الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


د مباركة بلحسن : المرأة الحسّانية وثقافة الجسد : مقاربة أنثروبولوجية للجنسانية

محمد عبيدو

2019 / 10 / 25
مواضيع وابحاث سياسية



تعد التجربة الجزائرية في البحث الأنثروبولوجي فتية وحديثة العهد إذا ما قارناها بحقول المعرفة الإنسانية والاجتماعية الأخرى ,فما هي الأسباب التي وقفت عائقا في سبيل تطور التحقيق الميداني في الدراسات الأنثروبولجية بالجزائر، بالوقت كان هناك اشتغال متطور عليها في المجتمعات الغربية، ولماذا كان ينظر للأنثروبولوجيا عبر ارتباطها في المخيال المعرفي الرسمي الجزائري ما بعد الاستقلال بأنها علم استعماري .. حتى ان السلطات الجزائري ظلت لفترة بعد الاستقلال مبتعدة عن تدريسها ، وعدم الاعتراف بها والعمل على إقصائها من دائرة المعارف الاجتماعية والإنسانية . ليستمر هذا الوضع الى نهاية السبعينيات ، مع ما بدأ يعرفه المجتمع الجزائري من حراك سياسي وثقافي جديد، فشهدت هذه المرحلة عودة الأنثروبولوجيا إلى الواجهة كفرع معرفي بالجامعة الجزائرية مع باحثين جزائريين قاموا بالانتقال من وضعية الموضوع إلى وضعية الفاعل وقامت ابحاثهم العلمية الرفيعة بإثارة أسئلة من نوع : هل بإمكاننا أن نصبح فاعلين في حقل الأنثروبولوجيا بعدما كنا موضوعا غرائبيا لمدة من الزمن ؟ وماذا نفعل بالإرث المتراكم ؟ كيف نستغله ضمن مقاربة جديدة وهل يمكننا استخلاص الدروس والاستفادة منهجيا من التحقيقات جميعها التي جرت حتى الآن ؟ ومن هذه الدراسات المعمقة بالتحليل الأنثروبولوجي أتى كتاب الباحثة بعلم الاجتماع د . مباركة بلحسن " المرأة الحسّانية وثقافة الجسد : مقاربة أنثروبولوجية للجنسانية " الصادر حديثا عن دار الوطن اليوم بالجزائر ليساهم بانتاج مادة خصبة لإثراء الثقافة الجزائرية ، عبر دراستها الأنثروبولوجية للعلاقة بين النوع الاجتماعي والجنسانية . ليشكل مقاربة أنثروبولوجية اولى بالمكتبة العربية لهذا الموضوع .
إنّ المجتمع الحسّاني من بين المجتمعات العربية القليلة التي حافظت على مقوماتها الهوياتية التقليدية، رغم ظاهرة التحديث الذي عرفته في النصف الثاني من القرن العشرين خاصة، حيث أن هذا المجتمع، رغم تشابهه بمجتمعات عربية إسلامية أخرى، يتميز عنها في ملامح سوسيو-ثقافية أساسية كتلك المتعلقة بالأسرة وسوق الزواج ومكانة المرأة وحريتها، وهو ما سنسعى إلى التركيز عليه من خلال هذه المقاربة الأنثروبولوجية التي تعتمد أساسا على تثمين الكتابات الأنثروبولوجية التاريخية والاجتماعية والثقافية، من جهة، وعلى البحث الميداني المتواصل عبر ما يزيد عن خمسة عشر سنة إنطلاقا من المجموعات الحسّانية القاطنة بالجنوب الغربي الجزائري إلى المجموعات الأخرى في موريتانيا، من جهة أخرى.
وبالرغم من الاهتمام المعتبر من طرف علماء الأنثروبولوجية، الغربيين خاصة، بهذه المجتمعات التي تسمى بمجتمعات "البيضان"، فإن هذا الحقل لا يزال بحاجة إلى دراسات إضافية معمقة ومتعددة لجوانب مختلفة منها، خاصة تلك التي تقتضي التحليل الأنثروبولوجي. والدكتورة مباركة بلحسن في مقدمتها للكتاب و التي عنونتها ب " الذات و النظرة عن بعد " تقول مباركة بلحسن "علينا أن نعرّف هذا المجتمع المحلي، أي المجتمع الحساني، الذي يشاع على انه مجتمع يمنح مكانة معتبرة للمرأة مقارنة بمجتمعات الشمال. إنّ ما يميز هذا المجتمع، من وجهة نظر خارجية للملاحظ، هي قبل كل شيء الخصوصية الثقافية التي تتجلى في الملبس واللغة والطقوس والعادات والتقاليد والنظام الاجتماعي بشكل عام في مجموعات متواجدة في الجنوب الغربي الجزائري والصحراء الغربية وموريتانيا وجنوب المغرب الأقصى". وتضيف "لعلنا أمام فضاء إجتماعي ورمزي لمكانة معتبرة للمرأة، مع الموازاة مع سلطة ذكورية حقيقية، نعتقد أنه بإمكاننا تحديد ملامحه وتمييزها ومعرفتها من خلال مقاربة سوسيو-أنثروبولوجية تتعلق ببعد جوهري للحياة اليومية، وهو السلوك الجنساني الذي لا يمكن ملاحظته بالمعنى الدقيق للكلمة لأنه يمس ممارسة متعلقة بالحميمية. فخيارنا هو مقاربة هذا السلوك في تجلياته الفردية والجماعية من خلال مفهوم الطقوس الانتقالية الأساسية، هذه الطقوس التي تعتبر معرفتها مرحلة ضرورية لفهم الممارسات الاجتماعية المختلفة والتي تعتبر الممارسة الجنسانية من أهمها.إن هذه الطقوس الانتقالية تساهم في إنتاج معرفة حقيقية لظاهرة الجنسانية عبر مراحلها الأساسية، خاصة تلك المتعلقة بالخروج من حال أو مكانة إجتماعية والدخول إلى أخرى، مع انتقال الفرد من مرتبة إجتماعية إلى أخرى".
ويعتبر النوع الاجتماعي / الجندر من المفاهيم السوسيو-أنثروبولوجية الراهنة التوظيف في العلوم الإنسانية، بينما تعتبر الجنسانية من المفاهيم المعقدة لأنها متشابكة الجوانب - اجتماعية، نفسية، ثقافية - بارتباطها في المخيال الاجتماعي بالطابوهات المسكوت عنها.
إنه لمن الصعوبة بمكان الحكم على العلاقة الحقيقية التي تربط بين الذكورة والأنوثة في مجتمع ما بدون الوقوف على أدق تفاصيل هذه العلاقة، لأن النوع الاجتماعي أو الجندر مسار لا يتوقف، ولأن الفرد دائما في حالة تفاوض مع الآخر.
إن الهدف من هذا البحث هو محاولة إنتاج معرفة عن الجنسانية إنطلاقا من المرأة، خلافا لتلك المقاربات السابقة التي تنطلق من منظور ذكوري، والدافع ليس إنحيازا إيديولوجيا بل من أجل النظر من جهة وزاوية مخالفة أساسا، وذلك إسهاما في إلقاء الضوء على ظاهرة مركبة تقتضي تجنب إسقاطات النظرة المبتورة.
في الفصل الاول تتناول الباحثة ملامح النظام الاجتماعب الحساني من ناحية اللسان الحساني واستراتيجية الانتشار, وبنية مجتمع البيضان " مسالة الاصل والتركيبة الاجتماعية ,والظي الحساني , والبيئة الحسانية والمرأة . وتتناول في الفصل الثاني صورة المرأة في المروية الحسانية عبرمقاربتها لصورة المراة في الشعر الحساني – ازوان والحضور النسوي – المصطلح الحسانيبين المعرفة والمخيال . ويتناول الفصل الثالث موضوع ترويض الجسد الانثوي عبر عناوين البروز والرقابة الاجتماعية ,والجنسبين الرغبة والتخويف ,والسوائل الجسدية . وتقارب بفصل الكتاب الرابع تقنيات الاغراء " الجمال والفتنة , وتعابير جسدية تناولت فيها الدلالة الثقافية للباس والمكياج و الحلي والوشم والرسم بالحناء كما تناولت الاغواء عند المراة الحسانية , وفي الفصل الخامس : الجنسانية و الرقابة الاجتماعية :القيود الاجتماعية ورهان المكان , والزفاف كطقسانتقالي , واصباح العروس بين التكتم والاشعار .وتصل في فصل الكتاب السادس الى موضوعة "جدلية الرغبة والالم " متناولة الجنسانية والمقدس والرغبة بين الفقدان والتغييب وداعية في الخاتمة نحو تجاوز النمطية.
وترى مباركة بلحسن إنّ ما يزيد من صعوبة الانثروبولوجي، عند دراسته للعلاقة بين النوع الاجتماعي والجنسانية، هو بروز مفهوم الهيمنة. فالهيمنة الذكورية واقع مؤكد في المجتمع البطريركي لأنه مجتمع رجالي محض يتميز بخضوع المرأة وتبعية دورها. لكن ماذا عن المجتمعات التي تمنح المرأة مكانة معتبرة، بالأخص المجتمع الحسّاني ؟ فمن المعروف والشائع عن هذا المجتمع أنّ للمرأة مكانة حقيقية. لكن هل لديها سلطة ؟ وإذا كانت لديها سلطة فهل هي سلطة واسعة وفعلية، أم أنها سلطة شكلية أو محدودة تجعل وزن المرأة في هذا المجتمع يرجع إلى الاعتبار الذي يحضى به كل فرد أو فئة من المجتمع -رجل، امرأة، طفل، طفلة، شيخ ؟
والتساؤل الذي انطلقت منه هو إمكانية تواجد سلطة نسائية كاملة أمام الهيمنة الذكورية في المجتمع المحلي الحسّاني الذي يمنح المرأة مكانة معتبرة. إنّ الافتراض الذي يطرحه هذا البحث هو عدم منح المجتمع الحسّاني سلطة كاملة للمرأة مقابل هيمنة ذكورية حقيقية، وأنّ ما يسمى بالمكانة المعتبرة للمرأة الحسّانية هو نوع من المعاملة المجتمعية الخاصة لها مقارنة بوضعها في مجتمعات بطريركية أخرى، معاملة تمنحها صلاحيات وتجعلها محل اهتمام وتقدير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح