الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصحفية عواطف بلدي تحاور قامة من قامات الشعر التونسي

نائلة الشقراوي
إعلامية وباحثة في الحضارة والأدب العربي

(Naila Chakraoui)

2019 / 10 / 17
الادب والفن


"الشارع المغاربي" يحاور شاعرا في حجم أولاد أحمد

رحيّم الجماعي: * نجحت في الكتابة وفشلت في الحياة

* ثلاثون عاما وأنا اكتب السعادة والحزن يمحوها

* "خدمت بنّاي ودهّان وبحّار وصانع فطايري.. نجحت في الكتبة وفشلت في الحياة"

* رضا الجلالي وأولاد أحمد وعزّوز الجمني ومحجوب العياري من الخسارات التي تكبدتهم تونس.

* نزار الحميدي وأمامة الزائر وسلوى الرابحي ولطفي التياهي ومحمد العربي وعبد الفتاح بن حمودة وخديم الله شعراء كبار...

* سليم دولة من أسوأ الشعراء الذين عرفهم العالم

* اتحاد الكتاب اصبح ملكا خاصا لصلاح الدين الحمايدي ويعمل بالتوريث


حاورته: عواطف البلدي
ما فتئت قصائده ونصوصه الشعرية تنتشر وتمتد في الواقع العيني وفي الفضاء الافتراضي، وتجد لها عشّاقا ومحبّين كثر. تبهرك عبارته وتشدّك صوره الشعرية وتستفزّك سخريته المكثّفة في "ومضة"..أشعاره وخزات ممتعة، متفرّدة متمرّدة تلوذ بالعمق الإنساني وتخترق كلّ سطح، تذهب نحو الهوامش والمسكوت عنه والمحرّم والمدنّس..قصائده عارية "موحشة". بل هي كلّ ذلك وأكثر فقد جمعت المختلف والمؤتلف وهي تعبير عن رحيّم الجماعي الشاعر والإنسان..ذلك العصامي "البحّار" و"الدهّان" و"صانع فطايري"...والشاعر أوّلا وآخرا الذي التقاه "الشارع المغاربي" فكان معه الحوار التالي.

رحيّم لو تحدّثنا عن البدايات وعن لقائك الأول بالشعر؟
أذكر ما يقارب أو أكثر من 30 سنة تعثّرت بصدفة غريبة وقد التقيت بشاعر لا يتقن رسم الهمزة جاءني مصحوبا بكمية هائلة من الأوراق وناولني إياها على أساس انه شاعر وكانت تلك الأوراق مقصوصة من الصحف التونسية ومصحوبة بصوره في أوضاع عديدة تقول انه شاعر لا يضاهى قلت : باستطاعتي ان اكتب اجمل من هذا بكثير وانطلقت في الكتابة... قبلها كنت اكتب خواطر أي ما يسمى بعفو الخاطر واحتفظ بها لنفسي لكن تلك الحادثة كانت بداية الكتابة ومنطلقا الى ما وصلت اليه الان هذه المسيرة المتواضعة ... اقول شكرا لذلك الشاعر السيء والرديء جدا الذي دلني على الطريق الصحيح ... هذا الشاعر مازال حيا وامتهن مهنة اخرى وهجر الكتابة وهو طبعا يكن لي حقدا لا مثيل له لأنه لم يكن يتصور ان هذا القادم من ريف مهجور يدعى "الفالتة" النازح الى عاصمة مفترسة سيفوقه حجما وحرفا.. كان يرى ان لا احد ينازعه النجومية وكانت المعاملات في الصحف انذاك بالولاءات والصداقات وكان اسمه ينشر بالخط العريض...
لماذا الومضة بالذات؟
تحدث علماء النفس ونقاد كبار عن شعراء الومضة بقولهم إن هذا النوع لا يكتبه الا القلقون... انا كما يقول المتنبي "انا على قلق.." لم استرح منذ 50 عاما ولا استطيع الجلوس في مكان واحد اكثر من 15 دقيقة الا للضرورة... لا استطيع ان اتجول في مكان واحد.. حالة القلق هذه انعكست على الكتابة... انا اكتب هكذا وامضي بسرعة قياسية رغم أني كتبت قصيدتين مطولتين بحجم كتابين واحدة بعنوان "من دمي عبرت فاطمة" والثانية بعنوان "مولاوية" انتهيت من كتابتها منذ شهر تقريبا وهما تقريبا رسالة موجهة الى الله. ولم أفهم كيف كتبتهما لأنني عادة على قلق دائم .. كتبت المقالات الطويلة كي أعيش... الان لم اعد اكتب مقالات لأنني مللت العيش أصلا..
ألا ترى ان الومضة واشكال الكتابة الشعرية الجديدة ، تهدد الشعر بالاستسهال؟
الشعر موجود حتى في القرآن... هناك آيات شعرية جدا وفي قصائد المتنبي هناك ابيات أشعر من 1000 قصيدة نثر موجودة الان في العالم العربي... من يذكر اليوم الميداني بن صالح او نور الدين صمود؟... نحن نذكر أولاد أحمد وعزوز الجمني ومحجوب العياري ورضا الجلالي... نذكر فقط الكتاب الكبار... نور الدين صمود كان يحكم في الوزير اصلا ويعطيه اوامر.. لا يبقى في نهاية الامر الا الاصل القصيدة الصافية والمصفّاة ومن كتبها كائن منحرف عن الطرقات العادية وعن السبل وليس منحرفا بالمعنى الاخلاقي.
برأيك ماذا يجعل القارئ ينجذب الى الومضة؟
لأن عامل الوقت يلاحق الجميع والقارئ اليوم يميل الى نص قصير يشفي رغبته ثم يمضي الى فعل اخر تماما مثل الكاتب...
المتنبي كان يكتب القصائد الطويلة رغم قلقه... لسائل أن يسأل ما حاجتنا اليوم للومضة ونحن شعوب تحب الثرثرة؟
تغيّر الزمن لأن عامل الوقت يكاد يكون معدوما... الكائنات الانسانية في زمن المتنبي وغيرهم لم تكن لديها ساعات يدوية تنظر فيها الى التوقيت... كانت هناك شمس تسمى النهار وظلام يسمى الليل الان تغير الوقت والنفسيات بعامل الوقت... الكائن اصبح سريعا جدا يلهث خلف الحياة الهاربة منه ويقيسها بالوقت لهذا لا يجد احيانا الوقت الكافي ليكتب قصيدا مطولا من هذا العامل النفسي تحديدا انبجست قصيدة الومضة.. يقولون انني احد كتاب الومضة العرب انا اوافق على ذلك. نعم انا احد كتابها واذا سمحت بذكر البعض منهم نجد الشاعر التونسي الكبير لطفي التياهي والشاعر الليبي محمد العبد الله والعراقية تغريد ناجي... في تونس قلة قليلة جدا تكتب الومضة.
وماذا عن كتابات فاطمة بن محمود وفاطمة كرومة وغيرهما؟
نعم بالتأكيد فاطمة بن محمود تكتب الومضة جيّدا ولكن الشاعرة فاطمة كرومة لم تتقن بعد مقاييس قصيدة الومضة... راضية الشهايبي تكتب ومضة في السنة وهذا لا يعني ادراجها ضمن كتاب قصيدة الومضة.. لطفي التياهي حديث العهد بالكتابة لكنه دخل بيت الومضة مسلحا بكل اسلحتها.

قلت سابقا "ثلاثون سنة أنت تكتب السعادة والحزن يمحوها، هل الحزن ضرورة في الكتابة الشعرية الحديثة؟
وحده الحزن يصنع نصا جميلا... السعادة لا تحبني..
وما هي أحزان رحيّم الإنسان؟
جرحي الأول كان مغادرتي مقاعد الدراسة بشهادة ابتدائية هزيلة ورخيصة اسمها السادسة ابتدائي وبالتالي مغادرة ريفنا "الفالتة" رغم قسوته واصطدامي بمدينة مفترسة اسمها "العاصمة"... ومن أحزاني أيضا أنني كنت سيء الاختيار.. أسأت اختيار اصدقائي ومهنتي علما انني اشتغلت في قطاعات عديدة.. "خدمت بنّاي ودهّان وبحّار وصانع فطايري..".. كان من الضروري امتهان شيء ما لمواصلة الحياة ولكنني اخترت الكتابة وكانت عملية تحدّ .. نجحت في الكتابة وفشلت في الحياة.. يقال اني من الكتاب المهمين في تونس وبعضهم يقول اني من الكتاب المهمين العرب .. يسعدني ان يعيش احد الكتاب المهمّين في تونس او في العالم العربي حياة مثل حياتي...
هناك العديد من قراء الشعر ومحبّيه يرون أن في وطننا اليوم والآن شاعر كبير اسمه رحيّم الجماعي ولكنّه خارج دائرة الضوء... كيف ترد؟
طيلة 30 عاما من الكتابة لم اسع خلف وزير ولا معتمد ولا وال ولا رئيس... كنت اسعى فقط خلف الكتابة... اردت فقط ان اكون كاتبا لم أكن تابعا لأحد وكنت دائما حرّا ورغم ذلك آذونني.
لو توضح؟
أُرسلت تقارير في شخصي الى القصر الرئاسي من نقّاد وكتّاب ومن رئيس اتحاد الكتاب التونسيين الراحل الميداني بن صالح ومن زملاء صحفيين كنا نكتب سويّة في الصحافة ومن شعراء مازالوا احياء والان يوسّمون واذكر ان احدهم وُسّم 4 مرات في عهد بن علي ووسّم بعده.. كان يكتب التقارير بالشعراء ..
ما الذي تغيّر بعد اضراب الجوع الذي نفّذته؟
زارني الوزير ثمّ عاد الى مكتبه سالما معافى ثم زارني مرة ثانية بعد أكثر من 3 سنوات وأمر لي بما يسمّى منحة التفرّغ الثقافي وهي منحة لا يمكن ان تعوّض على الاقل خسارة عائلتي .. كم أرسل لابنتي وأمها من مبلغ كهذا؟ تحصّلت على 33 جائزة أولى في تونس وجائزة مغاربية سنة 1995 .. لم ادّخر عرق القلب عن بلدي..
اتصلنا ببعض أصدقائك وببعض الشعراء للسؤال عن تجربتك فوصفك البعض منهم بأنك حالة مستعصية يختفي أمامها الكلام فيصعب الحديث عنك؟ ما تعليقك؟
ربما يعود ذلك إلى طفولتي الحزينة جدا .. لما بلغت مرحلة الشباب بزغت فيّ بذرة التمرد على واقع لم تعد لي رغبة في عيشه فتمرّدت على والدي رحمه الله الذي كان الاقسى على هذا الكوكب لم يدللني.. دللت نفسي.. كانت البداية من هنا واستمرت معي تلك الشخصية ولكن عندما تعرفت على الشاعر رضا الجلالي اكتملت تلك الشخصية ووجدت ذلك الرديف.. كان متمردا على كل شيء وعشنا سنوات في اسطح العاصمة وازقّتها الخلفية وقضينا سنوات من السكر والعربدة والكتابة.
لو تحدّثنا قليلا عن الراحل رضا الجلالي الشاعر والصديق؟ وهل صحيح كما يقال انه يتساوى مع الشاعر الراحل اولاد احمد او حتى يفوقه شعرا؟
انسانيا رضا الجلالي افضل من المرحوم اولاد احمد لأنه كان متمرّدا اكثر منه.. رضا الجلالي يكتب التفاصيل التي لا ننتبه اليها وأولاد احمد كان شاعرا كبيرا ايضا ولكنه كان ربما من المشاكسين للنظام... حاول ان يحرم النظام من النوم في فترة ما وكشخص عاش حياة البذاءة تماما مثل الجلالي وكأن الكلمة الطيبة لديهما من المحرمات... اقول دائما ان اولاد احمد كاتب مكتمل وما ينقصه فقط هو انه لم يكتب الرواية .. رضا الجلالي واولاد احمد وعزوز الجمني ومحجوب العياري من الخسارات التي تكبدتهم تونس.
يوسف خديم الله ايضا كان من بين هذه المجموعة ؟
يبدو ان مشكلة يوسف خديم الله نفسية .. لأنه يعتقد انه شاعر عربي كبير لا يضاهى وان هذه البلاد بكتّابها لم تحترمه .. انا احبه وهو شاعر كبير.. اولاد احمد لم يكن يحب يوسف خديم الله ويوسف لم يكن يحبّه.. والمزغني ايضا لانه لم يستضفه في بيت الشعر... ولا نتحدّث عن أولاد احمد الذي لم يستضف احدا ببيت الشعر ما عدا محمد الغزي والمنصف الوهايبي وأحمد حاذق العرف أو بعض الشعراء العرب انا صديقه ومع ذلك لم يستضفني ولا مرة ولكنني لم اشكك يوما في قيمته وقامته الشعرية والادبية.
انتم الشعراء لكم علاقات ملتبسة مع النقاد... كيف ترى انت هذه العلاقة اليوم؟
دائما اقول ان المدرسة النقدية متخلفة عن المدرسة الادبية ولولا الشعر لما كتب الناقد نقده.. ومن بين العقد التي يعانون منها أنهم لا يستطيعون كتابة الشعر..
كيف يرى رحيّم المثقف المشهد الشعري التونسي؟ وأي نصوص التي تعجبك ؟
ازدهر سوق الشعر بالمعنى المعنوي ... لدينا شعراء يتقدمون نحو الشهرة العربية على غرار محمد العربي شاعر كبير وهو لا يعرف ذلك وعبد الفتاح بن حمودة ايضا ولكن عليه ان ينزل الى الارض يتحدث عن كائنات تعيش بعيدا... اولا من قال لك ان هناك كائنات بعيدة او ان هناك سموات بعيدة اصلا؟.. اقول له كن على الارض وسترى عجبا ولا ننسى نزار الحميدي ايضا شاعرا مهما وكذلك أمامة الزائر شاعرة مهمة لو تخلت عن تسمية الاشياء بمسمياتها كأن تتحدث في نصها عن 5 شخصيات وتسميهم بالاسماء في حين ان تلك الاسماء ليست شعرية على غرار توظيف اسم رضا الشمك في نص من نصوصها .. هو فنان كبير ولكن اسمه خال من الشعرية .. نجد كذلك سلوى الرابحي شاعرة كبيرة لو تخلت عن استدعاء الاساطير في نصوصها.. وجمال الجلاصي ايضا كاتب وشاعر جيّد ويعرف من أين تؤكل الكتف.
وماذا عن شعر سليم دولة؟
سليم من أسوأ الشعراء الذين عرفهم العالم بل هو الفشل في حد ذاته ولكنّه كاتب خطير ومهم جدّا. يمكن ان تنشب بيني وبينه عداوة بسبب كلامي هذا ولكنني لم ولن اجامل احدا في حياتي. لا احد فوق النقد بما في ذلك القرآن.. وهناك نقاد تحدثوا عن القرآن كنص ادبي وقالوا انه في سورة الكافرون ثرثرة "ولا أنا عابد ما عبدتم ولا انتم عابدون ما اعبد" حتى القرآن لم يسلم كنص ادبي جميل ..."والسماء بناها " من اجمل ما قيل في القرآن.
وأوضاع المؤسسات الثقافية المعنية بالكتاب كاتحاد الكتاب؟
اتحاد الكتاب اصبح ملكا خاصا لصلاح الدين الحمايدي ويعمل بالتوريث سنجد بعد الحمايدي المولدي فروج .. اصبح مؤتمر الاتحاد لا يعقد الا بالمهدية بلد الحمايدي اين تحاك المكائد والدسائس وانا لم افهم بعد لمَ يوجد اعداء باتحاد الكتاب ويتحدون ضد ماذا ومن؟ كنت عضوا بالاتحاد في مناسبتين ولم يعد من حقي العودة اليه اول مرة في عهد الميداني بن صالح وفي المرة الثانية انفصلت في عهد الرئيس الحالي الحمايدي .. لولا الكتاب لما كان هناك اتحاد كتاب ..
وبيت الشعر؟
كان نجمة مضيئة وانطفأت بمغادرة المنصف المزغني لأنه جمع كل شعراء تونس في بيت الشعر ودفع حقوقهم المادية كما عامل الشعراء بالتساوي ولم يفرّق بينهم من الشمال الى الجنوب وحتى الشعراء العرب... بن علي عاقب اولاد احمد على زلة معينة فعوّضه بالمزغني ووظفه لصالحه ولا نتحدث عن شعره لأن بداياته كانت كبيرة خاصة كتبه الثلاث الاولى.. يعنيني طبعا المزغني الشاعر ولكنه ايضا اداري جيّد.. بعد ادارة المزغني بيت الشعر حاول الشاعر محمد الخالدي بأقصى جهده ان يكون اداريا ولكنه شاعر كبير... منصف عقلية اخرى اشتغل معلما وخاض الحياة ... عرف شعراء وسياسيين واداريين ولكنه لم يكن يوما مناشدا واسمه غير موجود بقائمة المناشدين.
ومدينة الثقافة؟ لماذا لا نجد مكانا لك بها؟
لا مكان لي حتى في منزلي ... الكراسي تعطى للاصدقاء... من انا ليعطوني كرسيا؟... انا لست تابعا للقطيع ولا ولاء لي لأحد لذلك لا يدعوني احد.. لدي بعض الاصدقاء من الشعراء اتصل بهم واطمئن عليهم فقط. .. ما ضرّ لو مكّنوني من ناد ثقافي بالمدينة ؟
هل نسيتك وزارة الثقافة في توسيم او تشريف يليق بك؟
وزارة الثقافة اقترحت تكريمي ولكنه ظل معلقا.. قيل لي انه سينتظم بمدينة الثقافة اعترافا بتجربتي... كرّمت مؤخرا في الدورة الخامسة لملتقى الومضة بسوسة الذي تشرف عليه الشاعرة راضية الشهايبي كما تحصلت على جائزة مفدي زكرياء بالجزائر الذي كان يشرف عليه الكاتب الطاهر وطّار وساءته جدّا آنذاك حالتي الاجتماعية واتصل أمامي من مكتبه بالميداني بن صالح رئيس اتحاد الكتاب انذاك كي يلومه فأجابه بأنني "ضد النظام" نظرا لأنني كنت من بين مؤسسي رابطة الكتاب الاحرار... أذكر انني كتبت رسالة مطولة الى بن علي بدأتها بعبارة "سيادة الرئيس انا لا احبّك".. سلمتها الى مكتب الضبط بالقصر وشرحت فيها ظروفي المادية والاجتماعية وعندما طال انتظاري نشرتها كما هي دون زيادة او نقصان بصحيفة "القدس العربي". ولما بلغ الامر الى القصر الرئاسي اتصلوا بالميداني بن صالح للتحقيق في الامر فكذّب ما كتبت انذاك بقوله إنني ميسور الحال وان والدي يملك أراضي كثيرة بجهة الكاف والحال ان أبي عاش مستورا ومات فقيرا معدما بعد ان ترك ريفه وانتقل الى احد احياء العاصمة الشعبية واشتغل حارسا بشركة... فبكيت يومها مثلما تبكي الارملة ... وتم ايقافي بعد ذلك وتعرضت للتعذيب خلال التحقيق كما تم حجز كتابي "بانوراما على شوارع الروح" وفي الاثناء اصبحت غير قادر على اعالة زوجتي وابنتي فكان الانفصال... الظروف التي كرّسها النظام والميداني بن صالح وغيره ممّن رفضوا رحيّم الجماعي بينهم ككاتب كانت وراء طلاقي وابتعادي عن ابنتي.
ما حكاية الاوشام التي تغطّي يدك؟
تمرّدت على كل شيء بما في ذلك جسدي فمثلا ترمز تلك المرساة على يدي الى عملي كبحّار وذاك اسم "سعاد" عشقتها في سن مبكّرة وحرف "K" هو اول حرف من اسم شابة عشقتها في سن 18 ولكنها توفيت في حادث مرور... انا ابن حي شعبي عشت ظروفا قاسية وصاحبت "الباندية" و"الصعاليك".
لو تلخص لنا حياتك في ومضة من ومضاتك؟
"ثلاثون عاما وأنا أكتب السعادة والحزن يمحوها"...

رحيّم الجماعي في عيون الشعراء والنقاد

الشاعر آدم فتحي

شكرًا عليك يا رحيّم
أيّ مأزق هذا الذي أنت فيه يا رحيّم؟
أنُحبّك ونقول إنّا نحبّك وأنت حيّ تُرزَق؟
بأيّ كلمات تعتذر غدًا؟
من أين تأتي بالحجج والأعذار؟
كيف تقنع «الغِربانَ» و«أصحاب المسالخ» و«محترفي الكراهية» بأنّك لم تمت بعدُ لتحظَى بهذا التكريم؟ كيف تُقنِع «القنّاصين» و«الضباع» و«أكَلةَ اللحم الآدميّ» بأنّ الذنب ليس ذنبك؟ وبأنّك لم تنجح في كتابة قصيدتك وفي استدراجنا إلى حبّها وحبّك عن تدَبُّرٍ وإضمار، وبأنّك لم تطلب حُبًّا من أحد، لكنّ هذا الحبّ جاءك يسعى لوحدِه، منتعلاً قلوبًا تنبض بصدقك، وتفكّر بموسيقاك، وترى بكلماتك؟
أعرف يا صديقي أنّك في موقعٍ لا تُحسَدُ عليه.
لكنّه الموقع الذي نراك جديرًا به. لأنّك لم تمثّل على أحد ولم تدَّع تمثيل أحد، فإذا أنت تمثّلنا جميعًا، نحن البقيّة الباقية من هواة الشعر الذين يسعدهم أن يتقاسموا مع زملائهم هذا الحيّز القصير من الديمومة العابرة، ويسعدهم أن يكون لشاعر مثلك مكانه في هذا الحيّز، ويسعدهم أكثر أن يقولوا لك ذلك وأنت ترى وتسمع.
فشكرًا عليك يا رحيّم.
عبارةٌ خصصتُ بها قِلّةً بعدد أصابع اليد الواحدة.
وها أنت منهم على وجوه الملأ يا صديقي.
شكرًا عليك لأنّك كما أنت.

الناقد سمير السحيمي

على الناقد أن ينظر في خطاب الشاعر من الزوايا البانية له ولا يسلط عليه مقولات جاهزة تحاصره أو تخنقه، والناظر في دواوين الشاعر رحيم الجماعي وقصائده يجدها محكومة بسلطان وعي المعاناة يتبدى في نصوصه الطويلة والقصيرة في آن معا، هو قول محكوم بمفاجأة القارئ/السامع، فهو شاعر يترك الأثر في المتلقي بسلطان الفكرة المحفوفة بالشعرية. شعره يخاطب الوجدان والعقل في ذات اللحظة، قصائده القصيرة ندف نار لاذعة تمتح من اليومي حتى أنه يكرس فيها "ديمقراطية الشعر"، كتابته انخراط في الحياة وقصيدته جزء من ذاته، فهو صوت شعري يسعى ما وسعه الجهد أن يكون مختلفا وأن ينوع طرائق توقيع ذاته.
والناظر في الزوايا النقدية التي يمكن أن تؤطر الخطاب الشعري المكتوب بقلم الشاعر رحيم الجماعي في دواوينه وقصائده المنشورة يتبين أنها مستندة إلى أركان خمسة هي استعارة الوجع، وإدهاش المفارقة، وشعرية الواقع، ووعي الخيبة، وفتنة السؤال. وهي أركان تتوفر على رؤية شعرية يمكن أن تتمثلها رؤية نقدية تبني خطابا نقديا على خطاب شعري حقيق بالقراءة.

الجامعي رضا الجندوبي

أنا لست ناقدا أدبيا ، لذلك لا أزعم دراية أكاديمية لكنني متابع وفيّ لتجربة رحيم الشعرية ، وأعتقد أن رحيّم لا يكتب نفسه بقدر ما يكتبنا على نحو جمالي... أهم ما يميزه انك كلما دخلت عالم رحيم يصعب الخروج منه ، تجد نفسك دون برمجة مسبقة أو قصد تغادر واقعا مملا : شعر رحيم معادي الملل و الإسفاف يحوّل الهوامش و التفاصيل إلى قضايا إشكالية وهو ما جعله يختطّ لنفسه مسلما و طريقا متفرّدة حتى و ان تشبّه به الكثيرون
-اتساءل احيانا من يكتب الاخر ؟ الشاعر ام الكلمات ام أن الأمر يتعلق باللقاء عجيب بينهما؟
- الشعر مع رحيم تجاوز الحرفة و الصناعة ليتحول إلى تجربة جمالية وجودية تشكل ترجمتها لنعيش الشاعر ، إنه نداء كينونة احتوت التناقضات الواقع و ضجيج المدينة و الفقر الروحي للمقيمين فيها ، شعره تعبير عن العزلة و الاجتماع الوحدة و التواصل الحزن و الفرح الحب و الاحباط و التفاعل و الثورة انه عالم مركّب يفضح بطريقة ما دوامة اليومي وغربة الشاعر
- تمثل قصيدة الومضة احد أهم ابداعاته فهي كتابة برقية لكنها مكثّفى في رسائلها و غنية بصورها الشعرية

بعض من قصائد وومضات الجماعي

إلهي تعبتُ كثيرا
مِنَ السّير وحديَ نحو العدمْ
فَهَبْنِي بلادًا كهذي...
بلا ساسة هُمَّجٍ
تُفَّهٍ رُكَّعٍ ساجدينْ
بلادا بلا نسوةٍ بارداتٍ
بلا أملٍ كاذبٍ
بلا شرطة فاسدينْ
بلا حاكمٍ يسجُنُ الشّمسَ
والطّيرَ والنّهرَ والحُلْمَ والأغنيهْ
بلا صُحْبَةٍ حاقدينْ
أَمولايَ هَبْنِي طريقًا
بلا عطشٍ يجرح الرّوح والأمنيهْ
بلا مطرٍ من سرابْ
بلا إخوةٍ جاحدينْ
إلهي وأنت حبيبي
تَدَبَّرْ لقلبي بلادٌا
كهذي الّتي شرّدتْ طَيْرَها لكن...
بلا عاهرينَ وتُجّار دينْ
**********
وَلْيَكُنْ أنّنا مُتعَبانْ
أنتِ في جهة مِن فساد الزّمنْ
وأنا وجبة رائعهْ
لذئاب المكانْ
وليكن مركبي لعبةً
بين أيدي الرّياحْ
وليكن طائري مُجْهَدًا
تحت كِيسِ الحنينْ
وليكن يومُنا قاتلًا
والّليالي نُواحْ
وَلْتَكُنْ سيّدي يا غراب الضّجرْ
ولتكن خاذلي يا جناحْ
وليكن ما تريد الطّبيعة مِن...
قادماتِ الحروبْ
وليكن مثلاً ما يكونْ
فَهُنا بيتُكِ
فوق ليلي القديمِ بلا غيمةٍ
طَلْقَةٌ...مِنْ...صباحْ.
***********

#من_دمي_عبرت_فاطمة

لم أخن صاحبًا
لم أردّ يدًا مدّها شارد
خَلْفَ نجمته الشّاردهْ
مثلما لم أقاتل أبًا
جاثما في مكامنهِ
لم أُرَبِّ عدوًّا لصيد الحمامِ
وأعراسه القادمهْ
لم أَدُلَّ الرّياح على...
أوّل الحبّ والشّهقتينْ
لم أحارب صلاةً
وأغنية حاسمهْ
لم أقل ما لقيصر لي
ما احتسيتُ نبيذ الحكايةِ
في زقزقات الصِّغارْ
لم أعشْها حياتي ولم...
أَرْتَوِ من لذائذها الخاتمهْ
لم أكن كلّ هذا العددْ
إنّما تهمتي أنّني...
في دمي ساخنٌ
تهمتي أنّها : فاطمهْ.

الشاعر محمد الهادي الوسلاتي
الشاعر رحيم جماعي كائن عاشب للشعر ولاحم للغة ..الشعر ماءه وخمره والحرف مزهرية العمر تغسل غبار الكوابيس.. القصيدة عنده تتسلل كعطر اقحوانة نبتت فوق مئذنة.. رحيم جماعي قصة قصيدة عنوانها اناشيد الكؤوس على عقم القدر يضمد جثته بالقطن والصوف. انه شاعر يتسع باتساع حمولة سفينة عبارة للقارات الشعرية.. رحيم شاعر فوق التصنيف. انه الجنرال الشعري بالفطرة.. انه المقاتل لاجل الحياة في قلب شمس موحشة.. انه اللوحة المفردة حتى لا تنام نهود القصائد. وهنا اذكر قولة للشاعر الصغير اولاد احمد..
(الشاعر الوحيد الذي ينافسني في صعلكتي ونثري وبذاءتي هو الشاعر رحيم جماعي ).
رحيم احتاج حبوبا مهدئة لاحفر في مسيرته الشعرية التي تشبه لسيارة اسعاف حبلى بشفيف القصائد بنار الصفح ..انه طفل يبحث عن وطن يأويه والدنيا تدور .

الشاعر جمال الجلاصي
الشاعر رحيّم الجماعي
حجر ذاك الذي لا يقرأ...
ميّت ذاك الذي لا يكتب...
هذا باختزال شديد رحيّم الجماعي... يعيش بالكتابة والقراءة، ويعيش لهما. كلّما ذكرت عنوان رواية أعجبتني إلّا وذكر بسرعة الرّعد أهمّ ما في روحها من وهج... كلّما ذكرت شاعراً إلّا وتلا عليّ بعضاً من شعره...
كلّما ذكرت بلداً جميلا، إلّا وصاح: تونس هي الأجمل والأقسى...
كلّ مديح وغزل وتقريظ سأقوله في رحيّم الجماعي، سيكون كلاماً مجروحاً، لأنّي تلقّيت منه أجمل رسالة حبّ تلقّيتها في حياتي.
"واضح وبسيط كعامل يومي من بلادي الجريحة بأبنائها (الآخرين)… مقنع جدا، إلى الحد الذي تتساءل معه : عجبا…أليس هذا أنا.؟!"
"أعرف حزنا...
كلّما خرج للصّيد
أخطأهم وأصابني."
"الأحمقون" يعيّرونه بأنّه سادسة ابتدائي، لن تجدوا في دواوينه الخمسة ومخطوطاته الشعرية الستّة ومشاريع رواياته وبورتريهاته العجيبة أيّ خطأ لغويّ أو تركيبي...
بيننا عهد قديم
أنا أتقدّم في الحزن
وبلادي ترعاه.
رحيم الجماعي ليس شاعراً، إنّه قبيلة من الحزن تنثر الفرح في قلوب كلّ من يقرأ شعره، لم أعرف في تاريخ الشعر التونسي شاعراً يعجن حزنه ليحوّله عصافير وجداول وورداً وحدائق مفتوحة لليتامى والأرامل والبائسين.

الشاعر الناصر الرديسي
رحيم جماعي ليتني لم اعرف هذا الرجل الذي صدَّر الى رأسي وقلبي وعقلي جنونه وغضبه على حظه التعيس وعلى انتهازية بعضهم ورمى عليا هذا العبء الثقيل الذي حتم عليا ان اقاسمه الهموم المسلطة عليه
رحيم جماعي شاعر عصامي عنيد وواثق رغم المحن من القلائل الذين انجبتهم تونس الشعر رغم أنه عصامي وشاعر لا يسير في الخطوط المسلطة شعرا وسياسة ولوبيات
رحيم جماعي اضاف لي ثورة اخرى في عقلي حتمت عليا ان اسير في ركاب ثورته الشعرية بما تحمله من غضب واوجاع وفكاهي كاريكاتيري احيانا اخرى
احب هذا الصديق المبدع والشقيق الذي لم تنجبه امي وانحاز اليه في كل الاوقات حتى عندما يخطئ./.

الشاعر لطفي التياهي
قد يعتقد البعض ان رحيم جماعي شاعر من فصيلة الإنس او ما جرت عليه عادة البشر انهم ينطقون لغة تميّزهم عن باقي الكائنات.. لا و ترليون لا
رحيم جماعي كوكب كامل بنجومه وأجرامه و جرائمة التي تسعى هو سماء كاملة بطمّ عصافيرها هو أب الفكرة من عباس ابن فرناس و محاولة الطيران الأولى الى الومضة النفّاثة ،هو كفّ صغيرة كوطن وارحب على الشعر من أوطان. هو من حدّث الأعمى فأكمل الدرب وحده و من عبرت من دمه فاطمة كل النساء هو كوكب دريّ في قميص هو فقط يجعلنا ننتّف شَعر قلوبنا ومضة بعد ومضة فيخرج القلب عاريا فصيحا هو المتفشّي شعرا كفضيحة هو الآهات التي تهدّ جبالا
فقط صاحبي رحيم جماعي عندما تقرأ له تدرك ان اللغة صناعة ومشغل
هذه الومضة التي أحب لا يستحقّها غيره:
طيلة كلّ أصدقائي...
واحد فقط..
كلّما أشعل سيجارة
ينفث دخانها
... قلبي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى


.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا




.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني