العالية في ثقافتنا لنكسب اطمئنا ن الاخرين ؟؟؟،
أحسب ان الامنيات وحدها غير كافية لصنع ما يمكث على الارض وما يمشي بين الناس،،لان تاريخ الناس مليىء بالمرارات والاوهام واليافطات العريضة !! وكل اصحاب المشاريع الثقافية بعنوانيها العريضة هم خرجوا من معطف السياسي القديم صانع الازمات والاوهام !!!!فضلا عن ان تاريخ هذه النخب الثقافية ذاته مقترن بتاريخ العزلات الثقافية(غير المعرفية ) وصناعة البرامج الثقافية الاستعلائية التي لم تنتج مصدات و(خطوط رجعة) لمواجهة ازمات ومحن كالتي نعيش تراجيدياتها الان ،اذ ان تاريخ المحنة العراقية في بعض مرجعياته يقترن حقا بمحنة وعزلة النخب الثقافية السياسية والدينية والاقتصادية عن الشأن اليومي للمواطن واحزانه الطاعنة ،وبهذا فانها لاتملك لوحدها شروط فك الاشتباك بين الثقافي النخبوي الاستعلائي وبين الثقافي الشعبي بكل تاريخ همومه واستلاباته وتحريض المواطن الطيب والمحروم على اعادة تأهيل



مزاجه الثقافي والشروع بقراءة ازمات البطل الوجودي وازمات الحداثة ومابعد الحداثة وقراءة اسرار ما بعد الكولينيالية !لكي يعرف طريق الحرير جيدا !!!
ان مشروع المجلس الاعلى للثقافة هو مشروع مؤسسي متقدم ،، وشكل اداري وتنظيمي ومالي وقانوني لادارة وتوجيه الجهد الثقافي ،،وهذا المجلس لايمكن ان يكون نباتا طبيعيا في ارضنا التي ضاعت فيها طرق الحرير اصلا ، واضحت الان صالحة لزرع الالغام وفخاخ الافكاروعصاب الولاءات ورهاب القوة الظالمة ،وتحوّل الثقافي فيها الى لعبة غرائبية في شرعنة هذا الترهين الثقافي المأزوم والمحكوم بعوامل خارجة عن سيطرة النخب الثقافية !!!! ان هذا ليس دعوة للعطالة عن تنفيذ هكذا مشروع ، او حتى اليأس من جدوى تنفيذه ووضع البرامج و الميزانيات الباذخة له ،،،ولكن هو دعوة للبحث عن كيفيات اكثر واقعية واكثر اقترابا من اسئلة الشارع وربما دعوة لاقتراح مشروع قابل للتنفيذ وليس مشروعا نخبويا يمارس خطاباته واغواءاته في الصالونات الباهية !!وبالتالي فانه سينتج لنا عزلات ثانوية وصفقات ثقافية مريبة !!
ان مراجعة تاريخ الادارة الثقافية الحكومية والمدنية هو اول الخطوات التي اجد معرفتها وقراءة ملفاتها ضرورية قبل الاقدام على انجاز هذا المشروع ، ومن ثم وضع اجندة مفتوحة تتعاطى مع الواقع الثقافي في أزماته و تشكلاته وتمظهراته دون اقصاء أو طرد أو تغييب حسب مقايسات يصنعها البعض من اصحاب المزاج (القيمومي ) والذين عادة ما يصنعوا لهم (كارتلا) من المريدين الذين سيكونوا المجس الاولي في التلمس وفي الاحكام ، اذ تحولت هذه الكارتلات الى عقد ثقافية يشكو منها الكثير من مثقفينا وهو ذات الموضوع الذي اخبرني به القاص الكبير محمد خضير في المربد الاخير ونحن نتحدث عن شجوننا الثقافية في ضرورةالبحث عن منقذات مهنية واخلاقية للمبدع العراقي دون ان تمس كرامته وكبرياءه وتكرر لعبة استجدائه من هذه المؤسسة اوتلك..
اننا نعرف جدا ان المرجعيات الحكومية في صناعة اطر لاحتضان الثقافي هي مرجعيات مثيرة للتساؤل والشكوك دائما ،ليس لان الحكومة لاتعرف عزل الثقافي عن فنون الطبخ !!! ولكن لان الحكومة وللاسف تبحث عن الثقافي الديواني والاشهاري الذي يعزز برنامجها ولا يمسّ خطوطها الحمر و لا شأن لها بالثقافي الذي يسبب لها صداع الرأس ويحرض الرعية على الراعي ،وينبش في الدفاتر القديمة!!! فضلا عن الاديب الحكومي يؤمن بنظرية الوظائفية في الثقافة التي تمنحه راتبا شهريا عمل ازاءه ساعاته طوال أو نام حتى الظهيرة !!!!! وحين نراجع ظاهرة المثقف الديواني والمثقف الاستعراضي نجد اليد الحكومية السلطانية حاضرة في مدّه بالعطايا والهبات وربما كان يقبلها مضطرا تحت اغواء وضرورة الحاجة.... .
وازاء هذا فاننا ملزمون ازاء تاريخ خال من الاطمئنانات وحافل بمشاريع السعادات القصيرة الاجل !! البحث عن مشروع ثقافي حقيقي وفاعل يعنى بستراتيجيات الثقافة وخطط حقيقية لتنميتها ،ومقاربة هموم المثقف العراقي !!!بكل تواريخ محنه السياسية والثقافية والمعيشية فضلا عن النهوض بصناعة ثقافية ،لا أقول تعيدنا الى عصر التنوير وثورة المطابع !!! لكنها تضعنا امام شرط الحياة وشرط العصر وضرورات الوعي والحرية واستحقاقات المرحلة التي تحتاج الى ثقافة نوعية تواجه كل غلواء الشارع وكل الاستقطابات التي صنعت انشطارا ثقافيا/سياسيا له تمحوراته الطائفية والعرقية والقومية والاثنية !!!وهذه الثقافة لاتصنعها النخبة لوحدها ولا تصنعها الحكومة لوحدها ،وان الحديث عن ثقافة ذات نقاوة مدنية مئة x المئة حديث يخلو من الموضوعية والواقعية ، لان الثقافة المدنية التي يريدها البعض خالصة !! تدخل بالضرورة مع شروط رأس المال الذي ينظر الى المشروع الثقافي بانه مشروع ربحي!!! او ربما يضع شروطه واجندته وقياساته في فهم ما ينبغي للثقافي ان يكون !!!!!




لذا افترض اننا بحاجة الى مقدمات حقيقية تؤسس الارضية القوية لهذا المشروع الذي من شأنه ان يسهم في انقاذ ما يمكن انقاذه خاصة اذا عرفنا ان العراقيين يملكون شهوات استثائية للقراءة والمعرفة وانهم مستهلكون جيدون لما تنتجه المطابع ودور النشر ،،هذه المقدمات تبدأ من
حاجتنا الى وجود حكومة وطنية قوية وذات برنامج واضح تضع الثقافي في صلب مسؤولياتها اولا،، مثلما نحن بحاجة الى وزارة ثقافة نوعية وذات برنامج مهني ولديها مخططون في ستراتيجيات الصناعة الثقافية ثانيا،،، وكذلك ينبغي تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني الثقافي مثل اتحاد الادباء ونقابة الصحفيين والمرجعيات الفنية المعروفة وعبر مشاغلها المتعددة في السينما والمسرح والتشكيل فضلا عن الجهات الاعلامية والجمعيات ذات الهويات الثقافية و العمل على تشريع وصياغة قوانين بموجب الدستور لتعزيز عملها وحمايتها من الاجراءات التعسفية التي حدثت و قد تحدث بفعل الكثير من الاجتهادات السسياسية البحته كما حدث اخيرا بتجميد اموال المنظمات غير الحكومية دون مسوغ شرعي وقانوني ثالثا ،،،، والعمل على تعزيز دور الجامعات واستقلالها باعتبارها موئلا للعلماء والاكاديمين ،وبيتا صالحا لانتاج وتداول الثقافي والبحث العلمي والمعرفي في مظانه العلمية والبحثية رابعا،،،فضلا عن التأكيد على اهمية حقوق المواطنة واحترام الثقافات والهويات المتعددة في المجتمع وصيانة الحقوق المدنية لها كحرية التعبير والرأي والاعتقاد والتظاهر والسفر وقيم العدالة الاجتماعية خامسا والدعو الجادة والاجرائية الى استقلال( الاعلام )عن السلطة الحكومية وربطها وفق التشريعات ضمن هيكلة الدولة العامة سادسا ،،،، وتبني مقترحات دعم الجهد الثقافي مثلما هو معمول به في بعض الدول مثل قانون التفرغ الادبي ودعم المهرجانات والمؤتمرات الثقافية سابعا،،،، وكذلك تفعيل دور المثقفين للعمل في السفارات العراقية في الخارج ضمن الملحقيات الثقافية لغرض فتح افاق حيوية للمثقف في الاطلاع والتفاعل مع الثقافات الانسانية والحوار الحضاري معها مثلما هي فاعلة في نقل صورة باهية للثقافة العراقية في الخارج ثامنا ..وكذلك ينبغي وضع السياقات الصحيحة لعمل لبمجمع العلمي العراقي وتفعيل دوره وتهيئة الاجواء المناسبة لاختيار الاعلام الثقافية التاريخية والفاعلة ضمن عضوية هذا المجلس ليكون رافدا في تعزيز قيم الثقافة الوطنية الحقة والتي تعزز انتاج علاقات ثقافية لها معاييرها وقياساتها وفضاؤتها في تنمية الجهد الثقافي في كل المحافل تاسعا...
في ظل وجود مثل هذه المقدمات أو على الاقل شرعنتها كاساس للعمل الوطني القادم !! يمكن لنا ان نؤسس لملامح برنامج ثقافي يقوم على اساس الشراكة والفعل الجاد بعيدا عن اية مهيمنات ضاغطة ويعزز ثقة المثقف بجهده ومشروعه ومستقبله ،،ويمكن لنا ان نرسم خطوات تقودنا الى الطريق التنويري دونما نكوص ،ودونما قياسات ومزاجات وكارتلات تضغط باتجاه تكريس ثقافة اللون الواحد والاتجاه الواحد !! واجد ان هذا سيضع الكثيرين من اصحاب الكارزمات السياسية امام ضرورة الثقافي النوعي /المهني ،مع افتراض اساسي وجوهري هو ان الثقافي والسياسي معا يشتركان في صناعة وقائع الانطولوجيا الحياتية ،ولكن الحديث هنا ينصب حول ، من هو السياسي ؟؟ ومن هو الثقافي؟؟ ليس باتجاه الفرز الساذج الذي يردده البعض ولكن باتجاه صناعة سياقات عمل تضع حدودا وصلاحيات للعمل المهني سياسيا وثقافيا ...
ان ماطرح من افكار واوراق عمل يدعو للاطمئنان بجدية بعض المثقفين العراقيين في التعاطي مع المشروع الثقافي بمسؤولية ووعي وحرصهم على اهمية الحراك الثقافي ،، ، ولكننا نكرر مرة اخرى القول ،، ماهي اسس هذا المشروع الثقافي الهام ؟ ومن هو المسؤول عن تقويم واختيار قيادات هذا المجلس وماهي صلاحياتهم وهل يخضع لنظام المحاصصات اسوة بالسياسي المتداول تحت يافطة عدم الثقة وسوء النوايا !!!فضلا عن ان ثقافة الشارع وهيجانه تحتاج الى عملية غسل روحي واخلاقي وبرامجي قبل الشروع في اي تأسيس ،،لان هذا التأسيس سيصطدم بواقع مرعب لايمكن للمثقف صاحب الحيلة المفقودة ان يواجهه ...
ان مشروع مجلس الثقافة الاعلى في العراق هو مشروع وطني وسعي نبيل لتأكيد اهمية برمجة الجهد الثقافي وتنظيمه ، ورسم الخطط الفاعلة لافاق التنمية الثقافية بدءا من ثقافة الطفل وصولا الى ثقافة التخصصات التي يتعاطاها العالم المتحضر كجزء من نهضته الثقافية والحضارية ووضع السياقات التي تكفل رعاية المواهب ودعمها وتنمية جهدها ، فضلا عن وضع السياقات الادارية والمادة لانتاج وتداول الجهد الثقافي بكل تلاوينه ، والمساهمة في فتح قنوات التفاعل الحر مع الثقافات الانسانية دون عقد او حساسيات ،مثلما يحمل هذا المجلس اعادة الثقة بعمق الثقافة العراقية المتعددة الاطياف ودعم مثقفينا في منافيهم ،اذ تشكل ظاهرة المنفى الثقافي العراقى اكبر ظاهرة طرد ثقافي في التاريخ!! كل هذه المسؤوليات هي الافق الذي يجب نسعى لرؤيته من النفق!!!!والتي ينبغي ان تجعل الجميع امام لحظتهم الوطنية التاريخية والتي ستذكرها الاجيال اللاحقة ،فارجو ان لانترك الابناء يضرسون لان الاباء اكلوا كل الحصرم..
لنثق بالجميع ولنتخلص قليلا من ثياب الامبراطور ومقعده الوثير ووصاياه الباردة ،ولنكن عند خط الشروع باتجاه الحياة......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير من الحرس الثوري الإيراني في حال هاجمت اسرائيل مراكزها


.. الاعتراف بفلسطين كدولة... ما المزايا، وهل سيرى النور؟




.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟


.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟




.. طهران تواصل حملتها الدعائية والتحريضية ضد عمّان..هل بات الأر